
اتفاق وقف إطلاق النار بين التهجير والتحديات الأمنية
اتفاق وقف إطلاق النار بين التهجير والتحديات الأمنية
يسير دخول الاتفاق حيز النفاذ في ظل تضافر مواقف محلية ودولية، سوف تشكل محددات التعامل على القضية الفلسطينية في خلال الفترة القادمة. وفي هذا السياق، يتناول التقرير اتجاهات الفلسطينيين نحو تتابع تنفيذ الاتفاق ودلالاته الحالية، وأيضاً، تعرض لمحتوى التفاعل بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن الاتفاق وطبيعة الضغوط الأمريكية وآثارها. وفي القسم الأخير، تناول تقدم العمل الجماعي الإقليمي وتفاعله مع الأطراف الفلسطينية والضغوط الدولية لأجل تهجير فلسطينيي غزة والضفة الغربية.
أولاً: الفلسطينيون وتداعيات الاتفاق
على المستوى الفلسطيني، برزت مجموعة من التفاعلات الداخلية والإقليمية التي تلقي بظلالها على مستقبل القطاع والقضية الفلسطينية، لا سيّما ملفا إدارة غزة وحل الدولتين كمسار مستقبلي تسعى الأطراف الإقليمية إلى تعزيزه ضمن التفاهمات الراهنة، خاصةً وأنها باتت تحمل، في طياتها، أبعاداً سياسية وأمنية على نحوٍ مُغاير تعكس خصوصية المرحلة. وفي هذا السياق، يسعى هذا التقرير إلى تسليط الضوء على توجهات الأطراف الفلسطينية والمساعي الإقليمية تجاه مخرجات وقف إطلاق النار.
الفلسطينيون والتوجه الإقليمي لحل الدولتين
تتباين آراء الفلسطينيين حول مدى إمكانية تشكيل اتفاق وقف إطلاق النار أساساً لبدء محادثات جديدة لحل الدولتين، بحيث يرى البعض أن الاتفاق قد يساهم في تهدئة التوترات وفتح المجال أمام جهود دبلوماسية مستقبلية، بغطاءٍ إقليمي ودولي موسعين.
وفي المقابل، يرى آخرون أنه حتى وإن شمل الاتفاق تفاهمات اقليمية تقود إلى محادثات سلام بين الطرفين، فإن الرفض الاسرائيلي القاطع لفكرة اقامة الدولة الفلسطينية ما زال يُشكّل عائقاً حقيقياً، مستدلين على التصعيد الميداني في الضفة الغربية الذي يأتي في سياق الإجراءات الممنهجة لتصفية القضية الفلسطينية وسياسات الضم، مما يعطّل أي جهودٍ مستقبلية حول حل الدولتين.
تُدرك الدول الاقليمية أهمية تعزيز مسار حل الدولتين، وهذا ما أكدت عليه الدول التي تلعب دور الوساطة في الاتفاق. اضافةً إلى أن تصريحات مصر والأردن الأخيرة تعكس الموقف الإقليمي المتماسك أمام المساعي الإسرائيلية والأمريكية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية من خلال تقديم مقترحات تهجيرٍ قسري للفلسطينيين إلى الدول المجاورة.
حماس في المشهد
تمكنت حركة حماس من تضمين اتفاق التهدئة لبنودٍ تُعزّز من استمرار إدارتها الأمنية للقطاع دون إعطاء مجالٍ لأي مقترحات جرى تداولها طيلة الفترة الماضية حول انتشار قوات أمنية اقليمية ودولية لحفظ أمن القطاع بعد الحرب، وهو ما لوحظ من الانتشار الأمني الواسع في قطاع غزة لقوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية في حكومة حماس مع بدء سريان اتفاق الهدنة، وهو ما قد يدفع باتجاه استمرار حركة حماس في إدارة المشهد بكافة مستوياته خلال باقي مراحل الهدنة في حال الاتفاق على بنودها، وهو ما يرسّخ من سيناريو بقاء حماس في المشهد.
ومن جانبٍ أخر، يُعد استمرار الفشل الفلسطيني الداخلي في الوصول إلى صيغ تفاهم تُقرّب وجهات النظر حول شكل إدارة قطاع غزة عاملاً إضافياً لاستمرار حكومة حركة حماس، وهو ما قد يشكّل عائقاً حقيقياً أمام أي مساعي إقليمية تجاه تفعيل ملفي حل الأزمة الإنسانية أو إعادة الإعمار، وهو ما قد تستغله دولة الاحتلال للضغط على حركة حماس لتقديم تنازلات بخصوص ترسانتها العسكرية.
وفي هذا السياق، تُظهر التفاعلات الداخلية الإسرائيلية توجهاً يرى أن الإبقاء على الوضع القائم في إدارة القطاع يشكّل فرصة لمنع أي ترتيبات تؤدي إلى توحيد الإدارة الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة تحت مظلة السلطة الفلسطينية، وهو ما قد يمهد لمحادثات جدية بشأن إقامة الدولة الفلسطينية. يتقاطع هذا الموقف مع التوجه الإقليمي الساعي إلى تعزيز تحالف دولي لدفع حل الدولتين، وهو ما انعكس في موقف وزارة الخارجية المصرية في ردها على المقترح الأمريكي بشأن تهجير جزء من سكان القطاع، سواء بشكل مؤقت أو طويل الأمد.
السلطة الفلسطينية وإدارة القطاع
أبدت السلطة الفلسطينية رغبة حقيقية في العودة إلى إدارة القطاع بعد الحرب، وهو ما بدا واضحاً من رفضها تشكيل أي لجان إدارية تكون بمثابة إدارة تكنوقراط، إضافةً إلى طرحها برنامج إداري يتمثل في تشكيل خلية أزمة للعمل في قطاع غزة بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار مباشرة.
ويدور في الوقت الراهن داخل أروقة السلطة الفلسطينية بضرورة العمل على تولي مسؤولية إدارة المعابر في القطاع، لما يشكله من أهمية رئيسية في إدارة القطاع، وذلك طبقاً لـ اتفاق المعابر 2005 الذي ينظم إدارة المعابر في الأراضي الفلسطينية، مع حق دولة الاحتلال في مراقبة أسماء الفلسطينيين تبعاً لاتفاق وقف إطار النار، وهو ما أنكرته الأخيرة مشيرة إلى دورها يقتصر على ختم جوازات السفر فقط ويتعلق بالمرحلة الأولى للاتفاق.
وفي المقابل، لا تعتبر السلطة الفلسطينية، كما أشار متحدث فتحاوي منير الجاغوب، اتفاق وقف إطلاق النار سقفاً يُعتد به كمرجعية لاستمرارية حركة حماس في تولي الشؤون الإدارية لـ القطاع، مشيرةً إلى كون الاتفاق عبارة عن صفقة تسليم رهائن لا غير، وأنه لم يُهمّش السلطة الفلسطينية ولا منظمة التحرير،.
وبالرغم من ذلك، يمكن ملاحظة من تصريحات العديد من مسؤولي السلطة الفلسطينية وجود تخوف من احتمال انعكاس اتفاق وقف إطلاق النار سلباً على الشرعية الفلسطينية، بحيث تشمل تفاهمات إقليمية ودولية ترسّخ من وجود حركة حماس في الإدارة، مما يُعزّز الانقسام الفلسطيني الداخلي، وترى أن أي ترتيبات إدارية بخصوص القطاع يجب أن تمر عبر مظلة الشرعية الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، وهذا ما أشارت إليه السلطة الفلسطينية مباشرة بُعيد توقيع الهدنة؛ رغبةً منها في إعادة ترسيخ كيان فلسطيني موحّد يقطع الطريق أمام التعنت الإسرائيلي ويقود إلى استئناف محادثات السلام من جديد
وعلى أية حال، لا توضح البنود المنشورة لاتفاق وقف إطلاق النار خريطة المراحل التالية بشأن طبيعية شكل إدارة القطاع في اليوم التالي للحرب، نظراً لأنها تتعلق بإدارة الأزمة الإنسانية بشكلٍ مؤقت تزامناً مع تنفيذ مراحل الهدنة حتى الوقف النهائي للحرب، خاصةً وأن التركيز الاقليمي الحالي يصب على إدارة المرحلة الراهنة التي تتطلب انجاح الاتفاق، وأن النقاش حول شكل الإدارة ما زال مستمراً على المستوى الفصائلي برعاية مصرية في القاهرة، وهو ما سيحدد طبيعة المرحلة المقبلة. لذا ما ورد من ترتيبات امنية وادارية مؤقتة للقطاع ضمن بنود وقف إطلاق النار لا يمكن اعتبارها اساساً للتوجهات الاقليمية بشأن المرحلة المقبلة لإدارة القطاع.
ومن جانبٍ أخر، تسعى الدول العربية ذات الشأن بمقترح التهجير القسري للغزيين الذي أثاره الرئيس الأمريكي ترامب، إلى قطع الطريق أمام هذه المخططات من خلال تثبيت وقف إطلاق النار بعيداً عن معاودة العمليات العسكرية، إضافةً إلى تدعيم المسار السياسي للفلسطينيين بإنهاء الانقسام وتشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية، بما يدفع باتجاه مسار حل الدولتين كما ورد في تصريحات كلٍ من الأردن ومصر.
ثانياً: رؤية إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة
لعبت ضغوط الرئيس، دونالد ترامب ، دوراً هو الأهم في وقف الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، وقد نقل “ستيف ويتكوف” مبعوث ترامب إلى نتنياهو رسالة مهمة طالبت بضرورة منح الحكومة الاسرائيلية وفدها التفاوضي في العاصمة القطرية الدوحة صلاحيات أوسع، وأنه قد حان الوقت لإتمام الصفقة، وإذا لم يرغب نتنياهو في إتمامها، فعلى الجميع أن يحزموا أمتعتهم ويعودوا إلى منازلهم، وهو تهديد صريح توقعته التقارير الاسرائيلية في وقت سابق باعتبار تهديدات ترامب السابقة كانت تشمل نتنياهو وحكومته، وليس الجانب الفلسطيني فقط.
تناقض مواقف ترامب
قبل أسابيع قليلة على تنصيبه، أكد الرئيس الأمريكي على ضرورة توسيع دولة إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني وجيرانه العرب، لكن ضغطه على حكومة نتنياهو مؤخراً، وإجبارها على توقيع إتفاق وقف إطلاق النار في غزة، شكل صدمة كبيرة على مستوى الأوساط السياسية لقوى اليمين المتطرف في إسرائيل، وكذلك على مستوى اللوبيات اليهودية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وبالرغم من ترحيب الإيباك باتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى الاسرائيليين، إلا أنها أبدت استياءً من عودة الاسرى الفلسطينيين، وبقاء الارهاب الفلسطيني في قطاع غزة.
بالرغم من حرصه على استعادة الأسرى الإسرائيليين، وإستعادة الهدوء المستدام، إلا أن تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب ظلت تُبدي تناقضاً واضحاً، خاصةً وأن يتحدث عن الهدوء المستدام في غزة والمنطقة عموماً، ويدعوا في الوقت ذاته إلى التخلص من الإرهاب وحركة حماس في قطاع غزة، وتلك الرؤية المتناقضة سرعان ما عبرت عنها تصريحات ترامب الأخيرة التي طالب خلالها بتهجير كافة سكان قطاع غزة إلى مصر والاردن تحت ذريعة الدمار الكبير الذي حل بقطاع غزة.
ردود الفعل الاسرائيلية
أمام تلك الضغوط والتصريحات ذات الطابع الارتجالي، والتي يمكن وصفها بالعشوائية، قابل اليمين المتطرف في إسرائيل تصريحات ترامب باستياء كبير، لكنهم عادوا للترحيب والثناء على فكرة تهجير سكان قطاع الى مصر والاردن، وهنا ينتقل ترامب وخلال أيام قليلة من محاولة إنقاذ إسرائيل وصورتها الأكثر سوءً في تاريخها، والعودة للهدوء الذي يمكنه من تسريع مسار التطبيع الإقليمي، وخصوصاً مع العربية السعودية، إلى الوقوف في صفوف اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي تبنى الابادة الجماعية في غزة، ويسعى لاستعادة استيطان قطاع غزة.
تعزز هذه التصريحات الأمريكية من سيناريو العودة الى الحرب في قطاع غزة، أو تعطيل المرحلة الأولى على أقل تقدير، وتسمح لحكومة نتنياهو بايجاد المزيد من العراقيل أمام الذهاب نحو المرحلة الثانية، لأن قوى اليمين الأكثر تطرفاً في حكومة نتنياهو تتطلع إلى عدم الذهاب الى المرحلة الثانية المتعلقة باتفاق وقف إطلاق النار، فبعد إنسحاب حزب (عظمة يهودية) برئاسة إيتمار بن غفير من الائتلاف الحكومي بسبب توقيع حكومة نتنياهو على إتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بات الإئتلاف الحكومي يواجه تحديات تهدد بقاءه، خاصةً وأنه بات يمتلك 62 مقعداً بدلاً من 68 مقعد قبل توقيع الإتفاق، وهذا ما دفع رئيس المعارضة يائير لبيد الى مساندة الائتلاف الحاكم، أو الاعلان عن استعداده لتوفير شبكة أمان تضمن بقاء الائتلاف الحكومي الحالي حتى نهاية المراحل الاتفاق الثلاث من اتفاق وقف إطلاق النار، بما يضمن إطلاق سراح كافة الرهائن الإسرائيليين من قطاع غزة.
وقف الحرب مقابل التطبيع
في إطار مساعي تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعربية السعودية، وتركيز الأخيرة على حق الفلسطينيين في الحصول على دولتهم المستقلة، يمكن اعتبار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة إلتفافاً إسرائيلياً على ذلك المطلب السعودي، خاصةً وأن الكثير من التقارير الاسرائيلية تُشير إلى أن مسار حل الدولتين ليس مطروحاً في تلك النقاشات الأمريكية الإسرائيلية المتعلقة بتطبيع العلاقات مع العربية السعودية.
لهذا تستبعد الأوساط الصحفية في إسرائيل وصول العلاقة بين ترامب ونتنياهو إلى مستوى التصادم، لأن هذا الأخير يمكنه أن يضمن الاستمرار في مراحل وقف إطلاق النار مقابل الحصول على ثمن سياسي، حيث يرى نتنياهو أن إعادة التطبيع مع العربية السعودية يمثل هدفاً إستراتيجياً قد يساعده على الخروج من أزمته الداخلية خلال المرحلة المقبلة، وفي الوقت ذاته يعزز من موقفه أمام قوى اليمين المتطرفة التي تتبنى فكرة التخلص من أي حقوق سياسية للشعب الفلسطيني، وهذا ما تلمح إليه وسائل الإعلام الاسرائيلية نقلاً عن اللقاءات الإسرائيلية الأمريكية الرامية لاستئناف مراحل التطبيع مع العربية السعودية.
ثالثاً: إنفاذ الاتفاق في الإطارين الإقليمي والدولي
على مدى مفاوضات وقف إطلاق النار، تبلورت اتجاهات العلاقة ما بين الإطار الإسلامي والعربي والفلسطيني، بحيث صار أكثر تفاهماً بخصوص التهديد الحالي والمستقبلي الناتج عن آثار الحرب الجارية بكل مفاعيلها الإقليمية والدولية.
العمل الجماعي الإقليمي
شكلت دائرة العلاقات العربية والإسلامية عاملاً مسانداً لمصر وقطر، حيث تجري هذه الأحداث في ظل تقارب لافت فيما بين الدول الإقليمية، يقوم في معظمه على التساند الاستراتيجي حول الأمن الإقليمي، وقد بدت ملامح هذه التوجهات مع تطلع إسرائيل الزج بمصر في الحرب الجارية، حيث اعتبرت دول الخليج وتركيا أن اتهام نتنياهو لمصر بتسليح حماس محاولة لتوسيع مجال الحرب. وفي هذا السياق، أصدرت دول المملكة السعودية، قطر، تركيا والإمارات العربية بيانات متطابقة المواقف والرؤى المستقبلية، رفضت فيها مواقف الاحتلال.
جاءت هذه المواقف نتاج مسار من العمل الجماعي لوقف الحرب، تم فيه اقتراح صيغ التفاوض على مستوى القمة العربية ـ الإسلامية والأمم المتحدة، بحيث اتسعت مساحات التشاور على مستوى اللجنة السباعية و قمة مجموعة الثماني الإسلامية، ليكون الامتزاج الإقليمي واحداً من ملامح السياسة الخارجية لهذه الدول. وقد وضحت هذه التوجهات في كيفية التعامل مع عوامل التوتر ومصادرها، وكان تقارب الاهتمام بوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان وإقامة الإدارة السورية لسد الفراغ المحتمل من العناوين البارزة خلال الفترة الماضية.
وتأتي هذه التطورات على خلاف المرحلة السابقة التي ساد فيها التوتر، سواء بسبب خلافات ثنائية أو غموض مرامي “محور الممانعة” على الأمن الإقليمي، ويُعد “طوفان الأقصى” من العوامل البارزة التي ساهمت في تسريع مراجعة السياسات الخارجية على وَقْع التعامل مع التحدي الإسرائيلي وحماية الأمن القومي لكل دولة، حيث تبلورت التوافقات على التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة واستئناف مسار السلام، بجانب تحييد تأثير الإرهاب على مرحلة البناء في لبنان أو سوريا، بهدف سد ثغرات تهديد الأمن الإقليمي.
كان التطور اللافت في تقارب الموقف الإقليمي حول البقاء على مسافة واحدة من الفصائل والمكونات الفلسطينية، بحيث كانت الأولوية لوقف الحرب، ولاحقاً المساعدة في ترتيب البيت الداخلي للفلسطينيين. سوف تشكل هذه الملامح مُحدداً رئيسياً في حماية وإسناد الملف الفلسطيني، تحت مظلة من الشراكة الإقليمية. إطاراً يسمح بتقريب مواقف الفلسطينيين، حيث أن تناسق مواقف مصر، تركيا، السعودية، يضع الفلسطينيين أمام خيارات متقاربة تفتح لهم أفق التمثيل في المشهد السياسي.
ورغم هذا التقدم، لاي زال هناك حاجة للتنسيق حول بعض التحديات، وخصوصاً تلك التي تتعلق بالأمن الإقليمي، ويأتي في مقدمتها كيفية استعادة وضع القضية الفلسطينية على مسار الحل والتسوية، وهي عملية تقتضي التضامن حول إنفاذ اتفاق وقف إطلاق النار في جانب الفتح الدائم لمعبر رفح والإسراع في إعادة الإعمار. ورغم أهمية هذه الجوانب، فإن هناك حاجة لتنشيط نظام للأمن الإقليمي، بحيث لا يكون فرض التطبيع المسار الوحيد المعروض على أي إطار سياسي.
إثارة التهجير مرة أخرى
مع استلام دونالد ترامب السلطة، بدأ أعماله مباشرة بإثارة موضوع تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية دفعة واحدة. وقام مقترحه على أساس تقليدي في السياسة الأمريكية، حيث يسعى لحصرها في إطار ثنائي وإبعادها عن المشاورات الجماعية، ولذلك كانت تصريحاته باتجاه مصر والأردن، اعتمد فيها على الضغط المباشر والتلويح بقطع المساعدات. ورغم تكرار هذه الضغوط، كانت الردود الأردنية والمصرية واضحة الدلالة على استقرار الموقف السياسي والدفاعي، حيث تشير البيانات لمواقف صلبة، لقيت دعماً من حركة حماس وكثير من الفصائل الأخرى.
وبغض النظر عن تكرار الغرب لهذه المطالب على مدار تاريخ طويل، يتوقف نجاح السياسة الأمريكية على ثلاثة عوامل؛ يأتي في مقدمتها الإسناد الأوروبي للسياسة الأمريكية. يواجه هذا العامل تعقيدات كثيرة، يرتبط أغلبها بمجال المصالح الأوربية الأمريكية، وخصوصاً ما يتعلق بمجال الدفاع والأمن, ويمثل تبني كثير من الدول الأوربية مبدأ الأمن المشترك في البحر المتوسط مساحة خلاف مع الولايات المتحدة، حيث يضع المنظور الأوروبي القضية الفلسطينية والسلام الإقليمي في الشرق كواحد من روافد الأمن الجماعي الأوروبي، وذلك على خلاف التطلعات الأمريكية بتأمين إسرائيل على حساب الفلسطينيين.
أما العامل الثاني، فهو ما يتعلق بمدى تماسك الإطار الإقليمي. في الوقت الراهن، يواجه الكثير من الدول تحديات مؤلمة، لا تقتصر على المشكلات الداخلية، لكنها تتأثر بمجريات مخاطر أى فراغ أمني في سوريا وتصاعد تأثير الإعلام على مواقف الجماهير بما يزيد من الضغط على الدول المستهدفة بالتهجير. كان وعلى المستوى الخارجي، فإنه على الرغم من التضامن حول رفض التطبيع، كان هناك تباطؤ في رد الفعل على تصريحات “ترامب” الأخيرة، وبينما كان رد الأردن ومصر واضحاً وحاسماً، فإنه لم تظهر مواقف أخرى على نفس القوة في الرفض.
وكان العامل الثالث، فهو ينصب على التقدم في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، وهناك اعتقاد بأن هذا العامل يمثل قلب ومركز ومقاومة أي محاولة للتهجير. وهنا، يمكن الإشارة لمشهدين أساسيين، فمن جهة، كانت مشاهد عودة الفلسطينيين لشمال غزة إجابة شافية على التشبث بالأرض، وهي قيمة ديموغرافية ونفسية عالية المقاومة والبقاء، كما أنه من وجهة أخرى، كانت مسارعة الوسطاء بتنفيذ مراحل الاتفاق مؤشراً على الحرص على فرض واقع جديد يعاكس مطالب التهجير.
على أية حال، فإنه بجانب مُحصلة المواقف الغربية والإسلامية، سوف تلعب العلاقات ما بين الفلسطينيين دوراً أساسيا في وقف التهجير والتركيز على التقدم نحو مسار الدولة الفلسطينية. وفقاً لهذه العلاقات، سوف يتحدد كثير من مستقبل القضية الفلسطينية، حيث تتشكل النتائج على مكانة الاعتماد المتبادل بين كل الأطراف في بناء واقع يحد من الفجوة مع كيان الاحتلال وحلفائه.