سباق بين محاولات فصائل المقاومة وجهود حركة فتح لتريب مرحلة ما بعد عباس.
اجتمعت الفصائل الفلسطينية في بيروت سعياً منها لتنظيم الصفوف وتوحيد الموقف السياسي الذي يُعبر عن الحالة الفلسطينية، وهو ما قابله التيار العام لحركة فتح بقيادة محمود عباس بالمزيدً من الاستفراد بمنظمة التحرير مستغلاً تبدل الموقف الإقليمي والدولي الذي ساعده على قطف ثمار معركة سيف القدس وما تبعها من حالة نضالية لا تزال أثارها واضحة في مدن الضفة الغربية.
ميدانياً:
تستمر اقتحامات المستوطنين للمعالم والمقدسات الدينية في الضفة الغربية؛ حيث شهد مقام قبر النبي يوسف اقتحامات لمئات المستوطنين أعقبها محاولات فلسطينية للتصدي، ما أدى إلى اندلاع مواجهات مسلحة مع قوات الاحتلال نتج عنها إصابة 22 فلسطينياً، فيما أصيب قائد لواء السامرة العقيد روعي تسفايغ وثلاثة مستوطنين.
من جانب أخر، تستمر وتيرة البناء الاستيطاني في الارتفاع بشكلٍ ملحوظ، حيث أشارت تقارير دراسة الحالة الاستيطانية في الضفة الغربية إلى زيادة عملية البناء خلال فترة حكومة الائتلاف بنسبة 62% بُني خلالها 6 بؤر استيطانية، فيما ارتفعت عمليات هدم المنازل بمقدار 35%، وهو ما لقي انتقادات أطراف دولية عديدة، وعلى رأسها الإدارة الأمريكية، خاصةً في ظل توالي تقارير تفيد بتحول الحركات والمنظمات الاستيطانية في الضفة من الحالة الفردية إلى الجماعية الواسعة من خلال توسيع أنشطتها في تكامل واضح مع جيش الاحتلال.
يُلقي استمرار الاحتلال في سياسة تضيق الخناق على قرى فلسطينية عديدة في الضفة الغربية بظلاله على المشهد الفلسطيني في الآونة الأخيرة؛ فهناك ما يقارب 190 منطقة فلسطينية فيما تعرف بقرى التماس تعاني من العزل التام عن محيطها، واستكمالاً لهذا السياق شرعت إدارة مستوطنة بيت ايل بعمليات حفر شارع استيطاني يربطها بالشارع 60 الممتد بين الخليل وجنين؛ مما يضر بحرية حركة المواطنين من جهة، وتمزيق أراضي واسعة وعزل قرى عين يبرود وبيتين من جهة أخرى.
يشرع الاحتلال بعمليات بناء جدار خراساني بطول 45 كيلو متر وارتفاع 9 أمتار حول منطقة سالم بالقرب من جنين شمال الضفة الغربية[i]، مع تزويده بمعدات تكنولوجية حديثة؛ في محاولةٍ لبناء عائقٍ أمنيٍ جديد يمنع تسلل الفلسطينيين؛ وتأتي هذه الخطوة في إطار الأنشطة العملياتية[ii] لتعزيز المنظومة الأمنية على خط التماس، التي كانت قوات الاحتلال قد ابتدأتها على خلفية العمليات الفردية التي وقعت في الداخل المحتل منذ نيسان الماضي.
يجري الاحتلال تدريبات ومناورات عسكرية في مسافر يطا[iii] في الخليل منذ 21 يونيو صُنفت على أنها الأولى من نوعها منذ عشرين عاماً وستستمر لمدة شهرٍ كامل، وتأتي في إطار استكمال المناورات والتدريبات العسكرية الشاملة التي تجريها قوات الاحتلال منذ نحو شهرين لتعزيز الجاهزية العسكرية لسيناريو الحرب الشاملة على أكثر من جبهة. وفي المقابل اختتمت سرايا القدس مناوراتها العسكرية “عزم الصادقين” في قطاع غزة في 20 يونيو في إطار تعزيز قدراتها العملياتية تحسباً لأي مواجهة قادمة مع العدو.
ومن جانبٍ أخر، تعود حفريات محيط المسجد الأقصى إلى الواجهة من جديد، حيث رُصدت أعمال حفر لجمعيات استيطانية تتم بشكلٍ خفي من الجهة الجنوبية والغربية للمسجد المحاذية لحائط البراق والقصور الأموية؛ في محاولةٍ لتغيير المعالم التاريخية والأثرية الإسلامية ضمن مسارٍ استيطاني ممنهج، الأمر الذي لم يُقابل بأي رد فعلٍ إقليمي أو دولي.
سياسياً:
واصلت حركة فتح سياستها في الاستفراد بادارة النظام السياسي بعيداً عن الكل الوطني ؛ ففي الوقت الذي تجتمع فيه العديد من الفصائل الفلسطينية في بيروت، وتجدد محاولاتها لتشكيل جبهة وطنية، تُعيد حركة فتح عبر سيطرتها على مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية توزيع العديد من المناصب القيادية، وذلك بعد انعقاد اجتماع اللجنة التنفيذية في 23 يونيو الماضي.
أعقب اجتماع اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية اجتماع لجنة فتح المركزية في 24 يونيو، والذي ناقش طبيعة زيارات عباس الخارجية، والعلاقة مع الاحتلال، غير أن الأهم في هذه اللقاء محاولات ترتيب قيادة منظمة التحرير وحركة فتح، خاصةً وأن الأخيرة ماضية في تجاهل قواعدها المختلفة عبر تأجيل المؤتمر الثامن لأجل غير مُسمى.
في المقابل ثمة العديد من اللقاءات الفصائلية والإقليمية تشهدها الساحة اللبنانية، حيث استقبل حسن نصر الله في 23 يونيو الماضي رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وقد فُسر ذلك اللقاء في إطار رد محور المقاومة على موجة التطبيع الجارية، ومحاولات حركة حماس استعادة علاقاتها مع النظام في سوريا.
في سياق مختلف شهدت الأراضي اللبنانية لقاءات فصائلية عدة؛ أبرزها لقاء الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية في 27 يونيو، والذي ناقش سبل مواجهة الاحتلال في القدس، والدعم الأمريكي المتواصل لإسرائيل ومشاريع التطبيع، فضلاً عن بحث فرص تشكيل جبهة وطنية.
وفي إطار محاولات توظيفها للمرحلة السياسية الحرجة التي تمر بها دولة الاحتلال داخلياً بعد الاتفاق على حل حكومة بنيت والذهاب نحو الانتخابات المبكرة، عرضت كتائب القسام فيديو مصور لأحد جنود الاحتلال الأسرى لديها “هشام السيد” وهو في حالة صحية متدهورة، لكن رد الاحتلال الرسمي كان متوقعاً، كون حكومة بنيت تسعى إلى تخفيف الضغط الداخلي عليها عبر التقليل من أهمية الحدث واتهام كتائب القسام بتعطيل ملف صفقة تبادل الأسرى.
يُذكر أن الكنيست الصهيوني صوت في 30 يونيو على حل نفسه، على أن يتسلم يائير لبيد مهام الحكومة الصهيونية بشكل مؤقت لحين انعقاد الانتخابات العامة في الأول من نوفمبر المُقبل، لكن تبقى مسألة تغيير الوضع السياسي المعقد بعيدة المنال، لأن أحدث استطلاع رأي أجرته القناة العبرية 11 أعطى معسكر اليمين الذي يقوده نتنياهو 60 مقعداً مقابل 54 مقعداً للائتلاف الحكومي الحالي.
لم تشهد الخريطة الحزبية في إسرائيل أي تغيرات حقيقية خلال المرحلة الجارية، لأن معسكر اليمين المعارض الذي يقودة نتنياهو لم يتمكن خلال المرحلة الماضية من انجاز أي تحالفات جديدة، حيث أكد ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا في 26 يونيو الماضي على أنه لن يشارك نتنياهو في أي حكومة قادمة، ومن جهته اعتبر الأخير أن منصور عباس معادياً لليهود رافضاً مشاركته في أي حكومة قادمة، متجاهلاً دور عباس في حكومة بنيت السابقة.
هذا علاوة على أن الصراع بين قطبي اليمين في الكيان لم يقتصر على التحالفات وتوظيف الظرف السياسي فحسب، بل وصل الأمر إلى حد إعلان وزير القضاء الصهيوني جدعون ساعر في 22 يونيو عن تجديد مقترح تحديد ولاية رئيس الوزراء ليكون 8 سنوات فقط أملاً في إبعاد نتنياهو عن المشهد السياسي في إسرائيل.
إقليمياً، تبقى مساعي التطبيع وخلق إطار شرق أوسطي تقوده إسرائيل قائماً، لأن إدارة الديمقراطي بايدن تعمل على إعداد خارطة طريق عبر دفع التطبيع الصهيوني مع المملكة العربية السعودية، كما ويأتي إعلان ملك الأردن عبد الله الثاني عن تشكيل ناتو شرق أوسطي في هذا السياق، خاصةً وأن العاصمة البحرينية كانت قد شهدت اجتماعاً للجنة التوجيهية لقمة النقب في 27 يونيو، جمع ممثلين عن الاحتلال وأمريكا والبحرين والامارات ومصر والمغرب، سعياً لإنشاء هيئة دائمة، وهو ما يوافق طرح ملك الأردن بشأن الناتو العربي، وكذلك اللقاء الأمني الذي جمع شخصيات أمنية صهيونية وعربية بهدف التنسيق الأمني وتبادل المعلومات الأمنية والإنذار المبكر.
اقتصادياً
وقعت السلطة الفلسطينية اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبي، بموجبه ستفرج دول الاتحاد عن دعمها المالي للسلطة للعامين 2021 و2022 بقيمة 225 مليون يورو لكل عام، فيما سيخصص الجزء الأكبر منها لدعم فاتورة الرواتب والأجور لموظفي السلطة الفلسطينية الذين يعانون من اقتطاع 25% من رواتبهم منذ نوفمبر 2021.
في ضوء ذلك سجلت ودائع القطاع العام في البنوك ارتفاعا بقيمة 180 مليون دولار لشهر يونيو، ليصل إلى 606 مليون دولار، مقارنة 426 مليون دولار لبيانات شهر مايو الماضي، في حين بلغ عبء الدين العام وهي الفوائد التي تدفعها السلطة للقروض خلال النصف الأول من هذا العام إلى 160 مليون شيكل (50 مليون دولار).
وتشهد الأسواق الفلسطينية موجة حادة الركود التضخمي، جراء موجة ارتفاع الأسعار في السلع الأساسية بما فيها الوقود والمواد الغذائية، واستمرار الخصومات في رواتب الموظفين. وقد رفعت السلطة الفلسطينية أسعار الوقود للشهر السادس على التوالي ليصل فيمة الارتفاع إلى 23% منذ مطلع العام مقارنة بنفس الفترة للعام 2021.
أعلن منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية غسان عليان عن تعديلات في نظام العمل للعمال الفلسطينيين، تسمح للشباب غير المتزوجين من سن 18-27 عاما بالحصول على تصريح عمل، كما تقرر زيادة تصاريح للعمال من الضفة الغربية بنحو 20 ألف، و3 آلاف لعمال قطاع غزة.
بموازاة ذلك تتواصل المشاريع المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة، بعد توقفها لعدة أيام، إلا أن سير العمل في هذه المشاريع يسير ببطء شديد، بعد خفض إدخال مواد الإعمار من مصر لغزة بنحو 70% منذ شهر فبراير الماضي.
فيما أعلنت دائرة العمل الحكومي في غزة عن موافقة مصر على بدء العمل بنظام جديد لسفر المواطنين عبر معبر رفح، وإلغاء جزء من تعقيدات السفر السابقة، كجزء من تفاهمات جرت بين مسؤول لجنة العمل الحكومي في غزة عصام الدعاليس ومسؤولي جهاز المخابرات العامة في مصر في مايو الماضي.
تحليل المؤشر:
لم تكن حركة فتح غائبة عن الحراك الفصائلي الفلسطيني في لبنان، فقد شهدت العاصمة بيروت في 28 يونيو لقاء ثنائي جمع كل من عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وطلال ناجي أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة، ويبدو أن حركة فتح لا تكتفي بمراقبة الحراك الفصائلي، بل تسعى احباط مساعي الفصائل الفلسطينية عبر حشد حلفاءها في الساحة الفلسطينية ودول الاقليم واجراء الاتصالات مع فصائل المعارضة في منظمة التحرير لثني مواقفها عن اتخاذ سياسات من شأنها المساهمة في خلق جبهة وطنية عريضة بالتعاون مع حركة حماس عبر تقديم وعود لها علاقة بضمان مكتسبات هذه الفصائل داخل أطر ومؤسسات منظمة التحرير، وربما أتى الاجتماع بالجبهة الشعبية – القيادة العامة التي كانت حاضرة في اجتماع الأمناء العامون في هذا السياق، ويُذكر أن فصائل اليسار قد حصلت على 6 مقاعد من أصل 15 مقعداً من مجموع مقاعد اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
على الجانب الأخر، يبدو أن اجتماع الفصائل الأربع ” حماس – الجهاد الإسلامي – الجبهتين الشعبية والقيادة العامة” أخفقت في انجاز جبهة وطنية كما كان مقرراً سابقاً في البيان الثلاثي الصادر عن حركتي حماس والجهاد والجبهة الشعبية.
عجز الفصائل الأربع من الوصول إلى صيغة مشتركة تُعبر عن الحالة جبهوية تعكس النتائج التي أفرزتها معركة سيف القدس، منح الرئيس الفلسطيني محمود عباس الفرصة للمضي قدماً في سياسة الاستفراد بمنظمة التحرير دون عقبات حقيقية .
وبدا أن بعض الأطراف الإقليمية والدولية، اعادت حساباتها اتجاه الموقف من رئيس السلطة محمود عباس. وهذا ما يُفسر سعيها لتقوية السلطة الفلسطينية بما يضمن بقاءها كممثل للشعب الفلسطيني، وفي هذا السياق أعاد الاتحاد الأوروبي أموال المساعدات لخزينة السلطة الفلسطينية.
رغم التفاعل الإعلامي الصهيوني الكبير مع عرض فيديو للجندي المحتجز لدى المقاومة في غزة “هشام السيد، إلا أن التوقيت لا يبدو مناسباً من حيث فرص الضغط السياسي على حكومة الاحتلال ومحاولة دفعها نحو إبرام صفقة تبادل مع المقاومة، لأن الكيان يمر بمرحلة انتقالية، ولا يوجد حكومة قادرة على اتخاذ قرار بهذا المستوى، لكن تجربة المقاومة الفلسطينية تقول إن المسألة تراكمية، وأن تحقيق أي صفقة تبادل أسرى مشرفه بحاجة إلى عمل تراكمي يفرض ملف الأسرى بشكل دائم على أجندة أي حكومة إسرائيلية.
وحول فرص تشكيل ناتو شرق أوسطي، يُعتقد أن الإدارة الأمريكية التي ساعدت على عقد اتفاق أبراهام 1 باتت تسير في طريقها نحو عقد أبراهام 2، لكن وصول العلاقات العربية الإسرائيلية إلى مرحلة التحالف الاستراتيجي ليس بهذه السهولة، لأسباب تتعلق بالعقيدة الأمنية الإسرائيلية، وصعوبة تقبل الرأي العام العربي والإسلامي هكذا تحالف. لهذا يمكن أن يقتصر التحالف على المسائل الأمنية وتبادل المعلومات الاستخبارية وغيرها.
أخيراً، لم يطرأ على الحالة الفلسطينية أي تقدم ملموس في مؤشرات التنمية الاقتصادية، رغم عودة الدعم الأوروبي للسلطة الفلسطينية بعد توقفه في العامين الأخيريين، كما أن الحالة الاقتصادية في غزة لا تزال على حالها، في استمرار موجة ارتفاع أسعار السلع، التي تفاقمت بسبب القيود التي فرضتها مصر على إدخال السلع من بوابة صلاح الدين في معبر رفح البري.
** ساهم في قراءة المؤشر كل من د. عمر جعارة الخبير في الشأن الفلسطيني وأ. خالد صادق الكاتب والمحلل السياسي
[i] عبد الرؤوف أرناؤوط، إسرائيل تبدأ ببناء جدار أسمنتي بطول 45 كيلو مترا شمالي الضفة الغربية، 22 يونيو 2022، https://2u.pw/nIY8u
[ii] تستمر الإجراءات العملياتية لقوات الاحتلال منذ قرابة شهرين ونصف لتعزيز المنظومة الأمنية على خط التماس من الجهة الغربية لجنين، ومن أهمها؛ سد الثغرات المنتشرة بمحاذاة الجدار وتشكيل وحدة عسكرية خاصة لمراقبة الجدار لمنع عمليات التسلل، وقد تستمر هذه الإجراءات حتى الانتهاء من عملية تشييد الجدار الخراساني على امتداد المنطقة الشاملية المحاذية لخط التماس. ينظر:
[iii] يشار إلى أن سكان مسافر يطا في الخليل قدموا التماساً لإستصدار أمر احترازي يمنع مثل هذه التدريبات نظراً لأنها تشكل خطراً عليهم، وتحاول سلطات الاحتلال منذ فترة طويلة تهجير سكان هذه المنطقة تحت ذريعة أنها مناطق اطلاق نار، وقد أصدرت المحكمة العليا للاحتلال قراراً بهدم قرى عدة تمهيداً لتهجيرٍ قسري جديد. ينظر: منطقة “مسافر يطا”.. قرى فلسطينية يهددها كابوس التهجير القسري منذ عقود، الجزيرة، 28 يونيو 2022، https://2u.pw/hWx2u