مقالاتمقالات رأي

رسائل فلسطينية لمؤتمر القمّة العربية الاسلامية

لقد عاش شعبنا لعقود، ظلامات كثيرة، كادت تُطيح بحقوقه وتطويها في النسيان. وخلال مرحلة ما بعد أوسلو بعد أن اختارت القيادة الفلسطينية نهج التسوية توحش الاستيطان وتمّ إهدار مقومات الاستقلال الوطني تحت وقع الانقسام والعزل الحصار الطويل. واليوم يسعى الاحتلال لاستكمال النكبة في محاولة لاستغلال الانفجار الفلسطيني في السابع من أكتوبر في وجه التطرف الصهيوني ومحاولات التهويد والتصفية والتهميش وكردّ فعل على قسوة هذا العالم وإدارة الظهر لحقّه الأصيل في تقرير مصيره، ما يضعنا جميعا أمام واجب الإجابة عن التحدي المصيري الذي تعيشه قضيتنا والتوحد على مبادئ جامعة، لنكون صفاً في مواجهة تحالف واسع النطاق ذو أبعاد إقليمية ودولية لا ينوي خيراً لشعوبنا. 

والآن، يواجه الشعب الفلسطيني واحدة من أعتى الهجمات الصهيونية في قطاع غزة وصلت حدّ الابادة والتطهير العرقي حيث تشير الاحصاءات غير الرسمية الى أنّ الذين استشهدوا منذ بداية الحرب تجاوز ٣٣٥ ألف فلسطيني. كان لظروف الحرب والآثار البيئية والصحية أسباباً مباشرة. وهذا الأمر مُرشح لأن يحدث في الضفة الغربية، سواء عن طريق جيش الاحتلال أو المستوطنين المُسلحين المستنفرين لفرض أشكال متعددة من العقاب الجماعي ضدّ قرى والمدن الفلسطينية.

تاريخياً، نحن الفلسطينيين نئن من تداعيات تبني الغرب للمسألة الشرقية، فكل نتائجها جاءت على رؤوسنا حتى اليوم عندما أفسحت الطريق للحركة الصهيونية للاستيلاء على أراضينا وساندتها في إقامة كيان استيطاني.    

وخلال هذه الحرب، برزت الجهود العربية ـ الإسلامية على قدر واسعٍ من المسؤولية في منع التطلعات الدولية لتصنيف المقاومة منظمات إرهابية، وأصرت على تقديمها للعالم كحركات تحرر وطني. فإقليمياً، قامت الدول العربية بدور رافعة قوية لقضيتنا في كل المحافل الدولية، وزادت قناعتها بالمصير المشترك والحاجة للأمن المتبادل ضد عدو مشترك. وكان التساند العربي ـ الإسلامي من حُسن العمل في منح التداول الدولي دفعة قوية بالعمل المتماسك للجنة السباعية والتي ستكون مرشحة في قادم الأيام كواحدة من الأطر الدولية المؤثرة. يجب أن نبني كل جهودنا على القيم والمصالح المشتركة، لإنهاء الحالة العدوانية في المشرق العربي. 

ودولياً، وعلى مدى العدوان، وعلى غير المرات السابقة، لم تقتصر موقف دول العالم على التعاطف معنا، في الأمم المتحدة، انعكس في الوقوف الواضح ضد الإبادة والجرائم ضد الإنسانية. 

ومع النظر بتقدير لمواقف دول العالم وشعوبها، نرى أن وضع القضية على مسار تنفيذ إقامة الدولة الفلسطينية وفقاً للشرعية الدولية هو استجابة لنضال شعبنا لأكثر من مائة عام واجياءً لحقوقه على ضوء المرجعية التاريخية والسياسية.

فكما هو معروف، بدأت ملامح الدولة الفلسطينية في 1922، وكما كثير من الدول، ضمن تداعيات الحرب العالمية الأولى. ما يعطيها الأسبقية في الوجود السياسي الواقعي على الخريطة العالمية، وحال التآمر البريطاني الصهيوني لحرمانها من الحق في السيادة. 

واليوم، يتكرر المشهد باعتراف أكثر من ١٥٠ دولة بالدولة الفلسطينية، استمدوا مرجعيتهم من القرارات الدولية، ومنها قرار التقسيم (181) الصادر عن الجمعية العامة، بالإضافة لقرارات مجلس الأمن التي نزعت المشروعية عن الاستيطان المتجاوز لحدود 1967.

وكالتزام سياسي تاريخي، بقيت الدولة الفلسطينية حقيقة قانونية، رغم عوارض السيادة (الاحتلال)، وأن الجهود الدولية الحالية هي لإحياء هذه الحقوق الثابتة والتاريخية والتي تمثّل الحدّ الأدني منها، وهي بمثابة ردّ تاريخي واستراتيجي على ما جرى بعد الحرب العالمية الثانية عندما تضافرت جهود قوى دولية لتمكين الحركة الصهيونية من كيان سياسي بعد الحرب العالمية الثانية دفع ثمنه الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة.

واتساقاً مع مقررات “التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين” وتوجهاته المستقبلية. وهي غير مسبوقة في الموقف تجاه القضية الفلسطينية، إذ تنتقل مباشرة للمراحل التنظيمية لوجود الدولة الفلسطينية، وليس التفاوض من أجل تقرير وجودها، وهي خطوة ضرورية لاستكمال مقومات الأمن الإقليمي والسلم الدولي .

هذه الجهود الدبلوماسية والسياسية لإقامة الدولة الفلسطينية يجب أن تتكامل مع مسار إنهاء الحرب وحماية المدنيين وفرض إدخال المساعدات الإغاثية والطبية و مُعالجة آثار العدوان في التعويض وإعادة الإعمار، بالتوازي كذلك مع بذل المساعي الضرورية  الفلسطينية لاستكمال مقومات استلام الدولة ذات السيادة  وفقاً لمقتضيات الأمن الإقليمي وبما ينسجم مع حقائق السلام العالمي. 

وإزاء هذه المساعي، من المؤكد أنها ستلقى استجابة صادقة والمخلصة من كافة القوى الفلسطينية واستعداد فلسطيني لتجاوز أي خلافات حول الحكومة والانتخابات  وما يسمّى اليوم التالي حيث تشير مختلف المواقف الفلسطينية أن مثل هذه الخلافات باتت جزءً من الماضي، والإقدام على المستقبل بقلب مفتوح وعقلٍ واعٍ بالوحدة الوطنية والتضامن للخلاص من إهانة الاحتلال والشعور بالقدرة على إقامة الدولة وإدارتها.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق