وجهات نظر

حل الدولتين من الاعتبارات المحلية إلى الدولية

يتناول التقرير الثالث التطورات المصاحبة لمسار تنفيذ حل الدولتين. في القسم الأول، حاول استكشاف الاتجاهات الفلسطينية نحو المبادرة السعودية ببدء اجتماعات “التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين”، حيث توصل إلى تأثير غياب الولايات المتحدة عن التحالف سلبياً على دوره المستقبلي. كما خلص إلى تأخر الفصائل في تحديد موقفها تجاه التحالف، سوى إعلان السلطة الوطنية ترحيبها بالتقدم الدولي والإقليمي نحو القضية الفلسطينية. أما القسم الثاني، فقد أشار لانشغال حكومة الاحتلال بترتيبات الحرب، وظهور اختلافات فيما بين التيارات الحكومية والمعارضة، فيما يُظهر التيار الديني واليسار موقفاً متجانساً في القلق من التغيرات الإقليمية والدولية. 

وفي القسم الثالث، تناول التغير في روافع التحالف الدولي، وأشار، بشكل خاص، لمساهمة اللجنة السباعية وديبلوماسية العمل الجماعي والتي وضحت في خطاب الجامعة العربية والأعمال التحضيرية لسلسة مؤتمرات حول تنفيذ حل الدولتين.

أولاً: موقف الأطراف الفلسطينية من التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين

جاء إعلان المملكة العربية السعودية عن التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين كضرورة ملّحة لتكوين مسار عالمي ضاغط على دولة الاحتلال التي تستمر في تنفيذ مخططها الرامي إلى تصفية القضية الفلسطينية من خلال عمليات إبادة جماعية تهدف إلى طرد الفلسطينيين وتشتيت وجودهم الجغرافي وإنهاء كيانهم السياسي. وفي هذا السياق، عقدت المملكة الجلسة الأولى للتحالف في الرياض بتاريخ 30 أكتوبر، بهدف البدء بتجييش الرأي العام العالمي ضد الممارسات الاسرائيلية تمهيداً لخطوات عملية تعيد تفعيل مسارٍ دولي شامل لمحادثات حل الدولتين. 

أهمية التحالف

تبرز أهمية هذا التحالف بالنسبة لـ السعودية، في أنه يقطع الشك باليقين حول جدية الإصرار السعودي على اشتراط قيام الدولة الفلسطينية للتطبيع مع دولة الاحتلال، من خلال خطوات عملية لحشد الأطراف الإقليمية والدولية ضمن تحالفٍ يترتب عليه جدولة زمنية لخطواتٍ عملية لممارسة الضغط ولزيادة دائرة الاعتراف العالمي بحق الفلسطينيين بدولة مستقلة، وذلك بعد أن كان الموقف السعودي وجديته بخصوص هذا الشرط للتطبيع مع “إسرائيل” محل شك للكثير من الأطراف الإقليمية والمحلية الفلسطينية.

تشكّل عدم مشاركة كلٍ من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في التحالف الدولي معضلة حقيقية تزيد من الشكوك حول جدوى مخرجاته، خاصةً وأنهما يشكلان طرفاً أساسياً للوساطة والضغط على دولة الاحتلال لضمان أي حلولٍ مستقبلية تفضي إلى حل الدولتين. مما يعطينا مؤشراً على أن الهدف المرجو من هذا التحالف بالنسبة لـ السعودية والدول القائمة عليه ليس اعلان الدولة الفلسطينية من طرفٍ واحد دون موافقة الطرف الأخر المتمثل بإسرائيل وحلفائها، وإنما توسيع نطاق الاعتراف والضغط العالميين على “إسرائيل” لمعاودة بدء محادثات السلام حول حل الدولتين، وبالأخص بعد إقرار الكنيست برفض أي دولة فلسطينية، ومؤخراً بحظر نشاط الأونروا في الأراضي الفلسطينية. 

وتعد هذه الخطوة مهمة جداً في ظل الظروف الراهنة المتمثلة بالرفض الإسرائيلي لأي محادثاتٍ حول الدولة الفلسطينية، واجراءاتها الممنهجة لتصفية القضية الفلسطينية جغرافياً وسياسياً، دون أي ضغطٍ عملي أمريكي، وهو ما يدفع “إسرائيل” إلى المضي قدماً في مخطط التصفية دون هوادة، مما يستدعي تكوين تحالف عالمي يتخطى العمق العربي الإسلامي الذي يفتقر إلى الضغط على دولة الاحتلال على عكس هذا التحالف؛ الذي وإن لم يشمل الطرف الأمريكي فهو يضم دولاً ذات عضوية دائمة في مجلس الأمن مثل روسيا والصين وغيرهما. وهو ما قد يعكس بُعداً أخراً لهذا التحالف يتمثل بمحاولةٍ عالمية دفعت بها السعودية لكسر الاحتكار الأمريكي للحل. 

علاوة على ذلك، لن يُشكل هذا التحالف ضغطاً سياسياً على دولة الاحتلال فحسب، بل إن نطاق المشاركة الواسع عالمياً يزيد من إمكانية تحميل مسؤولية العنف المتصاعد في الأراضي الفلسطينية لدولة الاحتلال التي ترتكب انتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي. ومن هنا تظهر مدى أهمية هذه الخطوة في حال أخذت بُعداً ضاغطاً لتنفيذ القانون الدولي وصيانة قراراته من قبل الطرف الإسرائيلي. 

موقف الأطراف الفلسطينية من التحالف: 

يعد موقف الأطراف الفلسطينية متماسكاً حول الانفتاح تجاه أي مقترحات حلولٍ تقود إلى تعزيز الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في قيام دولة مستقلة على أراضيه، ولكن يكمن الخلاف الفلسطيني ما بين مستوييه الرسمي والحزبي حول مدى جدوى هذه التحالفات، خاصةً وأن الإقليمية منها لم تجد نفعاً في جلب أي حقوق للفلسطينيين أو تشكيل الضغط المُنتظر على الطرف الإسرائيلي والأمريكي لاستئناف المحادثات حول حل الدولتين، وكان أخرها التحالف الإسلامي الذي تشكّل منذ أكثر من عام. 

لذا، ينقسم الفلسطينيون بمستواهما الرسمي والحزبي ما بين مؤيد داعم للخطوة ومتحفظ حول جدوى هذا التحالف في تعزيز حقوقهم المشروعة في تأسيس دولتهم، حيث تدعم السلطة الفلسطينية خطوة المملكة العربية السعودية في تحشيد الأطراف الإقليمية والدولية، وهذا ما أكدت عليه في بيانها الرسمي الصادر في أيلول الماضي إثر إعلان السعودية عن التحالف على هامش لقاءات الجمعية العمومية.

وتعد خطوة مواتية لرغبة السلطة الفلسطينية التي لطالما كُررت على لسان رئيسها محمود عباس حول ضرورة سحب احتكار الوساطة في الملف الفلسطيني من الطرف الأمريكي باعتباره طرفاً غير مؤتمن، وذلك لإعادة تفعيل المحادثات حول الدولة الفلسطينية التي علّقتها دولة الاحتلال مدعومة من الإدارات الأمريكية المتعاقبة بحجة عدم وجود طرف فلسطيني موحّد، مُتبِعةً إجراءات ميدانية ممنهجة تمثلت بتوسيع نطاق الاستيطان في الضفة الغربية للقضاء على أي ترابطٍ جغرافي يمكّن من تكوين دولة فلسطينية. 

وعلى الرغم من عدم المشاركة الفلسطينية في الاجتماع الأول للتحالف جرت مباحثات هاتفية بتاريخ 31 أكتوبر بين رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ناقشا خلالها أهمية متابعة تنفيذ مخرجات التحالف، بما في ذلك وقف إطلاق النار، وتقديم المساعدات الإنسانية، وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، وتولي دولة فلسطين مسؤولية القطاع، لتسهيل تنفيذ الدولة الفلسطينية كخطوة تمهيدية للجدولة الزمنية المحددة للتحالف. 

أما على المستوى الفصائلي، فعلى الرغم من عدم صدور بيانات من قبل الفصائل الفلسطينية توضح موقفها من التحالف الدولي – باستثناء حركة فتح – إلا أنه عادةً ما تبدِ كل من حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية تحفظات على جدوى التحالفات الإقليمية غير المُلزمة لـ “إسرائيل”، ولكنها لا ترفض أي مبادرات تقود لتحالف عالمي ضاغط على دولة الاحتلال، وبالأخص في حال ضمن حقوق الشعب الفلسطيني بتكوين دولة فلسطينية. 

وفي الختام، يتوقف الدعم الفلسطيني بكافة أطرافه الرسمية والحزبية لهذا التحالف على مدى فعالية جدولته الزمنية والخطوات العملية التي تهدف لتحشيد الأطراف الدولية لتوسيع نطاق الاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية، ويرجع سبب الدعم مع التحفظ على المبادرات الإقليمية السابقة والمماثلة التي لم تجد نفعاً في تشكيل ضغطٍ على دولة الاحتلال المعتمدة على الدعم الأمريكي غير المشروط، وهو ما شكّل سبباً رئيسياً في فشل كافة تلك المبادرات على إعادة تفعيل مسار محادثات السلام. لكنّ البعد الدولي الذي يتمتع به التحالف الحالي قد يشكّل فارقاً عن سابقه من المبادرات وهو ما قد يجذب دعم كافة الأطراف الفلسطينية بما فيها الحزبية في خطواته اللاحقة. 

ثانياً: كيان الاحتلال والتحالف الدولي لحل الدولتين

انطلاقاً من مواجهة تغول المشروع الصهيوني، ومحاولة اليمين في الكيان استغلال الظرف الحالي لاعادة ترتيب الاقليم بما يصب في مصلحة فرض الهيمنة والتوسع، وسعياً منها لانقاذ ما تبقى من القضية الفلسطينية، أو إعادة الاعتبار لذلك المسار السياسي الذي سعت الحكومات الصهيونية تجاوزة بعد أوسلو، يأتي التحالف الدولي لحل الدولتين ليتصادم مع ذلك المشروع الصهيوني الذي لا يتوقف عن محاولات فرض وقائع جديدة في غزة والضفة الغربية والاقليم، لهذا واجهت المكونات السياسية الاسرائيلية أول إجتماع للتحالف الدولي لحل الدولتين في الرياض بحذر شديد، إذ لم تُبد إسرائيل أي موقف رسمي حيال ذلك وإكتفى نتنياهو في حديثة أمام الكنيست في 28 أكتوبر 2024 بالقول أن الكيان يطمح الى تحقيق السلام مع الدول العربية ومواصلة اتفاقيات أبراهام، وهو ما أكده المحاضر في مركز الدبلوماسية العامة في إسرائيل، جولان برهوم، بأن لدى إسرائيل رغبة في التطبيع مع السعودية، مع تفهم إسرائيل لالتزام المملكة بالملف الفلسطيني، فالرؤية العامة والرسمية داخل الكيان تقوم على تحقيق التطبيع أو السلام مع كافة دول المنطقة دون يؤدي ذلك الى دولة فلسطينية.

الرؤى الاسرائيلية

إذا كان ذلك الموقف العام للمستوى السياسي الذي يمتلك القرار في إسرائيل، فإن ما يُطرح إعلامياً من رؤى حول علاقات اسرائيل بالاقليم يؤكد على أن السلوك الإسرائيلي خلال العام الأخير أفقد إسرائيل القدرة على امتلاك البعد الاستراتيجي في السياسة الخارجية تجاه الاقليم والعالم، لأن مشاركة نحو 90 مندوباً دولياً في التحالف الدولي لحل الدولتين يعزز من اعتماد إسرائيل على التحالف الأمريكي فقط، وعدم الاكثرات بمواقف الأطراف الأخرى سواء الأوروبية أو الاقليمية، وهذا ما تظهره الدراسات الاستراتيجية الاسرائيلية، حيث تشير دراسة صادرة عن معهد “رايخمان” المعني بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي الى تبدل كبير في الخطاب السياسي الاقليمي خلال العام الأخير، فقد توصلت الدراسة بعد تحليل نحو 548 وثيقة وتصريح الى تصاعد كبير في الخطاب السياسي العربي والإقليمي الداعي الى اقامة الدولة الفلسطينية، والمطالبة بالتدخل الدولي ووقف الحرب في الاراضي الفلسطينية.

حتى وإن كان نتنياهو وحكومته حريصيين على ذلك الخطاب الدبلوماسي مع الأطراف العربية ولاسيما العربية السعودية، فإن القلق يبدو مسيطراً على الاعلام الاسرائيلي، حيث تشير التحليلات الاعلامية والبحثية غير الرسمية الى وجود قفزة في الخطاب السياسي العربي خلال الربع الأخير من هذا العام، إذ بدأ الخطاب العربي يأخذ طابع الإدانه لاسرئيل، مع التركيز على إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وهذا ما تعتبره إسرائيل مهدداً لمشروعها وروايتها العالمية.

لهذا فإن ذلك التحالف العالمي تعتبره إسرائيل غير الرسمية بمثابة تحرك دبلوماسي هدفه عزلها دولياً، لأن العالم يتحدث بلغة جديدة تجاوزت الذهنية الاسرائيلية، وهذا من شأنه أن يساهم في عزلها دبلوماسيا، وهنا يتدخل الرأي الحريدي الذي يُبدي تخوفه من الطابع التطبيقي الذي يظهر على جدول أعمال التحالف الدولي، خاصةً وأن حديث التحالف الدولي عن الجدول الزمني للنحرك وإتخاذ الخطوات يأتي بمثابة تطور في الموقف الاقليمي الذي اعتاد سابقاً على الخطابات النظرية التي لا تقدم سوى موقفاً اقليمياً شكلياً.

من جانب أخر ركز اليسار الاسرائيلي على مضمون الخطاب السعودي، وإشتراط السعودية والاقليم قيام الدولة الفلسطينية مقابل استكمال مشروع التطبيع مع إسرائيل، كما قدمت صحيفة هآارتس تحليلاً لذلك التطور في الخطاب الاقليمي الذي انتقل من مرحلة الدعوة لقيام الدولة الفلسطينية الى مراحل أكثر تطوراً تنطلق من إدانة إسرائيل، وتحاول توظيف دبلوماسيتها لإقناع الأطراف الدولية المختلفة لدعم هذا التوجه والرغبة الاقليمية، وهذا ما يظهر جلياً في التحالف الدولي، وتمكنه من حشد تكتل دولي مهم لم تعتاد عليه الدبلوماسية الاسرائيلية من قبل.

بشكل عام لم تظهر التيارات الإسرائيلية على موقف واحد تجاه  الاجتماع الأول للتحالف الدولي لحل الدولتين في الرياض، ما يشير لاختلاف محتمل في مواقفها المستقبلية. وشكل التماسك الوحيد يكمن في اتفاق أراء التيار الديني مع اليسار على أن الدبلوماسية الاسرائيلية باتت مهددة، وأن ذلك التحول في الخطاب الاقليمي وربما الدولي يأتي نتاجاً لغياب الاستراتيجية الاسرائيلية التي باتت مرهونه بالتحالف مع الولايات المتحدة على حساب كافة القوى الأخرى بما فيها الاقليمية، وهذا ما مكن العربية السعودية دبلوماسياً من حشد كل هذه الأطراف ضمن التحالف الدولي لحل الدولتين.

ثالثاً: تهيئة المناخ الدولي لحل الدولتين

على مدى الأشهر الماضية، تتجه الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لتهيئة المناخ الدولي للانتقال السريع لحل الدولتين، عبر البناء على ما سبق من قرارات دولية ومبادرات المجموعات الإقليمية والقرارات الدولية. وفي ضوء هذه التحركات، يمكن رسم ملامح السياسة الجماعية تجاه المسألة الفلسطينية.

الفواعل الإقليمية ودعم الفلسطينيين

منذ ثلاث سنوات، تتقدم العلاقات بين تركيا، مصر والسعودية تدرجياً، وتتسع لمجالات الاقتصاد، التنسيق السياسي والدفاعي، بحيث تكونت أرضية ملائمة للتوافق حول تسوية الكثير من المشكلات الإقليمية. وخلال عام العدوان على غزة، طانت المساهمات واضحة في تفعيل أعمال مؤتمر القمة الجماعية والثنائية.

وبالإضافة لتوفير الإسناد السياسي للفلسطينيين، كان لكلٍ منها دور واضح في دعم الحقوق الفلسطينية. فمن جهة تركيا، فقد خفضت التجارة مع الاحتلال، وفتحت مجال الدعم الاقتصادي للفلسطينيين عندما قامت بتحويل خطوط التجارة، لتكون مباشرة مع تجار الضفة الغربية دون المرور بدولة الاحتلال. لم يكن هذا التغيير استجابة للانتقادات المعارضين العرب بقدر ما كان تفكيراً حقيقياً في توصيل حاجات سكان الضفة بأقل تكلفة ممكنة.

بدت تركيا أكثر وضوحاً في تحفيز المنتديات الدولية لوضع حل الدولتين على خريطة العمل الدولي وتطبيق الضغوط الجادة على الاحتلال (المؤتمر الصحفي لوزيري تركيا واليونان في 8 نوفمبر 2024)، ليكون ضمن عناصر الاستقرار في الشرق الأوسط، بما يتوافق مع رؤية حل الدولتين.

وفي سياق موازٍ، كانت مصر طرفاً رئيسياً في المفاوضات إلى جانب قطر، وخلال العام الماضي، اجتهدت في اقتراح المبادرات لوقف الحرب، ولم تتوقف عند هذا الحد، فقد صاغت مواقف مساندة للفلسطينيين، قامت على أولوية الوصول للدولة، وليس الدخول في دهاليز “اليوم التالي”، وذلك، استناداً لوضوح القرارات الدولية في تقرير الحق في إقامة الدولة على حدود 67. وبجانب هذه النقاط الأساسية، أبدت مصر استعداداً للتعامل المناظر في حال انتهاك الاحتلال لاتفاقية السلام، وبدأت في إطهار إمكانية تحريك الجيش للدفاع عن الأمن القومي.

انشغلت مصر بضمان بقاء الفلسطينيين على قيد الحياة، ولذلك، دعمت بقاء الدور المحوري لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” وضمان حرية عملها، وفي مباحثات الرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي) مع مدير وكالة المخابرات الأمريكية (وليام بيرينز) في 31 أكتوبر 2024، أكد على أهمية تطبيق حل الدولتين باعتباره أساس تحقيق السلام والأمن في المنطقة.  وذلك في سياق تعريف أن الأزمة الحالية ليست نتاج ما حدث في 7 أكتوبر، لكنه نتاج أعوام من الممارسات احتلال غير شرعي، صادر الحق الفلسطيني في التحرر وصولاً لإقامة الدولة المستقلة.

ومن جانب العربية السعودية، كانت سياساتها في صدارة التنسيق العربي ـ الإسلامي لتحقيق هدفين؛ كان الأول، إعادة بناء التشابك بين مصالح الدول وتطوير النطر للقضية الفلسطينية ضمن شواغل الأمن المشترك لمساحة عريضة من العالم، أما الثاني، فقد بدا في دعم المشروعية الفلسطينية، بحيث لا ينفرط أصل التمثيل ومكتسباته، ولذلك، كان الحرص على تقديم ممثلي السلطة الوطنية في المحافل الدولية أمراً واضحاً ومدها بالعجز الذي تسببت فيه العقوبات الأمريكية والإسرائيلية.

ورغم تلاقي التوجهات العامة في الدول الإسلامية على حل الدولتين والسلام المشروط، تجادل إيران بأن حل الدولتين لن يؤدي لإرساء السلام، وأن الحل يكون في دولة ديمقراطية واحدة، فيها يتعايش جميع السكان الأصليين الفلسطينيين، كمسلمين ومسيحيين جنبا إلى جنب مع اليهود، وعلى أساس استفتاء هؤلاء السكان الأصليين لتقرير المصير، حيث يرى حل الدولتين يؤدي لاستمرار الصراع”، وينطلق من أن المقترحات الدولية تؤدي لبلدية فلسطينية.

وإزاء هذه الحالة، تكون المنطقة بين تيارين؛ فبينما يميل الاتجاه العام للقناعة بالحل السلمي ومراكمة المكتسبات تدرجياً، يتبنى “محور الممانعة” توسيع الحرب دون مراعاة للنتائج الحالية وتزايد فجوة القوة. حتى اليوم، رغم تحفيز السجال العسكري بين إسرائيل وإيران للتوتر الإقليمي، تسمح تصرفاتهما ببقاء الحرب ضد المقاومة، حيث لا ترغب إيران في الدخول بحرب مفتوحة.

العمل الجماعي

وعلى المستوى الجماعي، شغل وقف إطلاق النار قِسماً من المقابلات الثنائية والديبلوماسية الجماعية، ولم يقتصر على الحرب الجارية في غزة، بل شمل ما يجري على الأراضي اللبنانية باعتباره انتهاكاً للسيادة. وبشكل متكرر، أكدت الدول الإسلامية على منح الدولة الفلسطينية العضوية الكاملة في الأمم المتحدة والعمل على تنفيذ حل الدولتين بما يضمن حقوق الفلسطينيين بإقامة دولتهم المُستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وبشكل عام، يعكس تناول الجماعة العربية ـ الإسلامية توجها بديلاً للحرب وتأكيداً على السلام، ويضمن العمل المؤسسي بين الدول. ويشكل إطلاق «التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين» امتداداً للديناميات الجديدة المرتبطة بقمة العام الماضي، حيث أثبتت اللجنة السباعية جدارة في البناء التدريجي للعمل المشترك، ليس فيما بين الدول الإسلامية فقط، ولكن بفتح المشاركة أمام العديد من الدول الأخرى؛ من الاتحاد الأوربي والتجمعات المناصرة للحقوق الفلسطينية.

ويؤسس خطاب الجامعة العربية، في قمة الجمعية العامة، لتوجهات الانتقال لتنفيذ حل الدولتين على ثلاثة محاور؛ كان الأول في إضعاف الاحتلال بفرض عقوبات على الاستيطان ورموزه ومقاطعة منتجاته، أما المحور الثاني فيتعلق بزيادة وتيرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لدعم التفاوض البنّاء بين دولتين قائمتين. المحور الثالث أن تؤدي اتفاقيات السلام وتوسيع الاعتراف والعلاقات الطبيعية مع الدولة الفلسطينية لإنهاء الاحتلال.

وخلال هذه التحضيرات، اتجهت الجامعة العربية لتأطير علاقتها مع مجلس الأمن، بما يتكافأ مع حالة مفترق الطرق الذي يواجه المنطقة، ما يوجب على المجتمع الدولي البدء بوقف الحرب.

ووفق الخارجية المصرية، يسعى التحالف الدولي للضغط على إسرائيل لتحويل المطالبات العربية من مسار الدعوة للاعتراف بدولة فلسطين إلى المطالبة بإنهاء الاحتلال. وهو تطور جوهري في التعاطي الدولي مع التحرر الفلسطيني، سوف يجعل الدولة الفلسطينية أمراً واقعاً مدعومة بتكتل عربي – دولي من شأنه أن يكون رافعة للمطالب الفلسطينية، وفي ذات الوقت، يشكل بادئ إطار لتوسيع العقوبات على إسرائيل. 

التحضير للتحالف الدولي

وخلال مرحلة التحضير للتحالف الدولي والقمة العربية ـ الإسلامية، نشطت الديبلوماسية في العديد من الدول العربية والإسلامية في استمرار قنوات الاتصال مع دول الاتحاد الأوربي والآسيوية، والأفريقية، بالإضافة للولايات المتحدة. دارت كل الاتصالات حول وقف التصعيد في غزة ولبنان، وتنفيذ القرارات الدولية بشأنهما.

وبالإضافة لهذا الموقف، تتشارك تركيا، مصر والسعودية في دعم المؤسسات الفلسطينية لتكون معبرة عن الفلسطينيين أمام المجتمع الدولي، وهي جهود تصب في دعم مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار والحفاظ على المكتسبات الحالية، والحفاظ على قوة الردع العسكري. تضع تركيا ومصر العمل العسكري ضمن خيارات الرد على الإخلال بالأمن الإقليمي، وقد عبرتا عنه بأشكال مختلفة، سواء بتعريف نطاق التهديد أو بتعديل انتشار القوات في سيناء.

وفي هذه السياقات، يُعد التحالف الدولي ترجمة واقعية لدور المجموعة العربية ـ الإسلامية في الأمم المتحدة. فعلى مدى اجتماعات الجمعية العامة، انشغلت بالتحرك الجماعي لحماية الشرعية الفلسطينية وتوطيد حل الدولتين خارج نطاق هذه المجموعة الدولية. وخلال الدورة 79 للجمعية العامة، بدأت تحركاتها لتنفيذ «حل الدولتين» مستندة على أن الاعتراف بدولة فلسطين، يمهد الطريق لـ«تفاوض متكافئ» مع إسرائيل.

في ظل هذه الظروف، تشهد المسألة الفلسطينية تطوراً ملحوظاً، يستند لاستقرار رؤى قاطرة العمل المشترك على فهم التهديد والفرص التي تواجه الأمة الإسلامية، وفي هذا النطاق، يكون توسيع المناورات العسكرية لتشمل؛ مصر، تركيا، السعودية وباكستان مؤشراً على تدارك أهمية التنسيق العسكري في هذه المرحلة، وفي وقت متزامن، تعمل هذه الدول على تهدئة التوتر مع إيران، وتمييز العلاقة معها عن كيان الاحتلال، وهي خ\وات لازمة لتفعيل التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق