تقرير فلسطينتقدير الموقف

قنبلة التهجير في غزة تجذب الانتباه عن الحرب في الضفة

في ظل التركيز المتزايد على المستويين المحلي والإقليمي على مخطط ترامب للتهجير وما يترتب عليه من مخاطرٍ حقيقية بشأن تصفية القضية الفلسطينية، تغيب الأنظار بشكلٍ ملحوظ عن التطورات الميدانية المتصاعدة في الضفة الغربية، حيث ينشغل العالم والأطراف الإقليمية بمتابعة التطورات المؤثرة على مستقبل قطاع غزة وتثبيت وقف إطلاق النار فيه. ومن المحتمل أن يؤدي تفاوت الاهتمام بين مفردات القضية الفلسطينية لنتائج سلبية. ويناقش هذا التقرير مجريات الأحداث في الضفة الغربية في ظل مواقف الفاعلين الفلسطينيين تجاه تسارع الابتلاع الإسرائيلي وصعود الاهتمام بما يجري في القطاع.

ضم الضفة الغربية مقابل وقف تهجير سكان غزة

بالتزامن مع بدء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، أعلن الجيش الإسرائيلي عن عملية السور الحديدي في شمال الضفة الغربية، وذلك بعد سلسلة من الإجراءات الأمنية والإدارية أقرتها الحكومة الإسرائيلية والتي من شأنها أن تكون إجراءات عملية لضم الضفة الغربية، وخصوصاً مناطق “ج” الخاضعة أمنياً لإسرائيل.

الإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية 

وعلى الرغم من استخدام الضفة الغربية سياسياً لتوقيع اتفاقيات أبراهام بين إسرائيل وبعض الدول العربية في العام 2020، أو تأجيل ضمها لإسرائيل مقابل التطبيع، إلا أن تلك الإجراءات العسكرية والأمنية الجارية في الضفة الغربية لا تحظى بالاهتمام الإعلامي والسياسي لكافة الأطراف، لأن الجميع منشغلون في بحث مستقبل قطاع غزة، خاصةً وأن دعوة ترامب لتهجير سكان قطاع غزة شكلت دفعاً لليمين الإسرائيلي، وكانت بمثابة ضوءً أمريكياً أخضراً لليمين الإسرائيلي الذي يقوم بتغير ذلك الواقع الأمني والسياسي في الضفة الغربية.

و تواصل العملية العسكرية “السور الحديدي” التي تُنفذها قوات الاحتلال في مخيمات شمال الضفة الغربية أسبوعها السادس على التوالي، دون تحديد سقفٍ زمني لنهايتها، إذ تسيير وتيرتها في منحى تصاعدي مع توسّع نطاقيّها العملياتي والجغرافي. وتأتي هذه العملية إرضاءً لتطلعات اليمين الصهيوني في إبقاء حالة الحرب مستمرة، بما يدعم تنفيذ مخطط التهجير والضم، وهو ما يتزامن مع إعلان وزير الدفاع يسرائيل كاتس بإبقاء القوات لمدة عامٍ على أقل تقدير في المخيمات التي اُفرغت من سكانها، الذين قُدروا بنحو 40 ألفاً فلسطيني. 

ووفق التقارير الواردة من الضفة الغربية، يُلاحظ إقدام قوات الاحتلال إلى إجراءات ممنهجة تتعلق بفرض السيادة  في الضفة الغربية على مستوياتٍ غير مسبوقة، تصل حد فرض الغرامات والمخالفات على سائقي المركبات، والسماح للمستوطنين بشراء وتملك الأراضي، عدا عن إنشاء 7 بؤر استيطانية جديدة في مناطق (ب) التي تخضع للسيطرة المدنية الفلسطينية، وهو ما يُعد مؤشراً خطيراً على بدء التنفيذ الفعلي لفرض السيادة الإسرائيلية بتولي مهام مدنية وسن قوانين يُفترض أنها من صلاحيات السلطة، مما يُخرج الوضع في الضفة من اعتيادية العمليات العسكرية المستمرة منذ عامين تقريباً إلى جدية المساعي الإسرائيلية لتنفيذ مخطط الضم، خاصةً وأنها تزامنت مع حزمة من القرارات الأمريكية مُتعلقة بقطع المعونة عن أجهزة أمن السلطة. 

تمثل هذه العملية خرقاً غير مسبوق لاتفاق أوسلو 1993، لأن كافة المشاريع الاستيطانية السابقة كانت في مناطق (ج)، الخاضعة كلياً للأمن الإسرائيلي، وهي خروقات معتادة لاتفاق أوسلو، تأتي تلك الكتل الاستيطانية الجديدة في سياق إجراءات سحب الصلاحيات الأمنية من السلطة الفلسطينية، خصوصاً وأن تلك الإجراءات الأمنية والإدارية وصلت مؤخراً إلى إصدار قوانين تُعطي المستوطنين حق التملك داخل الضفة الغربية، فضلاً عن منع الفلسطينيين من حق التصرف في تطوير أراضيهم إلا بقرارات مسبقة من الجانب الإسرائيلي وليس السلطة الفلسطينية.

وبشكل عام، تجاوز مستوى الإجراءات الأمنية في قرى ومخيمات الضفة الغربية تلك الإجراءات الأمنية التي طبقتها إسرائيل خلال  عملية السور الواقي رداً على الانتفاضة الفلسطينية الثانية بين أعوام 2000_2005، حيث تتعرض نحو 428 قرية إلى إغلاق وبوابات إلكترونية، بينما يقوم الجيش الإسرائيلي بتغيير جغرافية المخيمات عبر شق الطرق داخلها ، وإجبار نحو 60 ألفاً من سكان مخيمات شمال الضفة الغربية على النزوح، واستنساخ محور نتساريم بين جنين وطولكرم لتسهيل السيطرة الأمنية، خاصةً وأن الجيش الإسرائيلي كان قد إستدعى فرقة دبابات إلى شمال الضفة الغربية، وحسب وزير الدفاع يسرائيل كاتس، أن بقاء القوات العسكرية في مخيمات شمال الضفة الغربية سيستمر لعام كامل، وذلك في إطار توسيع العمليات العسكرية في الضفة الغربية.

غموض أهداف العملية العسكرية في الضفة الغربية

وفقاً لصحيفة يديعوت أحرونوت اليمنية أن عملية السور الحديدي بلا أي أهداف أمنية أو عسكرية واضحة، وأن قرار استمرار العملية أو وقفها مرتبط بالمستوى السياسي الذي يقودة نتنياهو، وهذا الأخير يحاول تهيئة الضفة الغربية قبل ضمها لإسرائيل، كما أن سحب الصلاحيات من السلطة الفلسطينية يوازيه ذلك التغيير الجغرافي والديمغرافي داخل القرى والمخيمات، وهو ما يحول دون قدرة أي طرف فلسطيني على إدارة هذه المناطق أمنياً وإدارياً في وقت لاحق، وهذا ما يعزز من رؤية اليمين الإسرائيلي الساعي إلى التخلص من السلطة الفلسطينية أو الكيانية السياسية الفلسطينية، خصوصاً وأن العملية العسكرية تسير بالتوازي مع إضعاف السلطة الفلسطينية وتقزيم دورها.

ومن جانب آخر لا تضع الحكومة الإسرائيلية سقفاً زمنياً لعملية السور الحديدي في الضفة الغربية، وهذا مرتبطاً بالتطورات السياسية المتعلقة بملف قطاع غزة، لأن نتنياهو يحاول تخفيف الضغوط الداخلية خصوصاً في العلاقة مع شركائه من اليمين، فضم الضفة الغربية يحقق تطلعاتهم وأهدافهم السياسية بما يخفف من تلك الضغوط السياسية الداخلية المتعلقة بمراحل إتفاق وقف إطلاق النار في غزة، كما أن تراجع ترامب جزئياً عن مقترح تهجير سكان قطاع غزة، وتحويل مقترح التهجير إلى مجرد إقتراح أمريكي، كان له إرتدادته داخل إسرائيل، فقد ذهب الجيش الإسرائيلي لتوسيع عملياته في الضفة الغربية. لهذا يعمل نتنياهو على توسيع عملياته العسكرية في الضفة الغربية في محاولة للحفاظ على الائتلاف اليميني الحاكم.

الضفة الغربية تواجه حرب وليست مجرد عملية عسكرية

تواجه قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي انتقادات واسعة على مستوى الإعلام العبري، حيث يتم إتهامها بالتقصير في القضاء على الإرهاب الفلسطيني في الضفة الغربية على حد وصف الإعلام الاسرائيلي، حيث يقول محلل الشؤون العسكرية في القناة 14، يجب على قيادة المنطقة الوسطى تغيير نهجها تجاه المقاومة الفلسطينية والتحول من اﻻحتواء واﻹحباط إلى الهجوم، وهو ما تحاول حكومة نتنياهو تحقيقة الآن بتوسيع عملياتها العسكرية في الضفة الغربية.

وهنا لا يحاول المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي ربط توسيع العملية العسكرية بقرار ضم الضفة الغربية، ودائما ما يتم التركيز على مواجهة الإرهاب الفلسطيني، غير أن هذه الحرب غير المعلنة تأتي في سياق تلك التدابير الساعية لسيطرتها على الآراضي الفلسطينية من أجل ضم منطقة (ج)، خصوصاً وأن الحكومة الإسرائيلية كانت قد أنشأت مؤخراً آلية ربطت من خلالها الإدارة المدنية في الضفة الغربية بالحكم العسكري، وذلك عبر استحداث هيئة تنفيذية تخضع لوزير إضافي معين في وزارة الدفاع، وذلك بغرض إخفاء طبيعة عملية الضم، مع التظاهر بأن الحكم العسكري الذي بدأ مع احتلال الضفة الغربية في 67 لا يزال قائماً.

الضفة الغربية وتداخل أولويات الإنقاذ الفلسطيني

تخلص سياسة الحكومة اليمينية إلى أن الدعم الأمريكي يمثل فرصة تاريخية للمضي في مراحل تأمين الجوار وإزالة التهديد القائم على الحدود المختلفة. فمن الملاحظ أن المواقف الإسرائيلية لا تقف عند أحداث غزة والضفة، بل توسع رؤيتها الأمنية على الحدود الشمالية (لبنان وسوريا)، وبالإضافة لهذا، وجهت انتقادات كثيرة لنشر الجيش المصري في سيناء، بما يشبه حملة تحريض مدعومة أمريكياً. 

وفي هذا السياق، تعمل إسرائيل على تصدير مخططات أكثر راديكالية تتمثل بمخطط تهجير الغزيين، لجذب التركيز الفلسطيني والشجب العربي بعيداً عن هذه الإجراءات الميدانية واسعة النطاق التي تأتي في سياق مخطط ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية. وفي هذا السياق، يسعى هذا التقرير إلى تسليط الضوء على قراءة الأطراف الفلسطينية للوضع الميداني في الضفة الغربية، مع الإشارة إلى علاقته بمُخطط التهجير. 

يأخذ ملف قطاع غزة اهتماماً واسعاً فلسطينياً وإقليمياً، بينما التركيز على التغيير الإسرائيلي الواسع وتضاعف الاستيطان، والإجراءات الإدارية والأمنية في الضفة الغربية، إضافةً الى رفع إدارة ترامب العقوبات عن المستوطنين في الضفة الغربية، وتقديمها وعوداً لنتنياهو بمباركة ضم الضفة الغربية لاحقاً تمثل الخطر الأكبر الذي يواجه الشعب الفلسطيني، خاصةً وأن ضم الضفة الغربية على أجندة الحكومة الإسرائيلية منذ سنوات سابقة، وقد قطعت حكومة نتنياهو خطوات عدة لتحقيق ذلك، وتعمل حالياً على تهيئة الضفة الغربية من خلال تغيير واقعها الأمني، وهو ما قد يكون مقبولاً إقليمياً ودولياً، لأن هذه الأطراف الدولية قد تمرر تلك المساعي الإسرائيلية مقابل اتفاق ضمني يمنع تهجير سكان قطاع غزة.

الأطراف الفلسطينية والحرب في الضفة الغربية

تعكس تصريحات السلطة الفلسطينية المُتعلقة بالتصعيد الميداني الجاري في مخيمات شمال الضفة (جنين وطولكرم وطوباس، وغيرها) إدراكها وتخوفها من تداعيات الإجراءات الإسرائيلية الممنهجة لتهجير سكان المخيمات، وما يرافقها من إجراءاتٍ استيطانية توسعية، على المكون الديموغرافي والجغرافي الفلسطيني، مُعتبرةً أن ذلك يأتي في سياق تنفيذ مُخطط الضم، الذي بدأت مؤشراته تظهر بشكل جلي، بهدف القضاء على أي فرص مستقبلية لبناء الدولة الفلسطينية. 

ومن جانبٍ آخر، لم تصدر السلطة أي بيانٍ رسمي يوضح موقفها من قرار الإدارة الأمريكية بإيقاف الدعم المُقدم لأجهزتها الأمنية، على الرغم من وضوح الترابط بين هذه الاجراءات الممنهجة التي تستهدف بنية السلطة مثل احتجاز أموال المقاصة وايقاف الدعم الأمريكي، وبين المساعي الإسرائيلية الرامية إلى تنفيذ خطة الضم التي تهدف إلى تقويض قدرة السلطة على تسيير إدارة المناطق الفلسطينية. 

تعكس هذه المواقف جانباً من افتقار السلطة الفلسطينية أدوات التأثير على تحرك قوات الاحتلال بشكلٍ ممنهج لخلق واقعٍ جغرافي و ديموغرافي جديد يتناسب مع مُخطط الضم، فهي لا تستطيع إيقاف عجلة الاستيطان والضم التي تقضي على آمال الدولة الفلسطينية وتُنهي على مستقبل السلطة، التي فقدت أيضاً القدرة في التأثير على الجهود العربية، وهذا ما يُلاحظ بإقصائها من العديد من اللقاءات العربية بشأن الوضع الفلسطيني. 

وعلى مستوى الفصائل الفلسطينية، فقد ربطت تصريحاتها ما بين التصعيد الإسرائيلي في الضفة وبين مخططات التصفية الرامية إلى مراكمة اجراءات تمهيدية تقود لتنفيذ مخطط الضم، مشيرين إلى قرار الاحتلال بالبقاء لأطول فترة ممكنة في المخيمات التي هجّر سكانها، بذريعة تواجد كتائب المقاومة بداخلها. بينما دعت حركة حماس في تصريحٍ لها إلى ضرورة تشكيل جبهة موحدة للتصدي لهذا التصعيد الخطير.

 التصعيد والسلطة الفلسطينية

وفي حال سارت العملية العسكرية الإسرائيلية على هذا النحو، فإنها سوف تدعم الوجود الاستيطاني تمهيداً لتنفيذ الضم، وهو ما يُتوقع أن يلقى قبولاً أمريكياً على نطاقٍ جغرافيٍ واسع، لا سيّما مناطق (ج) التي تُشكّل 60% من الضفة الغربية وأجزاء في المناطق (ب)، وهو ما تتزايد فرص وقوعه في ظل استمرار الاحتلال في توسيع نطاق عملياته العسكرية وإصدار قرارات صريحة عن نيته تنفيذ تهجير جزئي لفترات زمنية طويلة في مخيمات شمال الضفة. 

وفي هذا السياق، يُعد قرار الإدارة الأمريكية بوقف الدعم المُقدم للأجهزة الأمنية الفلسطينية التابعة للسلطة مؤشراً إضافياً على المساعي الإسرائيلية المُتسارعة توفير الأرضية المناسبة لإعلان الضم، خاصةً وأن هذا الدعم يشكّل كغطاءٍ أمريكي إحدى مصادر شرعية الوجود السياسي الفلسطيني، وهو ما يضعه اليمين المُتطرف على رأس أجندته باعتباره إحدى الخطوات التمهيدية في مسار الضم، وهو ما يزيد من خطورة الوضع الراهن على السلطة الفلسطينية، خاصةً مع احتمال تزايد الضغوط عليها خلال المرحلة المقبلة. 

وإلى جانب ذلك، يتزايد تآكل شعبية السلطة الفلسطينية بشكلٍ ملحوظ مع تنامي حالة الاستياء العام في الشارع الفلسطيني من جراء عدم قدرتها على منع التغول الإسرائيلي في الضفة الغربية، الذي بات يُنفذ – دون هوّادة – إجراءات تدميرٍ وتهجيرٍ وضمٍ ممنهج. وهو ما تزامن معه إجراءات للسلطة زادت من حدة الغضب الشعبي، كان آخرها قرار وقف مخصصات عائلات الأسرى والشهداء.  

ورُغم كل هذه التحديات، وعدم امتلاك الأطراف الفلسطينية لأي أدوات مناورة توقف هذا التصعيد، لا زالت السلطة الفلسطينية تُعيق جهود محادثات الفصائل في القاهرة، إذ لم تُبد حتى اللحظة أي تعاطي إيجابي مع مقترحات تشكيل لجان إدارة مؤقتة (تكنوقراط) أو حكومة وحدة فلسطينية، وهو ما يتناقض مع متطلبات المرحلة التي تتنامى مخاطرها أكثر من أي وقتٍ مضى.

وفي المقابل، لا زالت الأطراف الفلسطينية، بمختلف مستوياتها، تُعلّق آمالا على مخرجات توحيد الصف الفلسطيني في التوصل إلى تفاهم يقود إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، تكون بمثابة نقطة انطلاق لتعزيز قدرة الفلسطينيين على المناورة في وجه مثل هذه المخططات من جهة، ويُدعّم الموقف العربي أمام الضغوط الأمريكية من جهةٍ أخرى، وهو ما تعوّل عليه الدول العربية في الوقت الراهن. 

ورغم غياب التغطية الاعلامية حول التصعيد الميداني المتصاعد في شمال الضفة، لحساب التركيز على مخطط ترامب للتهجير، باتت المستجدات الميدانية تعكس مؤشراتٍ خطيرة لأبعاد العملية العسكرية، تتجاوز كونها نتاج تهديدات أمنية ناجمة عن نشاط المقاومة في المخيمات، لتكشف عن استراتيجية ممنهجة تهدف لإعادة تشكيل الواقع الجغرافي والديموغرافي للضفة الغربية، سواء عبر تعزيز الاستيطان، أو فرض وقائع جديدة تمنع أي تسوية مستقبلية على أساس حل الدولتين. وفي المقابل، تواجه الأطراف الفلسطينية اختباراً صعباً يتمثل في قدرتها على مواجهة هذه التحديات بشتى الوسائل الممكنة، من خلال توحيد صفها أو تقديم خطاب سياسي موحد قادر على تعزيز الموقف العربي ويستقطب الدعم الدولي. 

الإقليم والموازنة بين مصادر التهديد

ساعدت هذه التغيرات على حدوث تحول تدريجي في الأجندة الإقليمية. في بداية العدوان على غزة، كان الاهتمام الإقليمي بالضفة وغزة متقارباً، فقد أشارت مواقف كلٍ من السعودية، مصر وتركيا لضرورة حماية الضفة ودعم بقاء الفلسطينيين سياسياً واقتصادياً، ومنع أي محاولة لنشر الفوضى في المدن والمخيمات، كما انتقدت انتشار الجيش الإسرائيلي ومساعي حكومة الاحتلال لإحداث فوضى أمنية والتضييق على حياة السكان. لكنه مع طول العدوان على غزة، تحولت جهود الدول لتأمين بقاء الفلسطينيين في القطاع والإسراع بإعادة الإعمار لسد الطريق أمام المحاولات الأمريكية لتنفيذ عملية تطهير عرقي وتفكيك مقومات القضية الفلسطينية.

ولذلك، حظي وقف إطلاق النار باهتمام كبير على ما عداه من الملفات الفلسطينية الأخرى، وهذا ما يرجع لشدة الصراع الدولي على مستقبل غزة وتصاعد البدائل الضارة بالأمن الإقليمي. وهنا، تنظر الأطراف الإقليمية لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة كمحاولة لبناء الفاعلية في مواجهة التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي، ولذلك، تكمن في فاعلية الضامنين وتأثيرهم على الطرفين؛ الفلسطينيين وإسرائيل. على المستوى الفلسطيني، يقوم الضامنون بدور لا يقتصر على تفسير الاتفاق والإجراءات، ولكنه يمثل حماية لهم، وذلك على مستويين؛ الوسطاء المباشرين (قطر ومصر) وداعمي المفاوضات من الخارج (تركيا والعربية السعودية).

وعلى مستوى آخر، ونظراً للضغوط الأمريكية المتزايدة على التهجير، اتجهت مصر لعقد قمة عربية طارئة، يكون هدفها إعداد رد جماعي، سواء فيما يتعلق بقطاع غزة أو الضفة الغربية أو سوريا. حيث ذهب التقديرات إلى أن تكرار ترامب الحديث عن التهجير وتصوراته عن مستقبل غزة، تتطلب مشاركة عربية وإسلامية واسعة وفاعلة، ولذلك حرص الموقف المصري على تذليل العقبات لأجل الظهور في صيغة أقرب للإجماع كشرطٍ لتأكيد الإسناد العربي للحق الفلسطيني.

وبعد زيارة الملك عبد الله للولايات المتحدة، حدث ما يشبه انتفاضة في المواقف الإقليمية، لمواجهة الهجمة الأمريكية لفرض واقع في القطاع. فعلى مستوى المواقف التركية، السعودية والمصرية، ظهرت عوامل مشتركة فيما بينها، قامت على التمسك بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار والتعبير عن القلق من احتلال إسرائيل للأراضي سوريا. وبجانب رفض الرئيس التركي (رجب أردوغان) لتصريحات ترامب، كانت المواقف السعودية والمصرية مساندة للعاهل الأردني، تم التعبير عنها في قمة الرياض الودية في 22 فبراير 2025. وقد اتضح هذا أيضاً في زيارة الرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي) لإسبانيا عندما أكد على رفض التهجير واستيلاء إسرائيل على الأراضي السورية باعتبارها ضمن قضايا الأمن الإقليمي.

ومع تزايد التهديد الجيو سياسي، تجري الدول الإقليمية عملية ترتيب أولويات حسب الحاجات الحرجة للفلسطينيين. وخلال الأسابيع الماضية، كانت المواقف العربية أكثر انشغالاً بحماية قطاع غزة بالمسارعة بتوفير بدائل التهجير والمضي في التهدئة. بدا هذا واضحاً في الترتيب لعقد اجتماعات تشاورية في الرياض، شارك فيها مجلس التعاون ومصر والأردن. ورغم ندرة الحديث عن مجرياتها، فهناك ترجيح بأنها تعلقت بالنظر لكل مصادر التهديد في الأراضي الواقعة تحت احتلال، لبنان وسوريا، بحيث تكون تمهيدية لاتخاذ مواقف مشتركة.

وعلى أية حال، فإنه مع زيادة الضغوط الأمريكية و تزاحم الأولويات لدى الدول الإقليمية، يقف إدراك المكونات الفلسطينية، بمستوييها الرسمي والفصائلي، عند التعامل بانفصال ما بين الضفة وغزة، بحيث لا تعمل مواقف الفلسطينيين بتجانس إزاء التهديدات الآتية من الهجوم الإسرائيلي. وهذا يعمل على زيادة الإضعاف المتماثل في كل من المقاومة في غزة والسلطة الفلسطينية والذي تمتد آثاره للمواقف الإقليمية، بحيث لا تجد عامل فلسطينية تساعدها على التحرك على ساحات متعددة في نفس الوقت أو اتخاذها من قبل البعض ذريعة من اجل التنصّل من المسؤولية القومية والاخلاقية تجاه القضية الفلسطينية.




https://paldg.co/wp-content/uploads/2025/02/قنبلة-التهجير-في-غزة-تجذب-الانتباه-عن-الحرب-في-الضفة.pdf

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق