مقالات بحثية

قراءة في وثيقة حماس ” لماذا طوفان الأقصى”

أصدرت حركة حماس، الأحد 21 يناير 2024، وثيقتها الأولى منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى والتي حملت عنوان ” هذه روايتنا.. لماذا طوفان الأقصى”، وقد شرحت حماس في وثيقتها التي جاءت بخمس عناوين فرعية ونحو 16 صفحة رؤيتها وروايتها للمعركة وأسبابها، حيث استعرض القسم الأول التطور التاريخي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وجرائم الاحتلال المستمرة بحق الانسان والأرض الفلسطينية منذ الاستعمار البريطاني مروراً بالاحتلال الإسرائيلي وحروبه على الأرض والانسان الفلسطيني وما خلفته من تهجير ونكبة واحتلال الأرض الفلسطينية بالتزامن مع تنكره وعدم اكتراثه بقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية إذ لم تستجب إسرائيل مدعومة بغطاء وفيتو أمريكي لنحو 900 قرار صادر عن مؤسسات الأمم المتحدة.

كما أكدت حماس في وثيقتها على تنكّر الاحتلال لاتفاقات السلام ومسار التسوية وتدمير الاحتلال لأي مقومات لإقامة دولة فلسطينية كما كان ينص اتفاق أسلو الذي وقعته دولة الاحتلال مع منظمة التحرير، وأعقبت الحركة هذا الاستعراض التاريخي والتوصيفي بجملة من التساؤلات عما يجب على الفلسطيني فعله في ظل اجراءات الحكومة اليمينية المتطرفة التي تصادر الأراضي وتهوّد القدس وتعتقل آلاف الفلسطينيين وتحاصر قطاع غزة وتسعى لتصفية القضية الفلسطينية في ظل عجر المجتمع الدولي عن تحقيق الدولة الفلسطينية وتواطؤ الدول الكبرى مع الاحتلال وتبرير اجراءاته، لتؤكد في ختام القسم الأولي من وثيقتها على طبيعية وضرورية عملية طوفان الأقصى للتصدي لكل إجراءات ومخططات الاحتلال التصفوية للقضية الفلسطينية.

في حين أتى القسم الثاني من الوثيقة الذي حمل عنوان “أحداث 7 أكتوبر  والرد على ادعاءات الاحتلال” على تفنيد ادعاءات الاحتلال بخصوص العمليات العسكرية صباح 7  أكتوبر، وأكدت الحركة على حرصها على إثبات شرعية الحرب الشرعية عندما أكدت على استهداف المقرات العسكرية وتجنب قتل المدنيين كما ادعى الاحتلال، وساقت العديد من الشواهد والأمثلة لتحقيقات صحفية غربية وإسرائيلية، خلُصت إلى مسؤولية الجيش عن قتل العديد من المدنيين في غلاف غزة أثناء الساعات الأولى للعملية كما نفي أي مزاعم لحدوث عمليات اغتصاب أو قتل للأطفال، ودعت الحركة إلى فتح تحقيق دولي لمجريات الأحداث في كافة الأراضي الفلسطينية مع إيمانها وتأكيدها بأن أي تحقيق دولي مستقل وموضوعي سينحاز إلى رواية المقاومة ويكشف زيف وأكاذيب الاحتلال. وكان لافتاً إشارة الوثيقة للتمييز بين الصهيونية واليهود عندما حددت أن مشكلة الفلسطينيين هي مع الصهاينة وداعميهم، وهي نقطة مهمة تحدد طبيعة الصراع بأنه ليس شاملاً أو همجياً، بل هو لرد العدوان وإنهاء الاحتلال.

وختمت الحركة وثيقتها بقسم حمل عنوان “ما المطلوب” والذي أدرجت أسفله جملة من المطالب التي تدعوا لوقف العدوان وانسحاب الاحتلال من قطاع غزة ورفع الحصار وتوفير مستلزمات الايواء وإعادة الاعمار، والعمل على محاسبة ومعاقبة الاحتلال على جرائمه ودعت قوى العالم الحر لدعم المقاومة وتأييد مطالبها بالاستقلال ومنع أي مشاريع دولية أو إسرائيلية لتحديد مستقبل قطاع غزة الذي هو حق للشعب الفلسطيني القادر على تقرير مصيره بنفسه، كما دعت إلى الوقوف في وجه مشاريع التهجير للفلسطيني من أرضه والعمل بدلاً من ذلك على إعادة اللاجئين إلى بيوتهم وطالبت أحرار العالم باستمرار التظاهر والضغوط على الاحتلال وتفعيل حركات رفض التطبيع وحركات المقاطعة للاحتلال والشركات الداعمة له.

الوثيقة السياسية.. ماذا أرادت حماس؟

على الرغم من أن الوثيقة الحمساوية تعتبر متأخرة في سياق الحرب الجارية على قطاع غزة إذ جاءت في اليوم 107 لبدء عملية طوفان الأقصى وما أعقبها من عدوان اسرائيلي وحشي على قطاع غزة طال كل المقدرات المدنية وأودى بحياة نحو 30 ألف شهيد وعشرات آلاف الجرحى وتسبب بتهجير معظم سكان القطاع من منازلهم نزوحاً نحو جنوب القطاع وما تخلل ذلك من ادعاءات وأكاذيب عملت ماكينة الاعلام الإسرائيلية والغربية، الداعمة لإسرائيل، على ترويجها وبثها في العالم، وخصوصاً في المجتمعات الغربية. وادعت فيها ارتكاب حركة حماس للمجازر بحق المدنيين واغتصاب النساء وقتل الأطفال كما سعت لنفي وانكار اقدام جيش الاحتلال على ارتكاب المجازر في قطاع غزة.

وفي الوقت الذي سعت فيه حركة حماس لعرض روايتها من خلال مؤتمرات صحفية متعاقبة خلال الأسابيع الماضية إلا أن وجود وثيقة رسمية بعدة لغات تحمل تلخيصاً دقيقاً لرؤية ورواية الحركة حول المعركة يعتبر خصوصاً على ما احتوته الوثيقة من أقسام رئيسية ونقاط فرعية تناولت كافة الشبهات المثارة حول المعركة والحركة ومقاومة الشعب الفلسطيني عموماً وصاغت إجابات دقيقة لكافة التساؤلات حول المعركة ودوافعها.

وسعت حماس للعودة بالقارئ إلى جذور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتأكيد على تنكّر الاحتلال لكافة المواثيق والقوانين الدولية واستخدمت بوثيقتها خطاباً قانونياً مستنداً إلى قرارات الأمم المتحدة ومؤسساتها في إشارة إلى التزامها واحترامها للقوانين والمواثيق الدولية، كما تأكيدها مراراً على طبيعة الصراع مع الصهيونية التي تحتل فلسطين وتصادر حقوق الفلسطينيين والاشارة إلى احترامها لكافة الأديان بما فيها الدين اليهودي الذي تقوم عليه دولة إسرائيل، وفي ذلك رداً وتفنيداً لادعاءات ماكنة التحريض الإسرائيلية التي تتهم الحركة والمقاومة الفلسطينية بالتنكّر للقوانين الدولية ومقررات المجتمع الدولي وتتهمها بمعاداة السامية وخوض حرب دينية مع اليهود.

وراعت الوثيقة في شموليتها وتناولها لكافة الملابسات المثارة إلى مخاطبة مختلف الفئات ووضع إجابات واضحة داخلياً ووطنياً واقليماً ودولياً، فأكدت على الدوافع والدواعي الوطنية الصرفة لخوض المعركة واستعرضت مساعي وجهود الاحتلال الأخيرة لتصفية القضية الفلسطينية للتأكيد على فلسطينية القرار وضرورية وطبيعية المعركة.

 كما دعت الحركة المؤسسات الدولية ذات العلاقة لفتح تحقيقات مستقلة في كافة الوقائع التي جرت في الأراضي الفلسطينية وأنكرت كافة تهم المجازر بحق المدنيين التي يدعى الاحتلال ارتكابها في غلاف غزة واستخدمت خطاباً منطقياً ومعقولاً يضع الحركة مصاف الكيانات العقلانية التي تحترم الجهات الدولية وتدعوها لفتح تحقيقات.

وفي خطابها إلى العالم الغربي، أكدت على تقديم نفسها كحركة تحرر وطني تسعى للتخلص من الاستعمار كما تخلصت منه كافة الشعوب التي ذاقت ويلات الاستعمار وخصوصاً دول العالم الجنوبي، كما دعت الحركة شعوب العالم العربي والغربي إلى مواصلة الدعم للمقاومة وتفعيل حركات المقاطعة للمؤسسات الإسرائيلية والشركات الداعمة للاحتلال، كما تفعيل مؤسسات مناهضة التطبيع والعمل على عزل دولة الاحتلال.

أخيراً وفي السياق الوطني الفلسطيني يمكن أن تشكل الوثيقة نقطة انطلاق عملية نحو توحيد الموقف الفلسطيني والاتفاق على مبادئ المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي سياسياً وقانونياً وعسكرياً، ، فقد جاء تأكيد الحركة على عدم قبولها لأي مشاريع إسرائيلية أو دولية تناقش مستقبل قطاع غزة وأن الفلسطينيين قادرين وحدهم على تقرير مصيرهم إشارة إلى استعداد حماس للحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني، والاتفاق على مستقبل الحكم في الأراضي الفلسطينية كما يشكّل خطاب حماس القانوني ودعوتها للمؤسسات القانونية للتحقيق واستنادها على مقررات الأمم المتحدة ومؤسساتها في وثيقتها إلى ايمان الحركة بالمسار القانوني لمحاسبة ومعاقبة الاحتلال الإسرائيلي وهو المسار الذي هددت فيه “السلطة الفلسطينية” دولة الاحتلال مراراً لكنها لم تمض فيه بسبب الضغوط الأمريكية، وهو ما يمكن اعتباره دعوة من الحركة ودعماً للمساهمة في المضي بهذا المسار.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق