أوراق سياسيةتقدير الموقف

قراءة أولية لمعركة سيف القدس

على إثر الجولة العنيفة الأخيرة التي خاضتها قوى المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسام في قطاع غزة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهي الجولة التي ظهر فيها لأول مرة ضخامة الفعل الفلسطيني، وقدرته على التأثير في الواقع الإسرائيلي بشكل كبير، فضلًا عن حالة الاجماع الشعبية والسياسية الواسعة التي لاقاها من المجتمعات الفلسطينية وكذلك العربية والإسلامية، برزت العديد من التساؤلات حول أسباب تفجر هذه المواجهة، وما هو مستقبلها لاحقًا، وما هي المفاعيل والأسباب الأساسية لها، والأهم من ذلك، ما هي التداعيات الاستراتيجية المترتبة عليها.

مفاعيل تفجر المواجهة الحالية.

بالنسبة لدولة الاحتلال، كان واضحًا منذ البداية أن نتانياهو بعد أن فشل في تشكيل حكومة يمينية بقيادته، فضلًا عن تشكل ائتلاف ضد نتانياهو من اليمين والوسط واليسار، إذ كان من المستغرب أن يبادر إلى رد التكليف إلى رئيس الدولة من دون طلب تمديد المهلة حسب القانون ( 14 يوما أخرى)، وهذا كان مؤشرًا على أن نتانياهو كانت لديه خطة بديلة لإفشال خصومه عبر تفجير أزمة ذات بعد ديني وقومي في الشارع، وذلك لإفشال تشكيل حكومة من هذا الائتلاف، كما كان واضحًا بأن نتانياهو يتحرك في فراغ سياسي، ويترك بحرية بدون حساب، فلم يكن في حسابه  بأن أحدًا سيفجر أزمة في تصعيد الاعتداءات ضد المسجد الأقصى والتطهير في حي الشيخ جراح.

لكن لسوء حظ نتنياهو فإن سياسة التطهير في حي الشيخ جراح جاءت في أيام تزداد فيها العواطف الدينية لدى المجتمع الفلسطيني (العشر الأواخر من رمضان وليلة القدر) مما أدى إلى تفجر الموقف بصورة غير متوقعة.

أما بخصوص موقف القوى الفلسطينية، فقد نظرت المقاومة الفلسطينية لمحاولة دولة الاحتلال بتهجير أهالي حي الشيخ جراح ككارثة وطنية لا يمكن السماح بها في القدس، في ظل أهمية وموقع الحي بالنسبة للقدس والداخلين إلى المسجد الأقصى، إذ أن المقاومة ومنذ إعلانها عن عدم سماحها بمرور صفقة القرن بدون رد منها قبل سنتين من الآن، كانت خطوطها الحمر تتسع لتشمل “المخاطر الاستراتيجية” التي تواجهها القضية الفلسطينية، عزز ذلك دعوات الجمهور في ساحات الأقصى كتائب القسام للقيام بدورها للرد على هذه الانتهاكات، فضلًا عن وجود دعوات شعبية واسعة، على الأرض وعلى مواقع تواصل الاجتماعي من كل الأطياف الفلسطينية لنصرة المسجد الأقصى، ولذلك حظي إنذار كتائب القسام بدعم شعبي واسع زادت على إثره حدة المواجهة في المسجد الأقصى، كما أعطى الضغط الشعبي المتزايد شرعية كبيرة لأي فعل من قبل المقاومة للرد على هذه الاعتداءات.

إدارة المعركة. 

  1. انطلقت المقاومة هذه المرة من نقطة إجماع وطني للضغط على الاحتلال لمواجهة حالة التفرد بشعبنا في مدينة القدس، وبالتالي شكل هذا التفويض الشعبي وحالة الإجماع الواسعة عليه تحولًا جذريًا في طبيعة الصراع ونتائجه الجيوسياسية المحتملة.
  2. كان لتطور قدرات المقاومة الكبير، سواء من حيث عدد الصواريخ التي تم اطلاقها واتساع الجغرفيا التي تغطيها، فضلًا عن قوتها التفجيرية، كل ذلك أدى إلى تشويش وإرباك حوالي 60 -70 % من الحياة العامة في إسرائيل.
  3. أما على صعيد دولة الاحتلال، فقد بدأ جيشها عدوانه من نقطة نهاية حرب 2014، من خلال تطوير “عقيدة الضاحية” التي تبناها رئيس الأركان سابق غادي إيزنغوت، بالإضافة إلى خطة “تنوفا” التي أطلقها رئيس الأركان أفيف كوخافي، والتي تهدف إلى تدمير العدو وسحقه وتدمير حاضنته الشعبية بهدف تحقيق عملية “كي الوعي” الشعبي الحاضن للمقاومة، وزاد الأمر سوءًا هذه المرة وجود حاجة لدى الجيش إلى إلحاق أذى كبير بالجمهور الذي كان له الدور الأكبر في اتخاذ المقاومة قرارها.

النتائج المرحلية. 

إن انطلاق المقاومة بمواجهة الاحتلال وبمبادرة منها، وتحديها الكبير للسياسة الإسرائيلية، وقيام قوة فلسطينية بفرض مواجهة وبهذه القوة حول قضايا مركزية في الصراع والمتعلقة بتهويد القدس  والمسجد الأقصى، كل ذلك شكل انجازًا كبيرًا لصالح المقاومة على حساب مشروع التسوية في فلسطين، لدرجة دعت الجنرال غيورا إيلاند الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي إلى القول “إن حماس إنطلقت في هذه المواجهة ويدها العليا، وهي تحقق ( 3 :0 ) لصالحها، وما قام به الجيش الإسرائيلي من تصفية عدد من قيادات كتائب القسام في مدينة غزة هو إنجاز محدود يقلص الفارق إلى ( 3 :1)، لذلك فإن الجيش سيحتاج إلى جهد كبير من أجل إعادة التوازن وتحقيق النصر على حماس”.

عقد المواجهة الحالية.

سعت إسرائيل في البداية للحصول على نقطتين:

  • السعي إلى إحداث كي للوعي الفلسطيني حتى لا تفكر قيادة المقاومة مرة أخرى بخوض مواجهات جديدة، وذلك على مدى أطول، وذلك من خلال عملية تدمير ممنهج وإحداث رعب للجمهور، بتفجير البيوت على رؤوس أصحابها من دون إنذار مسبق أو إنذار لا يسمح بأخذ الحيطة والخروج من المنزل قبل الاستهداف المباشر بالصواريخ الثقيلة، فضلًا عن استهداف البنية التحتية والمؤسسات الخدماتية، بهدف إطال الفترة الزمنية للشعور بالأذى للجمهور الفلسطيني. 
  • الحصول على صورة النصر وذلك من خلال تجميع صورة متناثرة من كل انجاز يتم تحقيقه خاصة الوصول إلى قيادات المقاومين وذلك تحت عنوان “الوصول إلى رؤوس المخربين” التي تعد عنوانًا داعائيًا يطرب آذان الجمهور الإسرائيلي في أوقات الأزمات والحروب . 

في الجهة المقابلة فإن المقاومة الفلسطينية لن تتراجع عن موقفها في استمرار تحدي أي خطوة إسرائيلية في القدس، وإلا تفقد مبررات الشرعية التي اكتسبتها من هذه المواجهة، ولذلك لا خيار للمقاومة إلا بالاستمرار بالمواجهة طالما استمر العدوان، ومن دون أن تتراجع عن موقفها.

الإحراج الذي تواجهه إسرائيل والقوى الإقليمية والدولية التي يزعجها تحقيق حماس إنجازًا واضحًا في هذه المواجهة، قد يدفع كثير من القوى إلى التريث وعدم الاستعجال لإيجاد مخرج يمكن من خلاله إيجاد مكانة للسلطة للفلسطينة والتقليل من انجازات حماس في هذه المواجهة.

التداعيات الإستراتيجية.

  • جاءت المواجهة لرسم خريطة جديدة للقوى الفعالة في القضية الفلسطينية، ولتدفع بحركة حماس إلى  أن تكون اللاعب الأساسي، مع تراجع مكانة السلطة الفلسطينة وتحولها إلى لاعب هامشي في الساحة.
  • تعزيز مشروع المقاومة باعتباره هو المشروع الذي يمكن أن يتقدم في التعامل مع الاحتلال، عبر حماية المقدسات والأرض، وبالتالي ما دام اليمين هو الحاكم في إسرائيل، فإن مسار التسوية تلقى ضربة قاضية، وتمثل ذلك في تحركات الشارع الفلسطيني في كل الساحات سواء في غزة  الضفة وفلسطين ال48 .
  • النهضة الشعبية في العالم العربي والإسلامي، مما سيعطي الثقة أكبر لقوى التغيير في العالم العربي من أجل استعادة زمام المبادرة للتحرك، مما سيؤدي إلى إحراج الأنظمة المطبعة، وقد يساهم إلى تعطيل عجلة التطبيع في المرحلة القادمة، وذلك في المدى القريب على الأقل .
  • أصبح ملف القدس والانتهاكات المتعلقة بالاستيطان على طاولة المجتمع الدولي بشكل أكبر، وينظر لها على أنها هي السبب الأساسي للتدهور الأمني، وبالرغم من الإدانات الدولية لصواريخ المقاومة، إلا أن الجميع يعترف بان السياسة الإسرائيلية هي المتسبب الأول في ذلك، وهنا يمكن الإشارة إلى أن نتانياهو وأمام السفراء الأجانب لم يستطع التهرب من أن ما حدث في القدس هو السبب في الموجة الحالية لكن بطرية تحميل حماس مسؤولية استغلال الموقف.
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق