مؤشر فلسطين

المجتمع المدني الفلسطيني في دائرة الاستهداف

تمهيد:

إثر الكشف عن تجسس الاحتلال على ست منظمات مجتمع فلسطيني من خلال برنامج بيجاسوس سيء الصيت، فصلت الشركة ١٠٠ موظفاً واستقال مديرها التنفيذي في محاولة للسيطرة على الضرر الناتج عن أنشطة الشركة الإسرائيلية. حيث رفعت شركة فيسبوك دعوى قضائية ضد شركة “إن إس أو” الي تنتج برنامج بيجاسوس، كما أدرجت الولايات المتحدة الشركة على القائمة السوداء، في حين حاولت الحكومة الإسرائيلية الترويج لفكرة أن الشركة خاصة ولا تتبع لها. تورطت الشركة في التجسس أو بيع البرنامج لعدة دول بما في ذلك التجسس على رئيس الوزراء البريطاني وتسببت في توترات إقليمية ودولية بعد أن ثبت بيعها البرنامج لأكثر من حكومة حول العالم التي بدورها استخدمته في التجسس على خصومها السياسيين. ويقال أن البرنامج كان بوابة للتطبيع العربي الإسرائيلي، أي أنه استخدم بشكل فاعل كأداة من أدوات السياسية الخارجية الإسرائيلية، وهو ما ينفي فرضية أن شركة “إن إس أو” خاصة ولا علاقة لها بالحكومة الإسرائيلية. الافتراض أن الشركة خاصة ولا علاقة لها بالحكومة الإسرائيلية مثير للسخرية، إذ لا يمكن لشركة أمنية بهذا الحجم وطبيعة العمل أن تعمل دون موافقة أعلى مستوى سياسي وأمني إسرائيلي. المثير للاهتمام أن الحكومة الإسرائيلية نفسها استخدمت البرنامج للتجسس على ست منظمات حقوق إنسان فلسطينية وعاملين فيهما وهو ما كشف عنه مؤخراً وأنكرته الحكومة الإسرائيلية. المثير للاهتمام كذلك هو إدراج حكومة الاحتلال لهذه المنظمات على قائمة الإرهاب وإغلاق مقراتها ومصادرة محتوياتها مؤخراً، وهو ما أثار ردود فعل على مستوى الإتحاد الأوروبي والكونجرس الأمريكي.

ملخص المؤشر:

يغطي “المؤشر” مجموعة من التطورات السياسية والميدانية على الساحة الفلسطينية للنصف الثاني من شهر أغسطس في مقدمتها قرار الاحتلال إغلاق ٧ مؤسسات مجتمع مدني، وكذلك التوترات التي شابت العلاقة بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي عقب التصعيد الأخير في غزة، ومحاولة أطراف محسوبة على محمود عباس داخل حركة فتح ترتيب البيت الفتحاوي الداخلي بشكل يسمح لهم بالسيطرة على الحركة والسلطة في مرحلة ما بعد عباس. كما يتطرق إلى العلاقات المتوترة بين الأردن والسلطة الفلسطينية بعد قرار الاحتلال السماح للفلسطينيين بالسفر عبر مطار رامون. ويتطرق المؤشر كذلك للوضع الميداني بما في ذلك استمرار أعمال المقاومة في الضفة الغربية وحالة التوتر التي تسيطر على سجون الاحتلال عقب إعلان ١٠٠٠ أسير نيتهم الاضراب عن الطعام في سبتمبر.

في هذا المؤشر نحاول تفسير سلوك حكومة الاحتلال الإسرائيلي تجاه منظمات المجتمع المدني الفلسطيني وأسباب وتداعيات استهدافها. وتطورات العلاقات الفلسطينية الداخلية خاصة بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي، التي قياداتها السياسية والعسكرية في محاولة لتنسيق المواقف والتأكيد على دور غرفة العمليات المشتركة في مواجهة الاحتلال بعد محاولة الاحتلال الوقيعة بين الحركتين . وعقب اللقاء، أكدت الحركتان على عمق العلاقة بينهما وعلى أهمية الحفاظ على غرفة العمليات المشتركة.

في المقابل، يواصل حسين الشيخ وماجد فرج (المرشحان لخلافة عباس) تحضير البيئة الداخلية لمرحلة ما بعد عباس من خلال الدفع باتجاه التحضير لمؤتمر فتح الـ٨ في محاولة أخيرة للدفع بالداعمين لتوفيق الطيرواي بعيداً عن أروقة صنع القرار في الحركة. وعلى الصعيد الميداني، تتواصل عمليات المقاومة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية حيث تقع أعمال إطلاق نار ضد قوات الاحتلال بشكل شبه يومي، فيما تواصل قوات الاحتلال سياسة هدم البيوت الفلسطينية.

أخذت المواجهة المستعرة في الضفة الغربية أبعاداً جديدة تجاوزت حدود التهديد اليومي المباشر لحياة الشعب الفلسطيني، ولعل أبرز ما يشغل الاحتلال في هذه المرحلة الحرجة هو تطوير أدوات القتل والقمع والقضاء على كل أشكال المقاومة الفلسطينية، وفي الوقت ذاته إسكات الأصوات التي تُعبر عن مظلومية الشعب الفلسطيني، والأيادي التي من شأنها أن تُعزز من صموده. فالاعتقالات والاقتحامات وما يصاحبها من هدم المنازل وإغلاق المؤسسات الحقوقية خير دليل على ذلك.

تفاصيل الملف الميداني:

تشهد أعمال المقاومة ارتفاعاً ملحوظاً في الضفة الغربية -من حيث الكم والنوع- ما بين مقاومةٍ شعبية لشبانٍ فلسطينيين وعمليات واشتباكاتٍ مسلحة لكتائب المقاومة في مدينتي نابلس وجنين خلال تصدّيهما لاقتحاماتٍ مفاجئة لقوات الاحتلال؛ حيث شهد الأسبوع الماضي (آخر أسبوع في أغسطس) ما يقارب 89 نقطة مواجهة، و25 عملية إطلاق نار في أنحاءٍ متفرقة من الضفة الغربية.

وفي مقابل تزايد وتيرة أعمال المقاومة شنت قوات الاحتلال حملة اعتقالاتٍ ومداهماتٍ واسعة في أنحاءٍ متفرقة من الضفة الغربية، اعتقلت خلالها العشرات من الفلسطينيين، حيث كان أهمها اعتقال 38 فلسطينياً بتاريخ 18 أغسطس، من بينهم أسرى مُحررين في حملة اعتقالاتٍ موسعة وشاملة تركزت في محافظتي بيت لحم وجنين.

ومن جانبٍ أخر، كانت المؤسسات الأهلية في الضفة الغربية على موعدٍ مع حدث لم تعهده كثيراً في الآونة الأخيرة؛ نظراً لتسارع وتيرة الأحداث لصالح العمليات العسكرية والاقتحامات المتتالية على أماكن تمركز كتائب المقاومة في الضفة، والتي كانت عنوان المشهد طيلة الفترة الماضية ولشهورٍ تقريباً.1

في هذا السياق لجأت قوات الاحتلال خلال الأسبوعين الماضيين إلى تنفيذ حملةِ مداهمةٍ مفاجئة دون سابق انذار، أغلقت خلالها سبع مؤسسات مجتمع مدني في رام الله والبيرة بتاريخ 18 أغسطس وصادرت جميع ممتلكاتها؛ بذريعة أنها “منظمات إرهابية” تتبع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

رغم استمرار الانتهاكات بحق المنظمات الاهلية الفلسطينية بحجة علاقتها بالجبهة الشعبية، إلا أن الرواية الإسرائيلية عجزت عن إقناع المجتمع الدولي. ومن جانبها أعلنت نحو 45 منظمة إسرائيلية تضامنها مع المنظمات الفلسطينية مؤكده اعتراضها على قرار الاحتلال الإسرائيلي.2

في السياق ذاته، أشارت صحيفة الغارديان البريطانية في21 أغسطس أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) لم تتمكن من تأكيد قرار إسرائيل الذي يُصنف مؤسسات فلسطينية بارزة على أنها “منظمات إرهابية”، وهو ما دفع نحو 22 عضواً في الكونغرس الأمريكي إلى انتقاد الموقف الإسرائيلي، خلافاً للموقف الأوروبي الذي عبر عنه 17 سفيراً أوروبياً لممثل وزارة الخارجية الإسرائيلية، مؤكدين على استمرار بلادهم في دعم المؤسسات الأهلية الفلسطينية.

ويذكر أن جهود تلك المؤسسات والمنظمات في كشف انتهاكات قوات الاحتلال أمام الجنائية الدولية كان سبب الاغلاق الرئيسي، إلى جانب نشاطها على الصعيد الدولي بما في ذلك في مجلس حقوق الإنسان والكونجرس الأمريكي والبرلمان الأوروبي.

وفي السياق ذاته؛ لجأت قوات الاحتلال إلى سياسة هدم المنازل في الأراضي الفلسطينية بعد توقفٍ مؤقت لم يدم طويلاً، لتنضم إلى سلسلة الاعتقالات والاقتحامات والاغتيالات المستمرة ضمن تكامل عملياتي للسياسات والاجراءات التي تصعّدها بوتيرة شبه يومية دون انقطاع تقريباً منذ أشهر؛ حيث قامت قوات الاحتلال في 22 أغسطس بهدم عشرات المنشآت السكنية غرب مدينة أريحا دون أن تسمح لساكنيها بإفراغ مقتنياتهم الثمينة والشخصية. وتأتي هذه الإجراءات في إطار محاولة سلطات الاحتلال إفراغ الأراضي من سكانها تمهيداً للتوسع الاستيطاني.

جسر الملك حسين ومطار رامون

يعود ملف جسر الملك حسين ومطار رامون إلى المشهد من جديد بعد أن سمحت دولة الاحتلال في 22 اغسطس للعشرات من الفلسطينيين بالسفر عبر مطار رامون، في تتويجٍ عملي لما تم تداوله خلال الفترة الماضية من أن رغبة “إسرائيل” من جراء افتعال أزمة الازدحام على جسر الملك حسين تكمن في محاولتها دفع الفلسطينيين لاستخدام مطار رامون؛ رغبةً في إعادة تفعيله لأنه لا منفعة اقتصادية من انشائه كما كان مخططاً.3

وقد تسبب قرار السماح لفلسطينيين بالسفر عبر رامون في موجة جدلٍ ورفضٍ شعبي ورسمي، حيث استنكرت السلطات الأردنية ما تقوم به دولة الاحتلال من اجراءات تستهدف عوائدها الاقتصادية من هذا الممر بدواعي تخفيف الضغط والازدحام الحاصلين على الجسر، واللذان وقعا بفعل الإجراءات الإسرائيلية في تضييق حركة وتنقل الفلسطينيين.

سجون الاحتلال: التوتر سيد الموقف

تسود حالة من التوتر والارباك الشديدين سجون الاحتلال بعد جملة من الخطوات التصعيدية للأسرى الفلسطينيين إثر تراجع إدارة السجون عن تفاهمات مارس؛ حيث لجأت الأخيرة إلى فرض عزل مُضاعف على الأسرى وسحب الكهربائيات من أقسامهم. الأمر الذي قابله الأسرى بخطوات تصعيدية بدأت بالامتناع عن الخروج إلى الفحص الأمني، ومن ثم حل الهيئات التنظيمية في كافة السجون تمهيداً لإضراب مفتوح عن الطعام في سبتمبر من المنتظر أن يشارك فيه ما يقارب 1000 أسيراً ما لم يتم الاستجابة لمطالبهم.

سياسياً:

تنسيق بين حماس والجهاد الإسلامي بعد جولة “وحدة الساحات”

في محاولة لإعادة ترتيب أوراقها، اجتمعت قيادات حماس والجهاد الإسلامي السياسية والأمنية في 22 أغسطس الجاري بحثاً عن تجاوز ما طرأ على العلاقات بين الفصلين من تفاوت في المواقف خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، وقد تم نقاش سُبل مواجهة الاحتلال وتفويت الفرصة عليه بعد محاولته زرع الخلافات داخل غرفة العمليات المشتركة، وتشتيت إستراتيجيتها القائمة على وحدة الساحات، وهذا ما يتم نقاشه فصائلياً في المرحلة الراهنة.

تجدد حراك فتحاوي يدعو لعقد مؤتمر ثامن لحركة فتح

تزامنت مساعي رأب الصدع بين فصائل المقاومة مع حملة إدانة فصائلية واسعة لقرار الشرطة الألمانية القاضي بفتح تحقيق مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس على خلفية تصريحاته بشأن جرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني. وكان الرئيس الفلسطيني قد تحدث عن جرائم الاحتلال أثناء زيارته إلى المانيا في 16 أغسطس الجاري، مشيراً إلى أن دولة الاحتلال قد ارتكبت منذ 1947 نحو 50 مذبحة “هولوكوست”.

رغم محاولة حركة فتح توظيف حالة الهجوم الإعلامي الإسرائيلي على شخصية محمود عباس مستغلة رد الفعل الفصائلي الإيجابي، عبر الدعوة لتحقيق الوحدة الوطنية، إلا أن التطورات التي تجري داخل حركة فتح تُنذر بالمزيد من الانقسام والتشظي، لأن الدعوة المفاجئة التي عبرت عنها عدة قيادات فتحاوية مثل “حسين الشيخ – أحمد حلس” لعقد المؤتمر الثامن، تأتي في سياق الصراع الفتحاوي الداخلي، وسعي محمود عباس لاستغلال الجمعية العامة للتخلص من المعارضين داخل الحركة، ومكافأة كل من حسين الشيخ وماجد فرج على حساب قيادات فتحاوية تاريخية.

تواصل التجاهل الإقليمي لأ بو مازن بالرغم من زيارته أنقرة

في سياق مُختلف، وفي إطار جولته الخارجية، توجه محمود عباس بصبحة ماجد فرج وأخرين إلى العاصمة التركية أنقره، وذلك تلبيةً لدعوة الرئيس التركي أردوغان. وتأتي هذه الدعوة لتوضيح الموقف التركي من القضية الفلسطينية، خاصةً وأنها جاءت بعد إعلان وزير الخارجية التركي مولود تشويش أوغلو في 16 أغسطس الجاري تعيين سفير لدى الكيان الصهيوني خلال الأيام المُقبلة.

إقليماً، تتواصل حالة التجاهل العربية للأطراف السياسية الفلسطينية، ومثال على ذلك قمة العلمين التي جمعت الرئيس المصري بحكام دولة الامارات والبحرين، والعراق والأردن في 22 أغسطس. وكانت القمة قد ناقشت الملف الفلسطيني حسبما أوردت وسائل الاعلام، ورغم إصرار ملك الأردن على ضرورة ضم السلطة الفلسطينية لأي حلول إقليمية، إلا أن قيادة السلطة الفلسطينية لم تشارك في تلك اللقاءات ولم تعد قادرة على تسجيل حضورها في أي تحركات أو لقاءات إقليمية.

اقتصادياً

ضمن خطة الإصلاح الاقتصادي، تستعد السلطة الفلسطينية لإجراء تعديل على قانون ضريبة القيمة المضافة مطلع سبتمبر القادم، ومن شأن ذلك أن يزيد من قيمة الإيرادات الداخلية بنحو 46%، حيث تتضمن خطة الاصلاح خفض فاتورة النفقات بما فيها رواتب الموظفين، لتصبح عند مستوى 50% من إجمالي الإيرادات العامة بحلول الربع الأول من العام 2023.

كما قررت السلطة زيادة فاتورة بيع الكهرباء بنحو 12%، لتكون هذه الزيادة الثانية خلال هذا العام بعد أن تم رفعها بـ2.5% في فبراير الماضي، ويأتي القرار نتيجة لارتفاع فاتورة استيراد الوقود المخصص لمحطات توليد الكهرباء. والجدير بالذكر هنا أن بيانات الموازنة العامة للنصف الأول من هذا العام أظهرت ارتفاعاً في إيرادات المحروقات بنحو 29% من 1.2 مليار شيكل لتصل إلى 1.5 مليار شيكل، كما ارتفعت الإيرادات غير الضريبية بنسبة 26%، لتصل إلى 718 مليون شيكل، وقد حققت الحكومة فائضا في الموازنة بقيمة 72 مليون دولار، مقابل عجز وصلت قيمته لـ 332 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي!

بموازاة ذلك، نفذ اتحاد عمال فلسطين إضراباً عن العمل للعمال الفلسطينيين في الداخل ليوم واحد، احتجاجاً على قرار السلطة بإلزامية تحويل رواتب العمال عبر البنوك المحلية، وهو ما رفضه العمال، لأن السلطة تنوي اقتطاع جزء من رواتبهم كشكل من أشكال ضريبة الدخل.

ويقدر عدد العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر بنحو 233 ألف عامل، تبلغ فاتورة أجورهم الشهرية 1.4 مليار شيكل (450 مليون دولار)، وفي حال فرضت السلطة ضريبة الدخل على هؤلاء العمال فإنها ستقطع شهريا بشكل مباشر ما قيمته 130 مليون شيكل (40 مليون دولار).

ولعل أحد الإشكاليات التي تعترض مطالب العمال هو إدراكهم عجز السلطة عن تطبيق قوانين حمايتهم. فرغم مرور عام على إقرار قانون الحد الأدنى للأجور، لا يزال نحو 158 ألف عامل في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة يتقاضون أقل من الحد الأدنى للأجور البالغ 1880 شيكل (560 دولار).

في سياق أخر، تخشى السلطة من خسارة رسوم السفر لعبور الفلسطينيين ذهابا وإيابا عبر الأردن بقيمة 100 مليون شيكل سنويا (30 مليون دولار) في حال لم يستخدم الفلسطينيون جسر الكرامة للعبور إلى الأردن، حيث تنص اتفاقية باريس على تحصيل السلطة 25% من رسوم العبور للفلسطينيين عبر جسر الكرامة، فيما تواصل إسرائيل احتجاز أكثر من 800 مليون شيكل (240 مليون دولار) تحت بند رسوم العبور منذ العام 2010.

أما الأردن فيخشى من فقدان أكثر من 100 ألف مسافر من فلسطينيي الضفة الغربية كانوا يستخدمون خطوطه الجوية للسفر للعالم الخارجي.

تحليل المؤشر

تسعى سلطات الاحتلال من وراء إعادة تفعيل سياسة اغلاق المؤسسات الأهلية في الضفة الغربية إلى تحقيق نوعاً من التكامل العملياتي لدائرة استهداف قدرات المواطن الفلسطيني في محاولةٍ لحصر موارد دعم صموده وردعه عن المقاومة بمختلف أشكالها من خلال ساحات مواجهة جديدة؛ لذلك بدأت من جديد عدد من الإجراءات التعسفية لخلق حالة احباط عام على جميع المستويات، وهي أشبه ما تكون للحالة التي تبعت سنوات الانتفاضة الثانية، خاصةً في القدس مثل تكثيف سياسة هدم المنشآت واغلاق المؤسسات وغيرها من السياسات والاجراءات التي قد نشهدها في الفترة المقبلة بوتيرة متزايدة.

فيما يتعلق بمؤتمر حركة فتح الثامن، فإن الأطراف الداعية لعقده الآن هي نفس الأطراف التي كانت تعارضه في وقت سابق، ويُعتقد أنها لعبت دوراً مهماً في تأجيله في المرات السابقة. وربما سعيها لعقده في هذا التوقيت يأتي في سياق سيطرتها على القرار الفتحاوي بعد تعين حسين الشيخ عضواً للجنة المركزية لحركة فتح، ثم أميناً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. ولا شك في أن تلك الأطراف تعلم أن توفيق الطيراوي وقيادات فتحاوية أخرى تمتلك عناصر قوة داخل الحركة، ومن شأن عقد المؤتمر الثامن استبدال هذه العناصر بأخرى محسوبة على التيار الأكثر سيطرة، حيث تشير عدة مصادر فتحاوية إلى أن أبرز الأسماء المرشحة لعضوية اللجنة المركزية “أحمد عساف – ماجد فرج – عدنان غيث”.

على النقيض من ذلك، ورغم تجدد الدعوة لعقد مؤتمر فتح الثامن قبل نهاية هذا العام 2022، إلا أن إمكانية عقدة تبقى محل شك، لأن المؤتمر تم تأجيله لعدة مرات، كما أن تجدد الدعوة الحالية لم يصاحبها أي تحركات أو ترتيبات فتحاوية على الأرض. لكن بشكل عام، يعتقد العديد من المراقبين أن الذهاب نحو هذه الخطوة يحتاج إلى مصالحات فتحاوية مسبقة، وإلا سيكون عقد المؤتمر بغرض تصفية الحسابات، خاصةً وأن القرار الفتحاوي بات جزءًا من دوائر السلطة الفلسطينية.

في سياق أخر تشير القراءة الأولية للتطورات الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية إن ثمة اتساع في الفجوة بين الشارع والطبقة الحاكمة في السلطة الفلسطينية، لأن التشريعات والقوانين المتعلقة بضريبتي الدخل والقيمة المضافة التي تستعد السلطة الفلسطينية لإقرارهما في الأيام القادمة ستمس قطعاً بحياة الطبقة الكادحة والمتوسطة من الفلسطينيين، ما يعني أن السلطة الفلسطينية مقبله على المزيد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

الخاتمة:

هجوم إسرائيل على مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني لا يمكن فصله عن تجسسها على العاملين في هذه المؤسسات سابقاً. صحيح أن كثير من هذه المؤسسات يسارية، وهذا ليس بالأمر الجديد، ولكن فعالية هذه المنظمات على الساحة الدولية مثل منظمة الضمير لحقوق الإنسان، التي تنشط بشكل خاص في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حيث تتمتع إلى جانب مؤسسة الحق بالصفة الاستشارية هناك، سبباً رئيساً في هذا التصنيف والمصادرة. كما أن منظمة الدفاع عن الطفل الدولية، فرع فلسطين، لعبت دوراً هاماً في فضح ممارسات الاحتلال ضد الأطفال الفلسطينيين من خلال توثيق شهاداتهم المشفوعة بالقسم وبلغات عدة. كما ساهمت في الضغط لصالح مشروع قرار في الكونجرس الأمريكي يربط المساعدات الأمريكية لإسرائيل باحترامها لحقوق الإنسان بما في ذلك الأطفال الأسرى، دعمه قرابة ٣٠ عضو كونجرس أمريكي بقيادة بيتي ماكولام المعروفة بدعمها لفلسطين. ردة الفعل الأمريكية (على مستوى الكونجرس وجهاز المخابرات المركزية) وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي الداعم لهذه المؤسسات والمعارض للإجراءات الإسرائيلية ضدها حرم الاحتلال من محاولة إظهار نفسه منتصراً من خلال إغلاق هذه المؤسسات وتجريم عملها. كما كان لعمل هذه المؤسسات في محكمة الجنايات الدولية دوراً هاماً في رسم سياسات الاحتلال ضدها. من المتوقع أن تفشل سياسات الاحتلال في حصر هذه المنظمات لأنها تحظى باحترام دولي واسع وهي رائدة في مجال عملها ولا يمكن للاحتلال من خلال وصم هذه المؤسسات بالإرهاب أن يقنع المجتمع الدولي بروايته.

التطورات الميدانية على صعيد العلاقة بين الفصائل، خاصة حماس والجهاد الإسلامي، أعمال المقاومة في الضفة الغربية، التوتر في السجون، توتر العلاقات الفلسطينية الأردنية على خلفية مطار رامون، إلى جانب التحضير لمرحلة ما بعد محمود عباس من قبل حسين الشيخ وماجد فرج، وكذلك استمرار الاحتلال في سياسة هدم المنازل كان له تأثير واضح على مجريات الأحداث في الأراضي الفلسطينية.

المصادر

1 وهو ما كان متوقعاً حسب تقديرات جيش الاحتلال في بداية شهر أغسطس التي أفادت بإمكانية تنفيذ كتائب المقاومة عمليات نوعية مسلحة على نقاط التماس.

2 يذكر أن جميع هذه المؤسسات والمنظمات الأهلية تقع ضمن المنطقة المصنفة (أ)، أي أنها تخضع للسيطرة الأمنية الفلسطينية حسب اتفاقية أوسلو عام 1993، وبناءً عليه تعمل هذه المؤسسات وفق القانون الفلسطيني المنوطة بالالتزام به.

3 يزور الأردن سنوياً 300 ألف فلسطيني من الضفة الغربية، يسافر 70% منهم عبر شركات الطيران الأردنية، غير أنهم يشكلون مصدراً وعائداً اقتصادياً مهماً وحيوياً لقطاعات السياحة في الأردن. ينظر: مطار رامون.. أزمة سياسية صامتة بين عمان وتل أبيب، الجزيرة نت، 24.08.2022، https://cutt.ly/EX3318o

الوسوم
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق