مقالات رأي

خطة ترامب بين إعاقة الاعتراف الدولي وجدية وقف الحرب

جاء إعلان ترامب عن خطته للسلام، بُعيد لقائه بـ نتنياهو، مساء يوم الاثنين في البيت الأبيض، 29 سبتمبر 2025، وسط ترحيبٍ دولي واسع وقبول عربي واسلامي غير مسبوق. شملت عشرين بنداً بشأن تفاصيل وقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى، دون وضوحٍ أي التزاماتٍ على دولة الاحتلال تجاه سيادة الكيان الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة أو حتى الإشارة إلى دولة فلسطينية. يتناول هذا التقرير المجريات المصاحبة للخطة الأمريكية والمواقف المختلفة منها؛ على الجانب الإسرائيلي، والدولي ـ الإقليمي، وأخيراً، الفلسطيني، وذلك في إطار عرض لاتجاهات القبول بالمبادرة والاعتراض عليها وما تمثله من فرص وتحديات.

أولاً: خطة ترامب في مواجهة الاعترافات الدولية

يتفق الخبراء والمحللون في إسرائيل على أن موجة الاعترافات الدولية بدولة فلسطين باتت الخطوة الأهم في ترسيخ عزلة إسرائيل دولياً، لأن الإدارة الأمريكية التي تشكل دائماً حاجزاً دولياً لحماية إسرائيل، قد لا تستطع الاستمرار في التبني الشامل لتصرفات حكومة نتنياهو نظراً لتغير مواقف العالم في غير صالح إسرائيل.

تعميق الفجوة بين إسرائيل والعالم

حاولت وسائل الاعلام الإسرائيلية تحليل التداعيات السياسية على إسرائيل بعد موجة الاعترافات الغربية بالدولة الفلسطينية، وخلصت الى أن اتساع موجة الاعترافات يمكن أن يعمق من المواجهة الإسرائيلية مع القوى الأوروبية، ويعيد العلاقات الإسرائيلية مع القوى الإقليمية الى مستوى غير مسبوق من التصدع، خاصةً وأن تلك الاعترافات التي تجاوزت الموقف الإسرائيلي نزعت من إسرائيل ورقة الاعتراف الغربي التي كانت تحصل من خلاله على تنازلات، وهو ما يشبه ورقة الاعتراف العربي التي كانت تحتفظ بها السلطة الفلسطينية قبل اتفاقيات أبراهام. وهنا، تشكل الاعترافات الغربية اختراقاً فلسطينياً على عكس ذلك الاختراق الذي حققته إسرائيل سابقاً على الساحة الإقليمية والعربية. 

هذا التحول الذي أحدثة الاعترافات الدولية يمثل تحدياً لإسرائيل والإدارة الأمريكية التي تحاول ترسيخ مشروعها في الشرق الأوسط والذي يقوم على تعزيز التحالف العربي الإسرائيلي، لذلك جاءت خطة ترامب لوقف الحرب في غزة. في هذا السياق، يعتبر يوفال شاني أستاذ القانون في الجامعة العبرية بالقدس، أن تلك الاعترافات بالدولة الفلسطينية تشكل هزيمة دبلوماسية وسياسية لإسرائيل، وأن تلك العزلة الدولية التي تتعرض لها تل أبيب ستصبح أكثر صعوبة على المدى الطويل.

خطة ترامب 

كأي مُقترح، اختلفت القراءات بشأن خطة ترامب والدور العربي والإقليمي حولها، خاصةً وأنها جاءت بعد لقاء الرئيس الأمريكي ببعض القيادات في الشرق الأوسط، لكن وفقاً لباراك رافيد أن الحديث عن توافق أمريكي عربي بشأن الصفقة في غزة لم يكن كما جاء في خطاب ترامب، لأن رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو أجرى تعديلات على الخطة الأمريكية بما يتفق مع حساباته السياسية والأمنية. ويضيف رافيد أن لقاءات نتنياهو الأخيرة بجاريد كوشنر وستيف ويتكوف ورون ديرمر، عدلت الكثير من محاور الخطة الأمريكية، لأنها ربطت الانسحاب الإسرائيلي من غزة بنزع سلاح حماس، ومنح تل أبيب حق الفيتو على أي خطوة، وتحرير بقاء قواتها داخل القطاع من أي التزامات مستقبلية.

خلاف إسرائيلي داخلي 

على الرغم من ترحيب الحكومة الإسرائيلية بالخطة الأمريكية، ولعبها الدور الأكبر في صياغتها، إلا أن ذلك لم يمنع من وجود خلاف حولها في إسرائيل، أما الموقف الأول والذي يضم أطراف من الحكومة الإسرائيلية وشرائح مختلفة من المعارضة، وكذلك الشارع الإسرائيلي، وهؤلاء هم الطرف الأقوى، يعتقدون أنها فرصة مناسبة لالتقاط الأنفاس بعد عامين من الحرب، وفي الوقت ذاته تلبي التطلعات الإسرائيلية على المستويين السياسي والأمني.

في المقابل فإن الطرف الثاني الذي يرفض الخطة الأمريكية والمتمثل في شركاء نتنياهو في الحكم (سموتيرتش وبن غفير)، حيث يرون أن الخطة لا تلبي تطلعاتهم الأيديولوجية المتمثلة في استمرار الحرب من أجل إجبار الشعب الفلسطيني على الهجرة، وتوسيع الاستيطان في قطاع غزة. لهذا تشير التقديرات الداخلية في إسرائيل إلى أن تنفيذ نتنياهو لبنود خطة ترامب قد يحتاج إلى إجراءات داخلية على مستوى حكومته، وقد يكون مضطراً لحل الكنيست، وتحويل حكومته الى حكومة انتقالية بمجرد البدء في تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة الأمريكية، وهذا خيار قد يمنحه الفرصة للتوجه نجو انتخابات مبكرة على المدى القريب.

توسيع خيارات نتنياهو 

ووفق توجهات الرئيس الأمريكي ترامب بتوسيع خيارات نتنياهو لفعل ما يشاء في حال رفضت حركة حماس الخطة، يكون رئيس حكومة اليمين أمام تفويضٍ بمواصلة الحرب، وتدمير المزيد من قطاع غزة، والسعي نحو تهجير الشعب الفلسطيني، وهنا يقوي الرئيس الأمريكي من موقف نتنياهو دولياً، لأنه يلقي بالكرة في ملعب حماس، ويجعلها مطالبة بالموافقة على الخطة الأمريكية، ورفضها لها يعني تحميلها مسؤولية استمرار الحرب.

 وعلى المستوى الداخلي الاسرائيلي، فإن التصريح الأمريكي المفتوح لنتنياهو يجعله قادراً على تفادي أي خلافات داخلية في حال قرر تنفيذ الخطة أو التراجع عنها، فأمام نتنياهو فرصة لإجراء تحولات داخلية تبقي عليه، مع التمسك بخيار العودة للحرب. خاصةً وأن رفض قيادة حماس يعزز من موقف نتنياهو في استمرار الحرب، وهذا ما أكدت علية العديد من الصحف الغربية، لكنها اعتبرت موقف نتنياهو من السلطة الفلسطينية ورفض إدارتها لقطاع غزة عقبة لا تقل عن موقف حركة حماس من الخطة الأمريكية، لأن إبعاد السلطة الفلسطينية يُبقي على الأزمة السياسية، وهذا ما يؤكد عليه نتنياهو برفضه القاطع لوجود دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

لهذا يرجح المناخ السياسي في إسرائيل استفادة نتنياهو من الزخم الشعبي وحالة الترحيب الكبيرة التي تحظى بها خطة ترامب، بالتالي إمكانية تسويقها كإنجاز سياسي يمكن أن يعوض اخفاقاته العسكرية، وما ترتب عليها من ضغوط واجهتها الحكومة الإسرائيلية خلال العامين الماضيين.

ثانياً: العامل الدولي واستثمار الاعتراف بالدولة الفلسطينية

وعلى موازاة السياسة الأمريكية وخططها لوقف الحرب، تتسع التحركات الدولية والإقليمية نحو بناء مسار الوصول للدولة الفلسطينية. وهنا، يتضح تسارع التطورات الأخيرة خطى ” التحالف الدولي من أجل تنفيذ حل الدولتين” خطوات كبيرة في إعلاء القضية الفلسطينية. فمنذ مؤتمره الأول في نوفمبر 2024، اتخذ مساراً مستقراً نحو إرساء الموقف الدولي تجاه دعم مسار السلام ووقف الحرب، بجانب مواجهة التحديات من جانب تتابع المقترحات الأمريكية والانفلات الإسرائيلي.

وبعد مؤتمر نيويورك في نهاية يوليو الماضي، شكل اجتماع الجمعية العامة (الدورة 80) تطوراً مهماً في الموقف الدولي، حيث أعلنت 142 دولة اعترافها بالدولة الفلسطينية في تطور غير مسبوق منذ قرار المجلس الوطني بإعلان الدولة في 1988 من مؤتمره بالجزائر.

وعلى هذا النحو، تتسع خريطة الدول المؤيدة للحق الفلسطيني لتشمل الدول المؤيدة تقليدياً لحق الفلسطينيين. وكان التطور المهم في حدوث اختراق للموقف الأوربي والأمريكي، حيث زالت عقبات أساسية، تمثلت في قيادة فرنسا لموجة الاعتراف الدولي، وتبعتها بريطانيا، كندا وأستراليا، بما يُحدث تغير وتفكيك للأطراف المعاندة تقليدياً لحق العودة والمتضامنة مع إسرائيل، وهنا، تبدو أهمية اعترافها في قبول الالتزامات المترتبة عليه أو عدم الاعتراض عليها.

لا يقتصر سياق الاعتراف الدولي على اتساع الخريطة الداعمة لحقوق الفلسطينيين بقدر ما يفتح الآفاق أمام تطوير شبكة الداعمين للقضية بحيث لا تكتفي بالعمل في الجانب الإنساني والدعم المالي، بل تتعداه للدعم السياسي المرتبط بالتزامات اعتراف الدول بالكيان الفلسطيني والحق في إقامة الدولة. تبدو هذه النطاقات على قدر من الأهمية في التعامل الدولي في المرحلة المقبلة، وخصوصاً مع تراجع القدرة الأمريكية على وقف أو تعطيل مسار التحالف الدولي وسعيها للالتفاف على مقرراته، ما يشكل فرصة غير مسبوقة أمام الفلسطينيين وداعميهم.

على أية حال، رسمت اجتماعات الجمعية العامة وأجواءها صورة العالم عن القضية الفلسطينية. وبغض النظر عن المواقف الرمزية لفراغ القاعة وقت كلمة “نتنياهو”، كان تساند مواقف الدول المُحركة لحملة الاعتراف مؤشراً على المضي نحو تنفيذ حل الدولتين.

تحت مظلة المبادرة السعودية ـ الفرنسية، نشطت وفود أعضاء التحالف الدولي في الحشد وراء الاعتراف بالدولة ووقف الحرب في غزة ومنع ضم الضفة الغربية كخطوة لتأهيل الأراضي الفلسطينية لإقامة الدولة.

وقد وضح هذا المسار في مستويين؛ كان الأول في كثافة المشاورات فيما بين رؤساء الوفود ووزراء الخارجية، بحيث تشكل إطار دولي متماسك، ترابطت فيه مواقف اللجنة السباعية مع المواقف الأوربية والدولية المؤيدة للحق الفلسطيني واستثمار نتائج اجتماع الجمعية العامة، حسب كلمة وزير الخارجية المصري، في إعادة الإعمار والتعافي المبكر وسد الفراغ أمام تسلل الولايات المتحدة لتعطيل التطلعات الدولية

وعلى مستوى روافع دعم حل الدولتين، انعقد “الاجتماع الوزاري رفيع المستوى للتحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين” في 24 سبتمبر 2025، تحت عنوان “تحويل الالتزامات إلى أفعال لا رجعة فيها: إنهاء الحرب وتحقيق دولة فلسطينية ذات سيادة من أجل السلام والأمن الإقليميين”، انشغلت الأطراف بتأكيد عدم مشروعية ما ترتكبه إسرائيل من إبادة جماعية ممنهجة ضد المدنيين في مدينة غزة، ومنع التهجير القسري كخطوط أساسية لاستثمار الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية.

أما الجانب الثاني، فقد ارتبط أغلبه بتحديد الموقف من خطة ترامب، حيث ذهبت مجموعة الدول العربية والإسلامية للتعامل الإيجابي مع الخطة مع الاحتفاظ بضرورة أن تكون التزاماتها متوازنة، وخصوصاً فيما يتعلق بسحب السلاح أو تجميده ودور حركة حماس مستقبلاً، حيث أشارت لأهمية التزامن والتبادل ما بين وقف الحرب والتعامل مع سلاح المقاومة بشكل لا يخل بمسار إقامة الدولة الفلسطينية.

وفي هذا السياق، كان حديث هذه المجموعة منصباً على البناء على ما تم إنجازه في المفاوضات السبقة، فيما يتعلق باللجنة المجتمعية شريكاً أساسياً في ترتيبات “اليوم التالي” تحت إشراف السلطة الوطنية، لتكون السلطة الانتقالية عملاً مشتركاً ما بين المبادرة الأمريكية والخطة العربية والإسلامية. ومن هذه الناحية، خلصت الآراء للتعاطي الإيجابي مع مبادرة ترامب في الحدود التي لا تقوض مكتسبات الاعتراف الدولي وتحد من الانفلات الإسرائيلي.

وبشكل عام، يمكن فهم خطة ترامب كرد فعل لاحتواء تداعيا الاعتراف الدولي وتطلعات “تحالف تنفيذ حل الدولتين”، ومن هذه الناحية تبدو مبادرة ترامب مساومة على  تمكين الحل الإسرائيلي، وفي مقابل ذلك، تتبنى المواقف الداعمة للفلسطينيين موافق واعية بالثقوب في الخطة الأمريكية وتعمل على البحث عن المساحات المشتركة لإقامة سلطة انتقالية في غزة، تكون أرضية ملائمة لوقف الحرب واستئناف الوحدة بين القطاع والضفة وبطريقة تسمح ببناء الكيان الفلسطيني المؤقت وصولاً للدولة ذات السيادة.

ومع تداعيات التحضير لإعلان الخطة، كانت دعوة ترامب للقاء قادة الدول الإسلامية المشاركين في اجتماعات الجمعية العامة لاستكشاف مواقفهم تجاه شروط وقف الحرب ومستقبل القطاع، ورغم تناثر ما صدر عن الاجتماع، فقد كشف عن قبول ممثلي الدول العربية والإسلامية بالسير نحو طرح الخطة كإطار يضمن الالتزامات المتبادلة حتى التوصل لوقف الحرب وانسحاب الاحتلال من القطاع، وليس رفضها من حيث المبدأ.

ومع تشكيل هذه لموقف أعضاء لجنة السباعية الإسلامية، تعمل مصر وتركيا على اتخاذ موقف فلسطيني يقبل بالمبادرة مع إجراء تعديلات تضمن تنفيذ الالتزامات المتبادلة وربط الانسحاب بالتخلي عن السلاح لصالح الكيان الفلسطيني وتثبيت الاعتراف الأمريكي بفشل التهجير وحرية الخروج والدحول للقطاع. تقوم هذه الرؤية على أن استمرار الحرب هو تقويض لمكتسبات التحالف الدولي وما ترتب ليه من اعتراف دولي واسع، يمكن البناء عليه في المستقبل.

ثالثاً: مواقف الأطراف الفلسطينية تجاه خطة ترامب وتداعياتها على الوضع الفلسطيني

استقبل معظم الأطراف الفلسطينية بنود خطة ترامب وخطابه بغضبٍ عارم بسبب التجاهل المُهين لحقوق وتضحيات الفلسطينيين في مقابل التركيز على ملف الرهائن والمكتسبات الإسرائيلية. فيما تضع الخطة الفلسطينيين أمام خيارٍ “اجباري” يدفعهم نحو التنازل عن أي مكتسباتٍ استراتيجية توازي تضحياتهم المبذولة على مدى العامين الأخيرين، والاكتفاء بوقف سياسات الإبادة والتهجير المستمرة في قطاع غزة. 

وبشكل عام، لا تزال مواقف أغلبية الأطراف الفلسطينية على المستويين الشعبي والفصائلي متباينة حول تقديم القراءة المناسبة بشأن الخطة الأمريكية وتفاصيلها، لما تحمله من اقتراحات تمس مستقبل الدولة وغياب ضمانات انسحاب الاحتلال، فضلاً عن مساعدتها حكومة نتنياهو في الحصول على مكاسب لم تحققها الحرب. 

ولعله من خطورة المقترح الأمريكي، هو ما يتعلق بنزع نقاش ملف إدارة قطاع غزة من الإطار الفلسطيني لصالح إدارة دولية تحت مسمى “مجلس السلام” برئاسة ترامب وتوني بلير. وفي المقابل، تجد حركة حماس نفسها أمام معادلة شديد التعقيد في ظل الضغط الإقليمي والدولي غير المسبوقين، ما يجعل هامش المناورة السياسية ضيّقاً إلى أقصى الحدود. ومن هنا، يسعى هذا التقرير إلى تقديم قراءة أولية لمواقف الأطراف الفلسطينية من خطة ترامب للسلام وتقييم تداعياتها المحتملة على الملف الفلسطيني. 

حماس تحت ضغطٍ إقليمي ودولي

مع التطورات المتسارعة، تقع حركة حماس أمام مأزق سياسي مركب، إذ تواجه ضغوطاً إقليمية ودولية غير مسبوقة تدفعها نحو التفاعل الإيجابي مع خطة ترامب أو على الأقل المرحلي التدريجي وصولاً إلى تنفيذها. عدا عن ضغط الواقع الإنساني الكارثي في قطاع غزة مع تقدم قوات الاحتلال في عمق مدينة غزة، وهو ما يضع الحركة في زاويةٍ ضيّقة لا تملك فيها ترف المناورة المفتوحة، لا سيّما مع تراجع قدرتها على المناورة العسكرية في الميدان، واستنفاد خيارتها في توظيف ملف الأسرى الذي فقد تأثيره في توجيه الضغط الداخلي على نتنياهو الذي بات يُجيد التملّص منه.

ورُغم تأكيد حركة حماس على تسلّمها الخطة وإجراءها مشاورات داخلية حثيثة مع الفصائل الأخرى، وبوجود وفدين مصري وتركي، لاتخاذ موقفٍ إيجابي يدفع نحو قبولها، إلا أنه من المُتوقع أن يتسم ردها بجملة من التحفظات حول العديد من البنود الخلافية، لا سيّما مع ربط الخطة ما بين الانسحاب الإسرائيلي ونزع السلاح، وهو ما يشكّل معضلة حقيقية أمام حركة حماس، عدا عن تخوفها المستمر بشأن غياب ضماناتٍ ملزمة وواضحة بعدم تجدد العدوان على قطاع غزة في الفترة المقبلة على غرار ما وقع في مارس الماضي من معاودة الحرب إثر فشل مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق يناير. 

وأمام هذا المشهد، يُنتظر رد حركة حماس مع توقع بعدم قدرتها على المناورة في ظل الضغط الأمريكي غير المسبوق على كافة الأطراف الإقليمية. وعليه، فإن الانفتاح المبدئي الذي تبديه حماس لا يُمكن اعتباره قبولًا حقيقيًا بالخطة، بل هو استجابة اضطرارية لوقف الحرب وتأمين البقاء، مع رفض واضح لربط نزع سلاح المقاومة بأي سياقٍ مرحلي للانسحاب الإسرائيلي. لذلك، من المرجّح أن تحاول الحركة المناورة عبر قبول الإطار العام مقابل إدخال تعديلات على البنود الخلافية، لا سيّما ما يخص السيادة، الضمانات، والإشراف الدولي، ما يضعنا أمام جولة مفاوضات أخرى قد تتخذ منحى أسرع مقارنة بجولة المفاوضات السابقة. 

مقاربة السلطة الفلسطينية (التماهي ما بين المسار الدولي وخطة ترامب)

على الطرف المقابل، جاء موقف السلطة الفلسطينية مرحّباً بالطرح الأمريكي من زاوية الانخراط الإيجابي بهدف وقف حرب الإبادة، وإدخال المساعدات، حيث اتسّمت تصريحات السلطة وحركة فتح بلغةٍ توافقية تتماشى مع محتوى الخطة، رُغم عدم تضمينها لأي بنود تُشير لعودتها إلى إدارة قطاع غزة. وقد بدا أن قيادة السلطة تسعى إلى دعم هذا المسار باعتباره مرحلياً سيمكّنها من خفض تدويل القطاع واستعادة السلطة لإدارة القطاع، بجانب إزاحة حركة حماس من المشهد – وفق ما أشار إليه محمود عباس في كلمته أمام الجمعية العامة. 

ضمنياً، تسعى السلطة إلى تحويل هذا المسار المرحلي إلى فرصة استراتيجية لإعادة التموضع في المشهد السياسي والقضية الفلسطينية، لا سيّما في قطاع غزة، عبر بوابة المسار الدولي والاعتراف الغربي وتحت مظلة الدعم الأمريكي في سياق خطة ترامب. ويتّضح ذلك من إعلانها الفوري بعد المؤتمر عن الاستعداد لإطلاق حزمة إصلاحات سياسية ومؤسسية، تشمل مراجعة المناهج التعليمية والذهاب نحو انتخابات عامة خلال عام.  

ورُغم أن السلطة الفلسطينية تحاول استثمار التحرك الدولي لإعادة ترميم شرعيتها وتجنب الإطاحة بالكيان السيسي للفلسطينيين عبر الاستجابة للمبادرة دون الصدام مع السياسة الأمريكية، وهي المعادلة التي تحاول السلطة أن تحيك خيوطها بتوظيف المسار الدولي وخطة ترامب معاً، إلا أن فرص نجاح هذه المقاربة تتقلّص أو تنعدم في ظل الرفض الإسرائيلي والأمريكي لأي مسارٍ يفضي إلى دولةٍ فلسطينية. 

رفض فصائلي وتحفظ شعبي واسعين

في مقابل حماس وفتح، عبّرت قوى المقاومة الأخرى، وعلى رأسها حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، عن رفض قاطع وجذري للخطة، واعتبرتها امتدادًا للرؤية الإسرائيلية التي فشلت في فرض الاستسلام عبر المسار العسكري، وتحاول الآن تحقيقه عبر المسار السياسي بضغوطٍ أمريكية على كافة الأطراف الإقليمية. كما رأت هذه القوى أن الخطة تُقصي كل ما له علاقة بالمقاومة، وتُفرغ الحق الفلسطيني من مضمونه، وتشرعن بقاء الاحتلال، حيث تتجاهل الجذور الحقيقية للصراع، وقدّمت صيغة “وصاية استعمارية” لا تضمن حقوق تقرير المصير، ولا تؤسس لانسحاب فعلي من غزة، بل تُكرّس واقع الانقسام وترسّخ الاحتلال بصيغة دولية هجينة.

وبالتوازي مع حالة الرفض أو التحفّظ التي أبدتها الفصائل الفلسطينية إزاء خطة ترامب، تتصاعد في الشارع الغزّي مشاعر الغضب والقلق، ممزوجةً برغبة ماسّة في وقف حرب الإبادة بأي ثمن بسبب الانهاك الطويل من تداعيات حرب الإبادة. وقد عبّر كثير من الفلسطينيين عن استيائهم من الخطاب الأمريكي، الذي تجاهل بشكل فجّ حجم المأساة الإنسانية، متغاضياً عن أعداد الضحايا والدمار الهائل الذي طال البنية التحتية والسكان المدنيين، مكتفيًا بالتركيز على الرهائن والمكتسبات الأمنية لإسرائيل.

توضح هذه السياقات وجود شكوك عميقة تجاه جدّية الخطة الأمريكية، لا سيما فيما يتعلّق بالضمانات العملية لإعادة الإعمار، وفتح المعابر بشكل فوري، وضمانات الحماية المدنية لسكان القطاع، خاصةً وأن الخطة بدت كأنها تكريس واقع الاحتلال عبر الإشارة إلى “مجلس السلام” برئاسة ترامب وتوني بلير دون أي تمثيل فلسطيني حقيقي. 

وعلى أي حال، تعكس مواقف الأطراف الفلسطينية حول خطة ترامب مدى عمق المأزق الذي بات يواجه الواقع الفلسطيني المتمثل بنفاد خيارات الحل السياسي وانعدام القدرة على المناورة في ظل الدعم الأمريكي اللامتناهي لحكومة الاحتلال وعدم فعالية الضغط الإقليمي والدولي في ثني نتنياهو عن سياسات الإبادة المستمرة. وبذلك، باتت حكومة الاحتلال تقترب بدعمٍ أمريكي وبموافقةٍ إقليمية واسعة من تسوية أحادية تمكّنها من رسم تفاصيل اليوم التالي للحرب وإعادة تشكيل المستقبل السياسي للفلسطينيين بمعزلٍ عن أي إرادة وطنية فلسطينية، وفق رؤيتها الرامية إلى تقويض أي فرصٍ لدولةٍ فلسطينية، وهو ما تترجمه خطة ترامب على النقيض تماماً من المسار الدولي الذي أفرز سلسلة الاعترافات في الآونة الأخيرة. 

وقد بات المشهد الفلسطيني الراهن يتلخص في محاصرة حركة حماس في طوق الضغط الإقليمي الواسع لدفعها نحو قبول الخطة، وبين سلطةٍ فلسطينيةٍ تتحرك في هامش ضيّق رسمته الإدارة الأمريكية، لا تملك تجاوزه دون تكلفة سياسية باهظة لا تقوى عليه في ظل تآكلها وتخوفها من سياسات التصفية، رُغم زخم الدعم الدولي الواسع الذي اكتسبته خلال الأيام الماضية. وعليه، فإن المُضي قُدماً في تنفيذ خطة ترامب، كما هي بصيغتها الحالية، يُنذر الفلسطينيين بواقعٍ من الوصاية الدولية والسيطرة الإسرائيلية على الواقع السيادي معزّزين بملف الإعمار وإدارة الأزمة الإنسانية في قطاع غزة إلى فترةٍ زمنية غير محددة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق