
الشرق الأوسط في مرمى الهيمنة الذكية: كيف تدير أمريكا لعبة الدم والدبلوماسية؟
الكاتب والباحث السياسي
عدنان القصاص
كتب الأحد ٢٩ يونيو ٢٠٢٥م
لم تعد الصراعات الدولية تُدار بالطريقة التقليدية. فالولايات المتحدة، بعد خسائرها في استخدام القوة الصلبة، توجّهت لتبني مفهوم “القوة الذكية”، الذي يمزج بين أدوات القوة الصلبة والناعمة، كما نظّر له منظّر القوة الأمريكي جوزيف ناي. هذا التحول غيّر طبيعة الممارسة السياسية الأمريكية، وجعلها تبدو متذبذبة أحياناً، ومتناقضة في أحيان أخرى لكنها في الحقيقة منهجية قائمة على الخداع والسيطرة طويلة الأمد.
في منطقة الشرق الأوسط، يتضح هذا النمط من خلال التوازي بين الدور الدبلوماسي الأمريكي “الحمائمي”، والدور العسكري القذر الذي تمارسه بالوكالة قوى مثل “إسرائيل”، الهند، المرتزقة، والشركات الأمنية الخاصة. هذا التكامل يسهم في فرض الإرادة الأمريكية دون التورط المباشر، مما يحافظ على الصورة الأمريكية الدولية.
الولايات المتحدة بدورها تسعى لإجهاض محاولات الصين توسيع نفوذها عبر “الحزام والطريق”، خاصة بعد أن تبنّت بكين مداخل تنموية وتعاونية توازن النفوذ الأمريكي عبر التكامل الاقتصادي-السياسي. هذا التحول أقلق واشنطن ووكلاءها، فبدأت بإشعال أزمات ممتدة، وتوظيف أحداث كحادثة 7 أكتوبر لتمرير مشاريع توسعية جغرافية وديموغرافية، خاصة في فلسطين.
وفي جنوب آسيا، يظهر نمط مشابه، فالتوتر بين باكستان والهند يُدار بطريقة تضمن تفوق الهند، دون الوصول إلى سلام دائم، فيما يُستغل الصراع لتكبيل باكستان عسكريًا واستراتيجيًا. مع إيران، تسعى واشنطن لتطبيق سياسة الخداع الاستراتيجي من خلال إظهار رغبة في السلام، بينما تستعد لحرب شاملة محتملة تُخضع الخصم عبر الاستنزاف والردع ولكنها تريد ضمان بقاء زمام الأمور بيدها بالإستفادة من تجارب الماضي.
وبالتالي إنّ واشنطن تُدير علاقاتها مع خصومها من منطلق الشك، لا النية الحسنة. فتبدو في الظاهر كوسيط، لكنها في الحقيقة فاعل مباشر يُدير الصراعات عبر الجمع بين الدبلوماسية المخادعة والضربات العسكرية بالوكالة. وهذا ما جرى في غزة واليمن وباكستان، وقد يتكرر مع إيران. وهذا ما يجب البناء عليه من قبل الفاعلين.
وبإعتقادي؛ الهدف النهائي أمريكيًا هو منع الخصوم من ترميم نقاط ضعفهم. ومع تسارع الوقت، تبدو أمريكا مستعدة لمواجهة شاملة قد تُطلق أدوات الحرب الهجينة، يليها تدخل مباشر حاسم. وأعتقد في المقابل، أنه قد يفاجئ الخصوم واشنطن برد استباقي، أو ربما يتم ارسال رسائل تتضمن التلويح باستخدام أدوات ردع كـ”القنابل القذرة”.
في هذا السياق، ينصح العديد من الخبراء والساسة المناهضين لهيمنة القطب الأحادي المتفرد، القوى مثل: باكستان، إيران، ومصر بمستوى يتعرض للتهديد على المستوى القريب أن تسعى لامتلاك أدوات ردع واضحة، تُبلّغ دبلوماسيًا على القنوات الخلفية، لردع أي عدوان مقبل. كون البديل هو الخضوع مجددًا لمشروع السيطرة الأمريكي، الممتد.
أما فلسطين، فإن استعادتها كما يرى البعض من المحللين الذين أضم صوتي إليهم قد لا تبدو ممكنة في ظل النظام الإقليمي القائم، إلا عبر تحوّل أو اختلال كبير في موازين القوة الإقليمية والدولية، قد لا يتحقق إلا في سياق حرب عالمية أو إقليمية شاملة.