مقالاتمقالات رأي

حركة فتح وتحديات العمل الوطني

أصدر الرئيس محمود عباس في التاسع وعشرين من شهر نيسان الماضي قراراً بتأجيل/ إلغاء الانتخابات العامة، مبرراً قراره برفض الاحتلال السماح بإجراء الانتخابات في القدس، فيما رجحت التقديرات إلى أن ذلك يرجع الى تخوف حركة فتح “الرسمية” من تراجعها أمام حركة حماس في ظل انبثاق ثلاث قوائم انتخابية من الحركة، انتقدت الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس القرار ورأت فيها اعتداءً على إرادة الشعب الفلسطيني.

جاء قرار الرئيس وسط تصاعد وتيرة المواجهة داخل مدينة القدس ما بين المقدسيين وقوات الاحتلال، وسرعان ما امتدت الى باقي مناطق الوطن (الداخل٤٨ / الضفة الغربية/ قطاع غزة) بعد تدخل المقاومة الفلسطينية واطلاقها عملية ” سيف القدس” في العاشر من مايو الحالي للتصدي لعدوان الاحتلال.

 وعلى الرغم من اتساع رقعة المواجهة وتنوعها ما بين مقاومة مسلحة في قطاع غزة وشعبية في الداخل المحتل ومدينة القدس إلا أن استجابة حركة فتح ظلت محصورة في اطر معينة غلب عليها طابع المناورة والاحتواء أكثر من الذهاب نحو المواجهة المفتوحة مع الاحتلال.

وبموازاة ذلك أسست جرأة فصائل المقاومة في غزة وتبنيها لقضايا تتجاوز الإطار الجغرافي لغزة وعلى رأسها قضايا القدس، بالإضافة إلى الأداء القتالي النوعي الذي بدأ واضحاً في قدراتها الميدانية، لواقع جديد اصحبت فيه قوى الفلسطينية ورموزها القيادية في مركز الشرعية والشعبية الفلسطينية. هذا الأمر دفع العديد للتساؤل عن شكل العلاقات المتوقع ما بين الفصائل الفلسطينية وحركة فتح في المرحلة المقبلة.

لا جديد لدى فتح الرسمية.

لم يقتصر قرار الرئيس عباس على الغاء الانتخابات الفلسطينية، بل شكل انقلاب على مسار سياسي انضجته حركتي حماس وفتح خلال الشهور من المحادثات، تتركز على تطوير أدوات مشتركة للمواجهة مع إسرائيل -المقاومة الشعبية- وترتيب البيت الفلسطيني الداخلي بمؤسساتها المختلفة.

وشكل خطاب الرئيس عباس أمام “القيادة الفلسطينية” في اليوم الذي قرر فيها الغاء الانتخابات، وخطابه أمام الاجتماع الطارئ للبرلمان العربي بشأن فلسطين في ١٩ مايو الحالي، ملامح خطوات محمود عباس المقبلة، فعلى صعيد ترتيب البيت الفلسطيني دعا أبو مازن الى تشكيل حكومة وحدة وطنية “مقبولة دولياً” لحين اجراء انتخابات عامة، التي رهنها مجدداً بسماح “إسرائيل” بتنظيمها في مدينة القدس.

اما منظمة التحرير فمن غير الواضح أن يذهب الرئيس عباس فمن المتوقع أن يلجأ الى توظيف شرعية المنظمة – كما فعل سابقاً- كبديل عن الشرعية الشعبية عبر تنظيم جلسة للمجلس المركزي او الوطني.

وفيما يتعلق بالعلاقة مع الاحتلال فما زال الرئيس عباس يرفض الذهاب إلى أي شكل من أشكال المواجهة مع الاحتلال، وأكد ذلك السلوك الفتحاوي في الهبة الماضية، مما يعني أننا أمام نفس السياسة في تسكين الشارع الفلسطيني وابعاده عن أي مواجهة مع الاحتلال، خاصة في ظل تصاعد رهان فريق السلطة على إمكانية استعادة شيء من مسار العملية السلمية مع عودة اهتمام الإدارة الامريكية بتطورات الأوضاع في فلسطين. 

لا يمكن انتظار فتح ولا يمكن تجاهلها.

تهيمن حركة فتح “الرسمية” على ثلاث مساحات هامة في النظام السياسي الفلسطيني، الأولى “الشرعية الدولية” التي تمكنها من التعامل مع المجتمع الدولي وتمرير الأموال اللازمة لتشغيل أجهزة السلطة المرتكزة على عشرات الالاف من الموظفين في الضفة الغربية وقطاع غزة، الثاني، “الشرعية الفلسطينية التقليدية” والمتمثلة في منظمة التحرير الفلسطيني التي تحوز على اعتراف دولي وحضور فلسطيني، وأخيراً والأهم تسيطر فتح “الرسمية” على السلطة الفلسطينية وتحديداً الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية مما يجعلها قادرة على لعب دور مهم في معادلة الوضع الأمني في الضفة الغربية. 

حاولت حركة حماس وقوى المقاومة في السنوات الأخيرة تحقيق اختراق في هذه الملفات من بوابة التفاهم مع “فتح”، فنصت اتفاقيات المصالحة المتتالية على اصلاح منظمة التحرير ” الشرعية الفلسطينية التقليدية” وتنظيم عملية مشاركة كافة الفصائل في أطرها وهيئاتها. ولتجاوز شرط ” الشرعية الدولية” ذهبت الحركة لعملية تقاسم السلطة مع حركة فتح عبر التخلي عن صدارة الهيئات التنفيذية، وأخيراً ولتحقيق اختراق في العمل في بيئة الضفة الغربية توصلت الحركة الى اتفاق مع فتح لتفعيل المقاومة الشعبية كبرنامج مشترك ما بين الحركتين. 

ومع ذلك فشلت جميع هذه المناورات، فمازالت أهم القوى الفلسطينية خارج أطر منظمة التحرير التي تركت مؤسساتها لهيمنة فتح، كما رفضت وانقلبت فتح على مسار الانتخابات الذي كان من المتوقع أن يفرز حكومة وحدة وطنية، واخيراً تراجعت فتح وافرغت التفاهمات حول تفعيل المقاومة الشعبية في الضفة الغربية.

أمام هذا الواقع والانسداد الذي تفرضه حركة فتح “الرسمية” على هذه المساحات يجعل من الضروري أمام الفصائل الفلسطينية الساعية إلى إحداث تغير حقيقي في النظام السياسي الفلسطيني التعامل مع الواقع الذي تفرضه حركة فتح.

 وفي ظل عجز المسارات السابقة ” جولات المصالحة، التفاهمات الثنائية” من الوصول إلى أي نتيجة يتضح أن قوى المقاومة مجبرة على الذهاب نحو خطوات جديدة، يمكن لها لتحقيق اختراق في هيمنة فتح على المساحات السابقة. 

في ضرورة تشكيل إطار وطني جامع.

منذ العام ٢٠١٤ وحالة من الاجماع العام بين مختلف الفصائل الفلسطينية على الخطوات اللازم اتخاذها لإصلاح النظام السياسي الفلسطيني، ودائماً ما شكل سلوك حركة فتح المعطل الأساسي لخطوات هذه الفصائل وكان أخر فصول هذا المشهد في قرار الغاء الانتخابات العامة في شهر نيسان الماضي.  تجاوز هذا الواقع يفرض اليوم وجود ارادة فصائلية حقيقية لتجاوز هيمنة فتح وعدم الاكتفاء بالمناورة حول الوقائع التي تفرضها فتح. 

وفي ظل الحساسية الداخلية لهذه الفصائل الناتج عن سرديات سياسية سابقة تركزت على مقولة ” طرفي الانقسام” وما اتصل بها، فمن الممكن تجاوز هذه الإشكاليات بداية عبر احداث مراجعة حولها في ادبيات الفصائل الفلسطينية كافة، ولحين ذلك من الممكن التركيز على الفعل السياسي المشترك الموجه نحو “ما يجب القيام به” بعيداً عن مركزية حركة فتح. على سبيل المثال يستلزم اصلاح منظمة التحرير الضغط على فتح لإصلاح المنظمة وضم الفصائل الفلسطينية كافة، وفي ظل حساسية “التمثيل” التي تفرضها بعض الفصائل فمن الممكن الذهاب نحو تطوير أنشطة مشتركة تحت اطر تنسيقية تمكنها من ملئ المساحات التي لا تقوم المنظمة حالياً بأدائها كتنسيق العمل الفلسطيني خارج فلسطين، فمن جانب تمكن هذه الفصائل من أداء الدور المطلوب منها في هذه المساحات وعدم رهنها بإرادة حركة فتح وتنمية الثقة المتبادلة ما بين كوادرها ومن جانب تضغط على فتح وتدفها للتفاوض بجدية مع هذه القوى. 

ختاماً العلاقة مع تنظيم واحد أم عدة جيوب؟ 

على الرغم من انقلاب الرئيس عباس عن مسار الانتخابات إلا انه اظهر أن هيمنته على حركة فتح ليس بالصورة المطلقة، فانشقاق عضوي اللجنة المركزية ناصر القدوة ومروان البرغوثي وخروجهم عن توجهات الرئيس عباس، بالإضافة إلى الحديث عن تباينات بين مراكز القوى في اللجنة المركزية لحركة فتح، فإن ذلك يفتح المجال أمام إمكانية التفاهم مع هذه المراكزوالحيلولة دون ان تكون فصائل المقاومة امام تكتل واحد من قادة حركة فتح.

 هذا الأمر يجعل من الأفضل لفصائل المقاومة تجنب المواجهة المفتوحة والشاملة مع حركة فتح بطريقة تمكن بعض المراكز وتحديداً المناوئة للمسارات المشتركة ما بين فتح والفصائل من اللعب على فزاعة “المهدد الخارجي” لتوحيد الحركة في مواجهة الفصائل الفلسطينية، ولفصائل المقاومة خبرة في هذا المجال كما جرى مع تفاهمات حركة حماس وعضو اللجنة المركزية المفصول محمد دحلان في قطاع غزة أو حتى تفاهمات حماس مع عضو اللجنة المركزية جبريل الرجوب سابقا.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق