مقالات رأي

موافقة حماس على المبادرة

على غير المبادرات السابقة، أخذ طرح دونالد ترامب لمبادرة في سبتمبر الماضي زخماً كبيراً من جانب كل الأطراف الإقليمية والعالمية، بحيث صارت تحظى بأولوية في المناقشات الدولية متجاوزة أخبار الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بشكل وضع مزاحمة لمسار الدولة الفلسطينية، حيث وضعه ما بين القبول بالترتيبات الواردة في المبادرة أو زيادة حدة الإبادة في غزة وتوسيع الحرب إقليمياً.

وعلى مستوى أخر، لم يسفر اجتماع ترامب مع القادة العرب والإسلاميين (اللجنة السباعية) عن تفاهم واضح حول المبادرة، لكنه عكس إمكانية التفاهم حولها، وخصوصاً فيما يتعلق بضمانات تسهل الوصول للدولة الفلسطينية. فقد اهتمت الدول العربية والإسلامية بربط غزة بالسلطة الفلسطينية، وأكدت على رفض مساعي ترامب لتدويل القطاع. وقد أثمرت المناقشات في هذا المستوى عن استثمار الموقف الأمريكي في الاعتراف بفشل التهجير والدخول في مفاوضات لوقف الحرب في مقابل الاستجابة لتسليم الأسرى دفعة واحدة وتعطيل مساعي الاحتلال لضم الضفة.

في هذه الأجواء، جاءت موافقة حماس على الخطة الأمريكية، وخصوصاً في شقي تسليم الأسرى وتسليم القطاع للجنة فلسطينية، بحيث شكل موقفها قاسماً مشتركاً لكل من المطلبين الأمريكي والعربي ـ الإسلامي. 

لقي البيان ترحيباً واسعاً من أطراف شتى، ليضع الحركة في وسط الحدث السياسي. فعلى مستوى الدول الداعمة (العربية والإسلامية)، كان الترحيب نوعاً من التضامن والشراكة، وقد وضح هذا في بيانات منفردة لكل دولة، ثم لحقه بيان مشترك، لم يقتصر على الترحيب بالموافقة، ولكن ظهر في ثناياه إمكانية تطبيع العلاقات مع حماس ودعمها حتى وقف إطلاق النار وتصحيح البيت الفلسطيني.

وبالمثل، تعامل الموقف الأمريكي بإيجابية مع موافقة حماس واعتبرها نقطة مهمة في وقف الحرب، ولم يتوقف ترامب عند هذه النقطة بل سعى للحد من تصرفات نتنياهو تجاه القطاع. ومن زاوية مهمة، تعامل الموقف الأمريكي مع حماس كطرف سياسي، وتجاهل مؤقتاً الحذر من تصنيفها منظمة إرهابية. 

على المستوى الفلسطيني ومع زيادة فرصة وقف الحرب، فتحت موافقة حماس على تسليم القطاع ووقف الحرب الباب أمام إدماجها داخل الحركة الوطنية من المدخل السياسي. فعلى الرغم من تدمير القطاع، فقد اكتسبت القضية الفلسطينية زخماً كبيراً فيما انحشر الاحتلال في الزاوية والعزلة الدولية. في الحالة الفلسطينية، تكون مثل هذه النتائج مقبولة، وخصوصاً إذا ما جاءت في سياق رؤية وطنية لإنهاء الانقسام.

تشير ردود الفعل إلى نتائج مهمة، وهي كالتالي: ـ

  1. أنه رغم تراجع المسار العسكري، فإن حركة حماس تكتسب وضعاً سياسياً لدى الدول العربية والإسلامية، يمكن أن يقود لدمجها إقليمياً، وهنا، يمكن ملاحظة أن المواقف العربية والإسلامية صارت تنظر إليها كمكون فلسطيني مقبول، وذلك على خلاف الوضع السابق. تساعد هذه النتيجة على تحرير الحركة من القيود التي فرضت عليها في الماضي، كما تسمح بالمساعدة بدمجها فلسطينياً.
  2. وعلى مستوى آخر، فإن قبول الحركة للمبادرة، يمثل ضغطاً على حكومة الاحتلال، حيث يضع الملف الفلسطيني في نقطة تغل يد العدوان من ناحية، وتضع الحركة ضمن الموقف العربي والإسلامي. وهي ميزة افتقدها التعامل على القضية الفلسطينية في السنوات السابقة والتي دارت رحاها حول الانقسام وتآكل الدور الإقليمي تجاه فلسطين.
  3. النقطة الأخيرة، وهي تتعلق بإنقاذ الحركة من تحمل أعباء الحرب وحدها، فقد كان الرفض بمثابة مرحلة جديدة من الحصار والتدمير لا يمكن معه الحديث عن قضية أو مستقبل للمقاومة.
  4. وأخيراً، يمثل دخول المسار التفاوضي، وفق المبادرة، أفضل البدائل الحالية (استمرار الحرب)، فهو يعمل على التهدئة والتقاط الأنفاس، كما هو تمرين على مراجعة التوجهات.
الوسوم
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق