
تقدير موقف المرحلة الثانية لخطة ترامب اتفاق وقف النار في غزة ،،، السيناريوهات المتوقعة؟
1) خلاصة تنفيذية
بات الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واتفاق وقف إطلاق النار في غزة محسومًا بوصفه “قضية وقت” وسؤال متى لا هل، نتيجة: الإصرار الأمريكي، والضغط الدولي، واعتبار أن استحقاقات المرحلة الأولى قد استُكملت عمليًا من منظور حركة حماس والوسطاء الضامنين، بعد تسليم 20 أسيرًا إسرائيليًا حيًا و27 جثة من أصل 28 (والجثة المتبقية لا يُتوقع أن تغيّر المشهد في ظل البحث الجاد عنها).
في المقابل، واصلت إسرائيل التلاعب المنهجي واستثمار ثغرات الاتفاق لتأخير الانتقال إلى المرحلة الثانية دون كلفة كبيرة سياسيًا/اقتصاديًا/أمنيًا/إعلاميًا، مع بقاء احتمال أن لا يكون الانتقال ضد مصلحتها إذا نجحت في التأثير على شروطه لصالحها.
ومع حتمية الانتقال، تتركز الأسئلة الحقيقية حول شكل المرحلة الثانية: هل ستكون انتقالًا شكليًا مع بقاء الوضع الراهن، أم تتجه إلى تقسيم فعلي/شبه دائم بين “غزة شرقية خضراء” تحت سيطرة الاحتلال (أكبر مساحة وأقل سكان)، و“غزة غربية حمراء” تحت سيطرة حماس (أقل مساحة وأكثر سكان)، أم انتقالًا عمليًا كاملًا بتنفيذ الاستحقاقات بما فيها إعادة الإعمار (كليًا أو جزئيًا، ولا سيما في غزة الشرقية تحت وصاية أمريكية–دولية مباشرة).
أولًا: لماذا باتت المرحلة الثانية قصة وقت وسؤال متى لا هل؟
- الإصرار الأمريكي على تحقيق هذا الانتقال، وهو أمر يمكن تأكيده من مصادر مطلعة متعددة فلسطينية، وعربية، ودولية. ويتعلق الأمر هنا بالرئيس ترامب ورغبته في الحفاظ على الإنجاز والنجاح وصورته بوصفه من أنهى الحرب وحقق – ويحقق – السلام في فلسطين، إضافة إلى تداعيات ما يجري في غزة على المشهد الإقليمي برمته، وعلى العلاقات الإسرائيلية–العربية. وقبل ذلك وبعده، يأتي تطبيق بنود المرحلة الأولى كاملة وفق ما هو مخطط لها، وكما جاء في نص خطة ترامب واتفاق وقف إطلاق النار المنبثق عنها، والذي تمت شرعنته بقرار أممي رسمي رقم (2803) صادر عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ 18 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
- كذلك شكّل تبادل الأسرى قاعدة وأساس المرحلة الأولى، وتم إنجاز ذلك بنجاح، مع إطلاق حماس سراح من لديها من أحياء وأموات، ولم تتبقَ سوى جثة أسير واحدة لن تمثل مشكلة مع العمل الجدي للبحث عنها وإعادتها. وفي المقابل، أطلقت إسرائيل – حتى مع التلاعب والتحايل – أسرى فلسطينيين من أصحاب المؤبدات والمحكوميات الطويلة، إضافة إلى ما يقارب ألف مدني غزي ممن اعتُقلوا بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ولم تتم محاكمتهم أو توجيه أي تهم لهم.
- وفي بنود المرحلة الأولى، ورغم التلاعب “الإسرائيلي”، تم إنهاء الإبادة والمقتلة والمجاعة، وإدخال المساعدات الإنسانية، ولو بشكل غير مرضٍ، نتيجة عدم الحسم الواضح وتحديد الكميات والنوعيات والنسب في اتفاق وقف إطلاق النار، الذي فسرته إسرائيل على طريقتها ولصالحها، والخلط المتعمد بين شاحنات المساعدات والقطاع الخاص والمنظمات الأممية، وعدم فتح معبر رفح بالاتجاهين وربط ذلك باستعادة جثث الأسرى، رغم مرور مدى زمني طويل (نحو 65 يومًا تقريبًا)، وهو أمر كان يجب التنبه إليه من قبل المفاوضين والوسطاء.
بالعموم، ورغم الانتهاكات وتجاوز روح الاتفاق، لا نصه الحرفي، إلا أن الاحتلال بقي نظريًا ضمن نفس مربع الاتفاق، ولو على تخومه، مع استغلال سيئ النية ومقصود لثغرات وعيوب الاتفاق الكثيرة، لمنع الانتقال إلى المرحلة الثانية أو تأخيرها إلى أبعد مدى زمني ممكن، وفق الذهنية الصهيونية التقليدية المعروفة بـ“التقطير” أو “التفتوت” بالعبرية، وهو الاختراع الإسرائيلي لطريقة الري المعروفة والمنتشرة.
إضافة إلى المعطيات السابقة، أي الانتهاء من المرحلة الأولى والإصرار الأمريكي على الانتقال إلى الثانية، ثمة ضغط من الدول العربية والإسلامية الضامنة ضمن الإطار الثماني للانتقال إلى المرحلة الثانية، مع استعدادها للمساهمة بما هو مطلوب منها من استحقاقات، في ظل أن البديل يتمثل بعودة الإبادة والتهجير بشكل أوسع. وهي معطيات تؤكد مجتمعة حتمية الانتقال إلى المرحلة الثانية، أيًا كان شكل هذا الانتقال.
ثانياً: طبيعة وآليات الانتقال إلى المرحلة الثانية
أولًا: انتقال نظري بحت
بمعنى إعلان الرئيس ترامب رسميًا انتهاء المرحلة الأولى والانتقال إلى المرحلة الثانية، بعد طي صفحة المرحلة الأولى باستحقاقاتها كافة، بما في ذلك إعادة الأسرى التي شكّلت العمود الفقري والركيزة الأساسية للمرحلة الأولى.
فتح معبر رفح، ولو باتجاه واحد بشكل أولي، تمهيدًا لإخراج الجرحى والمرضى والحالات الإنسانية مع مرافقيهم (نحو 16 ألف حالة على الأقل، مع اثنين من المرافقين لكل حالة)، وإدخال المساعدات بشكل مكثف ويومي ودائم عبره، ولو حتى إلى معبر كرم أبو سالم للتفتيش، وهي آلية أقصر بالتأكيد، مع تسهيلات لوجستية في عمليات التفتيش، وهو ما سيسهله مركز التنسيق المدني–العسكري الأمريكي، الذي يتولى ويشرف مباشرة على كل ما يتعلق بغزة، بما في ذلك دخول المساعدات وطبيعة ردود جيش الاحتلال على الاتهامات المزعومة بخرق وقف إطلاق النار.
بعد الإعلان الرسمي، سيجري اتخاذ عدة خطوات، تتمثل بإدخال مستلزمات التعافي المبكر والإيواء العاجل (خيام وكرفانات)، إضافة إلى فتح معبر رفح، أي ما تبقى من استحقاقات المرحلة الأولى، ومن ثم التفاوض على كيفية وطبيعة تنفيذ المرحلة الثانية واستحقاقاتها الرئيسية، المتمثلة بمجلس السلام العالمي ومكتبه التنفيذي، واللجنة الفلسطينية الإدارية التي ستدير غزة، والشرطة المحلية المدربة حديثًا، وقوة الاستقرار الدولية، والانسحاب الإسرائيلي إلى المنطقة العازلة على تخوم القطاع، ونزع أو جمع أو تجميد سلاح فصائل المقاومة في غزة، والشروع الجدي في عملية إعادة الإعمار، التي باتت تكلفتها الآن تلامس حدود 80 مليار دولار، مع مدى زمني لا يقل عن خمس سنوات.
هذا يعني أننا سنكون أمام فترة تشبه المرحلة الوسيطة، أي جسر ما بين المرحلتين الأولى والثانية، بمعنى الانتهاء من الأولى والانتقال نظريًا فقط إلى الثانية، مع التفاوض على استحقاقاتها وطبيعتها.
وهنا تبدو وجهات النظر المتباينة في مواجهة التفاصيل الكثيرة التي “تكمن فيها الشياطين”، وهي معطيات ستُبقي الوضع الراهن على حاله لفترة زمنية انتقالية، تمتد من أسابيع وربما أشهر.
ثانياً: توصيف الوضع الراهن
الخط الأصفر، الذي أعاد الاحتلال انتشاره خلاله في المرحلة الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار، بات يسيطر عبره على نحو 60% تقريبًا (58% مع حافة أمامية مفتوحة) من مساحة القطاع، بعدد قليل جدًا من السكان (نحو 30 ألفًا تقريبًا). وهذه المنطقة توصف أحيانًا جغرافيًا بغزة الشرقية، وسياسيًا بغزة الخضراء. في المقابل، تسيطر حماس على 40% من مساحة القطاع، مع غالبية الغزيين (نحو مليوني نسمة)، ضمن ما يسمى جغرافيًا غزة الغربية، وسياسيًا غزة الحمراء. وخلال المرحلة الوسيطة، سنشهد حتمًا إدخال مزيد من المساعدات الإنسانية، ومستلزمات التعافي المبكر والإيواء العاجل، وإصلاح وإعادة تأهيل البنى التحتية (الصرف الصحي، الكهرباء، المياه، والمؤسسات الصحية والتعليمية)، لكننا لسنا بالتأكيد بصدد الشروع في إعادة إعمار بأي حال من الأحوال، بما في ذلك العملية العملاقة لرفع الأنقاض.
ثالثاً : السيناريوهات المحتملة لتطبيق المرحلة الثانية
أما الانتقال العملي إلى المرحلة الثانية، فقد يكون أيضًا وفق سيناريوهات متعددة:
السيناريو الأول (العملي) :
- تنفيذ المرحلة الثانية على كامل غزة وفق جميع البنود، أي تشكيل مجلس السلام العالمي الذي يترأسه ترامب، ويضم زعماء عربًا ومسلمين (الرئيس التركي، ولي العهد السعودي، أمير قطر، الرئيس المصري)، إضافة إلى زعماء أوروبيين (رئيس وزراء بريطانيا، الرئيس الفرنسي، وربما قادة إيطاليا وألمانيا)، بما مجموعه 10 إلى 12 قائدًا.
- تشكيل المكتب التنفيذي، الذي سيكون بمثابة حلقة وسيطة بين المجلس الذي يضع الاستراتيجيات العامة، وبين التنفيذ، بالتنسيق مع اللجنة الإدارية الفلسطينية، والشرطة المحلية، وقوة الاستقرار الدولية.
يفترض أن يقود المكتب التنفيذي رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، رغم الاعتراضات الفلسطينية والعربية والدولية الواسعة عليه، مع الانتباه إلى أنه أحد مهندسي خطة ترامب وتصور إعادة الإعمار. ويُطرح في المقابل اسم المبعوث الأممي السابق البلغاري نيكولاي ملادينوف، مع وجود المبعوثين الأمريكيين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، شركاء بلير وعرّابي الخطة، وعلى الأرجح مندوبين من الدول الأعضاء في مجلس السلام.
اللجنة الإدارية يشكلها مجلس السلام من شخصيات فلسطينية كفؤة ونزيهة ومستقلة تنظيميًا. قوة الاستقرار الدولية ستكون بغالبية عربية وإسلامية، مع خلافات مستمرة حول طبيعة مهامها، وهل تتولى نزع السلاح في غزة وتفكيك البنى التحتية الهجومية للمقاومة، أم الفصل بين غزة وجيش الاحتلال، ومراقبة وقف إطلاق النار، وتأمين دخول المساعدات، ومساعدة الشرطة الفلسطينية على أداء مهامها.
مع إنجاز ذلك، يفترض أن ينسحب أو يعيد جيش الاحتلال انتشاره إلى تخوم المنطقة العازلة، بالتوازي مع تنفيذ البنود السابقة، وبوتيرة نزع السلاح، مع نقاش حول تعريف المصطلح بين النزع والتجميد والتخزين وعدم الاستخدام.
يُجرى التفكير في إدماج السلطة الفلسطينية بطريقة ما في الآليات السابقة – وللمفارقة، بلير متحمس للفكرة – ربما عبر ممثل لها في المكتب التنفيذي، أو علاقة مع اللجنة الإدارية والشرطة، التي ينتمي معظم أعضائها إلى السلطة أصلًا، وهي التي اختارتهم للتدريب في مصر والأردن.
ولا بد من الإشارة هنا إلى صعوبة، بل استحالة، إدارة اللجنة لعملها بمعزل عن السلطة الفلسطينية، لأسباب إدارية وبيروقراطية وتقنية بحتة، تتعلق بسجلات المواليد والوفيات، والملكية، والوثائق الصحية والتعليمية والشخصية.
الشروع في إزالة الأنقاض وإعادة الإعمار ضمن مهلة سنتين – بتفويض من مجلس الأمن لمجلس السلام وقوة الاستقرار – قد لا يكون كافيًا لوضع الأسس وإنجاز الأهداف السابقة، ومواصلة الفلسطينيين طريقهم بعدها.
إصلاح السلطة وتوليها المسؤولية كاملة ضمن مسار إنهاء الانقسام، وتوحيد المؤسسات، والمسار السياسي نحو إقامة الدولة وتقرير المصير.
الاحتمالات: من ضعيفة إلى متوسطة
وذلك قياسًا إلى صعوبة المهمة، وتعقيدها، وتداخل الملفات، والخلافات على كل بند وتفصيل تقريبًا.
السيناريو الثاني : التطبيق الجزئي للمرحلة الثانية
تنفيذ الاستحقاقات السابقة نفسها، وتطبيق معظم البنود، ولكن في المنطقة الشرقية الخاضعة لسيطرة الاحتلال خلف الخط الأصفر، والتي تشكل نحو 60% من مساحة القطاع.
هنا لا نتحدث عن إعادة إعمار كاملة، بل “مصغرة” أو جزئية، عبر إقامة منازل مؤقتة مع مرافق وبنى تحتية (كهرباء، مياه، مدارس، مستشفيات، مساجد، ونوادٍ رياضية)، وتوفير فرص عمل للفلسطينيين في هذه المشاريع (نحو 30 ألف فرصة)، مع تسهيل التنقل لمن يرغب من المنطقة الغربية إلى الشرقية، ولكن باتجاه واحد فقط، وبعد تدقيق أمني.
الضغط مع الوقت على حماس للقبول بتنفيذ السيناريو نفسه في المناطق الخاضعة لسيطرتها، والتوافق على طبيعة نزع السلاح، والتنازل شكليًا ومضمونيًا عن السلطة إداريًا وأمنيًا، مع حلول عادلة للموظفين، وإرث الانقسام الثقيل.
الشاهد هنا هو تكريس سيناريو تقسيم شبه دائم بين الشرقية الجديدة الخضراء، والغربية القديمة الحمراء، التي ستبقى على حالها، مع مزيد من المساعدات الإنسانية.
الاحتمال: متوسط
قد ترفض الدول العربية والإسلامية الضامنة المشاركة في هذا السيناريو، وربما يتم إقناع بعضها أمريكيًا على أساس أنه غير دائم، وسيشكل مع الوقت ضغطًا لتعميم النموذج على كامل غزة، خاصة مع الانسحاب أو إعادة الانتشار الإسرائيلي إلى المنطقة العازلة، وتأكيد رفض الضم والاستيطان والتهجير في غزة.
السيناريو الثالث (احتمال متوسط)
تقسيم أمر واقع، مع تعثر الانتقال الرسمي إلى المرحلة الثانية، دون أن يعني ذلك عودة الحرب، بل بقاء الوضع الراهن دائمًا أو شبه دائم، وفق “الخط الأصفر”، واستمرار الواقع الحالي غربًا، أي إدخال المساعدات وإعادة وصل “السيروم” (المحلول الغذائي)، كما كان الحال قبل الحرب.
خلاصة
نحتاج بالضرورة إلى عمل فلسطيني أولًا، ثم عربي وإسلامي، مع مأسسة محمودة للإطار الثماني. يتعلق هذا العمل بالتوافق على إصلاح السلطة، وإنهاء الانقسام، وعودتها السريعة لتولي الحكم في غزة، ولو تمهيديًا، عبر سيطرتها على قوة الشرطة، ومرجعية ما مع اللجنة الإدارية، والضغط للانتقال الكامل والجديد إلى تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب، بتوافق فلسطيني، ودعم عربي وإسلامي ودولي متاح ومتوفر.
للأسف، فإن الخيار الوحيد المطروح جديًا على الطاولة يتمثل بخطة الرئيس الأمريكي، على علّاتها وتوابعها وملحقاتها، وقرار مجلس الأمن 2803 الخاص بها. ويجب تنفيذها وإنجاحها بجميع بنودها وفق منظور المصلحة الفلسطينية. أما البديل، فيتراوح بين تكريس واقع “الخط الأصفر” في المدى المنظور، وربما بشكل دائم، أو حتى عودة الحرب والإبادة والتهجير، وبالحد الأدنى “الخيار اللبناني” – اغتيال الشهيد رائد سعيد، بما يشبه اغتيال هيثم الطبطبائي – المتمثل بغارات واغتيالات إسرائيلية بحق قادة وعناصر المقاومة، وشطب البنود الأساسية، بما في ذلك الانسحاب، وإعادة الإعمار، والأفق السياسي نحو الدولة الفلسطينية وتقرير المصير، من جدول الأعمال.
