وجهات نظر

ثلاث قراءات لإعلان نيويورك الخاص ب”المؤتمر الدولي لتنفيذ حل الدولتين”

في خضم استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة ورفض حكومة الاحتلال التجاوب مع أي دعوات إقليمية أو غربية لوقف الحرب، تبلور زخم دولي متصاعد للمُضي نحو الاعتراف بدولة فلسطين، مما أتاح فرصة لتنسيق غير مسبوق لإعادة إحياء مسار حل الدولتين. ويعد إعلان نيويورك الذي جاء بمبادرة سعودية – فرنسية وبتوافقٍ إقليمي وغربي أوربي على وجه الخصوص محاولة جادة من المجتمع الدولي لإعادة تعزيز مسار التسوية على أساس حل الدولتين. يقدم هذا التقرير قراءة لإعلان نيويورك من ثلاثة مستويات، يتعلق الأول بوصف الجهد الدولي والإقليمي في بناء توجه جديد في التعامل الدولي على القضية الفلسطينية، فيما يتناول الثاني، اتجاهات الأطراف الفلسطينية في قراءة الإعلان، وأخيراً، تناول مواقف الاحتلال تجاه الإعلان في ظل الدعم الأمريكي. 

أولاً: حول إعلان نيويورك والتضامن الدولي لأجل فلسطين

تشير خريطة المشاركين في “المؤتمر الدولي لتنفيذ حل الدولتين” والمنعقد في نيويورك في الفترة 28 – 30 يوليو 2025، لتغير في مواقف دول مؤثرة في السياسة العالمية، وذلك بعد أن كانت تتخذ مواقف متذبذبة أو محايدة. تتضح هذه الملاحظة في مشاركة بعض الدول رغم التلويح الأمريكي بالعقوبات التجارية ووقف المعاملة التفضيلية عن الدول المشاركة. هذه النقطة تحتاج للنظر باهتمام، حيث هي خطوة مهمة في تثبيت “التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين”.

وباستعراض المشاركين في المؤتمر، يمكن ملاحظة أنها لم تقتصر على الدول المستمرة في دعم القضية الفلسطينية، بل شملت دولاً كانت مواقفها متذبذبة وتميل، بشكل واضح لرواية الاحتلال والولايات المتحدة. ومن حيث تركيبة المشاركين، كان حضور الداعين للمؤتمر لافتاً، فقد شكلت الدول الداعية للتحالف الكتلة الأساسية، وهو مؤشر إيجابي على تماسك الدول الداعمة للقضية الفلسطينية، ومنها السعودية، مصر، تركيا، إندونيسيا، وغيرها، وهي مجموعة دولية، لديها القدرة على أن تشكل رافعة مؤثرة على مواقف الدول تجاه تثبيت الحق الفلسطيني.

هذا الجهد لا ينفصل عن مسيرة هذه الدول تجاه العدوان على قطاع غزة والتصدي للمحاولات الأمريكية بتصنيف المقاومة منظمات إرهابية يسهل إدانتها والتعامل معها كحركات منبوذة. وخلال عامي العدوان، استقر دورها على مكافحة الروايات المضادة للحقوق الفلسطينية، بغض النظر عن مصدرها. قام وزراء خارجية أعضاء اللجنة السباعية الإسلامية بجهود منفردة وجماعية لغرض تغيير مواقف بعض الدول المؤثرة، كان من نتيجتها تخفيض حدة التضامن الأوروبي مع إسرائيل، وهي نتيجة مهمة على المدى الطويل، وحالياً، يتم استثمارها لتخطي القيود التي تضعها الالتزامات الأمريكية بأمن إسرائيل.

ويمثل انعقاد مؤتمر التحالف الدولي تحت مظلة الأمم المتحدة وفي مدينة نيويورك خطوة أساسية في تحدي القيود الأمريكية، فإن نقل مقر انعقاده من مدينة “الرياض” لأهم مقر دولي، تعبير عن وضع القضية الفلسطينية ضمن مسائل الاهتمام الدولي حتى لا تكون مجرد مناقشات لمجموعة دولية خارج نطاق المنظمات الدولية. في هذه السياقات، صدر قرار “ترامب” بمنع التأشيرات عن “منظمة التحرير” رد فعل الغرض منه إضعاف أي اجتماع دولي يخص المسألة الفلسطينية، وهو ما يمكن اعتباره واحداً من مؤشرات انتقال الولايات المتحدة من مستوى المبادرة  إلى مربّع رد الفعل أو حتى منطقة التعادل، وهي نتيجة مهمة في ظل إقرار “إعلان نيويورك” مبدأ اتخاذ إجراءات الجماعية لإنهاء الحرب.

وبجانب المجموعة العربية والإسلامية، كان حضور البرازيل والمكسيك والسنغال، طبيعياً لتعاطفهم تاريخياً مع قضايا العالم الثالث، لكن وجود بقية الدول يعطي دلالة واضحة على التغير الملموس في المواقف الدولية، بجانب إسبانيا وإيرلندا، شاركت إيطاليا، كندا، بريطانيا والنرويج، وذلك بجانب مشاركة الاتحاد الأوروبي.

وبالإضافة إلى أن هذه الدول تشكل عاملاً مؤثراً في النظام الدولي، فإن متابعة مواقفها أثناء العدوان على غزة، تشير إلى تحولات هامّة. منذ البداية، وكان موقف إسبانيا مستقراً في إدانة العدوان، وكانت أكثر وعياً بأهمية تحالفاتها مع دول حوض المتوسط والدفاع عن الحق الفلسطيني داخل أوروبا والذي كان رافعة مهمة في تأييد المطالب الفلسطينية، وخصوصاً بعد زيارات الدولة لكلٍ من الرئيس المصري (عبد الفتاح السياسي) وملك الأردن (عبد الله الثاني)، بحيث صارت إسبانيا في وسط التفاعل الدولي الداعم للاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وفي التصنيف التالي، تعكس مشاركة كندا، بريطانيا، اليابان، وهي من مجموعة السبع الصناعية الاستعداد للتخلي عن الانحياز المطلق للاحتلال وبدء مرحلة من التعامل الإيجابي لضمان عدم شطب المسألة الفلسطينية ارتباطاً بنتائج العدوان. و تتضح أهمية هذا التغير بمقارنة ما يحدث حالياً بمساعي هذه الدول لإدانة المقاومة في بداية العدوان، حيث كانت متضامنة مع أمريكا في تصنيفها المقاومة الفلسطينية منظمات إرهابية، وصارت تروج لرواية العدوان على المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، حيث دعمت مشاريع قرارات في مجلس الأمن لتصنيف ما حدث في 7 أكتوبر عملاً إرهابياً، وظلت تكرر مواقفها حتى تأكد لها عدم قدرتها على تمرير أي قرار عبر المجلس، حيث تواجه كتلة دولية متماسكة، حشرت الولايات المتحدة في الزاوية خالية من حلفائها التقليديين حتى اضطرت للاعتراض وحدها على مشروع قرار بوقف الحرب انقاذا لحكومة المتطرفين الإسرائيليين.

ورغم الصعوبات القائمة في النظام الدولي، يجب أن تكون قراءة “إعلان نيويورك” في إطار هذه التغيرات والتي تحظى بدعم دوائر أخرى لم تشارك في اجتماع نيويورك، مثل روسيا الاتحادية والصين والجزائر وغيرها من الدول التي تتبنى موقفاً داعماً للحق الفلسطيني وخفض الهيمنة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. وهنا، يأتي الاهتمام الفرنسي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية علامة كاشفة عن جوانب التغيير في دوائر التأثير الدولية، فأهمية ظهور الموقف الفرنسي، لم تكن في ظهوره كمبادرة فردية، ولكنه جاء في إطار تفاهمات مع السياسات الإقليمية على خفض المخاطر في حوض المتوسط، ومنها وقف حرب الإبادة، وهو ما تم تدعيمه بإعلان مشترك ما بين فرنسا والسعودية، وبهذه الصيغة، لا يبدو الموقف الفرنسي انفعالياً، فهو أقرب لتحول سياسي لتأمين أوروبا والمصالح الفرنسية ضد مخاطر انفلات الأمن في شرق المتوسط وضد تداعيات الحرب في أوكرانياٍ.

هناك الكثير من الأهداف وراء تغير مواقف هذه المجموعة من الدول، لكنها لا تنفي أهمية استثمارها والاستفادة منها في بناء المجال الفلسطيني الجديد و المنخرط في التفاعلات الدولية. على هذه الأرضية،  يفضل أن تكون قراءة “إعلان نيويورك” جادة في استخلاص مراميه والفرص المحتملة والقائمة، وليس النظر إليه كإعلانات سابقة، لم تأخذ حظها من التدقيق والفهم. 

وبالإضافة لإقرار مبدأ العمل الجماعي، تزامن انعقاد الاجتماع مع التوسع في مشاورات الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ليشمل بريطانيا والولايات المتحدة ذاتها، وتخطط دولٌ أخرى لإعلان اعترافها. وقد ترافقت هذه التطورات مع اهتمام مشترك لمصر وبريطانيا بترتيبات المساعدات ووقف الحرب، وتسارع الاهتمام السعودي والتركي باستمرار العمل الجماعي لضمان المضي في مسار الدولة أو حل الدولتين، وتفعيل مقررات “إعلان نيويورك” بوقف التهجير القسري ووقف الحرب والإعمار، وهو أمر لا يشهد تغيراً فورياً، لكنه يتوقف على جزء كبير منه على تماسك الجبهة الفلسطينية وتلاقيها مع الجهود الدولية.

ثانياً: مقاربة الأطراف الفلسطينية تجاه إعلان نيويورك

إزاء هذه الأحداث، تحاول الأطراف الفلسطينية تقديم قراءة شاملة لمحتوى بنود إعلان نيويورك نظراً لأنه جاء في مرحلةٍ خطيرة تشهد استمرار مخططات الإبادة والتهجير في قطاع غزة واستمرار التوغل الاستيطاني وسياسات الضم في الضفة الغربية، مما دفع العديد من الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها فصائل المقاومة، إلى تقديم إشادة بتحفظٍ على الكثير من بنوده، لا سيّما تلك المتعلقة بتحميل المسؤولية الأمنية على الكيان الفلسطيني، دون أي الزاماتٍ تجاه الطرف المحتل. لذا يسعى هذا التقرير إلى تسليط الضوء على آراء الأطراف الفلسطينية حول إعلان نيويورك الأخير. 

السلطة الفلسطينية و استثمار الزخم الدولي

على امتداد السنوات الماضية، سعت قيادة السلطة الفلسطينية إلى إعادة إحياء مسار التسوية الذي أصيب بالجمود بفعل التعطيل المتعمّد من جانب دولة الاحتلال، في ظل استمرار التوسع الاستيطاني وتوظيف الانقسام الفلسطيني كذريعة لرفض أي تقدم سياسي. وفي هذا الإطار، رأت السلطة في إعلان نيويورك خطوة تاريخية، مستندة إلى إجماع دولي غير مسبوق، واعتبرته تحولاً إيجابياً يعكس اتساع نطاق عزلة الاحتلال على المستوى الدولي، وفرصة لاستعادة زمام المبادرة سياسياً بدعم شامل من الأطراف الإقليمية والدولية في مواجهة تعنت حكومة اليمين المتطرف.

وشكّل التوافق الدولي على إعادة تفويض السلطة بإدارة شؤون الفلسطينيين في أماكن تواجدهم، بما فيها قطاع غزة، أحد أبرز العوامل التي دفعت قيادتها إلى التفاعل الإيجابي مع الإعلان لما يشكله من أرضية سياسية وتأكيد شرعية التمثيل للشعب الفلسطيني في إدارة شؤونهم وترتيب الوضع الداخلي عبر انتخابات عامة مشروطة بالسقوف الدولية. كما لفتت السلطة إلى أن تضمين الإعلان لبند عودتها إلى إدارة قطاع غزة يتعارض مع الرغبة الإسرائيلية الرامية إلى إقصائها عن المشهد لتجنب أي التزامات مستقبلية في إطار التسوية. 

وفي المقابل، تدرك السلطة أن تنفيذ مخرجات هذا الزخم الدولي من عدمه يتوقف على مدى التجاوب الإسرائيلي مع الإعلان، وهو ما بدا واضحاً في ظل استمرار حالة التعنت الإسرائيلي في رفض أي مبادرات دولية في هذا السياق، لا سيّما وأنها تتعارض مع مخططات الحسم والتصفية للمكون الفلسطيني. لذا تُعوّل السلطة على هذا الزخم الدولي في إمكانية توجيه الضغط اللازم على دولة الاحتلال لتنفيذ بنود الإعلان المتعلقة بوقف الاستيطان والجدول الزمني للانسحاب.   

القراءة الفصائلية وتحفظات المقاومة

تُقارب حركة حماس وباقي فصائل المقاومة إعلان نيويورك بقراءة براغماتية، تتوافق نسبياً مع توجه السلطة في تأييد المسار العام القائم على إعادة تفعيل حل الدولتين، وهو ما اعتبرته أنه جاء كنتاج طبيعي للتحولات التي أعقبت عملية السابع من أكتوبر، بوصفها أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد الإقليمي والدولي من جديد، لا سيّما من التحوّل الملموس في الرأي العام الغربي الذي أعقبه تحول اضطراري في الخطاب والتوجه الرسمي الغربي تجاه السياسات الإسرائيلية التي قوضت الشرعية الدولية بصورةٍ غير مسبوقة. 

ورغم الترحيب العام، سجّلت حركة حماس ومعها فصائل المقاومة تحفظات واضحة على بعض بنود الإعلان، وفي مقدمتها ما يتعلق بتسليم السلاح، معتبرة أن هذا الطرح يفتقر إلى الشرعية القانونية، ويناقض مبدأ مشروعية المقاومة المسلحة طالما بقي الاحتلال قائماً، ما يجعله إحدى المغالطات الجوهرية المتعارضة مع القانون الدولي. كما شدّدت حماس على أن البنود الخاصة بترتيب الوضع الإداري للفلسطينيين في أماكن تواجدهم تعد شأناً داخلياً وتخضع لمخرجات التفاهمات الفصائلية الأخيرة بشأن إدارة قطاع غزة، ولا يمكن تجاوزها بتفاهمٍ دولي منقوص غير ملزم للاحتلال. 

واقعية الإعلان في ظل غياب الإلزام

بشكلٍ عام، عكست قراءة الاوساط الفصائلية الفلسطينية  لإعلان نيويورك مقاربة نقدية حاولت المزج بين تقييم الإلزام النصي والموضوعي لبنوده، متجاوزة حدود الترحيب العام الزخم السياسي الذي رافقه، نحو طرح تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة الأطراف الدولية الراعية على ممارسة الضغط الفعّال على الطرفين الإسرائيلي والأمريكي للتجاوب مع هذا الزخم والالتزام بما ورد فيه. وقد تمحور النقاش الفلسطيني، سواء على المستوى الفصائلي أو الفاعلين المستقلين، حول مسألة إلزامية البنود، إذ لوحظ إلزام الجانب الفلسطيني بتنازلات عملية، مقابل غياب واضح لأي التزامات ملموسة على الاحتلال، باستثناء الدعوة لوقف الاستيطان والحرب وربطهما باستئناف مفاوضات الحل النهائي، دون أي نصوص صريحة تفرض تفكيك البنية الاستيطانية أو وقف الممارسات الممنهجة ضد الفلسطينيين.

وقد شكّل هذا الخلل محور اعتراض رئيسي لدى فصائل المقاومة، وفي مقدمتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، إذ يتضمّن الإعلان إلزاماً مباشراً بتسليم سلاح المقاومة إلى السلطة الفلسطينية، دون ضمانات حقيقية لإنهاء الاحتلال، مما يُبقي الأمر في دائرة مفاوضات قابلة للتعطيل أو الانهيار عند أي انسداد تفاوضي، كما حدث في تجارب التسوية السابقة.

ورغم الزخم السياسي الذي أحاط بإعلان نيويورك، تظل طبيعته غير الملزِمة عائقاً جوهرياً أمام إمكانية ترجمته إلى خطوات عملية، كونه صادراً عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لا عن مجلس الأمن، ما يفقده أي قوة تنفيذية أو آليات قسرية تُجبر الاحتلال على الالتزام ببنوده، مما يثير جدلاً واسعاً حول واقعية الإعلان في ظل غياب أدوات الضغط الحقيقية.

وعلى أي حال، ترى هذه الأطراف الفلسطينية أن مصير إعلان نيويورك رهناً بمستوى التفاعل الإسرائيلي، وهو ما يبدو مستبعداً في المدى المنظور، خاصة مع استمرار الدعم الأمريكي الكامل لمخططات الاحتلال، وتجاهله لأي ضغوط إقليمية أو دولية. وقد جاء القرار الإسرائيلي الأخير بإقرار مخطط احتلال قطاع غزة كرسالة رفض عملية لبنود الإعلان، ما يفرض على الدول الراعية ضرورة الانتقال من إطار الدعم السياسي إلى إجراءات عملية تردع السلوك الإسرائيلي، وتحافظ على ما تبقى من جدوى الإجماع الدولي كأداة لإدارة الصراع. 

ثالثاً: الموقف الإسرائيلي من اعلان نيويورك

بدعم من إدارة الجمهوري ترامب تتجاهل حكومة اليمين في إسرائيل إعلان نيويورك الداعي لإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في الأراضي الفلسطينية، ورداً على ذلك شهد المسجد الأقصى اقتحاماً بقيادة إيتمار بن غفير وأكثر من ألف مستوطن لإحياء ذكرى خراب الهيكل، في الوقت ذاته أعلنت حكومة نتنياهو عن عزمها احتلال قطاع غزة بشكل كامل خلال المرحلة المقبلة، وهو ما يقلل من أهمية تلك الجهود الاقليمية والدولية، ويفقدها القدرة على التأثير.

رد الحكومة الإسرائيلية على إعلان نيويورك

بعد إعلان العديد من الدول الأوروبية والغربية عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، كنوع من الاستجابة لضغوط الرأي العام العالمي، وإصرار دولة الاحتلال على الإبادة الجماعية في غزة، وما لذلك من تأثير واضح على المواقف الدولية، جاء إعلان نيويورك كنتيجة طبيعية لتطورات حرب الإبادة في غزة وتداعياتها الإقليمية والدولية.

تظهر تلك التحولات في المواقف العالمية من “إسرائيل” في الخطاب السياسي للمعارضة الإسرائيلية التي ترى في استمرار الحرب على غزة تدميراً لصورة دولة الاحتلال عالمياً، وهو ما ترد عليه حكومة نتنياهو بالتجاهل، حيث تقول الحكومة الإسرائيلية في ردها على تعهد الرئيس الفرنسي ماكرون بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية باعتباره هدية للإرهاب، وهو ما أكدت عليه تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب الذي يرى في تصريح ماكرون بلا أي قيمة سياسية.

لهذا كان متوقعاً أن تذهب إسرائيل بعيداً في تحدي تلك المواقف الدولية، والقانون الدولي، حيث يقول إسرائيل كاتس وزير الحرب في حكومة نتنياهو، أن حكومته ستبني الدولة اليهودية على أرض الواقع، أي أن التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وغيرها من المناطق الفلسطينية بات أمراً واقعاً بالنسبة لإسرائيل.

لهذا ترى الحكومة الإسرائيلية إن مثل هذه الخطوة التي تتبناها دولاً حليفة لإسرائيل بأنها عقاباً للضحية، حيث يقول نتنياهو، إن قيام دولة جهادية على حدود إسرائيل سيشكل تهديدا مستقبليا للدول الأوروبية أيضا.

من جانبه يعلق أمير أوحانا رئيس الكنيست الإسرائيلي على إعلان نيويورك الذي يطالب بإقامة دولة فلسطينية بالقول، أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو مكافأة لحركة حماس وخطوة نحو عدم الاستقرار في المنطقة، مطالباً الدول الأوروبية التي تسعى للاعتراف بالدولة الفلسطينية أن تقييم هذه الدولة في لندن أو باريس.

ورداً على ذلك تتخذ حكومة اليمين في إسرائيل العديد من الإجراءات العملية حيال إعلان نيويورك، حيث تتمثل تلك الإجراءات في الإعلان عن البدء في احتلال كامل لقطاع غزة، وإعطاء نتنياهو وعود لحلفائه بتنفيذ خطة التهجير، حيث تقول صحيفة يديعوت أحرونوت أن نتنياهو منخرطاً بشكل كبير بالتواصل مع جهاز الشاباك من أجل التنسيق مع دول مختلفة ومحاولة إقناعها باستقبال المهاجرين الفلسطينيين.

قراءة الإعلام الإسرائيلي لإعلان نيويورك 

اعتبرت وسائل الإعلام الإسرائيلية إعلان نيويورك مؤشراً على تآكل ذلك الدعم التقليدي الغربي لإسرائيل، لأن مجريات حرب الإبادة في غزة تشكل انتهاكاً جسيماً وغير مسبوقاً للقانون الدولي وحقوق الإنسان، ولم يقتصر تحذير الإعلام الإسرائيلي على مستقبل العلاقات الإسرائيلية بالقوى الغربية، بل حذر من تلك العقوبات التي سوف تلاحق إسرائيل مستقبلاً في حال قيام الدولة الفلسطينية، التي يمكن أن تحصل على اعتراف رسمي من الأمم المتحدة ومجالسها المختلفة. لهذا تتطرق الكثير من الصحف الإسرائيلية والغربية أيضاً الى أن نوايا الاعتراف الغربي بالدولة الفلسطينية من شأنها أن توفر زخماً قانونياً وأخلاقياً، يمكن أن يترتب عليه المزيد من العزلة وفرض العقوبات الدولية على إسرائيل.

جدية الإعلان ومدى تأثيره من وجه نظر “إسرائيلية” 

بالرغم من تجاهل الحكومة الإسرائيلية للإعلان والعمل بشكل يخالف كافة المطالب الدولية، وحديث الإعلام الإسرائيلي عن تآكل صورة إسرائيل، وتراجع دعم حلفائها، إلا أن ثمة قناعة داخل إسرائيل بأن مثل هذه الخطوة ستبقى في إطارها الرمزي، حيث يصف محرر الشؤون العالمية في القناة 12 الإسرائيلية، عيران نير، أن التحركات الغربية الساعية للاعتراف بالدولة الفلسطينية بمثابة تسونامي سياسي، لكنها رمزية، ولن يكون لها تأثير على أرض الواقع، لأن القوى الغربية لديها العديد من الدوافع المرهونة بضغط الرأي العام، وفشل الضغط الدولي في وقف إطلاق النار، وما يترتب على ذلك من حالة عجز سياسي.

هذا بالإضافة إلى ذلك القلق الغربي من إقدام حكومة نتنياهو على ضم الضفة الغربية، وهو ما سينهي أي فرصة للحلول السياسية، لهذا يبدو أن الحكومة الإسرائيلية قد قرأت الموقف الدولي من هذه الزاوية، ولم تقدم على تطبيق قرار الكنيست الصادر مؤخراً بشأن ضم الضفة الغربية، وربما التأجيل هنا مرتبطاً بتجنب المزيد من استفزاز الموقف الدولي.

وفي هذا السياق، يمكن ترجمة اعتراض الولايات المتحدة على الإعلان واحداً من مؤشرات التضامن الاستراتيجي مع المخطط الإسرائيلي الساعي إلى تصفية القضية الفلسطينية، سواء بإنهاء ملف اللاجئين عبر تصفية الأونروا، أو بتفكيك المكون السياسي الفلسطيني عبر التهميش المتعمد للسلطة الفلسطينية وتقليص ميزانيتها ونطاق سيادتها، غير أن تزامن انعقاد المؤتمر مع تزايد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، سوف يساعد على تشكيل مناخ يحد من فاعلية الدعم الأمريكي للاحتلال.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق