تقرير فلسطين

تحولات القيادة الفلسطينية في ظل الانقسام والضغوط الخارجية

في ظل الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة لإعادة هيكلة النظام السياسي الفلسطيني، وتصاعد التحديات الناتجة عن تداعيات الحرب، جاء انعقاد المجلس المركزي كخطوة فُسّرت على أنها استباقية تهدف إلى تفادي أي فراغ في الشرعية الوطنية، وسط تآكل شرعية المؤسسات وتعثر مسارات المصالحة.

ويُعدّ اختيار حسين الشيخ نائبًا للرئيس في منظمة التحرير ودولة فلسطين تطورًا مهمًا، ليس فقط على صعيد إعادة توزيع الأدوار داخل القيادة الفلسطينية، بل أيضًا لما يحمله من دلالات عميقة تتعلق بالصراع الداخلي وترتيبات مرحلة ما بعد عباس.

يرصد هذا التقرير المواقف الفلسطينية المتباينة حيال نتائج اجتماع المجلس المركزي، ويحلل الصمت الإسرائيلي اللافت تجاه هذه التطورات، كما يستكشف الاتجاهات الإقليمية التي تراوحت بين الترحيب والحذر، ما يعكس حالة من الانتظار والترقب لمآلات المشهد السياسي الفلسطيني.

أولاً : الأطراف الفلسطينية وتعيين حسين الشيخ نائباً لرئيس دولة فلسطين

في ما يمكن اعتباره تحولًا سياسيًا داخليًا لافتًا على الساحة الفلسطينية، صادقت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في 26 أبريل، على تعيين حسين الشيخ نائبًا لرئيس المنظمة ورئيس السلطة الفلسطينية، وذلك بناءً على ترشيح من الرئيس محمود عباس.

وتأتي هذه الخطوة في ظل تصاعد حدة الانقسام الداخلي، وتزايد مظاهر غياب التمثيل الشعبي، وتآكل البنية المؤسساتية للسلطة الوطنية، وسط ضغوط إقليمية متزايدة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وتمهيدًا لإدارة الملفات الكبرى في مرحلة ما بعد حرب غزة، ولمواجهة المساعي الإسرائيلية الممنهجة الرامية إلى تقويض الكيانية السياسية الفلسطينية، وتفتيت الجغرافيا، وتمزيق النسيج الديمغرافي الفلسطيني.

يمثّل قرار تعيين حسين الشيخ تحولًا محوريًا في بنية النظام السياسي الفلسطيني، إذ تُستحدث للمرة الأولى منذ تأسيس منظمة التحرير عام 1964 وظيفة نائب للرئيس، في مسعى واضح لاستباق السيناريوهات المحتملة الناجمة عن أي فراغ سياسي أو قيادي قد ينشأ في حال غياب الرئيس محمود عباس.

ويكتسب هذا التطور أهمية خاصة في ظل غياب مؤسسة تشريعية فاعلة، بعد تعطّل المجلس التشريعي الفلسطيني وغياب الانتخابات الرئاسية والتشريعية منذ سنوات طويلة، ما فاقم من هشاشة البنية الدستورية للسلطة الفلسطينية.

وفي هذا السياق، يحاول هذا التقرير إلى تسليط الضوء على أبرز الانعكاسات المحتملة لهذا القرار على مختلف مكونات الساحة الفلسطينية، وتحليل مواقف الأطراف الفلسطينية المختلفة ومبرراتها.

تعكس تصريحات عدد من الفصائل الفلسطينية رفضًا لانعقاد المجلس المركزي وخطوة تعيين حسين الشيخ نائبًا للرئيس محمود عباس، مما يبرز استمرار الانقسامات وعمقها داخل الحركة الوطنية الفلسطينية بشأن هوية النظام السياسي وشرعيته، وتداعيات ذلك على مجمل القضية الوطنية بما يتجاوز مسألة ترتيبات خلافة الرئيس محمود عباس أو أزمة الثقة المرتبطة بتعيين نائب للرئيس.

وقد اتفقت الفصائل المعارضة، سواء تلك المنضوية تحت مظلة منظمة التحرير أو خارجها، على أن هذه الخطوة تفتقر إلى التفويض الوطني العام، وتمثل تكريسًا لحالة التفرد بالقرار بعيدًا عن مسار التوافق الوطني، مؤكدةً ضرورة إعادة بناء منظمة التحرير لتضم جميع القوى الفلسطينية، وإجراء انتخابات عامة شاملة.

وتوزع تيار الرفض لقرار التعيين إلى مستويين:

  • الأول: فصائل خارج إطار منظمة التحرير، وفي مقدمتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، حيث رفضتا مجمل مخرجات المجلس المركزي، معتبرتين أن القرار يعزز تفرد حركة فتح بالقرار الوطني، ويمثل إقصاءً لبقية الفصائل، مع تأكيدهما أن أي ترتيبات داخلية لا بد أن تكون نتاج حوار وطني شامل.
  • الثاني: فصائل معارضة من داخل منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى رأسها الجبهة الشعبية، وحركة المبادرة الوطنية، حيث قاطعت جلسات المجلس المركزي، في حين حضرت الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب أعمال المجلس وانسحبت قبل اختتامها. وقد وجّهت هذه الفصائل انتقادات لاذعة لما وصفته بالخطوات الأحادية، محذّرة من أن تجاوز مبدأ التوافق الوطني من شأنه تعميق الانقسام الفلسطيني.

انقسامات فتح المحتملة وأزمة الشرعية إلى الواجهة

يرى بعض المتابعين أن قرار تعيين حسين الشيخ نائبًا للرئيس الفلسطيني قد يرفع منسوب التوتر الكامن داخل حركة فتح، على الرغم من عدم بروز مؤشرات واضحة حتى الآن على اعتراض علني من تيارات بعينها داخل الحركة.

ويستند هذا التقدير إلى أن القرار جاء ضمن صياغة داخلية قد تكون بعيدة عن التوازنات التقليدية داخل فتح، الأمر الذي يُنذر باحتمال بروز انقسامات علنية خلال المرحلة المقبلة، خاصة مع تزايد مؤشرات تهميش التيارات غير المرتبطة بالقيادة الحالية في المنظمة والسلطة، وهو ما قد يترك تأثيرات سلبية على وحدة الحركة ما لم يكن القرار قد استند إلى توافق داخلي حقيقي بين مراكز القوى الأساسية.

ويمكن اعتبار ترحيب اللواء جبريل الرجوب، أحد أبرز قيادات الحركة وأمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، إشارة إلى أن القرار تم بتوافق نسبي داخلي، خصوصًا في ظل استمرار وجود مناصب مفتوحة محتملة مستقبلًا في حال غياب الرئيس محمود عباس، مثل رئاسة حركة فتح أو رئاسة السلطة الفلسطينية، التي تتطلب بالضرورة انتخابات تشريعية ورئاسية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

كما أن منصب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لا يُملأ تلقائيًا من قبل نائب الرئيس إلا بشكل مؤقت، إذ تُعدّ العملية خاضعة لآليات انتخابية خاصة، يتولاها المجلس المركزي المفوّض من قبل المجلس الوطني الفلسطيني.

من جانب آخر، يرى بعض المتابعين أن هذه الخطوة لم ترقَ إلى مستوى التطلعات التي أثارتها مخرجات القمة العربية الأخيرة، والتي شملت إعلان العفو العام عن جميع القيادات المفصولة من حركة فتح. وقد فتح هذا الإعلان الباب أمام تكهنات بإمكانية عودة محمد دحلان إلى المشهد السياسي من خلال تعيينه في المنصب الجديد، بدعم من أطراف إقليمية.

غير أن الرئيس محمود عباس بدد تلك التكهنات لاحقًا بتعيين حسين الشيخ، في خطوة جاءت استجابةً لمزيج من الاعتبارات الداخلية والضغوط الخارجية، مفضلًا الحفاظ على البنية القيادية القائمة.

ومع أن هذه الخطوة قوبلت بترحيب نسبي على المستوى الإقليمي، إلا أنها لا تزال تُعتبر من قبل بعض الأوساط خطوة ناقصة على الصعيدين الداخلي والخارجي، بالنظر إلى غياب التوافق الوطني حولها.

يُشير المشهد الداخلي الراهن إلى تزايد احتمالات اتساع رقعة الانقسام السياسي والتنظيمي، خاصة في أعقاب التصريحات التي أدلى بها الرئيس محمود عباس خلال كلمته في المجلس المركزي، والتي تضمن بعضها تعبيرات حادة تجاه حركة حماس. وقد ساهم ذلك في تجدد التوتر بين الحركتين، رغم وجود بعض المحاولات من الجانبين لاحتواء التصعيد الإعلامي والحد من تداعياته.

هذا المناخ عكس نفسه سريعًا في مواقف الفصائل المعارضة، وعلى رأسها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، تجاه قرار تعيين حسين الشيخ، حيث أعربت عن رفضها للخطوة بوصفها جاءت خارج إطار التوافق الوطني.

وعلى الرغم من إعلان القيادة الفلسطينية أن التعيين يهدف إلى تعزيز الاستقرار المؤسساتي وضمان استمرارية الكيان السياسي الفلسطيني في مواجهة تحديات مرحلة ما بعد الرئيس عباس، إلا أن قطاعات من الرأي العام رأت في القرار تعميقًا لأزمة الشرعية.

وقد أظهر المزاج الشعبي تباينًا ملحوظًا بين من يرى أهمية الحفاظ على الاستقرار المؤسسي، ومن يتحفظ على الأسلوب الذي جرت به هذه الخطوة، في ظل غياب توافق وطني شامل.

ثانياً ” بعد تعيين الشيخ نائباً للرئيس : استراتيجية “إسرائيلية” ثابتة  

من المتوقع أن تُبدي دولة الاحتلال الإسرائيلي قدرًا من المرونة في التعامل مع قيادة حسين الشيخ، لا سيما في الملفات الإدارية والمدنية المرتبطة بالضفة الغربية، دون أن يعني ذلك أي تحول جوهري في استراتيجيتها الثابتة الهادفة إلى تقويض الكيانية السياسية للسلطة الفلسطينية كعنوان شرعي للتمثيل الوطني، ومنع عودتها إلى المشهد في قطاع غزة.

ويستند هذا التقدير إلى وجود إجماع إسرائيلي واسع حول ضرورة تفكيك البنية السياسية الفلسطينية، عبر إضعاف السلطة الفلسطينية وتقسيم المكوّن الفلسطيني جغرافيًا وديموغرافيًا، وهو نهج ازداد وضوحًا مع تصاعد الحرب الحالية وما صاحبها من سياسات مُمَنهجة على الأرض.

وبناءً عليه، لا يُنظر إلى تعيين حسين الشيخ كتحوّل داخلي فلسطيني كافٍ، من وجهة النظر الإسرائيلية، لإحداث أي تغيير في استراتيجيتها الثابتة القائمة على منع ظهور قيادة فلسطينية موحّدة أو إعادة بناء وحدة جغرافية وسياسية للفلسطينيين، لما قد يحمله ذلك من استحقاقات سياسية وضغوط دولية لإحياء مسار التسوية، وهو ما تسعى إسرائيل إلى تجنّبه.

وعليه، من غير المرجّح أن تُغيّر دولة الاحتلال موقفها الرافض لعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، حتى في حال تصدّر شخصيات أكثر قبولًا للمشهد القيادي الفلسطيني.

في جميع الأحوال، يُعد استحداث منصب نائب الرئيس في كلّ من منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية خطوة تعزّز قدرًا من الاستقرار النسبي على المدى القصير، لا سيّما فيما يتعلق بتمكين القيادة السياسية الرسمية من التفاعل بمرونة أكبر مع التحديات الراهنة الناتجة عن حرب الإبادة الجماعية، سواء ملف المساعدات الانسانية وملف إعادة الإعمار وترتيب المشهد الفلسطيني في المرحلة المقبلة.

غير أن غياب آلية توافق وطني شامل، مثل تفعيل إطار الأمناء العامين لإقرار هذه التعديلات على المستوى الوطني ولو بصورة مؤقتة، يجعل الاستقرار السياسي القائم عرضة للهشاشة في مواجهة أي تطورات مفاجئة، لا سيّما في ظل تصاعد حالة انحسار الزخم الشعبي لدعم هذه الخطوات وتآكل شرعية المؤسسات الرسمية نتيجة تعطّل العملية الانتخابية لأكثر من عقدين.

ومع استمرار غياب أي مقاربة إصلاحية شاملة على المستوى الوطني، تتزايد مخاطر التفكك المؤسسي وتتعمق الفجوة السياسية والجغرافية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، بما يهدد بتقويض قدرة النظام السياسي الفلسطيني على إدارة مرحلة ما بعد الحرب بكفاءة واستقرار.

في ضوء ذلك، تفرض التحديات الراهنة على قيادة السلطة ضرورة إدراك أن نجاح أي ترتيبات داخلية على مستوى بنية النظام السياسي يرتبط بعدّة عوامل رئيسية، في مقدمتها: التوصل إلى تفاهم فصائلي شامل، ومواءمة هذه الترتيبات مع مخرجات القمة العربية والتفاهمات المحتملة بشأن وقف إطلاق النار في غزة، بما يفتح المجال لإعادة صياغة المشهد الفلسطيني ضمن إطار وطني موحّد.

  • الموقف الإسرائيلي  من حسين الشيخ 

لم تصدر عن الجهات الإسرائيلية أو الأمريكية تصريحات رسمية مباشرة بهذا الخصوص، بل اقتصر التناول على تعليقات صحفية وتسريبات إعلامية تتناول سيناريوهات مستقبلية، تركز في معظمها على التحديات الداخلية التي قد تواجه الشيخ في موقعه الجديد.

قبل أيام قليلة من انعقاد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية تقريرًا تناولت فيه شخصية حسين الشيخ وعلاقته بدولة الاحتلال، مستعرضة تقييم بعض الدوائر الإسرائيلية له.

وأشار التقرير إلى أن القيادة الإسرائيلية تنظر إلى حسين الشيخ باعتباره مرشّحًا محتملًا لخلافة الرئيس محمود عباس، بالنظر إلى علاقاته الواسعة مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وقدرته – من وجهة نظر تلك الدوائر – على إيجاد قنوات اتصال وتنسيق معها.

كما لفت التقرير إلى أن هذا التصور الإسرائيلي يستند إلى خبرة الشيخ في إدارة ملفات مدنية وأمنية حساسة، إضافةً إلى مواقفه الواضحة من بعض القوى الفلسطينية، وفي مقدّمتها حركة حماس.

ونقل التقرير عن مسؤول أمني إسرائيلي متقاعد وصفه لحسين الشيخ بأنه “يمثّل صوتًا مقبولًا في رام الله”، بل وذهب إلى حد القول إنه يُنظر إليه كـ”جندي احتياطي لإسرائيل” في بعض الأوساط الأمنية.

فقد رأت صحيفة هآرتس، مثلًا، أن تعيينه قد يُفسّر في بعض الأوساط الفلسطينية على أنه تعميق لحالة الانقسام، بينما أشارت معاريف إلى صعوبة استعادة ثقة الشارع الفلسطيني في ظل استمرار التعطّل المؤسسي. وفي السياق ذاته، ذكرت نيويورك تايمز أن الشيخ يُنظر إليه من قبل بعض الفلسطينيين على أنه بعيد عن الواقع المعيشي، نتيجة ارتباطه الوثيق بمنظومة التنسيق الأمني.

من المهم التعامل بحذر مع ما يُنشر من تسريبات في الإعلام الإسرائيلي بشأن المرحلة المقبلة في العلاقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، خصوصًا ما يتعلق بشخص حسين الشيخ. فقد أظهرت التجربة الفلسطينية أن بعض هذه التسريبات تُستخدم أحيانًا كأدوات للتأثير في البيئة الداخلية، وزرع الشكوك بين القوى الفلسطينية، بما يخدم مصلحة استمرار الانقسام.

من هنا، فإن أي تحليل للعلاقة المستقبلية بين حسين الشيخ وإسرائيل ينبغي ان يجتنب أي استنتاجات حاسمة بناءً على تسريبات غير موثقة. كما أن المبالغة في تصوير طبيعة العلاقة أو تضخيم حجم الدور المتوقع لا يعكس بدقة تعقيدات الواقع السياسي والأمني في الضفة الغربية، خاصة في ظل مواقف الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي لا تُظهر انفتاحًا على استعادة السلطة الفلسطينية لدورها كما كان قبل 7 أكتوبر 2023.

  • إسرائيل تتمسّك بعدم تمكين السلطة 

يتزامن التصعيد الإسرائيلي المستمر في قطاع غزة ومخيمات شمال الضفة الغربية مع تراجع تدريجي في صلاحيات السلطة الفلسطينية، سواء على المستوى الأمني أو الإداري داخل الضفة الغربية، إلى جانب الضغوط الأمنية والعسكرية والاقتصادية الإسرائيلية التي تقود الى تآكل مكانتها السياسية ومركزها القانوني الذي تأسس وفق اتفاق أوسلو عام 1993.

وفي هذا السياق، تُقابل الإجراءات التي أعلنها الرئيس محمود عباس تحت عنوان “الإصلاحات” في منظمة التحرير الفلسطينية بترحيب حذر من بعض الدوائر السياسية والإعلامية، إلا أن هذه الأصوات لا يبدو أنها تؤثر في اتجاهات القرار السياسي الإسرائيلي، خاصة في ظل هيمنة اليمين الصهيوني المتطرف الذي لا يُظهر قبولًا بمبدأ وجود كيان سياسي فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا يُبدي انفتاحًا على استئناف علاقات دبلوماسية أو ترتيبات سياسية وأمنية خلال المرحلة القادمة.

وعلى الرغم من العلاقات الواسعة التي راكمها حسين الشيخ مع الجانب الإسرائيلي خلال فترة توليه رئاسة هيئة الشؤون المدنية، فإن ذلك لا يشير بالضرورة إلى استعداد إسرائيلي لإطلاق مسار سياسي جديد قائم على الاعتراف الكامل بالسلطة الفلسطينية كإطار تمثيلي موحد للفلسطينيين. بل تُظهر المؤشرات توجهًا إسرائيليًا نحو تعزيز أنماط من الإدارة المدنية التي تتفاوت بحسب الخصائص السكانية والجغرافية لمناطق الضفة الغربية، إلى جانب مواصلة تقليص الصلاحيات الأمنية للسلطة، وتكثيف الاستيطان، ومواصلة عمليات الضم والتهويد.

كما تواصل إسرائيل الضغط على السلطة الفلسطينية لتقليص دورها السياسي وتقييد شرعيتها على الصعيدين الداخلي والخارجي. وفي ضوء ذلك، يُقرأ الترحيب الإقليمي بتعيين حسين الشيخ في بعض الأوساط على أنه محاولة لإعادة إحياء الكيان السياسي الفلسطيني في سياق إقليمي يتطلع إلى تثبيت الاستقرار وإعادة ترتيب العلاقات مع الجانب الفلسطيني.

كخلاصة للموقف الاسرائيلي، لا يُعد تعيين حسين الشيخ مفاجئًا بالنسبة لإسرائيل، خاصةً في ظل المواقع التي كان يشغلها في السلطة الفلسطينية كرئيس هيئة الشؤون المدنية أو موقعه الحالي كأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. ويمكن تفسير غياب الموقف الإسرائيلي الرسمي بأنه يعكس وضوح مسار العلاقات المستقبلية من منظور الحكومة الإسرائيلية، التي لا تُبدي انفتاحًا على حل سياسي شامل، فيما قد ترى بعض الأطراف الفلسطينية في هذا التعيين فرصة لتعزيز موقعها التفاوضي وإعادة فتح النقاش حول مسارات التسوية.

ثالثاً: تماثل الدعم الإقليمي

على مدار سنوات، انشغلت العديد من الدول العربية والإسلامية بدعم جهود إصلاح المؤسسات الفلسطينية بهدف تجنب حدوث فراغ في الشرعية قد يُستغل دوليًا، خاصة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، لتجاوز الحقوق الوطنية الفلسطينية. وخلال فترة الحرب، عُقدت عدة اجتماعات شاركت فيها مصر والسعودية والأردن، ركّزت على دعم الإصلاحات الإدارية والسياسية الفلسطينية، بما ساهم في توفير سياق إقليمي للتعامل مع مخاطر تعثر مؤسسات الحكم وصعوبة ملء الفراغ المحتمل في الوقت المناسب.

وقد حظي قرار المجلس المركزي واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بما في ذلك المصادقة على تعيين حسين الشيخ نائبًا لرئيس دولة فلسطين ورئيس اللجنة التنفيذية، بترحيب واسع من عدة دول عربية وإسلامية، أبرزها السعودية، مصر، الكويت، الأردن، وتركيا. كما أصدرت وزارات الخارجية في تلك الدول بيانات تؤكد استعدادها لمواصلة دعم الفلسطينيين، بما يعزز الجبهة الداخلية ويمهّد لتثبيت وقف إطلاق النار وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

من جانبها، رحبت مصر بنتائج اجتماع المجلس المركزي، ووصفت في بيان صادر عن وزارة الخارجية بتاريخ 27 أبريل 2025 تعيين نائب للرئيس الفلسطيني بأنه خطوة مهمة في سياق إصلاح السلطة، واستجابة لتوصيات القمة العربية الاستثنائية في القاهرة بتاريخ 4 مارس 2025. واعتبرت هذه الخطوة جزءًا من دعم الجبهة الداخلية وتعزيز التنسيق بين الفصائل الفلسطينية، في وقت تمر فيه القضية الفلسطينية بمنعطف تاريخي حاسم.

أما وزارة الخارجية السعودية، فقد وصفت الخطوات الأخيرة بـ”الإجراءات الإصلاحية”، وأشارت إلى أن استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية ونائب رئيس دولة فلسطين يمثل مقدّمة لتعزيز العمل السياسي الفلسطيني نحو استعادة الحقوق الوطنية، وفي مقدّمتها إقامة الدولة المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. كما وصفت وزارة الخارجية الأردنية الخطوة بأنها “إجراءات تحديثية”، تمهد لمسار سياسي أوسع يعكس آفاق العمل الفلسطيني المشترك.

في السياق ذاته، أشارت وزارة الخارجية الكويتية إلى أهمية دعم المسار الإصلاحي باعتباره أداة لتنظيم العمل السياسي الفلسطيني وتوحيد السياسات الوطنية، في إشارة واضحة إلى ربط الإصلاح الداخلي بوحدة الصف الوطني. كذلك، رحب البرلمان العربي في بيان صادر في 27 أبريل 2025 بتعيين حسين الشيخ نائبًا لرئيس دولة فلسطين، واعتبر الخطوة دعمًا لتطوير أداء منظمة التحرير الفلسطينية وتعزيز وحدة الموقف الفلسطيني وقدرته على الصمود.

أما تركيا، فقد رأت في التعيين عاملًا مساعدًا على تعميق العلاقات الثنائية مع فلسطين، مشيرة إلى أن هذا التطور يتكامل مع جهودها المشتركة مع مصر وقطر في دعم مساعي وقف إطلاق النار وترتيب البيت الفلسطيني الداخلي.

وبغض النظر عن تعدد الأطراف الإقليمية الداعمة، يمكن القول إن المواقف المُعلنة عكست تقاربًا لافتًا في دعم استقرار المؤسسات الفلسطينية، بما يهيئ لمرحلة انتقالية ترتكز على تعزيز الشرعية الوطنية وتوفير الأرضية السياسية المناسبة للتقدم نحو تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.

ختاماً: يأتي قرار تعيين حسين الشيخ نائبًا لرئيس دولة فلسطين ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في لحظة مفصلية تمر بها القضية الفلسطينية، وسط تحديات داخلية غير مسبوقة وتحولات إقليمية ودولية متسارعة. ومن خلال تحليل المواقف المختلفة، يبرز هذا القرار بوصفه انعكاسًا لتقاطع اعتبارات سياسية داخلية وإقليمية، دون أن يخرج عن دائرة الجدل والانقسام.

فعلى المستوى الفلسطيني، عبّرت فصائل رئيسية عن رفضها للخطوة، سواء من داخل منظمة التحرير أو خارجها، معتبرة إياها امتدادًا لحالة التفرد بالقرار، في حين رأت فيها أطراف أخرى محاولة لضبط المشهد المؤسساتي في ظل غياب آليات التوافق الشامل. وقد كشف هذا التباين عن عمق الأزمة البنيوية التي يواجهها النظام السياسي الفلسطيني، لا سيما في ما يتعلق بالشرعية والتمثيل.

أما من منظور إسرائيلي، فرغم وجود بعض المؤشرات على تفضيل التعامل مع الشيخ في الملفات الإدارية، فإن القراءة الإسرائيلية العامة لا تُظهر استعدادًا لإعادة الاعتبار السياسي للسلطة الفلسطينية. بل تتجه السياسة الإسرائيلية نحو تقليص دورها، وتعزيز أنماط من الإدارة الميدانية، بما يتماشى مع استراتيجية تفكيك الكيانية السياسية الفلسطينية وتكريس الفصل الجغرافي والديموغرافي.

إقليميًا، جاء الترحيب بتعيين حسين الشيخ انعكاسًا لرغبة عدد من الدول العربية في دعم استقرار المؤسسات الفلسطينية، وتجنّب فراغ في الشرعية يمكن أن يُستغل سياسيًا أو أمنيًا. كما اعتُبرت الخطوة جزءًا من تفعيل مخرجات القمة العربية الأخيرة، ومحاولة لتوحيد الموقف الفلسطيني وإعادة بناء البيت الداخلي استعدادًا لاستحقاقات ما بعد الحرب.

وعليه، فإن نجاح هذه الخطوة يبقى مشروطًا بقدرتها على تحفيز مسار إصلاحي شامل، يستند إلى توافق وطني حقيقي، ويعيد بناء الثقة بين المؤسسات والشارع الفلسطيني، في ظل استمرار التحديات الوجودية التي تواجه المشروع الوطني الفلسطيني.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق