وجهات نظر

الطريق لمجلس الأمن وضمانات وقف الحرب والحل السياسي

بعد انتهاء مؤتمر شرم الشيخ، صارت الوثيقة الجديدة نقطة انطلاق التداول على مستقبل إدارة قطاع غزة، وخصوصاً ما يتعلق بسلاح المقاومة وحق تقرير المصير، وفي هذا السياق، كشفت التحضيرات مشروع القرار الأمريكي لمجلس الأمن عن مرونة دولية للوصول لحلول مقبولة لدى كل الأطراف، فهي تلبي من جهة، التطلعات الأمريكية لتأمين مطالب”إسرائيل”، ومن جهة أخرى، لا تصادر الحق المستقبلي في الاستقلال الفلسطيني. 

وقد بدت مقترحات طبيعة القوة الدولية مثار خلاف فيما بين الدول، حيث اتجهت السياسة الأمريكية لأن تكون القوة خارج سلطة الأمم المتحدة، وضمن مرحلة انتقالية يديرها “مجلس السلام”، بشكل يُفسح الطريق أمام تفضيل أمن “إسرائيل” على حساب مقتضيات وحدة الأراضي الفلسطينية. 

الولايات المتحدة وقيادة الحل السياسي

ينصب الاهتمام الأمريكي على نزع السلاح، مكافحة “الإرهاب” والحكم الذاتي . واعتبر بيان البيت الأبيض بأن التصويت لصالح هذه الخطة هو الخيار الواقعي للسلام ومنع عودة الحرب، ولذلك، ستعمل الولايات المتحدة مع أعضاء مجلس الأمن والأطراف الإقليمية؛ قادة “إسرائيل” والفلسطينيين لوقف دائرة العنف في غزة.

وبشكل عام، ما تشير إليه التحضيرات الأمريكية، هو اتساع المشاورات مع الدول الإسلامية؛ مصر، قطر، الأردن، السعودية، الإمارات وتركيا، وذلك على قاعدة الاعتراف بضرورة منع قدرات حماس وملف إعادة الإعمار . ومن جهتها، تعتبر أمريكا مشروع القرار نقطة مهمة لاستقرار غزة، والبيئة التي تسمح ل”إسرائيل” بالحياة الآمنة.

ووفق الاقتراح الأمريكي، يقوم مجلس السلام بقيادة ترامب حجر الزاوية للجهود في تنسيق المساعدات الإنسانية وتسهيل التنمية في غزة وتأهيل البيروقراطية للمهام اليومية والخدمة المدنية، فيما تجري السلطة الفلسطينية برنامج الإصلاح.

وهنا، يسمح مشروع القرار للدول بالتعاون مع قوة الاستقرار ومؤسسات التمويل الدولي وبالآليات اللازمة تتابعياً إزاحة سيطرة حماس على القطاع قبل الإعمار وتنمية غزة، وتقوم فرضية القرار على أولوية الأمن حيث هو أكسير الحُكم ويلبي حاجة التنمية للبقاء والحياة، وهنا، تكون مهمة قوة الاستقرار في إقرار الأمن ودعم نزع السلاح وتفكيك البنية العسكرية في القطاع وحفظ أمن المدنيين. كما انصبت الاتجاهات الحالية على إنعاش اقتصاد القطاع ليمنح السكان الفرصة بدلاً من الاعتماد على المساعدات، وذلك من خلال العمل مع البنك الدولي لهذه الغاية لدعم غزة لفترة طويلة وتحديد الحاجات الإنسانية.

الولايات المتحدة والدول الإسلامية

وفي مرحلة عرض مشروعي القرار الأمريكي والروسي، عقدت الولايات المتحدة وثماني دول إسلامية اجتماعاً، صدر عنه بيان في 14 نوفمبر 2025، لدعم المشروع الأمريكي لحل الصراع، حيث حظيت المبادرة الأمريكية واتفاق شرم الشيخ، وقد قامت أفكاره على بدء عملية لمنح الفلسطينيين الحكم الذاتي أولاً وتالياً الدولة، بجانب تحفيز الجهود باتجاه السلام والاستقرار، ليس بين الإسرائيليين والفلسطينيين فقط، ولكن بين كل الإقليم.

ولاستكمال المشاورات، وفي إطار التحضيرات المصرية لدعم التوجه لمجلس الأمن، تناول اتصال مع نائب رئيس دولة فلسطين، حسن الشيخ، في 14 نوفمبر 2025 عملية تثبيت اتفاق شرم الشيخ للسلام، وقد انصب الاهتمام على المشاورات الجارية حول مشروع القرار الأمريكي لمجلس الأمن والترتيبات الأمنية وإعادة الإعمار وتثبيت إنهاء الحرب وتهيئة الظروف لتحقيق السلام وصولاً لحق تقرير المصير وإقامة الدولة. وبجانب اطلاع الجانب الفلسطيني على مجريات مشروع القرار، انصب الاهتمام المصري على حشد الدعم الإقليمي والدولي لدعم خطة شرم الشيخ.

روسيا في المشاورات

من جانبها، أكدت روسيا على الالتزام بالشرعية الدولية، وأهمها حل الدولتين والتي غابت عن المسودة الأمريكية، ما كان داعاً لأن تقترح روسيا مشروعاً بديلاً لتحقيق السلام الدائم في قطاع غزة. كان الهدف الأساسي للمشروع الروسي، أن يتوافق المفهوم الأمريكي مع القرارات السابقة لمجلس الأمن، وبدت روسيا حريصة على عدم تناقض مقترحها مع المبادرة الأمريكية، وفي المقابل ورغم انشغال روسيا بتهدئة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، كان التحفظ الروسي على مشروع القرار الأمريكي بأنه لا يضمن الوصول لوقف إطلاق النار، بالإضافة لأهمية الالتزام بالقرارات الدولية الضامنة للوصول لحل الدولتين، وهو ما يتطلب أن تكون المرحلة الانتقالية تحت إشراف السلطة الفلسطينية، وليس مجلس السلام، وبحيث يكون المسار وفق المقترحات الأولية لمجموعة الثماني الإسلامية.

ملامح التوافق الدولي على القرار ٢٨٠٤

على أرضية المشاورات، صدر قرار مجلس الأمن على مبادئ التعادل الدولي في النظر للقضية الفلسطينية، فقد وضح خلال المشاورات حول مشروع القرار وجود قابلية للحل السياسي وعدم الاستئثار بموقف بعيد عن المصالح الدولية. حيث اتضح مدى اتساع الانشغال الدولي بقضايا الاستقرار في الشرق الأوسط، وهو ما اتضح في تفاعل الحشد وراء “التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين” بقيادة المملكة العربية السعودية وفرنسا، ليكون أساس تغيير الولايات المتحدة لوجهتها في مساندة إسرائيل والبحث عن بدائل غير الحرب.

فقد استجاب لمطالب روسيا والصين بتعديلات على مشروع القرار، حيث صدر القرار متضمناً الملاحظات حول حق تقرير المصير والدولة الفلسطينية، بشكل يعكس قدراً مهماً من التفاوض الدولي حول الحل التوافقي والتخلي عن احتكار الحل السياسي، وهنا، تشير صيغة القرار إلى أن الاستجابة لم تقتصر على تجنب استخدام حق الاعتراض “الفيتو”، ولكنه، أيضاً، للخروج من حالة الانسداد وعبثية الحرب “الإسرائيلية” 

كما أنه من الملاحظ أن مجلس الأمن استجاب لتطلعات المجموعة السباعية الاسلامية بخضوع أي مؤسسات في قطاع غزة للرقابة الأممية، واستبعاد أي محاولة لأن يكون أي كيان واجهة لشركة مساهمة بين الدول، وهذه نقطة فارقة في التعامل الدولي، حيث تعمل على تقليل الانحراف عن الأهداف المُنشأة من أجلها، وفي هذا الشأن، تعمل مؤسسات “مجلس السلام” والكيانات الأمنية والإعمار تحت مظلة رقابة أممية لا تنفرد الولايات المتحدة أو غيرها من الدول بتقرير مسارها أو تعديل مهامها بعيداً عن الرقابة أو الاعتراف الدولي.

توجهات قرار مجلس الأمن

على هذه الأرضية، يمكن فهم اتجاهات قرار مجلس الأمن في الترتيبات المؤقتة لتسيير الوضع في قطاع غزة، سواء من ناحية الهيكل السياسي أو الوظائف الأمنية وتأثيرها على مشروع الدولة الفلسطينية. 

وبينما لقيت “الأونروا” تعنتاً لإلغاء دور الأمم المتحدة للانفراد “الإسرائيلي” والأمريكي بالأراضي الفلسطينية، فإن ما يثبته مجلس الأمن من اختصاصات لمجلس السلام، كمؤسسة قانونية دولية، يُعيد الاعتبار للدور الدولي، وذلك في نطاق مهام تنسيق التمويل لإعادة الإعمار وفقً الخطة العربية، كما أن تمتع القوة الدولية والمؤسسات الأخرى بالحصانات المقررة دولياً يحرم “إسرائيل” من التمادي في الخروقات، وخصوصاً مع التوجه لتشكيلها من دول إقليمية وعربية وإسلامية .

ولعل نقطة التوازن الأخرى، تتمثل في تحديد أجل المرحلة الانتقالية بنهاية ديسمبر 2027، وربطها بالتقدم في تأهيل الكيان الفلسطيني لاستلام المهام، ولذلك، هناك جانب مهم يرتبط باستكمال البرنامج الإصلاحي للسلطة الفلسطينية وأهمية تضافر جهود الفصائل في تأهيل الكيان الفلسطيني لاكتساب الشخصية الاعتبارية الدولية وتحمل أعباء حصول الفلسطينيين على حق تقرير المصير.

وفي سياق ترتيبات القرار، يمكن قراءة تركيزه على المشاورات ما بين الولايات المتحدة، مصر وإسرائيل كإطار لتسهيل العمليات المرتبطة بتنفيذ القرار، وليس استبعاداً للأطر التي وقفت وراء صدور قرار مجلس الأمن، وبالتالي، تظل المشاورات داخل إطار الدول الإسلامية ومع روسيا والصين ضمانة أساسية لإلزام “إسرائيل” بالمضي في استحقاقات وقف الحرب وإعادة الإعمار والتوقف عن الحديث عن ضم الضفة الغربية.

وبجانب مهام التنسيق، يقوم مجلس السلام بإنشاء قوة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار  (ISF)في غزة، تتكون قواتها بالتشاور الوثيق مع مصر و”إسرائيل”، وهي تتمتع بصلاحيات القوات الدولية وتلك الواردة في القانون الدولي الإنساني في حماية المدنيين، على أن تقوم بمهام تدريب الشرطة الفلسطينية وتأمين الحدود، بالإضافة لنزع السلاح ومنع إعادة بناء البنى العسكرية خصوصاً ذات الطابع الهجومي.

وعلى الرغم من وضوح النص في نزع السلاح، فإن السياق العام لقرار مجلس الأمن، يوفر ضوابط أخرى، لا تقتصر على التوازن الدولي، ولكنها تتمثل في تطوير الكيان الفلسطيني، ما يفتح الطريق أمام فرصة تحويل السلاح للمؤسسات الوطنية والاندماج السياسي تحت المظلة الوطنية. 

وقد أشار القرار لدور قوة الاستقرار في الانتشار في المساحات التي تخليها إسرائيل من غزة حسب الجدول المتزامن مع نزع السلاح، وفق مشاورات ما بين قوة الاستقرار و”إسرائيل” و الضامنين والولايات المتحدة، 

 لعل الملاحظة الأساسية هنا، تتمثل في أن هذا القرار هو الوحيد الذي شكل كيانات تعمل على الأراضي الفلسطينية لفض الاشتباك مع “إسرائيل”، ومنحها اختصاصات تنفيذية وحصانات، بحيث تكون لها القدرة على مراقبة التقدم في إخلاء القطاع والبناء الفلسطيني.
ختاماً تتطلّب المرحلة الانتقالية، وما أفرزه قرار مجلس الأمن 2804 من واقع جديد، أن يعمل الفلسطينيون والدول العربية في إطار واحد يضمن توحيد البنية السياسية والأمنية الفلسطينية، وتعزيز برنامج الإصلاح داخل مؤسسات السلطة، وتهيئة الشروط الوطنية والإدارية لتسلّم المهام في غزة، بالتوازي مع اندماج القوى والفصائل داخل مظلة تمثيلية موحّدة قادرة على مواكبة استحقاقات تقرير المصير. وعلى الصعيد العربي، هناك أهمية بالغة للمشاركة القوية والفاعلة مع مجلس السلام والأمم المتحدة لضمان عدم انحراف مسار الترتيبات الانتقالية، وتفعيل أطر التمويل والإعمار العربية ـ الإسلامية بما يحدّ من الهيمنة الدولية على القرار الفلسطيني، ودفع العملية السياسية نحو صيغة ملزمة تُثبّت الجدول الزمني لإقامة الدولة وتعزّز الرقابة الدولية على القوة الدولية والمؤسسات العاملة في القطاع، وبما يضمن صون وحدة الأراضي الفلسطينية ومنع أي محاولات للالتفاف على استحقاقات ما بعد الحرب.

الوسوم
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق