الحوار الفلسطينيوجهات نظرمقابلات

تشكيل جبهة فلسطينية موحدة بعد اجتماع بيروت: لماذا لم يتحقق؟

يجمع سياسيون فلسطينيون أن منظمة التحرير بشكلها الحالي لا تلبي طموحات الشعب الفلسطيني بالتمثيل والتحرير. يرى بعض السياسيون أن إصلاح منظمة التحرير ضرورة ملحة، ولكنهم في الوقت نفسه لا يدعمون إنشاء جسم بديل عن المنظمة، وإنما جبهة فلسطينية موحدة تقود جهود إصلاح المنظمة، لأنه حسب رأيهم لا يمكن القفز عن المنظمة بسهولة وحتى لا يستمر الانقسام الفلسطيني. مجموعة الحوار الفلسطيني تحدثت مع مجموعة من السياسيين الفلسطينيين حول الموضوع.

ا.د يوسف موسى رزقة، كاتب ومحلل سياسي مقرب من حماس

الانقسام الفلسطيني يؤذي الموقف الفلسطيني، بغض النظر عن أسبابه التي أوجدته، وبغض النظر عن الجهة المسئولة عن وجوده. ومن مظاهر الأذى أن قادة النظام العربي يستغلونه للتحلل من التزاماتهم نحو الفلسطينيين. هم يزعمون أن الانقسام يعطل جهودهم الطيبة نحو القضية والشعب. وعادة ما تعقد وسائلهم الإعلامية برامج حوارية تدعم وجهة نظرهم، وتبكت الفلسطينيين، وتجعل الانقسام عائقا رئيسا أمام المساعدات، وأمام تقدم القضية نحو الحل.

وبسبب من حالة الانقسام الشاذة والمؤذية، وبسبب التوظيف العربي السيء لها، واتخاذها أحياناً مبرراً للتطبيع، يحرص رئيس السلطة محمود عباس على الذهاب لمؤتمر القمة العربي وبيده ورقة جامعة للموقف الفلسطيني. أي ورقة تحكي شكل أو صورة وحدة وطنية، بها قدر طيب من المعاني السياسية والوطنية العامة. كوحدة التمثيل الفلسطيني لمنظمة التحرير، وحق الشعب الفلسطيني في المقاومة بأشكالها المختلفة، وتهيئة البيئة لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، وخلاف ذلك من العناوين التي تجمل الموقف الفلسطيني في عيون العرب.

في الثالث من سبتمبر ٢٠٢٠ اجتمع الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية في بيروت بدعوة من محمود عباس وعبر الفيديو كونفرنس بين بيروت ورام الله، لدراسة الموقف الفلسطينية وتوحيده في مواجهة صفقة القرن، التي مثلت أهم التحديات في تلك الفترة للموقف الفلسطيني، لاسيما في مجال ضم العدو للأراضي، وتحفيز أميركا للتطبيع، والحصار على غزة، وأزمات مخيمات اللاجئين في لبنان.

وقرر المجتمعون تشكيل القيادة الموحدة للمقاومة الشعبية، وهو قرار عملي قابل للتطبيق بين قرارات عامة ذات أبعاد استراتيجية وسياسية، كتجميع عناصر القوة الفلسطينية، وتوسيع دائرة العمل الشعبي، والخروج من مسار أوسلو، ومقاضات الاحتلال، وتدويل القضية الفلسطينية، وتفعيل دور اللاجئين في الشتات.

ما قرره اجتماع الأمناء العامون برئاسة محمود عباس، حيث شكل هذا الإطار خطوة جيدة نحو توحيد الموقف الفلسطيني، حيث كان إطارا جبهويا عاما يشكل ما يمكن تسميته بلقاء قمة فصائلي للتشاور واتخاذ القرارات، ونبذ الخلافات، والتغلب على حالة التفرد والهيمنة الشخصية والفتحاوية على القرار الفلسطيني.

كان لقاء الأمناء العامون بداية جيدة لإطار وحدوي للتفاهم والعمل وتبادل الأراء، وكان يمكن لهذا الإطار الذي هو من مطالب كل الفصائل أن يشكل رافعة للموقف الفلسطيني بشكل عام، ورافعة للمصالحة والشراكة في العمل ومقاومة الاحتلال بشكل خاص. ولكن هذا الإطار القيادي لم تدب فيه الحياة بشكل جاد وقوي، لأن الرئيس عباس لم يدعو هذا الإطار للانعقاد رغم مطالبة الفصائل في مناسبات مهمة، ولا ينعقد هذا الإطار إلا بدعوة من الرئيس، الأمر الذي يدفع للقول بأن الرئيس عباس لم يكن جادا في تكوين هذا الإطار وتفعيل دوره في العمل الفلسطيني، وأنه ربما قصد منه في ذلك التوقيت والبيئة المحيطة هو أخذ ورقة التمثيل والوحدة الوطنية، والذهاب بها لمؤتمر القمة العربي الذي انعقدلاحقا لذلك التاريخ، وربما كان يريد الورقة أيضا على المستوى الدولي ومواجهة الموقف الأميركي الإسرائيلي القائل بأن عباس لا يمثل كل الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يشجع على عقد لقاءات تفاوض.

إنه وفي ضوء ما تفدم يمكن أن نفسر لماذا لم تتشكل القيادة الوطنية للمقاومة الشعبية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك أن قرار الإنشاء كان قرارا وظيفيا ليس مقصودا لذاته، ثم إن مفهوم عباس للمقاومة الشعبية غير مفهوم حركة حماس، غير مفهوم فصائل اليسار، لذا لم يظهر للنور هذا الإطار، ثم إن أجهزة الأمن الفلسطيني في الضفة تعرقل حرية عمل المقاومة الشعبية وتفرض على قادتها قيودا تتلاءم مع الوظيفة الأمنية للأجهزة المقيدة بالتنسيق الأمني.

اكتمال حمد، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

تقدمت حركة المقاومة الإسلامية حماس والجبهة الشعبية بمبادرتين مختلفتين في اجتماع بيروت سبتمبر 2020، وكانت مبادرة حركة حماس تنص على إنشاء جبهة وطنية عريضة، تشمل كثيراً من الأمور، على رأسها مسألة إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية. نحن في الجبهة الشعبية نعتبر أن الأولوية بالنسبة لمنظمة التحرير الفلسطينية التي بنيت على دماء الشهداء وتاريخنا الفلسطيني لذلك يجب إعادة بناءها وتشكيلها وفق كل الاتفاقيات السابقة بين الفصائل. ولذلك رفضنا، وطرحنا مبادرة جبهة مقاومة فلسطينية، تجمع جميع المقاومين. وافقت على هذه الصيغة حركتي الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية القيادة العامة، ولا تزال حركة حماس تدرسها.

نحن معنيون بالكل الوطني، بما فيهم حركة فتح، لا نريد أن نبقى مشتتين بفعل الانقسام الذي دمر القضية الفلسطينية، وتسبب في خراب الكثير من العلاقات الاجتماعية. لذلك نسعى إلى توحيد الشعب الفلسطيني تحت منظمة التحرير، برغم تجميد عملنا حالياُ في منظمة التحرير. يجب أن نعمل على إنهاء الانقسام، وإعادة بناء منظمة التحرير. وسنسعى جاهدين لتحقيق هذا الهدف، باعتبار أن منظمة التحرير ليست حكراُ على تنظيم، بل هي مرجعية الشعب الفلسطيني، ولا يمكن تشكيل جبهات أخرى دون الرجوع لمنظمة التحرير.

جسر الهوة بين أطراف الانقسام، وتعنت كل طرف لموقفه سبب آخر لهذه الجبهة الموحدة. المنظمة بعد توزيع الأدوار فيها أضحت بائسة ولا تمثل الكل الفلسطيني، ونحن معنيون بوحدة هذا الشعب، نسعى لجبهة تجمع كل أطياف الشعب الفلسطيني.

ياسر خلف، الناطق باسم حركة الأحرار

الجميع يعلم أن الساحة الفلسطينية منقسمة سياسياً وجغرافياً، والأزمة الفلسطينية هي أزمة إرادة. سبب هذه الأزمة هو فريق السلطة الذي يصر على رفض كل الخطوات الوطنية التي اتخذت بعد حدوث الانقسام. اتفاقيات المصالحة ومخرجاتها ومخرجات الموافقات الوطنية ومخرجات لقاء بيروت ورام الله جميعاً انقلبت عليها السلطة ورئيسها الذي لا يملك الإرادة والرغبة لتنفيذها لعدة اعتبارات. أولاً، أنه لا يريد تحقيق وحدة شعبنا لاستمرار التغول والتفرد بالشأن الفلسطيني. ثانياً، لا يريد تحقيق المصالحة او تطبيق مخرجات بيروت حتى لا تتشكل قيادة جديدة تسحب منه ومن فريقه كل السلطات والصلاحيات لصالح فريق وطني بعدما أفلس سياسياً ولم يعد لديه قبول وقاعدة شعبية ووطنية. ثالثاً، لارتباطه بالاحتلال الذي لا يريد لشعبنا خيراً أو تحقيق وحدته وتقوية جبهته الداخلية. 

هذه عوامل مهمة جداً في عدم تطبيق مخرجات بيروت. نحن نقول إن الوحدة وتطبيق الاتفاقيات والتوافقات بحاجة لنوايا سليمة وإرادة حقيقة، ولكن للأسف هذه الإرادة غير موجودة لدى فريق السلطة المستفيد من حالة الانقسام لنهب اموال شعبنا والتفرد بالقرار والتمثيل الوطني. للأسف، العقيدة التي تسير فيها قيادة ورئيس السلطة غير وطنية وهي بمثل هذا اللقاءات تريد كسب الوقت والمراوغة وتصدير نفسها أمام شعبنا أنها تريد الوحدة وتعمل من أجلها وكذلك امتصاص الغضب الشعبي عليها. ونحن وشعبنا يعلم جيداً أنه لن تكون هناك مصالحة فلسطينية أو انتخابات او قيادة وطنية موحدة في ظل وجود رئيس السلطة وبطانته، لأن شعبنا وفصائله استنفذوا كل الخيارات والخطوات. لا جدوى من أي فعل نعتقد أن السلطة لا تقبل بتنفيذ نتائجه أو مخرجاته. من يريد الوحدة لا يتعاون مع الاحتلال ضد شعبه ولا يمارس الاعتقالات السياسية، وغيرها.

 إضافة لعوامل خارجية من بينها بعض الاقطاب العربية المرتبطة بالاحتلال والتي لربما تقف في طريق تحقيق وحدة شعبنا بشكل او بآخر.

باعتقادي أن المطلوب حراك فلسطيني وطني فصائلي شعبي واسع للضغط على السلطة التي تصر على استمرار الانقسام وترفض النزول عند الرغبة الوطنية وتطبيق ما يتم التوافق عليه، ربما من خلال حراك شعبي وعربي واسع.

طلال أبو ظريفة، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

في اجتماع الأمناء العامين الذي انعقد في بيروت ورام الله سبتمبر 2020، اتخذ قرار جاد ومسئول بضرورة استنهاض المقاومة الشعبية، وتوحيد كل أشكالها وأساليبها وتكتيكاتها. ولا يمكن أن يتم ذلك إلا في إطار تشكيل قيادة وطنية موحدة للانتفاضة، تحدد كل الأشكال والأساليب والتكتيكات، يشارك فيها الكل الوطني الفلسطيني، بما في ذلك المؤسسات الأهلية والمجتمعية، وتشكيل الأذرع الميدانية العاملة في الميدان بما يمكن من إدامة حالة الاشتباك مع الاحتلال، واستنفاذ طاقة الاحتلال بما يرفع كلفته. ولكن لا تزال القيادة الفلسطينية النافذة والمتنفذة ترفض ذلك، التي تتبنى نظرياً المقاومة الشعبية، ولكنها في المقابل لا تتخذ خطوات جادة ترتقي إلى تشكيل قيادة وطنية موحدة جادة بمشاركة الكل الفلسطيني، رغم إصدار البيان الأول، وعقد اجتماع آخر جرى فيه تشكيل قيادة وطنية موحدة. لكن لم ير النور في ظل حالة الانقسام الفلسطيني، وعدم استعداد السلطة للنهوض في المقاومة يندرج في هذا الإطار.

 ولا تزال السلطة تراهن على ما تبقى من اتفاق أوسلو البائس، ولا تزال في سياسة انتظار ما ستسفر عنه نتائج الانتخابات الأمريكية، ووعودات بايدن فارغة المضمون. وأحياناً تراهن السلطة على تدخلات بعض الأطراف العربية، كل هذه الرهانات شكلت عاملاً للأسف الشديد مؤخرً لتشكيل القيادة الوطنية الموحدة، في ظل زيادة الاحتلال إجرامه ودمويته واستيطانه بحق شعبنا الفلسطيني. هنالك مطالبات وطنية بسرعة تشكيل القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية، ووضع برنامج سياسي لهذه القيادة تعمل تحت سقفه، بما يعني إدامة الاشتباك مع الاحتلال، وانخراط كل الفئات الوطنية والشعبية في إطار المواجهة معه.

أحمد المدلل، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي

الأمر ليس بسيطاً، والبعض متخوف أن يكون هذا التشكيل بديل عن منظمة التحرير. نحن نؤكد أن الوضع الفلسطيني يجيب ألا يبقى كما هو في ظل الجرائم الصهيونية، وهذا التصفية المستمرة للقضية الفلسطينية. لذا طُرح موضوع تشكيل جبهة وطنية فلسطينية، تتابع الشأن الفلسطيني، وتدعم صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الجرائم الصهيونية، وليست بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية. نحن حريصون على إعادة بناء وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وأن تأخذ دورها كاملاً، وأن تكون مظلة للكل الفلسطيني، وأن تعود منظمة لتحرير فلسطين.

لكن الانحراف السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، والاعتراف والتوقيع على اتفاقيات أوسلو، لم يبق هناك أي تأثير لها، حيث جعلها الرئيس الفلسطيني لجنة من لجان السلطة الفلسطينية، ولم تعد المنظمة اليوم تمثل الكل الفلسطيني.

نحن نطالب بتشكيل هذه الجبهة حتى يتم إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية لتأخذ دورها كمظلة للكل الفلسطيني.

نحن الآن في طور نقاش حول تشكيل جبهة فلسطينية موحدة للدفاع عن القضية الفلسطينية، وجميع الأوراق قيد النقاش.

التأخير في تشكيل جبهة وطنية فلسطينية موحدة يضر بالقضية الفلسطينية، ويعطي الاحتلال الصهيوني مزيداً من الوقت لسرقة الأرض وارتكاب مزيداً من الجرائم. الوقت الفلسطيني ينفذ لصالح الاحتلال الصهيوني، وأي تأخير في تشكيل هذه الجبهة لن يكون في صالح القضية الفلسطينية.

الوسوم
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق