غير مصنفمؤشر فلسطين

وقف إطلاق النار بين الفرص والقيود

مع استعداد الأطراف لبدء جولات التفاوض حول المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، تصاعد خطاب اليمين المتطرف الساعي إلى الضغط على حكومة الاحتلال لمعاودة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بهدف استكمال مخطط القضاء على حركة حماس، وهو ما تستبدله حكومة الاحتلال بتوسيع النطاق الجغرافي للعمليات العسكرية الدائرة في الضفة الغربية لتشمل مناطق أخرى، مما يُبقي التصعيد الميداني قائماً، بما يتوافق مع مطالب قادة اليمين المتطرف، وذلك لتقليل الضغط نحو استئناف الحرب على قطاع غزة.

ويسعى هذا التقرير إلى تسليط الضوء على مواقف الأطراف الفلسطينية تجاه مراحل الاتفاق،، كما يتناول، في مستوى أخر، الجدل الأمريكي والإسرائيلي حول بقاء أو انهيار الاتفاق، وخصوصاً مع تباين مواقف الأحزاب الإسرائيلية. وفي القسم الأخير، يتناول الاتفاق في سياق التدافع الإقليمي نحو ضمان الأمن الإقليمي، وذلك في ضوء إثارة مشكلة التهجير من جانب الولايات المتحدة.

أولاً: الفلسطينيون ومراحل اتفاق وقف إطلاق النار

على المستوى الفلسطيني، تتبلور مواقف عديدة، تسعى إلى تقديم مقترحات من شأنها تعزيز قدرة الفلسطينيين على المناورة، بما يقطع على الاحتلال الطريق أمام الاستفراد بالشعب الفلسطيني في أماكن تواجده، ويُفشل مخططاته الرامية إلى الضم في الضفة الغربية والتهجير في قطاع غزة، من خلال ضغط ترامب على الدول العربية، مثل مصر والأردن. 

الفلسطينيون وإدارة القطاع 

تُشير التصريحات الفلسطينية، بشقيّها الرسمي والفصائلي، إلى توافقٍ عام بين الأطراف الفلسطينية حول ضرورة ترتيب البيت الداخلي لضمان تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار وإفشال المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية بتنفيذ إجراءات ممنهجة للضم والتهجير، وهو ما يتطلب إنهاء الانقسام الفلسطيني، ولهذا شاركت الفصائل الفلسطينية، إلى جانب ممثلين عن السلطة الفلسطينية في لقاءات عُقدت في القاهرة لمناقشة مقترحاتٍ بديلة لـ لجنة الإسناد المجتمعي. 

وفي هذا السياق، التقى وفد قيادي من حركة حماس رئيس المخابرات المصرية حسن رشاد في القاهرة لمناقشة خيارات تشكيل حكومة توافق وطني في قطاع غزة أو الاستمرار في مقترح لجنة الإسناد المجتمعي التي تصطدم بالرفض الرسمي من قيادة السلطة الفلسطينية، ويأتي هذا اللقاء في إطار الجهود الإقليمية الساعية إلى قطع الطريق على دولة الاحتلال لاستئناف الحرب.

وعلى مستوى آخر، تُصر حركة فتح، ممثلة بقيادة السلطة الفلسطينية، على ضرورة تخلي حركة حماس عن إدارة القطاع، كخطوة لدعم تكوين حكومة وحدة فلسطينية تتبع السلطة مباشرةً، ما يمهد لفتح المجال أمام محادثات إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما يتقاطع مع التوجه الإقليمي الحالي الساعي إلى تعزيز تحالف دولي لتنفيذ اصطلح على تسميته “حل الدولتين”، وهو ما أشارت إليه وزارة الخارجية المصرية في ردها على مقترح ترامب حول تهجير جزء من سكان القطاع بشكلٍ مؤقت أو طويل المدى. 

وعلى أية حال، يُعد التوافق الفلسطيني على شكل إدارة قطاع غزة عاملاً رئيسياً في تعزيز استكمال اتفاق وقف إطلاق النار حتى مراحله النهائية؛ وهو الملف الذي شهد مؤخراً توافقاً على تكوين لجنة الإسناد المجتمعي التي تُعد بمثابة إدارة تكنوقراط، وبالرغم من ذلك، ما زال هذا الملف يشهد خلافاً واضحاً بين حركتي حماس وفتح، اللتان ما زالت محادثاتهما حول شكل إدارة قطاع غزة، في مراحلها التمهيدية. 

أدت هذه الحالة لتصاعد حدة التوتر السياسي بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، مما يُعزّز استمرار الخلافات الداخلية التي قد تُعيق جهود المصالحة، بحيث رُصد تصعيد إعلامي مُتبادل بينهما. 

إدارة معبر رفح 

يُشكّل معبر رفح ومحور فيلادلفيا هدفاً استراتيجياً للحكومة الإسرائيلية رغبةً في إحكام السيطرة على مداخل ومخارج القطاع، باعتباره شريان الحياة الرئيسي الذي يُغذي القطاع، فإن التوافق على إدارته يزيل أكبر عقبة في الخلاف بين الفلسطينيين، كما يحسم جزءً كبيراً منه. فإن الترتيب الإداري المنصوص عليه في اتفاق وقف إطلاق النار الذي يقضي بتواجد فريق فلسطيني من السلطة، للعمل في معبر رفح، وفق اتفاق إدارة المعابر عام 2005، يُعد شرطاً رئيسياً لإتمام مراحل اتفاق وقف إطلاق النار.

وفي هذا السياق، تعمل هذه الصيغة على تشكيل القوة الفعلية في القطاع. غير أن السلطة تُدرك تماماً أهمية التوافق الفصائل على تسيير شؤون القطاع، وهي قناعة متزامنة مع قناعة حركة حماس بأن بقاءها في المشهد الإداري سينعكس سلباً على ملفاتٍ رئيسية تمثل أولوية مرحلة ما بعد الاتفاق، مثل ملفي الأزمة الإنسانية وإعادة الإعمار.  

وتُدرك دولة الاحتلال مساعي السلطة الفلسطينية للعودة إلى القطاع، عبر إدارة معبر رفح، وهو ما حاولت دولة الاحتلال إنكاره، بالإشارة إلى أن سيطرة السلطة الفلسطينية على معبر رفح لا تُعد سيطرة فعلية أو كاملة، فهي لا تتجاوز الإشراف على مرور الأفراد، ومرتبطة بالمرحلة الأولى للاتفاق، غير أن دولة الاحتلال حرصت على التعامل مع عودة السلطة لإدارة معبر رفح في سياقه الأمني بعيداً عن الشأن الإداري أو السياسي، وهو ما يعكس حرصها على ألا يجري تضمين أي التزامات تقضي بعودة للسلطة.

وعلى أية حال، قد تحاول السلطة الفلسطينية توظيف المساعي الإقليمية في تنفيذ مقترح عودتها إلى إدارة القطاع، وبالأخص مع سعي الدول العربية ذات الشأن بمقترح التهجير القسري للغزيين الذي أثاره الرئيس الأمريكي ترامب، إلى قطع الطريق أمام هذه المخططات من خلال تثبيت وقف إطلاق النار بعيداً عن معاودة العمليات العسكرية، إضافةً إلى تدعيم المسار السياسي للفلسطينيين بإنهاء الانقسام وتشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية، بما يدفع باتجاه مسار حل الدولتين كما ورد في تصريحات كلٍ من الأردن ومصر. 

وفي التحليل الأخير، يتبقى لدى الأطراف الفلسطينية فرصة إدراك مدى خطورة المرحلة الراهنة على القضية الفلسطينية، وبالأخص مع بدء تداول مخططات التهجير، وهو ما يشهد اهتماماً واسعاً داخل الحكومة الإسرائيلية، بحيث يُلاحظ من التفاعلات الداخلية الإسرائيلية إمكانية التوجه نحو خيار إستمرار الوضع القائم مع اتخاذ ذلك ذريعة لعرقلة أي إجراءات نحو حلٍ سريع لملفي الإنسانية وإعادة الإعمار، مما قد يدفع نحو تهجيرٍ قسري لشريحة واسعة. لذا يجب على الفلسطينيين، بكافة مكوناتهم توحيد صفوفهم سريعاً مع تعزيز الموقف العربي لتشكيل حكومة وفاق وطني لتفويت الفرصة على دولة الاحتلال. 

ثانياً: اسرائيل ومراحل اتفاق وقف إطلاق النار

بين مخططات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأهدافه الساعية الى إبرام المزيد من الصفقات التجارية التي تدر مليارات الدولارات للخزينة الأمريكية وحاجة ذلك الى استمرار وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، وضرورة تماسك الائتلاف اليميني المتطرف المتعطش للعودة الى الحرب في غزة، يحاول نتنياهو البقاء المؤقت على حالة التوازن التي بدأت مع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 16 يناير 2025، وهي معادلة ليس من السهل الحفاظ على استمراريتها لفترة طويلة، مما يجعل الأنظار الاسرائيلية مسلطة نحو نتنياهو وترقب سلوكه السياسي، ومساعيه المحتملة لإقناع إدارة ترامب بالعودة إلى الحرب من جديد.

اختلافات اليمين الديني

بينما ينظر وزير المالية في حكومة اليمين سموتيرتش إلى اتفاق وقف إطلاق النار باعتباره كارثة خطيرة على أمن إسرائيل، ويشدد على ضرورة إزالة حكم حماس في غزة، ويؤكد قناعته باستمرار على العودة إلى الحرب من جديد بعد نهاية المرحلة الأولى في نهاية مارس، وهو تصور يميني عام، يُعول الحريديم على دعم المعارضة لقانون التملص من التجنيد، وهو ما يبرر رغبتهم في إتمام المرحلة الثانية والثالثة من الصفقة؛ وتلك المعادلة نادرة الحدوث في الأوساط اليمينية الإسرائيلية، فاستمرار الهدوء ينقذ الحريديم من قوانين التجنيد، لكن ذلك لا يعود بالنفع على المعارضة الإسرائيلية عموماً، وهذا ما يجعل قانون التجنيد واحداً من الركائز المهمة التي يقف عليها الائتلاف الحكومي الحالي.

تريث نتنياهو 

أمام تصاعد تلك الأصوات اليمينية المطالبة بالعودة الى الحرب، يفضل نتنياهو الهدوء الاعلامي وإظهار الالتزام بوقف إطلاق النار ومراحله المختلفة، لكن وفقاً للكثير من المراقبين في إسرائيل أن نتنياهو يحافظ على ذلك الهدوء بهدف تمرير زيارته الى الولايات المتحدة الأمريكية، ومحاولة إقناع الرئيس الأمريكي منحه الفرصة مجدداً للعودة الى الحرب، تهدف زيارة نتنياهو الى البيت الأبيض  الحفاظ على الائتلاف الحاكم عبر الحصول على وعود من الإدارة الأمريكية، حيث يظهر ذلك في تلك الرسائل التي تخرج من مكتب نتنياهو ووزراءه الذين يؤكدون جميعاً على أن المعركة العسكرية ضد حماس لا تزال قائمة.

في هذا الإطار تشير الاستطلاعات الداخلية الاسرائيلية على أن 28% فقط يؤمنون بإمكانية إتمام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وأن 39% فقط يعتقدون أن الصفقة سوف تتحقق بشكل كامل على مستوى مراحلها الثلاث. هذه النسبة المتدنية على مستوى إمكانية إتمام مراحل الاتفاق، تظهر تداعياتها بشكل واضح على استطلاع صحيفة معاريف العبرية الذي أجرته 31 يناير 2025، حيث يؤكد 62% من الإسرائيليين أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عليه الاستقالة على غرار خطوة رئيس الأركان بسبب مسؤوليته عن الفشل في السابع من أكتوبر، والفشل في حسم الحرب مع المقاومة في غزة، حتى على مستوى الأصوات الداخلية لحزب الليكود الذي يقوده نتنياهو، فقد كان لافتاً أن 18% من المستطلعة آراؤهم يعتقدون أن على نتنياهو التنحي.

نتنياهو وإنقاذ الموقف 

تهتم الأوساط الاعلامية الاسرائيلية بزيارة نتنياهو الى الولايات المتحدة، حيث يعتقد الصحفي أمير تيبون أن نتنياهو يحاول خداع ترامب بهدف تخريب الاتفاق، وهو ما يتفق مع رؤية المحلل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ديفيد ماكوفسكي، حيث يعتقد هذا الأخير أن نتنياهو سيحاول إيجاد أرضية مشتركة لتلك الضغوط الداخلية وأهداف ترامب الإقليمية، لأن العودة الى الحرب بالنسبة لنتنياهو مسألة طوق النجاة الوحيد، وهنا يعول نتنياهو على اقناع ترامب بذلك، ومن ثمّ الاستمرار لأطول فترة ممكنة في هذا المسار بضمان تشتيت ترامب بأمور أخرى بعيدة عن غزة.

لهذا فإن المضي قُدماً في تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق بما في ذلك الانسحاب شبه الكامل من قطاع غزة قد يعني سقوط الائتلاف الحكومي، وحتى إذا تمكن من النجاة لأسابيع إضافية فإن مصيره السقوط وفقاً لغالبية المتابعين في إسرائيل، لأن معارضة أقصى اليمين في إسرائيل للهدوء لا تعود لأسباب سياسية أو حتى أيديولوجية فقط، حيث يقول الخبير في علم النفس السياسي في الجامعة العبرية إران هالبرين، أن السبب الحقيقي وراء موقف اليمين المتشدد هو الخوف من تحطم الرابط الأساسي بين استخدام القوة العسكرية غير المحدودة وتراجع القدرة على توفير الأمن لمواطني إسرائيل، أو بعبارة أخرى إجبار المجتمع الاسرائيلي على الاعتراف باستمرار حكومة نتنياهو رغم الفشل في 7 أكتوبر وفقد القدرة على حسم المعركة في غزة، وهو ما سينعكس على ذلك الدور الأمني التي ستلعبه إسرائيل في الشرق الأوسط عموماً، وليس في غزة على وجه الخصوص.

إن الاستعراض العسكري المقدم من المقاومة في غزة خلال تسليم أسرى الاحتلال، وما تقدمه المقاومة من رسائل لإسرائيل والإقليم والعالم، إضافة إلى عودة النازحين من جنوب غزة نحو شمالها، وما يصاحب ذلك من انسحابات إسرائيلية متكررة، وإطلاق سراح العديد من الاسرى الفلسطينيين، كلها مسائل ذات تأثير سلبي على الائتلاف الحكومي الاسرائيلي، خاصةً وأن عودة النازحين يبدد من مسألة العودة الى الحرب من جديد، كما أن إطلاق أسرى الاحتلال على دفعات يجبر نتنياهو على إتمام مراحل الاتفاق، خلافاً لوضوح الرؤية الأمريكية الساعية للهدوء كمقدمة للترتيبات الإقليمية.

ثالثاً: الاتفاق في الاختلافات الدولية

في ظل تطورات الشرق الأوسط، هناك صعوبة في الفصل ما بين تنفيذ الاتفاق وحالة الأمن الإقليمي، حيث تواجه الأوضاع على الأراضي الفلسطينية نتائج التأثير المتبادل لكل التفاعلات الأخرى على المستويات الإقليمية والدولية.

وجاءت استجابة عدد من الدول الإقليمية للاجتماع بالقاهرة نتيجة تشابك الحاجة للأمن المشترك، وخصوصاً مع اعتبار وقف إطلاق النار رأس الأمر في ضمان الاستقرار، وأيضاً الحاجة للمشاركة في تأمين الانتقال السياسي في سوريا.

بعد سخونة التصريحات الأمريكية (دونالد ترامب) عن فرض التهجير على مصر والأردن، كانت استجابة عدد من الدول العربية للاجتماع في القاهرة تحت مظلة الجامعة العربية، ما يمثل أول تحرك جماعي للتصدي لسياسة التهجير الأمريكية. في أول فبراير، اجتمع وزراء خارجية مصر، السعودية، والإمارات العربية، قطر والأردن بالإضافة لممثل منظمة التحرير الفلسطينية.

وحسب البيان الختامي، يضع الاجتماع ملامح خريطة طريق لمرحلة الاتفاق وما بعدها، وبالإضافة لتأييد اتفاق وقف إطلاق النار، فقد تضمن عدداً من السياسات الضامنة للمضي في تنفيذ المراحل المختلفة والتي ستؤدي لتحقيق السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط وفق حل الدولتين كما جاء في صيغة البيان المشترك لاجتماع السداسية العربية المنعقد في القاهرة.

وكان واضحاً دور الإسناد السياسي لتحول الوسطاء الثلاثة لضامنين، وهي مسألة جوهرية في العمل الديبلوماسي المُشترك. وهذا ما أكد عليه في البند الثاني من البيان المشترك، عندما أشار لاهتمام الدول المجتمعة بالمراحل المتتابعة وصولاً للتهدئة الكاملة واستدامة وقف إطلاق النار، وضمان نفاذ الدعم الإنساني إلى جميع أنحاء قطاع غزة المُوحَد. وباعتباره جزءً من الأراضي الفلسطينية ذات الوحدة الإقليمية، أعلنت الدول عن دعمها لتمكين السلطة الفلسطينية في إدارة شؤون القطاع إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية، كخطوة لتعزيز حل الدولتين بتوحيد الموقف الإسلامي ـ الفلسطيني.

وفي مستوى آخر، تصدى البيان المشترك لمحاولات إلغاء دور منظمة غوث وتشغيل لاجئي فلسطين “الأونروا”، ويمثل هذا الموقف تجميعياً للتصريحات التي أصدرتها الدول خلال الأشهر الماضية، لا يقتصر هذا الموقف على دعم بقاء منظمة الغوث، لكنه في ذات الوقت، يشكل مظلة أمان إذا ما أدت الضغوط الأمريكية ـ الإسرائيلية لتقويض دور الإغاثة أو إعاقة إعمار القطاع. كان الموقف الجماعي في توسيع ضمانات الإعمار عبر تضافر المجتمع الدولي لضمان بقاء الفلسطينيين على أرضهم شرطاً لازماً لإحلال السلام، مُتضمناً رفض الاستيطان والاستيلاء على البيوت

وفي مثل هذه الظروف، يلقي الاتصال بين وزيري الخارجية المصري والجنوب أفريقي الضوء على تناسق الأدوار الإقليمية والدولية حول القضية الفلسطينية. وفي حالة هاتين الدولتين؛ يبدو تكامل الدور واضحاً، فكما تقوم السياسة المصرية بدعم الجانب الفلسطيني في المفاوضات وتوفير الردع المناسب، تقود السياسة الجنوب أفريقية جهوداً ديبلوماسية لـ حصار الاحتلال في المحافل الدولية. كان أخرها التحالف الدولي لمقاومة الاحتلال، وفي كلتا الحالتين، تساهم هذه السياسة في تشكيل التجانس العالمي والذي من شأنه تعديل المواقف المعاندة للحقوق الفلسطينية.

تعمل السياسة المشتركة على بناء موقف جماعي لمواجهة خطة السلام الأمريكية بفصل التطبيع عن القضية الفلسطينية. ولهذا تهتم السعودية بأن تكون ضمن الفاعلين الإقليميين لمنع حدوث فراغ في الأراضي المحتلة. وفي هذا السياق، تنخرط في مسارات مكافحة التهجير، وصارت أكثر استعداداً لتلبية الحاجات الفلسطينية وتعويض أي خلل في الأونروا.

على المستوى الدولي، لا تبدو السياسة الأوربية أو الأمريكية على وفاق فيما يتعلق بالوضع السياسي في الشرق الأوسط. لشعورها بالتهديد المباشر، تسير السياسة الأوروبية نحو ضبط الصراع وزيادة ضمانات الاستقرار، ومن هذه الناحية، ترى أهمية الالتزام بمراحل وقف إطلاق النار كحل بديل عن الفوضى. على خلاف ذلك، لا تحاول الولايات المتحدة تدشين سياسة مزدوجة، يتم بموجبها القبول بوقف الحرب يصحبه تهجير متزامن للفلسطينيين في قطاع غزة إلى مصر والأردن، هذه التصريحات، تختلف عن خطة السلام الأمريكية (2020) والتي تقوم على تبادل الأراضي وتوطين اللاجئين في الدول المقيمين بها، إذن، هي متغير جديد، يسعى فيه “ترامب” للتقدم خطوة نحو هدر المعادلة الديمغرافية استغلالاً لنتائج الحرب، وحتى اللحظة الحالية، لا يمكن اعتبارها خطة عمل تعبر عن التصور الأخير للسياسة الأمريكية. 

ورغم ذلك، لا يسمح اختلاف الكتلتين (الأوربية والأمريكية) بظهور موقفٍ حاسم لضمان تنفيذ الاتفاق، لكنه، على أقل تقدير، يوفر الفرصة لتفعيل الدور الإقليمي، وخصوصاً إذا ما استطاع تحقيق التهدئة في بعض الملفات الأخرى؛ في سوريا والسودان، لا يترك الحرية كاملة لتصرف واشنطن في تأجيج  التوتر في المنطقة. تبدو هذه النقطة على قدر من الأهمية في الوصول إلى وضعية توازن أو تفاهم على السلام كأرضية للالتزام بمراحل الاتفاق.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق