تقدير الموقف

حماس في المفاوضات بين أطراف الداخل ومعادلات الخارج

مع تقديم حركة حماس موافقتها مع تعديلات جزئية على مقترح ويتكوف الأخير، يعاني المشهد التفاوضي في الدوحة من انسداد حال دون انجاز الخطوة النهائية للتوقيع، رُغم تجاوز العديد من النقاط الخلافية بين الطرفين، تسببت الولايات المتحدة في حدوث ارتباك بانسحابها من الجولة الحالية. وفي ضوء هذه التطورات يتناول التقرير مواقف الأطراف المختلفة من دور حماس في المفاوضات، وخصوصاً ما يتعلق بالردود الفلسطينية تجاه ملاحظاتها الأخيرة، وأيضا، تقييم حكومة الاحتلال في هذا الشأن، وأخيراً، يعرض التقرير السياسات العربية والإسلامية لحماس ضمن القضية الفلسطينية.

أولاً: الفلسطينيون ودور حماس التفاوضي

في سياق موجة انتقادات حادة حول حقيقية تُعطيل التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، تصدر السلوك التفاوضي لحركة حماس النقاشات الاعلامية والسياسية الجارية، وخصوصاً مع تحميل الطرفين؛ الأمريكي والإسرائيلي حماس مسؤولية التأخير واتهامها بـ التعنت تجاه كافة المقترحات المطروحة، وهو ما رفضته الأخيرة، مشيرةً إلى أن المعرقل الرئيسي يكمن في مراوغة الاحتلال إزاء شرطي الوقف النهائي للحرب او الانسحاب الكامل من القطاع.

الفصائلي والسلوك التفاوضي

مع تصاعد وتيرة الانتقادات الداخلية التي طالت سلوك حماس التفاوضي سعت حركة حماس إلى توسيع دائرة التشاور الوطني الفصائلي على آلية التفاوض مع الاحتلال، عبر توجيه ردود موحدة على المقترحات المطروحة، مما حدّ جزئياً من وتيرة الاتهامات لها باحتكار القرار التفاوضي دون الرجوع إلى أي من الأطراف الفلسطينية. وبناءً عليه، حرصت بعض الفصائل إظهار مساندتها لسلوك حماس التفاوضي، وبالأخص حركتا الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية اللتان أكدت على أنهما يتم التشاور معهم في كافة المقترحات، بما يضمن وقف شامل للعدوان وانسحاب كامل للاحتلال وتخفيف معاناة غزة. وفي المقابل، أبدت حركة فتح موقفاً ناقداً لسلوك حماس التفاوضي، باعتباره يجري خارج إطار منظمة التحرير، وهو ما صرّح به العديد من قياداتها التي وصفت سلوك حماس بأنها يضعها فوق الشرعية الفلسطينية، متهماً إياها بالتوافق الضمني مع الاحتلال على إقصاء السلطة الفلسطينية من المشهد، وأنها تمارس فيتو ضد مشاركة السلطة الفلسطينية.

موقف السلطة الفلسطينية

تستمر قيادة السلطة الفلسطينية في انتقاد السياق التفاوضي، ومما زاد من استياء قيادة السلطة التجاهل الأمريكي لطلب محمود عباس للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بضرورة إشراك السلطة في المفاوضات. كما أعربت عن اعتراضها الشديد لعدم تضمين أي بنود في الاتفاق تربط التصعيد الجاري في الضفة الغربية بالتهدئة في قطاع غزة، وهو ما يُكرّس الانقسام الجغرافي الفلسطيني بما يتماشى مع مخطط الاحتلال الرامي إلى تقويض المكون الفلسطيني سيادياً وجغرافياً. ورُغم توافق موقف قيادة السلطة مع الموقف الفصائلي بشأن شرطي الوقف النهائي للحرب والانسحاب الكامل لجيش الاحتلال من القطاع، فإن طرحها بخصوص تسلّم إدارة القطاع وسلاح المقاومة يُشكّل موضع تباين مع التوجه الفصائلي، نظراً لتزامن هذا المطلب مع رفض الاحتلال هذا البند في تفاهم إنهاء الحرب، وهو ما قد يفتح الباب أمام تأزيم المشهد الفلسطيني الداخلي. وفي المقابل، أبدت قيادة السلطة مؤخراً مؤشرات على انفتاحها على أي تفاهمٍ داخلي شامل بخصوص إدارة القطاع، وهو ما يفتح الطريق إلى حلول ترتكز على مبادرات سابقة مدعومة من أطراف إقليمية مثل العودة كمرحلة انتقالية إلى لجنة الاسناد المجتمعي أو صيغ أخرى عربية أو دولية يتم تمكين السلطة الفلسطينية فيها تدريجياً.

الشارع الغزّي تحت وطأة المجاعة

في ظل تصاعد المجاعة إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، لم تعد التقارير الإعلامية الواردة التي تؤكد اقتراب اتفاق وقف إطلاق النار، تحمل أي أمل لدى الغزّيين، مما انعكس على نظرتهم للمشهد التفاوضي الجاري، حيث تتصاعد أصوات شريحة واسعة من سكان القطاع بتحميل حركة حماس المسؤولية من تأخير توقيع الاتفاق وعدم تلبية تطلعاتهم في التوصل سريعاً إلى أي هدنةٍ تُوقف الحرب، مهما كانت كلفتها السياسية والجغرافية في قطاع غزة. ورُغم نجاح حركة حماس في توجيه ضغط ميداني وداخلي على حكومة الاحتلال من جرّاء ارتفاع وتيرة العمليات العسكرية النوعية والمركبة ضد قوات الاحتلال، إلا أن استخدام الإحتلال لسلاح التجويع ضد المدنيين والاستهداف الممنهج لهم في مراكز التوزيع زاد من تأزيم موقفها التفاوضي، لا سيّما مع انعدام أدوات الضغط الإقليمي والدولي التي تُوقف المجاعة.

المجتمع المدني الفلسطيني

تُظهر تصريحات مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني إدراكاً ملحوظاً لعلاقة الترابط بين الضغط الإنساني المتفاقم و التعامل مع أي مبادرة تهدئة تُنهي المعاناة المستمرة، حتى وإن كانت مؤقتة، لا سيّما وأن مؤسسات العمل الإنساني باتت هل الأخرى تعاني من انعدام القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية لإغاثة السكان الجوعى في ظل انعدام المساعدات في الآونة الأخيرة. ومن جانبٍ آخر، قدمت العديد من الشخصيات البارزة في المجتمع المدني الفلسطيني انتقادات ضمنية لسلوك حماس التفاوضي، عبر التأكيد على الحاجة الملّحة لتحقيق اتفاق يُنهي الأزمة الإنسانية المتفاقمة، فيما تصب آرائهم على تقييم استراتيجية حماس التفاوضية بالغامضة، نظراً لأن المرحلة تتطلب كلفة انسانية وسياسية تكسر حالة الجمود التي تؤخر توقيع وقف إطلاق النار، لكي تقطع الطريق على الذرائع الإسرائيلي وإنهاء الحرب. وعلى أي حال، يبرز تباين المواقف الفلسطينية إزاء المسار التفاوضي باعتباره انعكاساً للتعقيدات الداخلية المتفاقمة، في وقتٍ تنحسر فيه البدائل الواقعية أمام الفاعلين الفلسطينيين، مع تفاقم الكارثة الإنسانية في ظل تصاعد المجاعة واستهداف المدنيين في مراكز التوزيع. ورغم وجود تقاطعات نسبية في بعض المواقف، فإن استمرار الاحتلال في التعنت وعدم التعاطي إيجابياً مع أي مقترحات وشروط تُنهي الحرب يضاعف من حجم التحديات أمام الوفد المفاوض ويقلّل فرص انتزاع اتفاق يلبي الحد الأدنى من التطلعات الوطنية، بما يُفضي إلى مخرجٍ سياسي وإنساني مستدام لمرحلة ما بعد الحرب.

ثانياً: الرؤية الإسرائيلية لسلوك حماس التفاوضي

خلال الأشهر الأولى من الحرب على غزة، كان رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو يتحمل كافة الانتقادات الموجهة له من المعارضة، والإعلام وأهالي الرهائن والعديد من الأطراف الإقليمية والدولية التي تؤكد دائماً على أن استمرار الحرب على غزة يمثل مصلحة شخصية وسياسية لنتنياهو الذي يخشى دائماً من الوصول لاتفاق ينهي الحرب في غزة، وبالتالي يتسبب في نهاية ائتلافه اليميني. ومع تكرار جولات المفاوضات في الدوحة وفشلها في الوصول إلى الحلول الدبلوماسية تغيرت المعادلة والانتقادات الداخلية الموجهة لمفاوضي حركة حماس، لتصبح قيادة حماس إعلامياً في نفس خانة نتنياهو، خاصةً بعد فشل المساعي المصرية في الوصول لتفاهم فصائلي بشأن إدارة قطاع غزة، وما تبع ذلك من تراجع الدور المصري في جهود الوساطة، وصولاً الى فعاليات شيطنة المقاومة، باعتبارها جزءً من الفشل في الوصول الى وقف اطلاق النار في غزة، فقد اعتادت الأطراف الإقليمية مؤخراً على تقديم المبادرات ثم تسليط الضوء الإعلامي على رد حماس، ليتحول رد هذه الأخيرة على تلك المبادرات بمثابة العامل الأساس في وضع حداً لهذه الحرب بغض النظر عن الموقف الإسرائيلي، وهو ما يدلل على نجاح إسرائيل في التأثير على سلوك وتوجهات كافة الأطراف بما فيهم العقل الباطني الفلسطيني، لأنها جعلت شريحة كبيرة من الشعب الفلسطيني تنظر للمقاومة كطرف معطل لوقف الحرب. وهنا، تبدو أهمية تناول المواقف الداخلية الإسرائيلية المختلفة من سلوك قيادة المقاومة التفاوضي، ونجاحها في نقل قيادة المقاومة من مربع الدفاع أمام الجرائم الإسرائيلية الى مربع الاتهام تحمل مسؤولية استمرار الحرب.

موقف حكومة نتنياهو من سلوك حماس التفاوضي

من جانبها، استمرت الحكومة الإسرائيلية في تحميل حركة حماس مسؤولية استمرار الحرب في غزة، لأنها دائما ما تربط وقف الحرب بشكل مؤقت بتسليم المقاومة للرهائن الإسرائيليين، ففي 18 يوليو 2025 رفضت الخارجية الإسرائيلية بيان الأطراف الأوربية التي دعت الى وقف الحرب في غزة، لأنها اعتبرت أن هذه المطالب تُعطي إشارات خاطئة لقيادة حماس، لأنها تعتبر أن هذه الأخيرة هي المسؤولة عن استمرار الحرب في غزة. حتى بعد خرقها لاتفاق التهدئة في 18 مارس/ أذار 2025 بررت الخارجية الإسرائيلية قرارها هذا بتعنت حماس، ورفضها الافراج عن جميع الرهائن، وهذا ما عاد وأكد عليه في 16 يوليو/ تموز جدعون سيغال وزير الخارجية في حكومة نتنياهو، موضحاً أن إسرائيل لا تمتلك خياراً سوى استمرار الحرب لإجبار حماس على تسليم الرهائن. في السياق ذاته اعتاد المبعوث الأمريكي ويتكوف على دعم موقف الحكومة الإسرائيلية، فقبل استئناف جولة المفاوضات الحالية عبر ويتكوف عن خيبة أمله محملاً قيادة حماس مسؤولية توقف المفاوضات، بسبب رفضها لوقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين. لم يتغير هذا السلوك الإسرائيلي منذ بدء الحرب على غزة، لكن النجاح الذي حققته الحكومة الإسرائيلية في هذا السياق هو استخدامها لكافة الوسائل الضاغطة على الفلسطينيين، وأخرها وسيلة الامعان في القتل والتجويع، وبالتالي جعل الجبهة الداخلية الفلسطينية أداة ضغط إضافية على قيادة حماس، لأنها باتت المسؤول عن استمرار الحرب بغض النظر عن الموقف الإسرائيلي.

موقف المعارضة الإسرائيلية من سلوك حماس التفاوضي

تتفق المعارضة الإسرائيلية مع موقف حكومة نتنياهو في تحميل المقاومة الفلسطينية مسؤولية استمرار الحرب، وذلك وفق التوجه اليميني العام في إسرائيل الساعي دائماً لتصفية القضية الفلسطينية، لكن في إطار الخلافات الداخلية يتم التركيز على تكاليف الحرب وأعبائها الأمنية والاقتصادية وسمعة إسرائيل الدولية، وهذا ما عبرت عنه الكثير من قيادات المعارضة في إسرائيل، حيث يصف يهود أولمرت رئيس الوزراء الأسبق حكومة نتنياهو بالعصابة الاجرامية بسبب الخسائر الضخمة التي تكبدتها إسرائيل، كما يتفق كل من غانتس ويائير لبيد على أن رفض قيادة حماس لما يتم تقديمه من مقترحات يعطل جهود التهدئة ويطيل أمد الحرب في غزة. لكن في هذه الإطار يظهر خلافاً مهماً بين حكومة نتنياهو والمعارضة الإسرائيلية التي تحمل الحكومة مسؤولية الإخفاق في رسم خريطة سياسية واضحة بعد العمليات العسكرية الجارية ضد المقاومة في غزة، وهنا يتم تجاهل رؤية نتنياهو التي يمكن تسميتها بالعشوائية المقصودة، أو بتجاهل الوصول لمرحلة ما بعد حماس في غزة، لأسباب لها علاقة بمخطط التهجير واستبعاد أي فرص للحلول السياسية التي يمكن أن تجبر إسرائيل على تقديم تنازلات سياسية لاحقاً. من ناحية أخرى ربطت المعارضة الإسرائيلية دور الأطراف الإقليمية الداعمة لموقف حركة حماس بصراعها مع نتنياهو، وفي وقت سابق حملت نتنياهو مسؤولية إدخال الأموال القطرية الى غزة لتقوية حماس، وخلال الصراع الداخلي، تلاقى نتنياهو مع موقف المعارضة، في 24 يناير 2024 نقل المسؤولية لقطر بسبب عدم ضغطها على حماس لإطلاق سراح الرهائن، وذلك في إطار الدفاع عن تقصيره وعدم قدرته على الوصول للرهائن في غزة. في سياق متصل لم تقدم الحكومة والمعارضة الإسرائيلية أي أدلة كافية تظهر من خلالها دور الأطراف الإقليمية كإيران وقطر وغيرها باعتبارها تلعب دوراً مؤثراً على موقف قيادة حماس التفاوضي، كما أن هذه المسألة تراجع تداولها في المستويات السياسية المختلفة في إسرائيل.

موقف الاعلام والرأي العام الإسرائيلي من سلوك حماس التفاوضي

على النقيض من الموقف الإسرائيلي الرسمي، وخلافاً لحالة التوافق الظاهرة بين الحكومة والمعارضة الإسرائيلية بشأن الاعتماد الدائم على الخيار العسكري، والاختلاف فقط على السلوك السياسي، ودعم المعارضة لفكرة وقف الحرب بشكل مؤقت لاستعادة الرهائن، وكذلك تحقيق مكاسب سياسية داخلية، يُلاحظ لأن الأصوات المطالبة بوقف الحرب في إسرائيل وصلت إلى 82 %، وهي نسبه كبيرة لا تعبر عنها الحكومة والمعارضة الإسرائيلية. لكن بشكل عام تطرح الأصوات الإعلامية الإسرائيلية رفض قيادة حماس للمقترحات الإقليمية في إطار سعي المقاومة لتشويه صورة إسرائيل، ومحاولة إيجاد فجوة في موقف إسرائيل وحلفائها الدوليين، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما تم استعراضه في الإعلام الإسرائيلي باعتبار أن ثمة خلافاً بين نتنياهو والرئيس الأمريكي ترامب على افتراض أن هذا الأخير يسعى لوقف الحرب بغض النظر عن موقف حكومة نتنياهو.

ثالثاً: الإقليم والمفاوضات وحماس

على الرغم من انتشار قيادة حماس ما بين قطر، تركيا ومصر وإيران، حافظت هذه الدول على علاقة مستقرة مع الحركة والمقاومة، برزت ملامحها في اعتبارها شريكاً أساسياً في العملية التفاوضية وفي الأمن الإقليمي. ووفق هذه الأرضية، تشكلت العلاقات بين الحركة وهذه الدول على مدى فترة الحرب.

مرجعية الموقف العربي

خلال المبادرات المختلفة، حاولت الدول بناء الموقف التفاوضي على أرضية ضمان الحقوق الفلسطينية بغض النظر عن طبيعة موقف حماس، وقد تشكلت هذه الرؤية على حاجة الأطراف الفلسطينية للدعم في مواجهة الاحتلال والولايات المتحدة، بحيث لا تكون هناك فجوة واسعة تؤدي لفرض المشاريع الغربية على الأرض، وكان هذا واضحاً في رفض الدول الإسلامية للتهجير ومنح حماس حرية التحرك ما بين العواصم المختلفة. ورغم صعوبة أجواء التفاوض، تدرك الدول أن حماس ليست العامل الحاسم في تقدم أو تأخير النتائج، ولذلك، قامت مواقفها على أن يظل الطرف الفلسطيني حاضراً في كل المراحل. وقد ساعدت هذه الأبعاد في تَفَهم تباطؤ الرد على المقترحات، وقد كشفت مناقشة ترتيبات “اللجنة المجتمعية” عن وجود أرضية مشتركة للوصول للتهدئة ووقف الحرب، غير أن حدوث اختراقات من جانب الاحتلال عمل على تعطيل هذا المقترح وغيره من المبادرات. ظهر هذا التوجه بوضوح في الجولة الحالية للتفاوض، خلال هذه المرحلة، جرت اجتماعات ما بين حماس ووزير خارجية تركيا، كما جرت اتصالات مع مصر. وبشكل عام، كانت هذه الدول أكثر تفهماً لردود حماس على مقترح التهدئة، ومساندته أمام الولايات المتحدة وإسرائيل.

صمود عربي لجانب حماس

اتضح المنظور العربي تجاه حركة حماس والقضية الفلسطينية عندما هددت الولايات المتحدة بالانسحاب على الرغم من تقدم المفاوضات حول صفقة التهدئة لستين يوماً. فعلى نحو مفاجئ، اعتبر ويتكون أن موقف حماس غير جدير بالثقة، وذلك على مؤشرات التحسن في جدول الأعمال منذ بدء الجولة الحالية. وقد استقر الموقف الأمريكي بالانسحاب مع تصريح ترامب. وفي مواجهة الانسحاب الأمريكي، أعلنت مصر وقطر (25 يوليو 2025) الاستمرار في الوساطة حتى التوصل لاتفاق تهدئة، ويمثل هذا الموقف توجهاً عاماً، وامتداداً للبيان الصادر في 5 يوليو الجاري الإشارة للتركيز على القضايا الأساسية وتجنب كل ما يعيق مصلحة الشعب الفلسطيني. تؤكد هذه المواقف على الرغبة المشتركة في منع انهيار المسار التفاوضي، ومواجهة المراوغة الأمريكية والإسرائيلية، حيث نظرتا لتصريحات ويتكون ثم ترامب ممارسة تقليدية الهدف منها منح إسرائيل فرصة لإعادة جدولة مطالبها. يقوم موقف البلدين على فهم طبيعة الوساطة، فمنذ انطلاقها، قام ترتيب الوساطة على أن تكون مصر وقطر ممثلتان للطرف الفلسطيني في مقابل تمثيل الولايات المتحدة لإسرائيل. استقر الجولات على هذا الشكل الذي يوفر الحد الأدنى من الضمانات للتبادل وتنفيذ الالتزامات، وهذا ما اتضح في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في فبراير الماضي. وفي هذا السياق، تبدو المواقف المصرية والقطرية انعكاساً لفهم أهمية وجود طرف عربي على مائدة التفاوض، فعلى مدى الجولة الأخيرة، حاولت مصر وقطر اتخاذ موقف مشترك في مواجهة الولايات المتحدة. في بداية هذا الشهر، صدر بيان يؤكد على اتساق الجهود لأجل الوصول لحلٍ دائم والاستمرار في الوساطة وإنهاء الأزمة الإنسانية غير المسبوقة في القطاع. وبشكل عام، يقوم تقدير الموقف على أن وجود مسار الوساطة ضروري للتوصل للتهدئة أو الحل الدائم، ولذلك، يكون انسحاب أي طرف لتعطيل مسار الوساطة أو انهياره. ويعد اللجوء للانسحاب، سواء بغرض التعطيل المؤقت أو وقف المسار بأكمله نوعاً من التجاهل أو إبقاء الوضع الراهن.

العمل الجماعي وحماس

على المستوى الإقليمي والإسلامي، وفي هذه الأجواء. في 23 يوليو صدر موقف مُوحد لما يقرب من عشر دول، منها مصر وتركيا والسعودية والإمارات وقطر، تبنت فيه رفض قرار الكنيست بالاستيلاء على الضفة الغربية لتجاوزه القرارات الدولية وتقويض حل الدولتين. يمهد هذا البيان لأن تكون غزة والضفة الغربية على نفس مستوى الاهتمام في جدول التهدئة والحل النهائي، وهو ما يتطلب اقتراح مسار مُوحد للتفاوض يجمع كل الأراضي الفلسطيني، يكون تحت رعاية المجموعة التي أصدرت البيان بتعاون مع السلطة الفلسطينية وتسهيل من الفصائل الفلسطينية. على أية حال، لا يمكن قصر الموقف الأمريكي على الانسحاب النهائي من وساطة، فهناك أمران أساسيان، يتمثل الأول في أن الولايات المتحدة هي طرف أصيل في دعم العدوان وحماية “إسرائيل”، ليكون موقفها محاولة لهدم المسار السياسي ومنح إسرائيل فرصة وحماية. أما الثاني، فهو ما يرتبط بمقاربة أمريكا للملف الفلسطيني في ضوء الوضع في سوريا ولبنان، حيث تتشابه مواقف مبعوثيها في صياغة المواقف بطريقة تمنع الأطراف المحلية من التقاط أنفاسها فيما تُدعم نفوذ إسرائيل في المناطق المجاورة. تدرك الأطراف العربية هذه التوجهات. فإنه رغم وجود ملاحظات على أداء حماس، هناك توافق على مراوغة الاحتلال عبر تقديم مقترحات جزئية لا تُلزمه بربط الانسحاب ووقف إطلاق النار، مما يضع الوسيطين وحركة حماس أمام مسارٍ تفاوضي معقّد يضطرها إلى رفض هذه المقترحات. وفق التوجهات العامة، تقوم المواقف العربية والإسلامية على أن الوضع الفلسطيني شديد التأثر بالعوامل الخارجية، ولذلك، تساهم نوع الاستجابة الفصائلية في بقاء الملف الفلسطينية في أولوية طاولة التفاوض. كانت استجابة حماس في المراحل الأخيرة قريبة من تحقيق اختراق في هذا الجانب، حيث يمكن بناء أرضية مشتركة مع الدول المؤيدة للحق الفلسطيني والاستفادة من الوعد باعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية، ولذلك، استمرار التواصل مع حماس رغم القيود الكثيرة هو من النتائج الإيجابية التي يمكن البناء عليها في استعادة زخم الحركة الوطنية، بالاستفادة من الجانب الإيجابي في الاحتكاك السياسي على مدى ما يقرب من عامين.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق