مقالاتمقالات رأيمقابلات

التأثير الفلسطيني على نتائج الانتخابات الإسرائيلية القادمة

أفرز واقع الصراع بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل جملة واسعة من التداعيات، من ضمنها تمكين طرفي الصراع من التأثير على البيئة الداخلية للطرف الآخر. ومن هذا المنطلق، يمكن الافتراض أن الفلسطينيين يحوزون على قدر كبير من التأثير على الواقع الداخلي الإسرائيلي، وضمن ذلك نتائج الجولات الانتخابية الإسرائيلية التي باتت تنظم بوتيرة عالية جداً.

وتعد جولة الانتخابات التي ستجرى مطلع نوفمبر القادم مثالاً كلاسيكياً لقياس التأثير الفلسطيني على نتائجها وما تسفر عنه من واقع سياسي يمكن أن يحدد بوصلة السياسات الإسرائيلية إلى أمد بعيد.

ومن نافلة القول، أن تأثير الفلسطينيين المتوقع على نتائج الانتخابات الإسرائيلية يتفاوت بتفاوت واختلاف الساحات التي يتواجدون فيها. ويمكن القول ن هناك ثلاث مجموعات فلسطينية رئيسة تملك طاقة كامنة تمكنها من التأثير على نتائج الانتخابات الإسرائيلية، وهم: فلسطينيو الداخل، السلطة الفلسطينية، والمقاومة في قطاع غزة.

في هذه المقالة، سنتشرف هنا التأثيرات المتوقعة لهذه الفواعل الفلسطينية في الساحات الثلاث على نتائج الانتخابات الإسرائيلية.

 فلسطينيو الداخل

     مما لا شك فيه أن تأثير فلسطيني الداخل على نتائج الانتخابات الإسرائيلية سيكون أكثر وضوحاً وأعمق أثراً من تأثير الفلسطينيين في الساحات الأخرى. ويمكن رصد بعض مظاهر سلوك فلسطيني الداخل التي ستعمق من تأثيرهم على نتائج الانتخابات الإسرائيلية.

فنسبة مشاركة فلسطيني الداخل في التصويت في الانتخابات الإسرائيلية ستكون أحد أهم العوامل التي ستؤثر على نتائجها، وبالتالي ستسهم في تحديد طابع التوجهات الأيدلوجية والسياسية للإئتلاف الحاكم الذي سيتشكل على أساسها.

ولا خلاف بين المراقبين في تل أبيب على أنه كلما زادت نسبة تصويت فلسطيني الداخل في الانتخابات، كلما تراجع تمثيل أحزاب اليمين بشقيه العلماني والديني في الكنيست، والعكس صحيح. 

ونظرا لأن جميع استطلاعات الرأي المتواترة تؤكد أن مقعد أو مقعدين فقط يفصلان بين تمكن كتلة أحزاب اليمين بقيادة زعيم الليكود بنيامين نتنياهو من تحقيق الأغلبية المطلقة في البرلمان القادم، فأن حجم مشاركة فلسطيني الداخل في التصويت في الانتخابات يعد عاملاً حاسماً في تحديد هوية الأحزاب التي ستشكل الحكومة القادمة.

وحسب آخر استطلاع للرأي العام أجري لفحص مستوى استعداد فلسطيني الداخل للمشاركة في التصويت في الانتخابات القادمة تبين أن 45% فقط منهم سيدلون بأصواتهم، في حين ستبلغ نسبة مشاركة اليهود في التصويت أكثر من 65%. وفي حال تحققت نتائج هذا الاستطلاع فأنها تدل على تواصل تراجع استعداد فلسطيني الداخل للتصويت في هذه الجولة من الانتخابات، مقارنة بالانتخابات التي أجريت في مارس 2021، مما يوفر بيئة تسمح لكتلة أحزاب اليمين بقيادة نتنياهو التي تمثل المعارضة حالياً من زيادة تمثيلها بشكل قد يمنحها الأغلبية المطلقة في الكنيست القادم وتشكيل الائتلاف الحاكم القادم.

ونظراً لأن نتنياهو يعي تداعيات زيادة نسبة مشاركة فلسطيني الداخل في التصويت في الانتخابات على موازين القوى في الساحة الحزبية الإسرائيلية، فقد عمد خلال الحملات الانتخابات الأخيرة إلى نزع الشرعية عن هذه المشاركة، وتحفيز أنصار اليمين للتصويت بكثافة من خلال ترديد عبارته الشهيرة “العرب يتدفقون إلى صناديق الاقتراع”.

ويعزى تراجع حماس فلسطيني الداخل للمشاركة في التصويت في الانتخابات الإسرائيلية إلى عدة عوامل، أهمها، تراكم خيبة الأمل من مشاركة الأحزاب التي تمثلهم في الحياة السياسية الإسرائيلية وفق القواعد التي يمليها الطابع العنصري للنظام السياسي، والتي ليس بوسعها تغييرها.

 كما أفضى انضمام “القائمة العربية الموحدة” بقيادة منصور عباس إلى الائتلاف الحاكم إلى تعاظم مستوى خيبة الأمل لدى فلسطيني الداخل بشكل قلص دافعية نسبة كبيرة منهم للتصويت. فإلى جانب أن قطاعات من هؤلاء الفلسطينيين رفضت مشاركة هذه القائمة في الائتلاف لدواع قيمية ووطنية، فأن ضآلة الإنجازات التي حققتها مشاركة عباس في الائتلاف الإسرائيلي الحاكم قلصت من رغبة القطاعات الأخرى في المشاركة.

فمنصور عباس لم يتمكن من الوفاء بوعده بإضفاء صفة قانونية على عدد كبير من القرى والبلدات الفلسطينية في النقب التي لا تعترف بها سلطات الاحتلال، والتي وعد بضمان توظيف مشاركته في الائتلاف في الدفع نحو اعتراف الحكومة بها. فضلاً عن أن الائتلاف الحاكم الذي شاركت فيه القائمة الموحدة واصل سياسة السيطرة على الأراضي الفلسطينية في النقب. إلى جانب ذلك، فانه حتى على صعيد الموازنات المخصصة للبلدات والقرى الفلسطينية داخل الخط الأخضر تبين أن الحكومة الحالية لم تقدم موازنات أكبر من تلك التي قدمتها حكومات اليمين بقيادة نتنياهو، ناهيك عن مواصلة مؤسسة الحكم في تل أبيب السماح باستشراء الجريمة المنظمة في أوساط فلسطيني الداخل من خلال عدم توفير الإمكانيات للتصدي لها.

إلى جانب ذلك، فأن تفاقم الخلافات بين الأحزاب والحركات التي تمثل فلسطيني الداخل ستقلص من حماسهم للمشاركة في التصويت، فضلاً عن أنها ستفضي إلى تبديد الأصوات وبعثرتها.

فعلى سبيل المثال، فإن الخلافات تعصف بالقائمة العربية المشتركة، التي تتكون من ثلاث حركات متباينة أيدلوجيا وهي الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة (الحزب الشيوعي)، التي يقودها أيمن عودة، والتجمع الوطني الديمقراطي بقيادة سامي شحادة، والحركة العربية للتغيير بقيادة أحمد الطيبي. ولم يعد خافياً أن كلا من الجبهة الديموقراطية والحركة العربية للتغيير تبديان استعداداً للتوصية بتكليف رئيس الوزراء الحالي يئير لبيد، زعيم حزب “ييش عتيد” بتشكيل الحكومة القادمة، وهو ما يرفضه التجمع الوطني، الذي هدد بمغادرة “القائمة المشتركة” وخوض الانتخابات في قائمة مستقلة.

 وفي حال نفذ التجمع تهديده، الذي يبدو أنه تهديد جدي، فإن هذا سيفضي إلى بعثرة الأصوات وتقليص دور فلسطيني الداخل في التأثير على نتائج الانتخابات، على اعتبار ألا يتمكن “التجمع” من تجاوز نسبة الحسم، في حين سيتراجع تمثيل مكوني القائمة المشتركة الآخرين في الكنيست القادمة.

وبشكل عام، فإن احتدام الخلافات بين الأحزاب التي تمثل فلسطيني الداخل وبروزها على الساحة يفاقم من حالة انعدام اليقين لدى فلسطيني الداخل، مما يمثل بحد ذاته عاملاً إضافياً يقلص من حماسهم للمشاركة في التصويت. فقائمة منصور عباس أعلنت أنها ستخوض الانتخابات القادمة استناداً إلى نهجها الحالي القائم على محاولة تحسين القضايا المعيشيّة لفلسطينيي الداخل، بالتوازي مع تغييبِ البعد القوميّ الجماعيّ والقضيّة الفلسطينيّة، والقبولِ بطبيعة إسرائيل كدولة يهوديّة، أي الخضوع لشروط اليمين الصهيوني المتطرّف. وفي المقابل، فإن بروز مظاهر الخلاف بين مكوناتها القائمة المشتركة يقلص من تأثير خطابها السياسي خلال الحملة الانتخابية.

في الوقت ذاته، فإن حدوث احتكاكات بين فلسطينيي الداخل وسلطات الاحتلال على أية خلفية حتى إجراء الانتخابات سيوظف من قبل قوى اليمين في إسرائيل، سيما تحالف الحركة الكهانية والصهيونية الدينية، لتحشيد قواعد هاتين الحركتين بشكل خاص للتصويت بكثافة بشكل قد يفضي إلى تمكن الأحزاب المؤيدة لنتنياهو من العودة إلى الحكم.

السلطة الفلسطينية

لا تخفي قيادة السلطة الفلسطينية رغبتها في التأثير على نتائج الانتخابات الإسرائيلية، حيث كشفت قناة التلفزة الإسرائيلية “12” أن قيادات في السلطة تواصلت مع ممثلي القائمة العربية المشتركة لحثهم على القيام بخطوات تضمن زيادة نسبة مشاركة فلسطيني الداخل، فضلاً عن حثهم على التوصية بتكليف لبيد بتشكيل الحكومة القادمة لقطع الطريق على نتنياهو. وحسب بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن السلطة الفلسطينية تقوم بهذا الدور من خلال التنسيق مع الأردن، الذي تنفست قيادته الصعداء بعد غياب نتنياهو “المؤقت” عن الساحة.

وبغض النظر عن مدى فاعلية وجدية تحركات السلطة الهادفة إلى التأثير على نتائج الانتخابات، فأنه يمكن لهذه السلطة أن تلعب دوراً مهماً في التأثير على هذه النتائج.

فمواصلة السلطة الفلسطينية التعاون الأمني مع سلطات الاحتلال بشكل يضمن الحفاظ على الهدوء الأمني النسبي في الضفة الغربية وبشكل يقلص من فرص تنفيذ عمليات ضد أهداف للاحتلال في القدس والضفة وإسرائيل سيلعب لصالح حزبي “ييش عتيد” وتحالف ” معسكر الدولة”، الذي يقوده وزير الحرب بني غانتس. وفي المقابل، تمكن عدد من المقاومين من تجاوز الإجراءات الأمنية والقبضة الحديدية لكل من جيش الاحتلال وأجهزة السلطة الأمنية وتنفيذ عمليات، سيفرض القضية الفلسطينية بقوة على الجدل الصهيوني الداخلي وسيضفي صدقية على خطاب قوى اليمين بقيادة نتنياهو، التي تزعم أن الأوضاع الأمنية في ظل حكومة لبيد غانتس ازدادت سوءاً.

مقاومة غزة

 يمكن للمقاومة في قطاع غزة أن تلعب دوراً في التأثير على نتائج الانتخابات الإسرائيلية من خلال أنماط سلوكها تجاه الاحتلال خلال الفترة القادمة.

فعلى سبيل المثال، في حال ساد الهدوء ساحة غزة حتى الانتخابات، فإن هذا سيقلص من تأثير هذه البقعة الجغرافية من فلسطين على نتائج هذه الانتخابات. وفي المقابل، تفجر جولة تصعيد مع المقاومة في القطاع حتى إجراء الانتخابات، يمكن أن يفضي إلى أحد سيناريوهين:

في حال أسفرت جولة التصعيد عن استهداف واسع للعمق الإسرائيلي بالصواريخ دون أن يتمكن جيش الاحتلال من خفض وتيرة إطلاق هذه الصواريخ، ودون أن يتمكن من اغتيال قيادات وازنة في الأذرع المسلحة لحركات المقاومة أو بعضها، فإن هذا الواقع لن يخدم الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم الحالي.

وفي حال لم تسفر هذه الجولة عن استهداف واسع للعمق الإسرائيلي وتمكن جيش الاحتلال من القيام بعمليات اغتيال نوعية أو المس بقدرات المقاومة بشكل جدي، فأن هذا الواقع سيخدم على وجه الخصوص الحزبين الذين يقودهما لبيد وغانتس.

على الرغم من أنه من ناحية نظرية لا توجد ثمة فروق أيدلوجية كبيرة بين الأحزاب والحركات السياسية الصهيونية في كل ما يتعلق بالتعاطي مع الشأن الفلسطيني، فإن نتائج الانتخابات القادمة يمكن أن تفضي إلى تحولات جذرية على التوجهات الرسمية الإسرائيلية من الصراع.

ففي حال أسفرت الانتخابات الإسرائيلية عن تشكيل ائتلافاً يضم تحالف الكهانية والصهيونية الدينية الذي يطالب بتشريع وقوننة طرد الفلسطينيين من أرضهم ويبدي حماساً لفرض عقوبة الإعدام على المقاومين الفلسطينيين ويجاهر قادته برغبتهم في بناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، فأن مرحلة جديدة من الصراع مع المحتل تكون قد بدأت.

وبغض النظر عن تداعيات السيناريوهات المختلفة لنتائج الانتخابات الإسرائيلية القادمة، فإن دراسة العوامل المؤثرة على نتائج هذه الانتخابات تكتسب أهمية كبيرة، وضمنها الوقوف على اتجاهات التأثير الفلسطيني المحتمل على نتائجها.

الوسوم
اظهر المزيد

صالح النعامي

د. صالح التعامي مختص في الشئون الإسرائيلية وحاصل على الدكتوراة في العلوم السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق