
القمة العربية وحفظ مكانة القضية الفلسطينية
مع تشدد الموقف الأمريكي بالتطهير العرقي لقطاع غزة واقتراحات إسرائيلية إسناد إدارة القطاع لمصر، اتخذت مصر موقفاً حاسماً في تأكيد أهلية الفلسطينيين لإدارة شؤونهم وتحريك قوات الجيش إلى مناطق محاذية للحدود مع القطاع وقريبة من معبر رفح، لتطرح بديلين إما السير نحو ما يؤدي لحل الدولتين أو انتهاء معاهدة السلام، كان هذا الرد مرتبطاً بأن الحلول الأمريكية ومعها الإسرائيلية هي انقضاء فعلي للسلام وتهديد للأمن القومي. هذا ما يمكن ترجمته وفهمه للمواقف المصرية في مرحلة الحرب في قطاع غزة وتداعياتها الدولية والإقليمية.
وكانت هذه الضغوط حافزاً لانشغال مصر والأردن والمجموعة الإسلامية بتوفر الدعم السياسي لخطة إعمار غزة وإدارتها. كان الاهتمام الأساسي بضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وفي ذات الوقت، عملت على تنشيط الدبلوماسية الجماعية لأجل تعزيز التضامن الإقليمي. وفي هذا السياق، دعت لعقد قمة عربية طارئة، لإنجاز مهمتين؛ اتخاذ موقف موحد لوقف التهجير القسري ونقل الخطة من الاقتراح الفردي إلى المسؤولية التضامنية الجماعية.
كان الاتجاه لعقد قمة عربية طارئة حاجة ضرورية لإعداد موقف جماعي، ولهذا ذهبت مصر للدعوة ، 9 فبراير 2025، لاستضافة قمة عربية بناءً على طلب فلسطين، وتم تأجيلها من 27 فبراير إلى 4 مارس لاستكمال التحضيرات الموضوعية واللوجستية، التي كلفت حوالي 20 مليون دولار، بعد التنسيق مع مملكة البحرين، رئيس الدورة الحالية للقمة العربية، والتشاور مع الدول الأعضاء. حضر القمة على المستوى القادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، العاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، والرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، بينما غاب بعض القادة الخليجيين مثل العاهل السعودي، واكتفت دول أخرى بإرسال وزراء خارجية، مما يعكس تباينًا في المواقف.
كان بناء موقف جماعي هدفاً لإقرار خطة مناظرة لمقترح ترامب لتهجير سكان غزة، التي كلفت الولايات المتحدة حوالي 10 ملايين دولار في الترويج الدبلوماسي، وكانت مصر والأردن، اللتان تستضيفان ملايين لاجئين، أكثر الدول رفضًا لهذا المقترح، خشية تصفية القضية الفلسطينية. وقدمت مصر خطة شاملة لإعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها، بتكلفة تقديرية 20 مليار دولار على 5 سنوات، تشمل مرحلة إغاثة عاجلة (500 مليون دولار) وإعادة تأهيل البنية التحتية (15 مليار دولار). ودعت القمة إلى استكمال اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي كلف مفاوضاته 50 مليون دولار بين (2023 – 2024) مع تأكيد الحماية الدولية للفلسطينيين.
تفاصيل الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة
عُقدت القمة العربية الطارئة في القاهرة يوم 4 مارس 2025، برئاسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبحضور قادة وممثلين عن الدول العربية، بهدف مناقشة تطورات القضية الفلسطينية، وبالأخص الرد على مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير سكان قطاع غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وهو المقترح الذي أُعلن عنه في 25 يناير 2025 بعد تنصيبه لولايته الثانية. تأتي هذه القمة في ظل أزمة إنسانية حادة في غزة، حيث أدت الحرب المستمرة منذ أكتوبر 2023 إلى مقتل أكثر من 40,000 فلسطيني وتدمير 70% من البنية التحتية بتكلفة تقديرية 50 مليار دولار، مع نزوح 1.9 مليون شخص (90% من سكان القطاع البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة) وفقًا لتقارير الأمم المتحدة.
سعى القادة العرب لتقديم بديل لخطة ترامب، التي تضمنت سيطرة أمريكية مؤقتة على غزة بتكلفة تشغيلية محتملة 1 مليار دولار سنويًا، للحفاظ على السيادة العربية على القضية الفلسطينية. الخطة المصرية التي تتألف من 112 صفحة تشمل خرائط ورسومات باستخدام الذكاء الاصطناعي، تُقدَّر تكلفتها الإجمالية بـ(53) مليار دولار أمريكي، وتمتد على مدى 5 سنوات (2025-2030)، مقسمة إلى ثلاث مراحل رئيسية، مع آليات تمويل وتنفيذ محددة. فيما يلي التفاصيل:
مرحلة التعافي المبكر (6 أشهر – تكلفة 3 مليارات دولار) لإزالة حوالي 50 مليون طن من الركام، منها 10 ملايين طن من الطرق المدمرة، بتكلفة 1.2 مليار دولار، مع استخدام معدات ثقيلة ولوادر مصرية أُرسلت عبر معبر رفح بتكلفة نقل 20 مليون دولار. وتوفير 200,000 وحدة سكنية مؤقتة (خيام وكرفانات مجهزة بالمياه والكهرباء) بتكلفة 500 مليون دولار، لإيواء 1.8 مليون نازح يحتاجون إلى مأوى، وإنشاء ثلاث مناطق آمنة داخل غزة (شمال ووسط وجنوب القطاع) بتكلفة 800 مليون دولار، مزودة بملاجئ متنقلة ومرافق أساسية مثل المياه والصرف الصحي. وتقديم مساعدات إنسانية عاجلة (غذاء ودواء) بتكلفة 500 مليون دولار، مع تدفق 10,000 شاحنة عبر معبر رفح بتكلفة تشغيلية 50 مليون دولار. وتُشرف مصر على العمليات بالتعاون مع شركات بناء مصرية ودولية، حيث أُعدت قافلة معدات بتكلفة 20 مليون دولار قبل القمة، مع مشاركة أولية من الأمم المتحدة التي أنفقت 1 مليار دولار على مساعدات غزة منذ 2023.
المرحلة الأولى من إعادة الإعمار (عامان – تكلفة 20 مليار دولار) وبناء 200,000 وحدة سكنية دائمة بتكلفة 15 مليار دولار، تُشيد في المناطق الآمنة الثلاث، مع التركيز على المحور المركزي (محور صلاح الدين) كمرحلة أولية بتكلفة 5 مليارات دولار، وإعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك 68% من شبكة الطرق المدمرة (تكلفة 2 مليار دولار)، وإصلاح محطات المياه التي تراجعت إلى أقل من 25% من قدرتها قبل الحرب بتكلفة 1 مليار دولار. وإعادة بناء 80% من المرافق الصحية المدمرة (20 مستشفى و50 مركزًا صحيًا) بتكلفة 1.5 مليار دولار، مع تجهيزها بمعدات طبية حديثة. واستعادة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والتعليم، بإصلاح 90% من المدارس المدمرة (تكلفة 500 مليون دولار)، وتُشرف لجنة تكنوقراط فلسطينية مستقلة (لا تضم فصائل) على التنفيذ بتكلفة تشغيلية 100 مليون دولار سنويًا، مع تدريب 5,000 عنصر أمني فلسطيني في مصر بـ50 مليون دولار لضمان الأمن الداخلي.
المرحلة الثانية من إعادة الإعمار والتنمية (عامان ونصف – تكلفة 30 مليار دولار) تقوم على توسيع البنية التحتية الصناعية والاقتصادية، بما في ذلك إنشاء ميناء تجاري بتكلفة 5 مليارات دولار، ومركز تكنولوجي بـ2 مليار دولار لخلق 50,000 فرصة عمل. وبناء مشاريع تنموية طويلة الأمد مثل فنادق على شاطئ غزة (تكلفة 3 مليارات دولار) وحدائق ومراكز مجتمعية (تكلفة 1 مليار دولار)، لتحويل غزة إلى مركز اقتصادي مستدام. وإعادة تأهيل الأراضي الزراعية المدمرة (50% من الإجمالي) بتكلفة 2 مليار دولار، مع تعويض فقدان 95% من الماشية (15,000 رأس) و50% من الأغنام بـ500 مليون دولار. وتعزيز الاستقرار السياسي عبر إجراء انتخابات فلسطينية خلال عام إذا توفرت الظروف، بتكلفة تقديرية 50 مليون دولار، مع التأكيد على حل الدولتين كجزء من الخطة. ويُشرف صندوق ائتماني دولي على التمويل بتكلفة إدارية 200 مليون دولار، مع مشاركة شركات مصرية وأجنبية في البناء، ودعم من دول عربية وغربية.
مظاهر التباين في الموقف العربي
أحد أبرز مظاهر التباين كان في مستوى التمثيل خلال القمة، والذي عكس تفاوتًا في مدى الأهمية التي توليها الدول العربية للحدث، فقدت اكتفت دول خليجية كبرى مثل السعودية والإمارات بإرسال وزراء خارجية أو ممثلين بدلاً من القادة، وهذا الغياب لم يكن مجرد مسألة لوجستية، بل عكس انشغال هذه الدول بأولويات داخلية وإقليمية أخرى.
ظهر تباين آخر في الأولويات الوطنية التي دفعت بعض الدول لتبني مواقف أقل حدة أو عملية مقارنة بالخطاب العام. مصر، ركزت على تعزيز دورها القيادي ورفض التهجير، حيث يُشكل استقبال 1.9 مليون نازح من غزة تهديدًا لاقتصادها الذي يعاني ديونًا بـ165 مليار دولار، الأردن، الذي أنفق 1 مليار دولار على أمن حدوده مع الضفة الغربية في 2024، دعم الخطة المصرية بشدة لنفس السبب، خشية تدفق مئات الآلاف من اللاجئين. في المقابل، بدت دول الخليج أقل حماسة للالتزامات المالية الكبيرة التي تتطلبها خطة إعادة الإعمار (53 مليار دولار)، حيث أُعلن عن تعهدات أولية بـ200 مليون دولار فقط من مصر والأردن والبحرين.
وكشفت القمة عن اختلاف في مدى الالتزام بالإجراءات العملية لدعم القرارات. دعا البيان الختامي إلى نشر قوات حفظ سلام دولية بتكلفة 1 مليار دولار سنويًا وملاحقة إسرائيل قانونيًا بـ20 مليون دولار، لكن دول مثل مصر والأردن والعراق أبدت استعدادًا للتحرك دبلوماسيًا بتكلفة تقديرية 10 ملايين دولار في الجهود القانونية، بينما بدأت دول الخليج العربي مترددة في اتخاذ خطوات عملية قد تُعرض علاقاتها مع الولايات المتحدة للخطر. على سبيل المثال، قطر، التي أنفقت 500 مليون دولار على الوساطة بين حماس وإسرائيل منذ 2023، فضّلت الحفاظ على دورها كوسيط بدلاً من الانخراط في مواجهة مباشرة، بينما الجزائر، التي أنفقت 50 مليون دولار على دعم فلسطين في 2024، دعت إلى قطع العلاقات مع إسرائيل، لكن هذا الموقف لم يلقَ قبولًا واسعًا.
ورغم هذه الملاحظات، اتسم اجتماع القمة العربية الخاص بمناقشة المقترح المصري لمستقبل قطاع غزة بحضور كل الدول غير أنه ثار تقييم لمستوى التمثيل، حيث بدت الملاحظات حول غياب سبعة من قادة الدول، كان أهمها السعودية، الإمارات، الكويت والجزائر التي أعلنت سبب غياب الرئيس عبد المجيد تبون باحتكار مجموعة دول المشاورات والتحضير للبيان الختامي، فيما لم تعلن الدول الأخرى أسباب غياب قادتها. على المستوى السياسي، لم تحظ هذه الملاحظة بجدل مقارنة بالتوافق على الاقتراح المصري بدون ملاحظات أو تحفظ.
فحسب البند رقم (6) في البيان الختامي، تم اعتماد المقترح المصري كخطة عربية للتعافي المبكر وإعادة إعمار غزة. ووضع جدول لتنفيذها بالتعاون مع السلطة الفلسطينية، حشد الدعم المالي وتدشين مسار سياسي لأجل للحل الدائم.
مرجعية المواقف العربية
قامت مرجعية البيان الختامي على تمديد رفض إعلان البحرين، الصادر في 16 مايو 2024، كل الظروف التي تؤدي للتهجير أو النزوح، باعتباره انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي وجريمة ضد الإنسانية وتطهيرا عرقيا، طورت مصر موقفها عندما اعتبرت (كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي) ما بين اتخاذ إسرائيل إجراءات تكره على التهجير بمثابة إخلال بمعاهدة السلام وتهديد للسيادة على الحدود، وهي ممارسات من قبيل التجويع والأرض المحروقة للإجبار على الرحيل. وبهذا، تُرسي مناقشات القمة العربية وأعمالها الرسمية تعريفاً وموقفاً يربط ما بين الأمن الفلسطيني والإقليمي، ما يُعد تطويراً لمفهوم الالتزام بالسلام أو الإخلال به.
وهنا، قامت مواقف الجامعة العربية على أولوية تحضير الظروف للوصول للدولة الفلسطينية، ولذلك، اهتمت بمسارات رفض التهجير وإصلاح السلطة الوطنية على أرضية تحقيق السلام الضامن للحق في الحرية والعودة والدولة المستقلة كمقدمة لحل أسباب النزاع. يتعزز هذا التوجه عبر الاستناد للمبادرة العربية 2002، وهنا، انشغلت الجامعة بوضع السلام ضمن أطر التعاون مع القوى الدولية والإقليمية، للمساعدة في استئناف السلام كخطوة لعقد مؤتمر دولي لإقامة الدولة الفلسطينية وفق مسار المبادرة السعودية لتحالف تنفيذ حل الدولتين
وحسب السياقات العربية ـ الإسلامية، تجري سياسات دعم الفلسطينيين تحت مظلة “اللجنة الوزارية العربية الإسلامية المشتركة” لجلب دعم الخطة العربية دولياً، والحقوق الفلسطينية في تقرير المصير وحشد الضغوط الدولية لفرض انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة كافة، بما فيها سوريا ولبنان.
فكان الاتجاه العام للقمة العربية حريصاً على تبني ما يؤدي للوحدة الفلسطينية، وفي هذا الإطار، دَعمت تشكيل لجنة إدارة غزة تحت مظلة الحكومة الفلسطينية وتمكين السلطة الوطنية من العودة إلى غزة.
وعلى مستوى حفظ أمن الفلسطينيين، أسندت الجامعة لمصر مهمة تدريب الشرطة وطلب من مجلس الأمن بنشر قوات حفظ سلام في الضفة وغزة لتعزيز الأفق لحل الدولتين وتحقيق الأمن للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. بجانب دعم دور وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) للقيام بولايتها
هامش التغير في الموقف الأمريكي – الإسرائيلي
على المستوى الإسرائيلي، ظهرت مقترحات بديلة للخطة المصرية. في نهاية فبراير الماضي، قام مقترح “يائير لبيد” قبول واقع غزة السياسي، حيث ضعف السلطة عن إيجاد بديل لحماس، وحسب رايه، يكون الحل في إسناد إدارة القطاع لمصر لمدة ثماني سنوات، يتم فيها الإعمار، وقدمه بديلاً واقعياً يتم فيه تدمير البنية العسكرية ومنع المقاومة من إعادة بناء نفسها. على أية حال، قام مقترح “لبيد ” على تحقيق هدفين؛ تقليم أظافر قطاع غزة وعدم الصدام مع أي قوة برية عربية أو دولية، يمكن أن تتواجد لحماية شركات الإعمار أو دفع إسرائيل للانسحاب من القطاع.
تذهب التفسيرات أن خلفية مشروع لبيد هي عدم قدرة إسرائيل على حسم الحرب، فهو يشير لوجود أوراق لدى الفصائل الفلسطينية والمساندة الدولية والإقليمية في رفض التهجير الجماعي، مثل وجود أسرى في حوزة المقاومة. هذا ما يدفع نقل العبء لطرف آخر، يقوم بمهام تسوية هذه الملفات العالقة، وبدلاً من الدخول في مواجهة مع مصر، يهذب “لبيد لنقل أعباء الإعمار إليها.
على مستوى رد الفعل المباشر، بدت المواقف الأولية أمريكياً وإسرائيلياً رافضة للخطة المصرية لإعادة إعمار غزة، التي تُقدر تكلفتها بـ53 مليار دولار على 5 سنوات، والتي تتضمن ثلاث مراحل: تعافٍ مبكر (3 مليارات دولار)، إعادة إعمار أولية (20 مليار دولار)، وتنمية طويلة الأمد (30 مليار دولار)، مع إدارة لجنة تكنوقراط فلسطينية مستقلة وتدريب قوات أمنية بـ50 مليون دولار. أعلن البيت الأبيض في 4 مارس 2025، عبر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بريان هيوز، أن الخطة “لا تعالج واقع أن غزة وغير صالحة للسكن حاليًا”، مؤكدًا تمسك الرئيس دونالد ترامب برؤيته لإعادة بناء غزة خالية من حماس. أما إسرائيل، بدورها، وصفت الخطة بأنها “متجذرة في وجهات نظر قديمة”، رافضة أي دور لحماس أو السلطة الفلسطينية.
وكان مُحتملاً أن يؤدي الرفض الأمريكي-الإسرائيلي إلى تصعيد التوترات بين الدول العربية وإسرائيل، خاصة مع مصر والأردن، اللتين رفضتا تهجير 1.9 مليون فلسطيني بتكلفة محتملة 2 مليار دولار سنويًا لاستيعابهم. مصر قد تتجه لتشديد موقفها من اتفاقية كامب ديفيد، مع تهديدات بتعليق التعاون الأمني إذا استمر الضغط الأمريكي. ومع استمرار إغلاق المعابر، ورفض إسرائيل الخطة، قد تنهار التهدئة الهشة بين إسرائيل وحماس. بينما رفض الولايات المتحدة قد يُثني دول الخليج عن تمويل الخطة، خاصة مع غياب قادتها عن القمة وتركيزها على مشاريع داخلية وهذا قد يُجمد المرحلة الأولى (3 مليارات دولار) بحلول سبتمبر 2025.
ويُضفي رفض إسرائيل والولايات المتحدة للخطة المصرية لإعادة إعمار غزة صعوبة في ترتيبات اليوم التالي في غزة، وتعددت الاحتمالات أمام القطاع الذي يعاني أزمة إنسانية حادة بعد تدمير 69% من مبانيه بتكلفة 50 مليار دولار ونزوح 1.9 مليون نسمة. تختلف الاحتمالات بين تصعيد عسكري إسرائيلي يستهدف البنية المتبقية في القطاع.
غير أنه في الأيام التالية، تراوحت السياسة الأمريكية ما بين احتكار مسار الإعمار وإدارة غزة وبين التفاوض على مستقبلها مع دولتي مصر والأردن. في هذا السياق، سارت مواقف ترامب ووزير خارجيته نحو رفع السقف التفاوضي للحصول على أكبر مكاسب مُمكنة بتصوير الإعمار مشروعاً تجارياً يتم تنفيذه على أرض خالية من السكان، ولذلك، ذهبت التصورات الشفهية لبدائل، تعمل كلها على تأكيد هيمنة البعدين الأمريكي والإسرائيلي. غير أنه مع انعقاد القمة العربية، حدث تغير في المواقف الأمريكية، لتتحرك نحو التفاوض على الخطة المصرية، ما يشكل مساراً مختلفاً عن تصريحات ترامب.
ومع وضوح الموقف المصري ـ العربي، لم تصمد اقتراحات إسرائيلية بتوليها إدارة القطاع، حيث ركزت السياسة المصرية على تمكين الفلسطينيين من إدارة شؤونهم بما يؤدي للدولة ذات السيادة
وإغلاق مصر لمعبر رفح، واحتجاجات في الاردن والضفة الغربية. ويستمر دعم الولايات المتحدة لإسرائيل مع الضغط على مصر والأردن لقبول التهجير، بينما تتعثر الخطة المصرية لنقص التمويل الخليجي، مما يُطيل الأزمة ويُعزز خطة ترامب إذا لم تتدخل الأمم المتحدة بقوات حفظ سلام وسط تباين عربي يُضعف الرد الجماعي.
ورغم اتساع الضغوط الأمريكية وصعوبات التفاعل العربي، اتخذت القمة العربية موقفاً مرناً، جمع ما بين الإجراءات العاجلة للحفاظ على الكيان الفلسطيني كأرضية للوصول للدولة وبين توظيف التريث الاستراتيجي في تثبيط الضغوط الأمريكية والانفعال الإسرائيلي. اتضحت هذه السمة في بنود البيان الختامي وفي المواقف المصاحبة حتى انعقاد القمة بعد تأجيلها لما يقرب من أسبوع. ورغم أن رفض التهجير كان موقفاً دفاعياً، فقد تم توظيفه ليكون أساس عمل مشترك على مستوى المنظمات العربية والإسلامية، وليس مجرد ردود أفعال فردية أو ثنائية. كانت القمة العربية الطارئة المدخل والأرضية المناسبة لترتيبات اجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي .