قضايا خاصةمقالات بحثيةوجهات نظر

ثلاث قراءات للدور المصري وتداعيات الحرب

ثلاث قراءات للدور المصري وتداعيات الحرب

يستعرض هذا التقرير أبعاد الدور المصري في الحرب على قطاع غزة من ثلاث زوايا تحليلية. تتناول الزاوية الأولى الموقف المصري، بما يشمل سياسات القاهرة تجاه الحرب ومواقفها الدبلوماسية في ضوء الضغوط الإقليمية والدولية. أما الزاوية الثانية، فتركز على التصورات الفلسطينية لدور مصر خلال الحرب وتأثيراته المحتملة على مستقبل قطاع غزة والمصالحة بين الفصائل الفلسطينية. في حين تستعرض الزاوية الثالثة الموقف الإسرائيلي من الدور المصري وانعكاساته على معاهدة السلام والأوضاع الأمنية في المنطقة.

أولًا: السياسة المصرية والحرب والتهجير

منذ طرح مبادرة وقف إطلاق النار في ديسمبر 2023، تعاملت السياسة المصرية مع الحرب في غزة عبر مسارين رئيسيين: السعي نحو التهدئة، وحماية المصالح القومية المصرية. وفي هذا الإطار، عززت مصر المشاورات بين الأطراف الفلسطينية، إلى جانب الانخراط في المسارات الدبلوماسية الإقليمية والدولية المرتبطة بالنزاع.

ومع استمرار الحرب، اتخذت مصر إجراءات لضمان الاستقرار الأمني على حدودها مع غزة، بما في ذلك تكثيف الجهود الدبلوماسية والتواصل مع مختلف الأطراف. كما شهدت هذه المرحلة تفاعلًا إعلاميًا يعكس ارتباط الأوضاع في غزة بالمصالح الأمنية الإقليمية لمصر، خاصة فيما يتعلق باستقرار الضفة الغربية وانعكاسات النزاع على الأمن القومي المصري.

وفي سياق التعامل مع الفصائل الفلسطينية، حرصت القاهرة على إبقاء جميع الأطراف منخرطة في المسار التفاوضي، بما يضمن عدم استبعاد أي طرف فلسطيني من المباحثات. وقد ظهر ذلك في المواقف الدبلوماسية المصرية داخل المنظمات الدولية، حيث تبنت مقاربة تسعى للحفاظ على دورها كوسيط فاعل في النزاع.

وعلى مستوى الوساطة، استثمرت مصر علاقاتها مع مختلف الأطراف، بما في ذلك إسرائيل، في تسهيل قنوات الحوار والتفاوض. كما لعبت دورًا في متابعة التفاهمات الأمنية وضمان تنفيذ بعض الاتفاقات، مع التركيز على دورها كوسيط محايد. وفي هذا الإطار، لم تتخذ مصر خطوات رسمية للانضمام إلى دعوى جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، لكنها أبقت الباب مفتوحًا أمام هذه الإمكانية بما يتماشى مع استراتيجيتها في إدارة النزاع.

وعمومًا، تبنت مصر سياسة دبلوماسية قائمة على الانفتاح الإقليمي، وسعت إلى تنسيق الجهود العربية والإسلامية بشأن تداعيات الحرب. ويتجلى ذلك في استضافتها لقمة منظمة التعاون الإسلامي في ديسمبر 2023 بالقاهرة، حيث أكد البيان الختامي على أهمية وقف الحرب ودعم الحقوق الفلسطينية وفق المرجعيات الدولية.

استمرار الدور المصري في المشهد الإقليمي

على المستوى الإقليمي، واصلت السياسة المصرية تفاعلها مع التحولات السياسية في المنطقة. ومع تصاعد الأزمات في سوريا، حرصت مصر على مواكبة التطورات رغم التحديات الأمنية المحتملة. وقد برز هذا التفاعل في المشاركة المصرية في قمتي العقبة والرياض بشأن سوريا، بالإضافة إلى الاتصالات الدبلوماسية التي أجراها وزير الخارجية المصري مع نظيره السوري. كما جاءت تهنئة الرئيس المصري لنظيره السوري على توليه رئاسة الحكومة الانتقالية لتعكس رغبة مصر في مواكبة المشهد السياسي الإقليمي.

وفي إقليم الشام، انتهجت مصر سياسة قائمة على دعم الاستقرار في لبنان والتفاعل مع الحكومة الانتقالية في سوريا، في إطار رؤية تستهدف تعزيز الاستقرار الإقليمي. كما عززت مصر مشاوراتها مع الأردن لضمان موقف متوازن تجاه القضية الفلسطينية، حيث كثفت الدبلوماسية المصرية خلال الأشهر الماضية اتصالاتها مع هذه الدول الثلاث، في محاولة لدعم مسار دبلوماسي أكثر تكاملًا بشأن القضايا الإقليمية.

أما على صعيد التنسيق الإقليمي حول غزة، فقد شاركت مصر في جهود دبلوماسية واسعة بالتعاون مع السعودية وتركيا وقطر والإمارات، بهدف تعزيز الدعم السياسي للقضية الفلسطينية. وشهدت هذه المرحلة توافقًا مصريًا سعوديًا بشأن رفض أي مقترحات تتعلق بتهجير سكان القطاع، وهو ما انعكس في بيانات رسمية أكدت الالتزام بحل الدولتين وضرورة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.

وفيما يخص العلاقات مع تركيا، تزايدت وتيرة التنسيق بين البلدين في إطار المساعي الرامية إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني. وقد تركزت اللقاءات الثنائية بين وزيري الخارجية على دعم صمود الفلسطينيين وتعزيز وحدة الفصائل تحت مظلة سياسية موحدة، بما يحدّ من استغلال الانقسامات الداخلية في أي ترتيبات مستقبلية. كما برز اهتمام مشترك بين القاهرة وأنقرة بتسريع جهود إعادة الإعمار، لتخفيف الأعباء على سكان القطاع وتفادي أي سيناريوهات مرتبطة بالتهجير.

التفاعل مع الضغوط الدولية

على الصعيد الدولي، واجهت مصر تحديات متزايدة مع تزايد الضغوط الأمريكية والأوروبية حول مستقبل سكان غزة. وقد شكلت المقترحات المتعلقة بإعادة توطين السكان خارج القطاع تحديًا كبيرًا للسياسة المصرية، خاصة مع تزايد الحديث عن خيارات بديلة بعد الانتخابات الأمريكية.

ومع تزايد الضغوط، تحركت مصر في اتجاهين رئيسيين: الأول، عبر إرسال رسائل سياسية واضحة بشأن موقفها من الحدود والسيادة الوطنية، بما في ذلك تنظيم فعاليات رمزية في المناطق الحدودية للتأكيد على موقفها الرافض لأي ترتيبات تتعارض مع مصالحها القومية. أما الاتجاه الثاني، فتمثل في اتخاذ تدابير أمنية في شمال سيناء، ضمن إجراءات تستهدف تعزيز الاستقرار وضمان أمن الحدود.

وفي إطار جهود تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، انخرطت مصر في مسارات دبلوماسية لضمان الالتزام بالترتيبات المتفق عليها، بما في ذلك بحث مستقبل ممر “نتساريم” كجزء من التفاهمات الأمنية. وقد أسهمت هذه التحركات في تعزيز موقع مصر كوسيط رئيسي، مع السعي لضمان التوازن في معادلة القوة بين الأطراف المختلفة. كما ساعد وضوح الموقف المصري في دفع الإدارة الأمريكية إلى إعادة تقييم مقترحاتها المتعلقة بغزة، والتركيز على المسارات الدبلوماسية بدلًا من أي حلول أحادية.

ثانياً: الفلسطينيون والدور المصري

خلال الفترة الماضية، لعبت مصر دوراً رئيسياً في الجهود الدبلوماسية المتعلقة بالعدوان على غزة، حيث عملت على احتواء تداعيات الحرب، ومن بينها المخاوف المرتبطة بمسألة التهجير. كما ساهمت الوساطة المصرية في تضمين عدد من البنود المهمة في اتفاق وقف إطلاق النار، لا سيما فيما يتعلق بمعبر رفح ومحور فيلادلفيا، إلى جانب استمرار جهودها في دعم مسار حل الدولتين، وفق التصريحات الرسمية الصادرة عنها.

مساعي إنهاء الانقسام الفلسطيني

على المستوى الفلسطيني، برزت مواقف عدة تؤكد على إدراك أهمية الدور المصري في دعم المساعي الرامية إلى تحقيق توافق داخلي بين الفصائل. وقد انعكس ذلك في التجاوب المستمر من مختلف الأطراف مع الجهود المصرية بشأن إنهاء الانقسام الفلسطيني ومفاوضات التهدئة، وسط إدراك بأن التنسيق الفلسطيني الداخلي يعزز فرص تحقيق أي تسوية سياسية مستقبلية.

ورغم نجاح الوساطة المصرية في التوصل إلى تفاهم أولي بين الفصائل حول شكل إدارة قطاع غزة، عبر مقترح “لجنة الإسناد المجتمعي”، إلا أن التحديات المرتبطة بتنفيذ هذه التفاهمات لا تزال قائمة، بما في ذلك مدى التزام السلطة الفلسطينية بالمقترحات المطروحة. وقد دفع ذلك القاهرة إلى استئناف جولات الحوار بين الفصائل في محاولة للتوصل إلى توافق مشترك بشأن مستقبل إدارة القطاع.

ومع تداول مقترحات دولية مختلفة بشأن أوضاع غزة، بما في ذلك بعض التصورات المتعلقة بترتيبات سكانية جديدة، برزت الحاجة إلى إيجاد توافق فلسطيني داخلي سريع، بما يسهم في استقرار الأوضاع داخل القطاع ويحول دون استغلال الانقسامات الداخلية في أي سيناريوهات سياسية مستقبلية. ومع ذلك، لا تزال الخلافات بين الأطراف الفلسطينية تحدياً أساسياً أمام تحقيق تقدم في هذا المسار، وهو ما دفع مصر إلى تكثيف جهودها لتقريب وجهات النظر حول تشكيل حكومة وفاق وطني، بما يدعم ترتيباً داخلياً يعزز الاستقرار في المشهد الفلسطيني.

السلطة الفلسطينية والدور المصري

منذ بداية الحرب على قطاع غزة، سعت السلطة الفلسطينية إلى التنسيق مع المسؤولين المصريين للوصول إلى تفاهم بشأن إدارة معبر رفح، وهو ما اكتسب أهمية متزايدة بعد سيطرة القوات الإسرائيلية على المعبر في مايو 2024. وقد عُقدت لقاءات بين رئيس سلطة المعابر الفلسطيني، نظمي مهنا، ومدير عام وزارة الشؤون المدنية، أيمن قنديل، مع مسؤولين أمنيين مصريين لمناقشة آلية تشغيل المعبر وضمان استمرارية حركته.

وفي هذا السياق، جرت جهود الوساطة المصرية بشأن تشغيل معبر رفح بصورة منفصلة عن المفاوضات المتعلقة بوقف إطلاق النار، حيث تم التوصل إلى تفاهمات حول تشغيل المعبر قبل الاتفاق على المرحلة الأولى من التهدئة. كما استمر التواصل خلال الأسابيع الأخيرة قبل التوصل إلى اتفاق التهدئة بين ممثلين عن السلطة الفلسطينية والمخابرات المصرية ومسؤولين إسرائيليين، لمناقشة الترتيبات التشغيلية لمعبر رفح.

وفي إطار الجهود الإقليمية لحل الأزمة، تسعى السلطة الفلسطينية إلى تعزيز دورها في إدارة قطاع غزة، وهو ما يتقاطع مع مواقف بعض الدول العربية الداعمة لحل سياسي يضمن منع أي تحركات مرتبطة بتهجير سكان القطاع. وتأتي هذه الجهود في سياق مساعي تثبيت وقف إطلاق النار، والعمل على إنهاء الانقسام الفلسطيني، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تدعم مسار حل الدولتين، كما عبرت عنه مصر والأردن في عدة مناسبات.

الموقف الشعبي

يشهد الشارع الفلسطيني في غزة تفاعلات متباينة إزاء الدور المصري في تنفيذ مخرجات اتفاق وقف إطلاق النار، حيث برزت ردود فعل إيجابية تجاه آلية الإشراف على حركة العربات عبر محور صلاح الدين، إضافة إلى الارتياح العام تجاه آلية تعامل القوات الأمنية المصرية المنتشرة في المنطقة. وقد أسهم ذلك في تعزيز الثقة بجهود الوساطة المصرية، لا سيما في ضوء موقف القاهرة الرافض لمقترحات إعادة توطين سكان القطاع خارج أراضيه.

وفي سياق التفاعل الشعبي، أصدرت بعض العشائر الفلسطينية بيانات أشادت خلالها بالموقف المصري الرافض لسيناريوهات التهجير، حيث عُرضت لافتات في بعض مناطق غزة تحمل رسائل دعم للموقف المصري. كما لاقى الموقف الرسمي المصري من المقترحات الدولية المتعلقة بمستقبل غزة ترحيبًا في الأوساط الفلسطينية المختلفة، بما في ذلك الأوساط الرسمية والفصائلية، في ضوء التحديات التي تواجه الفلسطينيين على مختلف المستويات.

بشكل عام، تشكل جهود الوساطة المصرية جزءًا من التحركات الإقليمية الرامية إلى تعزيز الاستقرار واحتواء تداعيات الحرب. وبينما تستمر التهديدات التي تواجه الفلسطينيين في غزة، يظل تحقيق توافق داخلي بين الفصائل الفلسطينية عاملاً رئيسيًا في أي حلول مستقبلية، وهو ما يشكل محورًا أساسيًا للجهود المصرية المتواصلة في هذا الإطار.

ثالثاً: الموقف الإسرائيلي من دور مصر

كان للدور المصري تأثير واضح على النقاشات الإسرائيلية المتعلقة بمستقبل غزة خلال الحرب، خاصة فيما يتعلق بالمقترحات التي تناولت سيناريوهات إعادة توطين سكان القطاع خارج أراضيه. ففي الأسابيع الأولى من الحرب، شهد الخطاب الإعلامي والسياسي الإسرائيلي تصاعداً في الدعوات لترحيل سكان غزة إلى الأراضي المصرية، وهو طرح تبنته بعض التيارات اليمينية المتشددة. إلا أن هذا الخطاب سرعان ما تراجع لصالح الأولويات الميدانية والعسكرية، في ظل عدم وجود رؤية إسرائيلية موحدة حول كيفية التعامل مع القطاع على المدى البعيد.

وفي هذا السياق، تمسكت مصر بموقفها الرافض لأي ترتيبات تمس سيادتها أو تفرض واقعاً جديداً على حدودها، وهو ما كان عاملاً رئيسياً في تراجع بعض الطروحات الإسرائيلية المتعلقة بإعادة توطين سكان غزة. كما أن اتفاق وقف إطلاق النار أضاف بُعدًا جديدًا للنقاشات الإسرائيلية، حيث تباينت الآراء بين من يرى ضرورة إيجاد حلول طويلة الأمد تضمن أمن إسرائيل، ومن يفضل استمرار الضغط على غزة دون اتخاذ قرارات تتعلق بمستقبل سكانها.

أهمية مقترح التهجير للإسرائيليين

أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشأن إعادة توطين سكان غزة خارج القطاع اهتمامًا كبيرًا في الأوساط السياسية الإسرائيلية، إذ اعتبرها البعض فرصة لتخفيف الضغوط الداخلية على الائتلاف الحكومي، فيما رأت بعض الجماعات الاستيطانية أنها قد تفتح المجال أمام مشاريع استيطانية جديدة في غزة مستقبلاً. وبالرغم من الرفض المصري والأردني الواضح لهذه الطروحات، استمر الجدل داخل إسرائيل حول بدائل أخرى، من بينها مقترحات تتعلق بإعادة توطين الفلسطينيين في مناطق أخرى، مثل أراضٍ داخل السعودية أو بعض الدول الإفريقية، وفق ما ورد في بعض التصريحات الإعلامية والسياسية الإسرائيلية.

إلا أن الرأي العام الإسرائيلي لم يكن موحدًا حيال هذه المقترحات؛ فقد أظهرت استطلاعات الرأي أن نحو 72% من الإسرائيليين أبدوا تأييدًا للمقترح، لكن 46% اعتبروا أن تنفيذه غير ممكن، بينما رأى 35% أن تهجير سكان غزة قد يصبح واقعًا. ويعكس هذا التباين حالة عدم اليقين داخل إسرائيل بشأن إمكانية تنفيذ مثل هذه السياسات، خاصة وأن مقترح التهجير يتعارض مع اتفاق وقف إطلاق النار، الذي يهدف إلى استعادة الهدوء في غزة والمنطقة بشكل عام.

الانقسام الإسرائيلي حول الدور المصري

في ظل هذا الجدل، تباينت مواقف المسؤولين الإسرائيليين بشأن دور مصر في غزة. ففي حين استمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبعض أعضاء ائتلافه الحكومي في الحديث عن سيناريوهات مختلفة للتعامل مع غزة، كان هناك تركيز على مسألة إدارة المعابر، إذ وجه نتنياهو انتقادات لمصر متهمًا إياها بفرض قيود على حركة سكان القطاع عبر معبر رفح. وعلى الجانب الآخر، طرح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس خطة بديلة تهدف إلى تسهيل عبور الفلسطينيين إلى خارج القطاع أو دعم خروجهم طوعياً.

ورغم تمسك مصر بموقفها الرافض لأي ترتيبات تتعلق بتهجير سكان غزة، لم تصدر عن الحكومة الإسرائيلية إدانة رسمية للموقف المصري، على عكس التصريحات التي صدرت في الأسابيع الأولى للحرب، حين ألقى بعض قادة اليمين المتطرف باللوم على مصر فيما يتعلق بتطور قدرات الفصائل الفلسطينية، وربطوا ذلك بملف الأنفاق بين غزة وسيناء. ويبدو أن إسرائيل تركت مسألة التعامل مع الموقف المصري والأردني للولايات المتحدة، التي كانت الجهة الأكثر انخراطًا في الترويج لهذه الأفكار، نظرًا لقدرتها على ممارسة ضغوط سياسية ودبلوماسية على الأطراف العربية المعنية.

استهداف إعلامي غير مباشر

بالتزامن مع الموقف المصري الرافض لسيناريوهات التهجير، نشرت صحيفة جيروزاليم بوست تقريرًا تناول العلاقة بين النظام المصري وإيران، وهو ما اعتبره بعض المراقبين محاولة للضغط على مصر لدفعها نحو قبول استقبال سكان غزة في سيناء. وقد أثار هذا التقرير مقارنات مع ما حدث سابقًا في الإعلام الإسرائيلي عندما رفضت السعودية تطبيع العلاقات دون وجود دولة فلسطينية، حيث تناولت قناة 14 الإسرائيلية المقربة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ملف العلاقة مع السعودية بطريقة وُصفت بأنها تهدف إلى ممارسة ضغوط سياسية على الرياض. وتبع ذلك اقتراح نتنياهو بشأن إقامة دولة فلسطينية داخل الأراضي السعودية، وهو ما اعتبره البعض تحولًا في الخطاب السياسي الإسرائيلي تجاه المملكة.

ورغم تزايد التغطية الإعلامية حول الموقف المصري، لم يصل الخطاب الرسمي الإسرائيلي إلى مستويات التصعيد التي شهدتها العلاقة مع الرياض. حتى الآن، لا يزال الرفض المصري محصورًا في إطار النقاشات الإعلامية والتحليلات السياسية داخل إسرائيل، دون صدور تصريحات رسمية مباشرة تتبنى موقفًا تصعيديًا تجاه القاهرة.

التغطية الإعلامية الإسرائيلية لمصر

في سياق متصل، ناقش الكاتب الإسرائيلي إيلي ديكل طبيعة العلاقات المصرية-الإسرائيلية منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، مشيرًا إلى بعض القضايا المرتبطة بسياسات القاهرة تجاه إسرائيل. وذكر الكاتب أن مصر لا تمنع رسميًا زيارة مواطنيها لإسرائيل، لكنها تفرض إجراءات قد تجعلهم مترددين في القيام بذلك. كما تناول بعض الجوانب الثقافية والدينية في مصر، مثل ارتفاع عدد المساجد داخل معسكرات الجيش المصري، إضافة إلى موقف مؤسسة الأزهر الذي رأى أنه لم يتبنَّ إدانة واضحة لهجمات 7 أكتوبر، معتبرًا أن ذلك يعكس سياسة رسمية غير متحمسة للضغط على الفصائل الفلسطينية.

إلى جانب ذلك، تحدث الكاتب عن تبادل المعلومات الأمنية بين مصر وإسرائيل، مشيرًا إلى أن الجانب الإسرائيلي كان يعتقد قبل اندلاع المواجهات أن حماس ليست في وضع يسمح لها بشن هجوم واسع النطاق، وهو ما أثار تساؤلات في بعض الأوساط الإسرائيلية حول دقة التقديرات الأمنية.

مستقبل الموقف الإسرائيلي من مصر

رغم هذه التغطيات الإعلامية، لم يصل مستوى الجدل إلى حد توجيه انتقادات رسمية مباشرة للموقف المصري من مقترحات إعادة توطين سكان غزة. ويعود ذلك إلى عدم وجود رؤية واضحة داخل إسرائيل بشأن كيفية المضي قدمًا في هذا الملف، إضافة إلى المعارضة الإقليمية والدولية الواسعة لهذه الطروحات، بما في ذلك من داخل الولايات المتحدة نفسها.

في هذا السياق، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تفضل الحفاظ على قنوات التواصل مع مصر، خاصةً في ظل دورها المحوري كوسيط رئيسي في مفاوضات وقف إطلاق النار مع غزة. كما أن استقرار العلاقة بين البلدين، والتي استمرت لعقود، يجعل من غير المرجح حدوث تصعيد سياسي كبير في الوقت الحالي. وبدلاً من ذلك، يبدو أن تل أبيب تترك المساحة الأكبر لإدارة هذا الملف إلى الإدارة الأمريكية، خاصة في ظل التقارير التي تشير إلى لقاء مرتقب بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني، والذي قد يلقي الضوء على مستقبل المقترحات المطروحة بشأن غزة، ومستوى التوافق الأمريكي-الإقليمي حولها.

الاستجابة المصرية والتوجهات المستقبلية

بشكل عام، عكست الاستراتيجية المصرية خلال الأزمة مرونة في التعامل مع الضغوط السياسية والإعلامية، مع تجنب الدخول في صدامات مباشرة مع الأطراف الدولية أو الإقليمية. وقد تجلى هذا في التصريحات الرسمية الصادرة عن وزارة الخارجية والرئاسة المصرية، التي أكدت على رفض أي ترتيبات تتعلق بإعادة توطين سكان غزة خارج أراضيهم، مع التأكيد في الوقت ذاته على أولوية الحفاظ على الاستقرار الإقليمي والعلاقات الثنائية مع مختلف الأطراف.

كما أن الاتصال الأخير بين ترامب والرئيس المصري لم يتناول بشكل مباشر تفاصيل تنفيذ وقف إطلاق النار أو مقترحات التهجير، وهو ما قد يشير إلى أن هذه الملفات لا تزال قيد البحث في قنوات دبلوماسية أخرى. وعلى الرغم من ذلك، فإن تطورات المرحلة القادمة قد تحمل مزيدًا من الوضوح حول كيفية تعامل الأطراف المعنية مع هذه القضايا، خاصةً مع استمرار المساعي للوصول إلى حلول سياسية أكثر استدامة للصراع في غزة.

Download pdf file

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق