تقدير الموقف

مليشيا “أبو شباب” وتفكيك الأمن في غزة: والتعامل الفلسطيني والمصري

كسياق تاريخي لتفكيك الجبهة الفلسطينية، عمد جيش الاحتلال إلى تجنيد مجموعة من الشباب المتورط في التخابر معه، أو ممن لديهم سجل أمني وجنائي في قطاع غزة، بإيعازٍ مباشر من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لتكوين عصابة مسلّحة، تحت مسمى “القوات الشعبية” في قطاع غزة، وتُدار بإشراف مباشرٍ من قوات الاحتلال، وتعمل بالتنسيق الكامل معه في أماكن سيطرته في شرق رفح، بهدفٍ ممنهج يقوم على زعزعة الاستقرار الأمني في القطاع بنشر الفوضى عبر نهب المساعدات الإغاثية، وإعادة بيعها بأثمانٍ مرتفعة وفق تقاريرٍ محلية وأممية. 

وفي هذا السياق، يتناول التقرير تصورات الاحتلال لوضع الأمن في غزة، وتأثير ظهور مكونات جديدة على العلاقة ما بين الفلسطينيين، كما يتناول مواقف الفلسطينيين من هذه التداعيات من زاوية تأثيراتها المستقبلية. وهناك زاوية أخيرة، تعلقت بموقف مصر من الأمن على جانبي الحدود، وذلك في ضوء السياسة الوقائية لمنع ظهور جماعات مسلحة والرغبة في وجود طرف فلسطيني يتمتع بالقدرة والمسؤولية ورفض الانقسام.

أولاً: الرؤية الإسرائيلية لمستقبل مليشيا أبو شباب 

بعد فشله في توجيه الجبهة الداخلية من خلال التواصل مع العائلات وشيطنة المقاومة في قطاع غزة، اتجه الجيش الإسرائيلي مؤخراً إلى محاولة خلق بديل محلي لحكم حماس، متمثلاً في ميليشيا “ياسر أبو شباب”، التي بدأت نشاطها بالسطو على المساعدات، مستفيدة من التغطية الأمنية التي توفرها الطائرات المسيّرة الإسرائيلية، لتتحوّل مع مرور الوقت إلى ميليشيا تسعى إلى إدارة قطاع غزة بعد نهاية حكم حماس.

ويأتي تشكيل هذه العصابات المسلحة في سياق مساعي الاحتلال لإيجاد بدائل عن السلطة الفلسطينية وحركة حماس، كجزء من محاولة إسرائيلية لتشكيل مجموعات مسلّحة تُكلَّف بتنفيذ مهام استخباراتية وملاحقة عناصر المقاومة، بحيث تشكّل قوات شعبية موازية لحماس، في إطار خطة إسرائيلية لما يُسمى “اليوم التالي” في غزة.

وعليه، يسعى هذا التقرير إلى تسليط الضوء على مواقف الأطراف الفلسطينية تجاه هذه العصابات المسلحة المرتبطة بالاحتلال، ومدى خطورتها على الواقع الفلسطيني، واستشراف آليات التعامل معها في المرحلة المقبلة.

مليشيا أبو شباب كمادة للخلاف بين حكومة نتنياهو والمعارضة 

طرَح الإعلام الإسرائيلي قضية ميليشيا “أبو شباب” في إطار إدانة سلوك حكومة نتنياهو في قطاع غزة، باعتبار أن حكومة اليمين في إسرائيل فشلت، بعد أكثر من عام ونصف من الحرب، في إيجاد بديل محلي لحكم حماس.
ويقول يوني بن مناحيم، الخبير الإسرائيلي في الشأن الفلسطيني، إن تشكيل ميليشيا “أبو شباب” ودعمها مالياً وعسكرياً من قِبل إسرائيل، يعكس حالة من الفوضى، وعدم قدرة الحكومة الإسرائيلية على بلورة استراتيجية واضحة للتعامل مع قطاع غزة؛ فالنجاح العسكري الذي حققه الجيش الإسرائيلي ضد المقاومة في غزة لم يُترجم إلى إيجاد بديل فعلي لحكم حماس.

لهذا، لم تنظر المعارضة الإسرائيلية إلى ميليشيا “أبو شباب” باعتبارها بديلاً حقيقياً لحكم حماس، إذ تعتبر القائمين عليها مجموعة من المجرمين والمهربين، ولهم سجلّ سلبي في مواجهة الجيش الإسرائيلي.
بل إن بعض قيادات هذه الميليشيا شاركوا في اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006، وبعضهم أطلق صواريخ على إسرائيل، وتورطوا في قتل إسرائيليين — وهو ما يتناقض تماماً مع العقيدة العسكرية والأيديولوجية الإسرائيلية.
هذا ما ركّزت عليه أيضاً تصريحات أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب “إسرائيل بيتنا”، الذي شغل سابقاً وزارتي الدفاع والمالية.

في هذا السياق، ناقشت صحيفة “يديعوت أحرونوت” موضوع ميليشيا “أبو شباب” عبر تسليط الضوء على تاريخ قياداتها الذين عملوا ضد إسرائيل في السابق، ثم تحوّلوا مع مرور الوقت إلى مجرد عصابات تساعد الاحتلال في نشر الفوضى والسطو على المساعدات قبل وصولها إلى مستحقيها في قطاع غزة.
وبيّنت الصحيفة أن هذه الميليشيا لا تملك أي تأثير فعلي أو اختراق حقيقي في المجتمع الغزي، ما يجعلها ظاهرة مؤقتة من الصعب الاعتماد عليها في المستقبل.

مبررات حكومة نتنياهو
لم ينفِ نتنياهو دعم جيشه لميليشيا “أبو شباب”، معتبراً هذا الدعم جزءاً من الحفاظ على حياة جنود الاحتلال في قطاع غزة. وتشير بعض التحليلات الإعلامية الإسرائيلية المحسوبة على اليمين الديني إلى أن اعتماد الجيش الإسرائيلي على ميليشيا “أبو شباب” يُعد خياراً مناسباً يعزز رؤية الحكومة الإسرائيلية السياسية، التي ترفض التعامل مع السلطة الفلسطينية في غزة.
فالسماح لأي طرف فلسطيني يتمتع بشرعية سياسية سيُشكّل عبئاً سياسياً على إسرائيل في المستقبل، ويمنح الفلسطينيين أوراق قوة في أي مسار سياسي لاحق، في حين أن التعاون مع ميليشيات كهذه لا يؤدي إلا إلى مزيد من تفكيك المجتمع الفلسطيني.

ولهذا، إذا كانت المعارضة الإسرائيلية تستخدم قضية “أبو شباب” كدليل إدانة ضد حكومة نتنياهو، فإن الأخير لا يرى في ذلك خطأً أو دليلاً على غياب الاستراتيجية أو الرؤية الأمنية لمستقبل قطاع غزة، كما تدّعي المعارضة.
بل إن البُعد السياسي في إدارة العلاقة مع الفلسطينيين يجعل حكومة نتنياهو تتجنب تقديم أي فرصة قد تُعيد للفلسطينيين القدرة على الاستفادة من أي حل سياسي مستقبلي.

ميليشيا أبو شباب ومستقبل غزة
وفقاً للإعلام الإسرائيلي، فإن ميليشيا “أبو شباب” لا تقتصر مهامها على إثارة الفوضى والسطو على المساعدات أو الإشراف على تأمينها في جنوب قطاع غزة، بل يتطوّر دورها ليشمل مواجهة خلايا المقاومة ومحاولة التأثير على عملها وتفكيك قدراتها التفجيرية، خصوصاً مع اعتماد المقاومة مؤخراً على تكتيكات الكمائن التي تتناسب مع تراجع قدراتها العسكرية بعد أكثر من عام ونصف من الحرب.

لهذا، لا يتوقف الجيش الإسرائيلي عن توجيه هذه الميليشيا، بل يدفعها لفتح باب التطوع أو التجنيد أمام الشباب، إضافة إلى استقبال بعض العائلات في مناطق اللجوء المخصصة شرق مدينة رفح.
فمشروع إنشاء ميليشيا موالية لإسرائيل في غزة ليس جديداً؛ بل يتم العمل عليه داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية منذ فترة طويلة. هذا ما كشفه رئيس الشاباك المعزول، رونين بار، مشيراً إلى أن ملف هذه الميليشيا نوقش منذ يناير 2025.

وفي هذا السياق، يكشف الصحفي في صحيفة “معاريف”، آفي أشكنازي، عن وجود دراسة داخل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لتوسيع هذه الميليشيا، وإمكانية إنشاء ميليشيات أخرى مشابهة لها في مناطق مختلفة من القطاع.
إذ باتت هذه الميليشيا تلعب دوراً أمنياً في حماية الجيش، ويمكن تطويرها وتوسيعها بما يسمح بإطالة أمد الحرب في غزة، وهو ما يتماشى مع رؤية حكومة نتنياهو.
فوجود مثل هذه الميليشيات الموالية يقلّل من خسائر الجيش، ويدعم موقف نتنياهو في رفض كل المقترحات المتعلقة بإرسال لجان أو قوات أجنبية لإدارة غزة.

رغم أن نجاح هذه الميليشيا في لعب دور بديل حقيقي عن حكم حماس غير مضمون، إلا أنها تُسهم في إطالة أمد الحرب، وتمنح نتنياهو هامشاً أكبر لمقاومة الضغوط الدولية ومحاولات التوصل إلى وقف إطلاق نار أو هدنة طويلة الأمد في غزة.
ويرى نتنياهو في هذه الميليشيا جزءاً من أدواته غير المعلنة في مواجهة المعارضة والضغوط الداخلية، وهو ما تدركه قيادة المعارضة جيداً، لذلك تحاول جاهدة انتزاع هذه الورقة لإضعاف نتنياهو وحكومته.

ثانياً: الأطراف الفلسطينية وميليشيا “أبو شباب”

موقف السلطة الفلسطينية
مع ظهور الميليشيا، انتشرت اتهامات بتمويلها من قِبل السلطة الفلسطينية، بعد ادعاء “أبو شباب” في مقابلة له مع إذاعة جيش الاحتلال أوائل يونيو أن الميليشيا تعمل بتوجيه مباشر من أجهزة أمن السلطة. وقد استُدل على ذلك بتشكّل العصابة بشكل رئيسي من موظفين متقاعدين في الأجهزة الأمنية للسلطة، وهو ما نفته السلطة بشكل قاطع، مؤكدةً عدم وجود أي صلة تجمعها بهذه الميليشيات.

يتناقض هذا الادعاء مع سياسات الاحتلال منذ بداية الحرب، والتي ركزت على منع تشكيل أي كيان فلسطيني يتبع حركتي حماس أو فتح في غزة، وهو ما أكده نتنياهو في عدة تصريحات، وتنعكس في الإجراءات التي اتخذها الاحتلال طيلة الفترة الماضية، بعدم تمكين السلطة من إدارة أي ملف خاص بالقطاع، بما في ذلك المعابر.
لذلك، يصعب الأخذ بمثل هذه الادعاءات، خصوصاً في ظل غياب أي مؤشرات ميدانية تؤكدها، إلى جانب نفي السلطة الواضح لأي ارتباط بعصابات مسلّحة تحمل أسماء أشخاص.

موقف الفصائل
منذ وقت مبكر، أدركت حركة حماس خطورة مساعي الاحتلال لتشكيل بدائل أمنية وسلطوية لها، ولو على نطاق جغرافي ضيق في مناطق تخضع لسيطرة الاحتلال المباشرة. ولهذا لم تُبدِ قيادة المقاومة أي تساهل في التعامل مع هذه المحاولات، بل وجّهت تشكيلاتها الأمنية لوأد وإحباط أي نماذج للتخابر أو محاولات تشكيل بديل سلطوي تابع للاحتلال داخل القطاع.

وقد برزت هذه التوجهات مبكراً في الأشهر الأولى للحرب، حين سعى الاحتلال للتواصل مع بعض العشائر الغزّية لإقامة نماذج شبيهة بالحكم المحلي في بعض المناطق، لتكون بديلاً في “اليوم التالي” لغزة بعيداً عن السلطة وحماس. وقد واجهت حماس هذه المساعي بحزم، مؤكدةً أن أي تواصل أو قبول لمثل هذه المخططات يُعد خيانة وسيُعامَل على هذا الأساس، وهو ما خلق حالة ردع ساهمت في إحباط تلك المحاولات في مهدها.

في هذا السياق، اضطرت فصائل المقاومة للتعامل الأمني المباشر مع حالة جديدة ومختلفة تمثّلت في ظاهرة ميليشيا “ياسر أبو شباب”، دون إرجاء الأمر إلى ما بعد نهاية الحرب أو وقف إطلاق النار، كما كان يحدث سابقاً مع عصابات النهب والسرقة خلال المرحلة الأولى من اتفاقات التهدئة.
ويعود ذلك إلى خطورة هذه الميليشيا التي تستغل حاجة الغزيين إلى المساعدات للبقاء على قيد الحياة وسط أزمة المجاعة المتفاقمة، مروّجة لنفسها تحت مسمى “القوات الشعبية”، ومتمركزة جغرافياً في مناطق معزولة تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية، مع سعيها لتشكيل لجان مدنية لإدارة تلك المناطق — وهو ما يشكل تهديداً يتجاوز مجرد السطو على المساعدات، ليطال البنية السيادية الوطنية الفلسطينية لصالح مخططات الاحتلال.

ومع استمرار الحرب، باتت ملاحقة عناصر هذه الميليشيا أمنياً مهمة معقدة، خاصة مع تلقيهم حماية مباشرة من قوات الاحتلال. وقد تدخل الطيران المسيّر في أكثر من مناسبة لحمايتهم أثناء الاشتباك مع المقاومة، مما كلف الأخيرة خسائر مؤلمة؛ فعلى سبيل المثال، استشهد أربعة من عناصر المقاومة في 9 يونيو إثر استهدافهم بالطيران المسيّر أثناء ملاحقتهم لعناصر الميليشيا.

الموقف الشعبي
لم يكن الوعي الشعبي أقل إدراكاً من وعي الفصائل للمخاطر التي تشكلها ميليشيا “أبو شباب” على البنية الوطنية الفلسطينية. إذ لم يُبدِ سكان غزة أي تجاوب يُذكر مع دعوات الميليشيا وأبو شباب عبر صفحته للتطوع في “لجان مدنية شعبية” تابعة له. بل جاءت ردود الفعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي غاضبة ومدركة تماماً أن هذه المحاولات جزء من مخطط الاحتلال لتوسيع نفوذ الميليشيا عبر الغطاء الخدمي.

ولم يقتصر هذا الوعي على الفضاء الرقمي فقط، بل تُرجم ميدانياً، حيث بادرت العديد من العائلات المحلية إلى تشكيل لجان شعبية لحماية المساعدات من نهب ميليشيا “أبو شباب” وعصابات النهب الأخرى خلال المراحل الأولى من تشكّلها، رغم الخسائر التي تكبّدتها من أبنائها طيلة فترة الحرب.
لكن هذا الدور الشعبي تراجع تدريجياً لصالح المقاومة التي تحمّلت مسؤولية مواجهة هذه الظاهرة مع تصاعد خطورتها بعد تسليحها وحمايتها من قِبل الاحتلال.

على أي حال، يُلاحظ أن الاحتلال يسعى لترسيخ حضور هذه الميليشيا تحت مسمى “القوات الشعبية”، عبر توسيع نشاطها ليشمل الأبعاد الإدارية والخدمية، وليس فقط الأدوار الأمنية والاستخباراتية، من خلال فتح باب التطوع لتشكيل لجان مدنية.
غير أن هذه المساعي لم تحقق حتى اللحظة أي تقدّم يُذكر، في ظل الرفض الشعبي الواسع والملاحقة المستمرة من قبل فصائل المقاومة.

لذا، من المرجّح ألا يتوقف الاحتلال عند هذا الحد من الدعم للميليشيا، بل قد يتّجه إلى محاولات ممنهجة أخرى لتعزيز تموضعها كبديل رئيسي تحت إشرافه. إلا أن فرص نجاح هذا المشروع تظل محدودة، في ظل افتقار الميليشيا إلى حاضنة شعبية حقيقية، وفي ظل إجماع الشارع الغزي — حتى بين المعارضين لحركة حماس — على رفض أي تعامل مع أدوات الاحتلال، الذي يمعن في تنفيذ سياسات التجويع والقتل الممنهج بحق المدنيين.

ثالثاً: تفكك الأمن في غزة والسياسة المصرية

مع استمرار العدوان على قطاع غزة، يواجه تماسك المقاومة تحديات متزايدة، وغالباً ما تتخذ التداعيات شكلين:
الأول، أن ضعف قدرات المقاومة يؤدي إلى فراغ في السيطرة على الأرض والشؤون الإدارية؛
أما الثاني، فيتمثل في استغلال الخصوم لهذه الفراغات برعاية قوى منافسة، قادرة على زعزعة البيئة الأمنية.

وبالنظر إلى تأثير المجموعات المسلحة الجديدة على الحدود المجاورة، فإن قراءة الموقف المصري إزاء هذه الحالة يساعد في رسم حدود التعامل المصري مع تداعيات الحرب، خصوصاً في ظل تعدد السلاح والانفلات الأمني وانهيار السلطة الإدارية.

عموماً، لم يصدر عن مصر أي تعليق مباشر بشأن الإعلان عن ميليشيا “أبو شباب”، واستمرت السياسة المصرية تجاه العدوان دون تغيير ملموس. فمن جهة، انشغلت القاهرة بتفعيل مسار الوساطة من أجل وقف إطلاق النار. وفي إطار أعمال اللجنة السباعية، نقلت النقاشات حول وقف الحرب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في 17 يونيو، في محاولة للتأكيد على إبقاء القضية الفلسطينية ضمن أولويات الاهتمام الدولي.

ومن جهة أخرى، تابعت مصر مسار الوساطة، رغم هشاشته في الوقت الراهن، باعتباره منفذاً محتملاً نحو صياغة مسار حلٍّ سياسي. وفي هذا السياق، كثّفت القاهرة اتصالاتها مع دولتي الوساطة، قطر والولايات المتحدة، بالإضافة إلى بعض الدول الإقليمية الأخرى، لضمان بقاء أدوات القضية الفلسطينية السياسية قابلة للتفعيل في أي وقت.

يمكن قراءة هذا النهج في ضوء تعامل مصر مع الفصائل الفلسطينية خلال مسار المصالحة والتفاوض على وقف العدوان.
وقد اتسمت هذه المرحلة بتركيز السياسة المصرية على مسألتين رئيسيتين:
أولاً، وجود طرف فلسطيني قادر على فرض السيطرة الأمنية والإدارية على الأرض؛ ولهذا لم يكن تمثيل حماس للفلسطينيين في المفاوضات (الحالية والسابقة) موضع نقاش، بل تم التعاطي معه كمعطى سياسي مستقر منذ حروب 2014 وحتى اليوم.
ثانياً، حرصت القاهرة في لقاءات المصالحة على الحفاظ على وحدة الفصائل، ومنع نشوء انقسامات جديدة، لتسهيل الوصول إلى التهدئة أو وقف الحرب.

ورغم محدودية نتائج هذه السياسة لأسباب تتعلق بسلوك الأطراف الأخرى، إلا أن مصر تميل عموماً إلى منع ظهور منظمات مسلحة جديدة، وتسعى للإبقاء على الأطراف المسلحة القائمة في الإطار السياسي والأمني القابل للتفاهم، لأن تعدد الفصائل المسلحة يؤدي إلى نتائج غير مرغوبة سياسياً وأمنياً.

وبالإضافة إلى مشكلة غموض الولاء السياسي لهذه المجموعات وقابليته للتغير السريع، فإن ظهور تشكيلات مسلحة محلية جديدة سيفرض قيوداً إضافية، ويبعثر أي جهد لوقف الحرب.
إذ تسعى هذه المكونات الوليدة إلى إثبات حضورها، وهو ما يُربك المشهد، خاصة حين تحاول انتزاع أدوار من المؤسسات القائمة كحماس أو السلطة الفلسطينية.

وبالعودة إلى تجربة مكافحة تنظيم “ولاية سيناء” في 2018، تتوجّس مصر من ظهور مسلحين جدد، ليس فقط بسبب غموض أجنداتهم السياسية، بل أيضاً بسبب سعيهم المستمر لزعزعة الاستقرار على الحدود ودفع نحو الانفلات الأمني.
تجربة “ولاية سيناء” كانت قاسية ومكلفة، وأسفرت عن تبني مصر لسياسة وقائية لمنع تموضع المسلحين في أي بقعة جغرافية حدودية.

وقد كان للتنسيق المشترك بين مصر والسلطة في غزة دور واضح في احتواء الاختلالات الأمنية عبر الحدود خلال السنوات الماضية، وفي الالتزام باتفاقيات الهدنة مع الاحتلال.
لذلك، فإن توسيع هذا الفهم المشترك إزاء المسلحين الجدد يمكن أن يُعزز القدرة على تأمين القطاع، ويدفع باتجاه تحقيق مكاسب سياسية، وتثبيت الهوية الفلسطينية للقطاع ضمن الأراضي الفلسطينية.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق