تقدير الموقف

السياقات الفلسطين لقرار مجلس الأمن ٢٨٠٤

تفاعلات الفصائل، خيارات السلطة، والغطاء الإقليمي

مع تصاعد الزخم الدولي حول الحرب في غزة، تصاعد الإدراك الفلسطيني المشترك لخطورة المرحلة الراهنة وضرورة تخطيها بالتنسيق المشترك مع الوسطاء الإقليميين، للتوصل إلى تفاهمٍ وطني وتوفير غطاءٍ أممي عبر مجلس الأمن لمقترحات إقليمية تحظى بقبولٍ فلسطيني شامل. وعليه، يسعى هذا التقرير إلى تسليط الضوء على مواقف الأطراف الفلسطينية وطبيعة تفاعلها مع مساعي الوسطاء الإقليميين في تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار خلال المرحلة المقبلة.

موقف حماس من الأطراف الإقليمية
تسعى حركة حماس إلى تعزيز التنسيق مع الوسطاء الإقليميين لضمان الالتزام المتبادل بمخرجات اتفاق شرم الشيخ، استناداً إلى مقاربة قائمة على ضرورة التزام جميع الأطراف بتنفيذ تعهداتها دون خروقات، بما في ذلك استمرار تدفق المساعدات الإنسانية دون قيود، والالتزام بمسار الاتفاق وصولاً إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة. وفي هذا السياق، تُظهر الحركة اهتماماً بالتمسك بدور الوسطاء ــ مصر وقطر وتركيا ــ بوصفهم أطرافاً رئيسية في متابعة تنفيذ الاتفاق ومنع تعثره نتيجة تفسيرات قد تؤدي إلى إعادة تشكيل المسار السياسي أو تعديل التزامات الأطراف.

وتتبنى الحركة، وفق مقاربة تحليلية واقعية، تمييزاً بين الأطراف الإقليمية تبعاً لمستوى انخراطها المباشر في ملفات قطاع غزة. ففي حين تبدي انفتاحاً وتنسيقاً متقدّماً مع الأطراف التي تمتلك أدوات تأثير عملية في مسار الاتفاق، فإنها تبقى أكثر حذراً في هذه المرحلة الراهنة تجاه الأطراف الإقليمية التي تتبنّى مقاربات تربط دعم إعادة الإعمار بخيارات تتضمن وجود قوة دولية تتولى مهام إدارة القطاع ونزع السلاح وإعادة هيكلة الحوكمة المحلية.

ويبدو أن الأولوية الحالية للحركة تتركز على تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار بمراحله المختلفة، وصولاً إلى انسحاب القوات الإسرائيلية، مع تجنّب الدخول في ترتيبات سياسية تُحدث تغييراً في إدارة القطاع أو ترتبط بملف السلاح. وانطلاقاً من ذلك، تعمل الحركة على الاستفادة من علاقاتها مع الوسطاء الإقليميين لدعم جهود يمكن أن توفر غطاءً أممياً للمقاربات الإقليمية البديلة للمشروع الأمريكي المتعلق بتشكيل قوة دولية في غزة.

انفتاح مشروط على عودة السلطة

على خلاف وقت سابق، تتبنى الفصائل موقفاً مرناً تجاه مقترحات الوسطاء الإقليميين، ليشمل موقفها من عودة السلطة الفلسطينية إلى إدارة قطاع غزة ضمن إطار توافق فصائلي شامل وبرعاية مصرية. فقد أبدت الحركة، إلى جانب باقي الفصائل، قبولاً مبدئياً بفكرة عودة السلطة، في تقاطع واضح مع الرؤية الإقليمية والمسار الدولي اللذين يدفعان بهذا الخيار بوصفه المسار الوحيد القادر على تعطيل المقترح الأمريكي – الإسرائيلي الرامي إلى فرض إدارة خارجية على القطاع تحت صيغة وصاية دولية تتجاوز الفلسطينيين أنفسهم.

ويعكس هذه المرونة الحرص على إفشال البدائل المطروحة التي تستهدف نقل إدارة القطاع إلى جهات غير فلسطينية، الأمر الذي لا يحظى بقبول أي فصيل وطني. وفي هذا الإطار، لم تعارض حماس والجهاد الإسلامي من حيث المبدأ عودة مظلة السلطة إلى غزة في سياق مصالحة شاملة، إلا أنهما ترفضان أي صيغة تمنح السلطة انفرادًا بالقرار بمعزل عن التوافق الوطني. وقد شددت فصائل المقاومة على أن شكل إدارة غزة وآليات عمل مؤسساتها هو شأن فلسطيني خالص ينبغي أن يحدده الفلسطينيون بالتوافق، بعيداً عن الإملاءات الخارجية. وعلى هذا الأساس، دعت كل من حماس والجهاد إلى إطلاق حوار وطني جاد برعاية مصر لترتيب أوضاع البيت الداخلي الفلسطيني بتوافقٍ وطني كامل.

التوافق الفلسطيني الإقليمي بشأن القوة الدولية

يتبلور الموقف الفلسطيني العام على أن شكل التدخل الدولي العاجل في قطاع غزة وفق خطة ترامب لابد أن يكون بمثابة قوة لحفظ السلام وحماية الفلسطينيين من عدوان الاحتلال فقط، وليس قوة وصاية لديها صلاحيات في الحكم والإدارة، وهو ما يتوافق مع التوجه الإقليمي الساعي إلى إبقاء منظومة الحكم في القطاع في أيدي الفلسطينيين، وذلك وفق الإطار العربي الإسلامي لإدارة غزة الذي ينص على ضرورة تسليم حركة حماس الإدارة إلى هيئة تكنوقراط من المستقلين الفلسطينيين بتوافقٍ وطني شامل.

وفي هذا السياق، حذرت كافة الفصائل الفلسطينية في بيانٍ مشترك من مشروع القرار الأمريكي المعدّل الذي ينص على منح وصاية الحكم وإدارة القطاع لجهات غير فلسطينية متعددة الجنسيات، معتبرةً إياها مسار هيمنة خارجية على القرار الوطني الفلسطيني، وهو ما أشار إليه المتحدث الرسمي لحركة حماس حازم قاسم بقوله: “مستبدلاً الاحتلال بوصاية من نوع آخر”. وفي المقابل، أشارت الحركة إلى بديلٍ أكثر قبولاً يتمثل في استصدار قرار أممي يعزز وقف إطلاق النار وينص بوضوح على مهمة قوة دولية محايدة لوقف العدوان والإشراف على الملفات ذات الصلة مثل حماية السكان ومنع تجدد القتال، مشترطةً أن يُحدَّد التفويض الأممي لهذه القوة بشكل جلي طبيعة المهام الموكلة لها في إطار هيكلية أممية تقوم على التنسيق المستمر مع المؤسسات الفلسطينية الرسمية.

توسيع نطاق الغطاء الإقليمي

تُرتِّب قراءة الأحداث وجود حالة أكثر وعياً بالدور الحاسم الذي يلعبه العمق الإقليمي في تثبيت الموقف الوطني الفلسطيني، خصوصاً في مواجهة المساعي الإسرائيلية لفرض ترتيبات أحادية على قطاع غزة وإقصاء الفلسطينيين عن إدارة شؤونهم. وقد عكس تدخل الوسطاء الإقليميين – مصر وتركيا وقطر – قدرة ملموسة على كبح الخروقات الإسرائيلية وإلزام الاحتلال بالعودة إلى مخرجات المرحلة الأولى من الاتفاق، الأمر الذي دفع قيادة الحركة إلى اعتماد مقاربة تقوم على توسيع دائرة الإسناد الإقليمي واستثمار الوزن الدبلوماسي للدول العربية والإسلامية المؤثرة لإحباط أي ترتيبات دولية قد تفضي إلى وصاية أجنبية أو هندسة إدارة بديلة للقطاع خارج الإرادة الفلسطينية.

وفي هذا السياق، تحركت حماس لبناء شبكة دعم واسعة في مواجهة مشروع القرار الأمريكي الخاص بتشكيل قوة دولية وحكم انتقالي في غزة، بحيث وجهت الحركة نداءً عاجلاً إلى الجزائر بصفتها العضو العربي في مجلس الأمن لحشد موقف رافض للمشروع الأمريكي، وقد ترجمت الجزائر هذا الموقف عبر تحفظات واضحة على أي صيغة تمسّ السيادة الفلسطينية أو تمنح شرعية لفرض وصاية خارجية على القطاع. وبالتوازي، كثّفت الحركة التنسيق مع روسيا لضمان دعمها لمشروع قرار بديل لتشكيل قوة وصاية دولية. وفي الإطار ذاته، أبدت الفصائل الفلسطينية انفتاحاً على المبادرات العربية الهادفة إلى تعزيز المصالحة الداخلية وتوفير غطاء عربي لإعادة الإعمار، مرحبةً بالجهود المصرية في عقد لقاءٍ شاملٍ للفصائل الفلسطينية بهدف ترسيخ الإجماع الفلسطيني في مواجهة أي إملاءات دولية على مسار إدارة القطاع.

وعلى أي حال، ورغم تمسّك الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها حماس، برفض أي ترتيبات تُفضي إلى وصاية خارجية أو نزع قسري للسلاح في المرحلة الراهنة، فإنّ الحركة أبقت الباب موارباً أمام نقاشٍ مشروط لهذا الملف في إطار حلّ سياسي شامل يفضي إلى دولة فلسطينية مستقلة. فالحركة لا تتعامل مع ملف السلاح بوصفه خارجًا عن التداول السياسي، بل تربطه بمدى تحقق المصالح الوطنية العليا وبضمانات تنهي الاحتلال وتثبّت الحقوق الفلسطينية، فيما ترى الفصائل أن الخوض في هذا النقاش في الظروف الراهنة خطوة سابقة لأوانها ومحفوفة بمخاطر كبيرة. ويجد هذا التقييم غطاءً إقليمياً؛ إذ وقّعت كلٌّ من قطر وتركيا على بيان نيويورك المؤيّد لنزع سلاح الفصائل في سياق المسار الدولي نحو حل الدولتين، على خلاف موقفهما من خطة ترامب التي دعت إلى نزعٍ فوري للسلاح دون توفير إطار سياسي موازٍ. ويبدو أن الموقف الفلسطيني في هذا السياق يحظى بدعمٍ إقليمي متنامٍ، وهو ما باتت تدركه الفصائل الفلسطينية ساعيةً إلى تعزيزه عبر مساعٍ دبلوماسية متواصلة، كما ظهر في جهودها لحشد موقف إقليمي ودولي مضاد لمشروع القرار الأمريكي الأخير.

مقاربات الأطراف الفلسطينية تجاه قرار مجلس الأمن

على المستوى الفلسطيني، زاد قرار مجلس الأمن من تخوف الفصائل الفلسطينية الساعية إلى تكثيف الجهود لتثبيت وقف إطلاق النار الذي بدا هشّاً مع تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة في الآونة الأخيرة. وقد باشرت حماس لقاءات دبلوماسية عديدة مع الوسطاء الإقليميين، وعلى رأسها مصر، بهدف مناقشة تداعيات القرار وخيارات الاستجابة الفلسطينية.

وفي هذا السياق، يسعى هذا التقرير إلى تسليط الضوء على أبرز المقاربات الفلسطينية الفصائلية والرسمية تجاه قرار مجلس الأمن بقبول المشروع الأمريكي لتشكيل قوة دولية تشرف على مهام نزع السلاح وتولي شؤون الفلسطينيين إدارياً وأمنياً، وما هي أبرز الخيارات المتاحة فلسطينياً للتجاوب مع القرار أو تقديم مقترحات توافقية بديلة.

الموقف الفصائلي

تتوافق معظم الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، على أن القرار يشكّل امتدادًا للاحتلال وتقويضاً للحقوق الفلسطينية، لا سيّما وأنه يُطبّق بالقوة خارج الإطار الوطني، مُسقطاً من الحساب إرادة الشعب الفلسطيني ومرجعياته التمثيلية. واستناداً إلى هذه القراءة، تتبنّى الفصائل خطاباً صريحاً يرفض، من حيث المبدأ، أي دور للقوة الدولية في إدارة ملفات القطاع وفق رؤية متماهية مع المتطلبات الإسرائيلية، مع التأكيد على أن سلاح المقاومة جزء لا يتجزأ من حق تقرير المصير وحق الدفاع الشرعي عن النفس اللذين تكفلهما القوانين الدولية.

ورغم ميل الفصائل للرفض، تتجه حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية إلى القاهرة لمناقشة تداعيات القرار واستكشاف تفاصيله، سواء على مستوى البيت الفلسطيني الداخلي أو على مستوى آليات تطبيق الخطة، في تعاطٍ يعكس إدراكاً فصائلياً بأن القرار بات مُعطًى بنيوياً يصعب تجاوزه في ظل التوافق الإقليمي والدولي الواسعين، مع السعي في المقابل إلى تقليص كلفته أو تحوير بعض تطبيقاته دون منحه شرعية سياسية، وذلك عبر الاستعداد لخوض معركة سياسية وقانونية في الساحة الأممية.

وفي هذا الإطار، يبرز إجماع الفصائل على أن القرار الأممي يفتح فصلاً جديداً من المعركة مع الاحتلال، رغم تثبيته وقفاً مستداماً للعمليات العسكرية. ويتمثل هذا الفصل في النزاعات السياسية والقانونية المرتبطة بآليات الوصاية الدولية ونزع السلاح وإعادة هندسة الحكم في غزة. أي أن ثمن وقف النار هنا هو فتح مسار طويل لتجريد سلاح المقاومة وإعادة تشكيل البنية السياسية في القطاع على نحوٍ يتقاطع مع التصور الإسرائيلي، من خلال التأخير الممنهج لحلول ملفي الأزمة الإنسانية وإعادة الإعمار، بما يحوّل عملياً القوة الدولية إلى قوة احتلالٍ جديدة تتولى تنفيذ مهامٍ إسرائيلية تحت غطاءٍ أممي.

مقاربة السلطة الفلسطينية

من جانبها، رحّبت قيادة السلطة الفلسطينية وحركة فتح بالمشروع الأمريكي فور اعتماده بقرار مجلس الأمن، مؤكدةً في قراءتها للقرار على أنه يصب في مصلحة الحقوق الفلسطينية وعودة الحياة الطبيعية إلى غزة وإعادة الإعمار تحت إشرافٍ دولي. كما أبدت السلطة استعدادها لمشاركة القوة الدولية التي ستتشكل في مهمة إدارة القطاع وفق القرار الأممي الذي يمنحها مشاركة جزئية محدودة، مع اشتراط عودتها الكاملة بجملة من الإصلاحات البنيوية على مستوياتٍ عدة.

وعقب اعتماد القرار الأممي، أقرت السلطة تشكيل ما عُرف بـ”اللجنة الرئاسية”، برئاسة حسين الشيخ، وعضوية كلٍ من روحي فتوح ومحمود الهبّاش، لتتولى التسيير اليومي للشؤون المدنية للقطاع، على ألا تكون بديلة عن لجنة التكنوقراط المُشار إليها في نص قرار الخطة الأمريكية المُعتمدة. وبالتوازي مع هذا الترتيب الداخلي، تسعى السلطة، في إطار تثبيت موطئ قدم في المسار الدولي الجديد، إلى تكثيف اتصالاتها مع توني بلير المرشّح لتولي دورٍ قيادي في مجلس السلام الذي سيُدار برئاسة ترامب، حيث ركّزت اللقاءات على ترتيبات اليوم التالي وتحديد شكل وحجم إدماج السلطة داخل البنية الإدارية الجديدة المُقترحة للقطاع.

ورغم إقصائها عن تولي دور رئيسي في إدارة قطاع غزة، تُقدم السلطة الفلسطينية تبرير تماهيها الفوري مع المقترحات الأمريكية المطروحة مؤخراً على خطابٍ يمنح الأولوية لإنهاء المعاناة الإنسانية للفلسطينيين وتثبيت وقف إطلاق النار، بما يَحول دون تجدد الهجمات الإسرائيلية تحت أي مظلة دولية لقوات خارجية. ومن جانبٍ آخر، يُمكن قراءة الترحيب المباشر لقيادة السلطة بقرار مجلس الأمن على اعتباره يعكس رغبتها في الالتحاق بأي مسارٍ دولي على أمل أن يوفر مستوى من الضغط السياسي على حكومة الاحتلال، بما يفتح المجال أمام عودة تدريجية – وإن كانت شكلية في بادئ الأمر – للسلطة إلى إدارة قطاع غزة، وفق قرار مجلس الأمن، حيث يربط العودة الكاملة بإجراء إصلاحات داخلية على كافة المستويات، يُترك تقييم استيفائها للطرفين الأمريكي والإسرائيلي في ظل رفض وجود أي طرفٍ فلسطيني فاعل في المرحلة الراهنة، على نحوٍ يُعطِّل أي التزاماتٍ سياسية حيال إقامة الدولة الفلسطينية.

قراءة مؤسسات المجتمع المدني

قدّمت العديد من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني والمنظمات الحقوقية أكثر القراءات جذرية وحِدّة؛ ففي ورقة موقف صدرت عن ائتلاف من منظمات المجتمع المدني الفلسطينية، جرى توصيف قرار مجلس الأمن بأنه يؤسس لـ«احتلال غير قانوني مشترك أمريكي–إسرائيلي» للقطاع، ويمنح مجلس السلام والقوة الدولية سلطات فعلية على الأرض دون موافقة حرة من الشعب الفلسطيني، وفي تجاهل صريح لالتزامات القانون الدولي بحق تقرير المصير.

في خلفية هذا المشهد، تتحرك مراكز الأبحاث الفلسطينية بين نزعتين؛ نزعة تشاؤمية ترى في القرار نصّاً غامضاً على شاكلة قرارات سابقة مثل قرار 242، قابلاً لتطبيق انتقائي يخدم الطرف الأقوى، ونزعة أخرى تحاول البحث عن إمكانية الاستفادة من بعض عناصر القرار التي تشكل لُب الحاجة الفلسطينية الراهنة، لا سيّما تثبيت وقف إطلاق النار، والإشارة إلى إعادة توحيد غزة والضفة تحت سلطة واحدة، والإحالة إلى مسار نحو تقرير المصير، على اعتبارها نقاط ارتكاز يمكن البناء عليها إذا توفرت إرادة فلسطينية موحدة واستراتيجية تفاوضية جماعية.

وعلى أي حال، جاءت المواقف الفلسطينية على اختلافها ما بين قبولٍ اضطراري يمثله موقف السلطة الفلسطينية، وبين رفضٍ مبدئي يسعى إلى بلورة خياراتٍ بديلة كما في المواقف الفصائلية، وعلى رأسها حركة حماس، في سياق واقعٍ يشهد تنامياً ملحوظاً في حجم الهواجس الفلسطينية إزاء تداعيات المشروع الأمريكي المُعتمد بقرار مجلس الأمن على المكون السيادي للفلسطينيين، وما يحمله من بنودٍ تهدف إلى فرض وقائع ديموغرافية وميدانية تتقاطع مع الرؤية الإسرائيلية الساعية إلى منع أي إدارة فلسطينية من تولي المسؤولية الكاملة في إدارة شؤون القطاع، وهو ما بدا جليّاً في تجاوز معظم مخرجات اللقاءات الفلسطينية الواسعة، سواء لجنة التكنوقراط المُتفق عليها بإشرافٍ مصري، أو حتى المقترحات البديلة لتشكيل القوة الدولية وحدود مهامها في إدارة القطاع.

وبشكل عام، تتصاعد المخاوف الفلسطينية من استمرار الانتهاكات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار، في ظلّ ضبابية آفاق التفاوض حول مراحله المتبقية، إلى جانب المؤشرات على توجّه إسرائيلي جاد لتعطيل إطلاق ملف إعادة الإعمار واستدامة الأزمة الإنسانية توظيفاً لها في تحقيق مكاسب سياسية على حساب الفلسطينيين. كما لا يزال الانقسام الفلسطيني بين السلطة وحركة حماس يُلقي بظلاله على ضعف البيت الفلسطيني في تجاوز التداعيات الخطرة للمستجدات الراهنة. وعليه، تتبدّى أكثر من أي وقتٍ مضى الحاجة الوطنية إلى شراكة فلسطينية شاملة فعلية وعاجلة، تُمكّن من مقاربة جماعية للتعامل المرن مع القرار الأممي المُستجد، بما يحافظ على الحقوق الفلسطينية أو يُحدّد الإطارين الزمني والعملي لمهام القوة الدولية خلال المرحلة المقبلة التي يُتوقع أن تشهد المزيد من التسويات والمقترحات الخارجية على حساب الشعب الفلسطيني.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق