تصفية الأونروا يهدد قضية اللاجئين
استنفذ الاحتلال الصهيوني كل الوسائل القمعية لتركيع الشعب الفلسطيني، ولم يفلح ذلك الغطاء العسكري الذي وفرته الإدارة الأمريكية وحلفاؤها في القضاء على المقاومة وحاضنتها الشعبية في قطاع غزة، فكانت الأداة الإنسانية الممثلة بوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” محاولة إضافية لمعاقبة الشعب الفلسطيني، وتشتيت صموده في مواجهة الإبادة الجماعية التي تُمارس بحقه منذ السابع من السابع من أكتوبر 2023.
رغم امتلاكها لكل الأدلة التي تُدين الاحتلال الصهيوني، إلا أن محكمة العدل الدولية وقفت عاجزة عن مطالبة الاحتلال الصهيوني بوقف العدوان على غزة، فمئات الأدلة لم تثبت تورط إسرائيل، بينما مجرد تحقيقات لم يثبت صحتها قدمتها دولة الاحتلال بشأن مشاركة بعض موظفي وكالة الغوث الأونروا في هجمات السابع من أكتوبر كانت كافية بالنسبة للإدارة الأمريكية وبعض حلفاؤها الذين اعتادوا على تبني الرواية الصهيونية، حتى لو كانت نسجاً من الخيال.
أزمة متجددة
واجهت “الأونروا” أزمات مادية هي الأصعب في تاريخها خلال مرحلة الرئيس الأمريكي الجمهوري ترامب، إذ سعت إدارته إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر طرح ما تُعرف بـ صفقة القرن، وقد كانت الأونروا هدفاَ للإدارة الأمريكية، ومن خلفها اليمين الديني الصهيوني، فقد جرى وقف تمويلها أمريكياً في العام 2018، غير أن فشل الصفقة، وبحث إدارة الديمقراطي بايدن عن الهدوء الذي يحقق للكيان الصهيوني قطع أشواط بعيدة في مشاريع التطبيع، دفعها لإعادة التمويل للأونروا، حيث وصل التمويل الأمريكي نحو 320 مليون دولار سنوياً، علماً بأن استمرار التمويل الأمريكي للأونروا لم يتحقق إلا بشروط ما عُرف باتفاق الاطار في العام 2021، حيث يشترط الجانب الأمريكي استمرار التمويل بعدم انتماء أي من موظفي الأونروا للمؤسسات الوطنية الفلسطينية، ولاسيما منظمة التحرير الفلسطينية، أو مؤسسات فلسطينية تصنفها الإدارة الأمريكية كمنظمات إرهابية، وهو ما سعت حكومة نتنياهو لتوظيفه خلال عدوانها على قطاع غزة.
الهجوم على الاونروا مُخطط
استعرضت وسائل الاعلام العبرية في الأول من شهر ديسمبر 2023 خطة مكونة من ثلاث مراحل أعدتها وزارة الخارجية في حكومة نتنياهو، تحت عنوان لا “أونروا” بعد حرب غزة، تبدأ بتقديم مزاعم حول علاقة حركة حماس بوكالة الغوث، باعتبار هذه الأخيرة تمثل الدعم المدني للمقاومة الفلسطينية التي تهدد كيان الاحتلال، وهو ما تبنته الإدارة الأمريكية والعديد من الأطراف الغربية، تمهيداً للانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة الصهيونية، والتي تتركز على تصفية ما تقدمة “الأونروا” من خدمات صحية وتعليمية، وإنسانية للشعب الفلسطيني، ونقل تلك الخدمات لصالح منظمات دولية أخرى لفترة مؤقته تنتهي بانتهاء الفترة الانتقالية لمرحلة ما بعد الحرب.
وتأتي المرحلة الثالثة والأخيرة بتسليم كل تلك الخدمات التي اعتادت “الأونروا” على تقديمها لتلك الإدارة المدنية التي تتحدث عنها حكومة نتنياهو لمرحلة ما بعد حكم حماس في غزة.
إنهاء اللجوء الفلسطيني
يشكل اللجوء الفلسطيني أحد أهم ملفات القضية الفلسطينية، إن لم يكن عصبها الحقيقي، فهو يُبقي على حيويتها، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته مهما حاول الاحتلال تصفية القضية، ولأن “الأونروا” تمثل عنواناً حياً لأكثر من 8 مليون لاجئ ونازح فلسطيني، لا يتوقف الاحتلال عن استهدافها محاولاً استغلال المرحلة الحرجة التي تعيشها القضية الفلسطينية، ولا شك في أن محاولات الاحتلال تلك تنسجم مع مخططات تهجير سكان قطاع غزة التي تتبناها حكومة نتنياهو، وتظهر بشكل لا يقبل الشك في سلوك جيش الاحتلال في قطاع غزة، فبقاء “الأونروا” من شأنه أن يُبقي على مفهوم اللاجئ، وبقاء قضيته كجزء مهم يُبقي على استمرار الصراع مع الاحتلال.
إن إنهاء اللجوء لا يتوقف عند تلك المحاولات فحسب، بل يشمل محاولات تهجير سكان قطاع غزة، وإقناع العديد من الأطراف الدولية لاستقبال مئات الالاف من الشعب الفلسطيني ومنحهم جنسياتها، وقد وصل الأمر بحكومة نتنياهو إلى محاولة إقناع الأطراف الغربية بإنشاء جزيرة صناعية لسكان قطاع غزة في البحر المتوسط.
لهذا فإن الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية يعملون على قدم وساق على تصفية القضية الفلسطينية، عبر محاولة توطين اللاجئين في الشتات بما يجعلهم فاقدي لصفة اللاجئ، خاصةً وأن عدم الاعتراف الأمريكي بالحق الفلسطيني على الأرض يدلل على أن ثمة محاولات لا تتوقف لجعل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مجرد نزاع سكاني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وليست قضية شعب بدأت بإعلان الكيان الصهيوني في العام 1948، حيث يظهر ذلك جلياً في الطرح الأمريكي بشأن حل الدولتين الذي عبرت عنه إدارة بايدن مراراً للاستهلاك الإعلامي، ولضمان الحصول على الدعم الإقليمي للحيلولة دون توسع الحرب، وحصرها في قطاع غزة.
رد الفعل الفلسطيني
أدانت كافة الفصائل الفلسطينية تلك الحملة التحريضية التي أطلقتها حكومة نتنياهو ضد الأونروا، حيث اعتبرت حركة حماس أن تلك الحملة تساهم في تعزيز عمليات الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة، لأن الأونروا أحد المؤسسات التي تسهم في إغاثة الشعب الفلسطيني، وهو موقف مشابه لموقف حركة فتح التي اعتبرت وقف التمويل عن الاونروا يحمل مخاطر إنسانية، وأخرى سياسية.
من جانبها أدانت الفصائل الفلسطينية الأخرى الإدارة الأمريكية وكافة الأطراف الدولية التي المتجاوبة مع الادعاءات الصهيونية الساعية لتصفية القضية الفلسطينية، خاصةً وأن قيام بعض الدول بوقف تمويلها للأونروا من شأنه أن يعطل قرار محكمة العدل الدولية الصادر في 26 يناير 2023، والقاضي بتسريع إدخال المساعدات الى قطاع غزة.
ختاماً، يسعى الاحتلال الصهيوني إلى استغلال ذلك الدعم الأمريكي غير المسبوق، وكذلك الصمت الإقليمي الذي شكل دافعاً مهماً لاستمرار العدوان على غزة، وارتكاب المزيد من المجازر بحق الشعب الفلسطيني دون أي اعتبار للمواقف الدولي والإقليمي، وبالرغم من مستوى الكارثة الإنسانية التي حلت بقطاع غزة والقضية الفلسطينية عموماً، إلا أن الفرصة ما تزال ماثلة أمام الأطراف الإقليمية، فيمكنها التحرك فوراً لعقد جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار قرار داعم للأونروا، خاصةً وأن الكيان الصهيوني لم يحقق شروط عضويته في الأمم المتحدة، لأنه لم يطبق نصوص قرار التقسيم 181، والذي يفرض على الاحتلال عودة المهاجرين الفلسطينيين الى ديارهم.