قضايا خاصة

بين القدرات الفردية، ومراكمة المؤسسة

تمر الحالة الفلسطينية بظروف شديدة الحساسية، في ظل حالة من الانكشاف الإقليمي والدولي، وضعف داخلي تمثل في حالة الانقسام الفلسطيني، وضعف الثقة بين المكونات الفلسطينية، والأهم من ذلك، الضعف في بناء مؤسسات فلسطينية رسمية، يكون لديها القدرة على انتاج خبرة سياسية وتنظيمية بمرور الوقت.

ودائمًا ما كانت المراوحة بين اشكالية الفوارق بين القدرات الفردية-سواء بالقوة أو الضعف-وبين قدرة المؤسسة سببًا في كثير من الأسئلة أحيانًا، والاشكاليات العميقة أحيانًا أخرى، ذلك أنه في بعض الأحيان، يتمكن شخصية سياسية أو عسكرية أو مهنية، سواء بفضل قدرات عالية أو العكس من هز الحيز الذي يعمل به-سواء كان تنظيمًا أو مؤسسة أو حتى شركة-، وتزداد هذه القضية وضوحًا في قضايا الوطن العربي، والذي يغلب على فعله السياسي في كثير من الأحيان “البعد الشخصي” بشكل كبير.

المؤسسة ومراكمة المعرفة والخبرة.

مع الوقت، تشكل المؤسسات الثابتة خبرة تراكمية، وذلك بفضل ثلاثة عوامل مهمة، الأول هو الاحتكاك والاشتباك المباشر مع القضايا والأحداث، والثاني حالات التغذية الراجعة والتقييم المستمر سواء للأحداث أو الأشخاص أو التقديرات، والثالث حالة الثبات شبه المستمر الذي تتسم به، وهو العنصر الأساس في كل ما سبق، لكن في كثير من الأحيان، تتعرض المؤسسات وخصوصًا التنظيمية-والتي تتصف بالتغير المستمر بداخلها بسبب اعتمادها على الحضور الشخصي- لإشكاليتين واضحتين، الأولى عدم ثبات المؤسسات والتغير المستمر في أفرادها، والثاني على العكس، حالة الثبات الراكد، والذي يبقي المؤسسة بدون تقييم ويبعدها عن حيز الاشتباك والاحتكاك، وبالتالي تتسم بالكسل والخمول مع الوقت.

القدرات الفردية، السلب والإيجاب.

في بعض الأحيان، قد تجيء شخصية قيادية ببعض السمات الخاصة، وتعمل على زيادة حضور المؤسسة بشكل فاعل، ونقلها من حالة الخمول والضعف العام، لحالة أفضل بشكل واضح، وذلك اعتمادًا واستثمارًا للقدرات الكامنة في المؤسسة نفسها، لكن في أحيان كثيرة، يحصل العكس، أي مجيء شخصية بقدرات متوسطة أو ضعيفة، تعمل على كبح مسار المؤسسة أو زيادة ضعفها القائم.

لكن بالمجمل العام، وكقاعدة عامة، فإن الفعل الجماعي، الذي يولد مراكمة وخبرة في ذات الوقت، على ضعفه أحيانًا، وقصوره أحيانًا أخرى، هو بالمحصلة أفضل بكثير من قدرات أي شخص، ربما قد يتفوق رؤية شخص ما على مؤسسته في جانب معين، أو زاوية معينة، لكن بالصورة الكلية العامة، تبقى المؤسسة أقدر على الاحاطة، وتطوير الآراء وحوصلتها في رؤية عامة أو تفصيلية.

العمل المؤسسي ضمانة النجاح والمراكمة.

من خلال الواقع الفلسطيني تحديدًا، يمكن الوصول لنتيجة أساسية، وذلك اعتمادًا على الكثير من التجارب والقضايا، وهي أن العمل المؤسسي هو الضمانة الحقيقية للنجاح أولًا، ولتقليص مضار أي آراء خاطئة أو استبداد أو تغول مرحلي من قبل شخصية ما، وذلك على الرغم من مجيء ووجود شخصيات ذات قدرات خاصة في بعض المراحل التاريخية التي مر بها الشعب الفلسطيني، ذلك أن عدم الانشغال بتعزيز وتطوير العمل المؤسسي، والعمل على مراكمة الخبرة والمعبرة في خزانات ومؤسسات مهنية وتنظيمية سيضعف من قدرات أي مسار فلسطيني بشكل كبير، فالواقع الفلسطيني باشتباكه المستمر مع الاحتلال من جهة، ووجود تآمر إقليمي ودولي عليه من جهة أخرى، كل ذلك يعزز على مأسسة العمل السياسي والعسكري والأمني الفلسطيني، والاستثمار في ذلك، فمواجهة ما سبق يعتمد بالشكل الأساس على العقل الجماعي من جانب، واستثمار ما تمت مراكمته من جانب آخر.

أخيرًا.

من المهم للقوى الفلسطينية بمختلف توجهاتها أن تعمل على مأسسة مكوناتها بشكل حقيقي، ذلك أن مكونات أي قوة فلسطينية كلما أوجدت لنفسها قواعد وتقاليد مؤسسية راسخة وقوية، كلما زادت فرص تطورها أولًا، واستمراريتها ثانيًا، إذ أن نفوذ هذه المؤسسات-التي تزداد احترافًا وخبرة مع الوقت-سيكون لها دور كبير في تحسين الاداء، وتطوير القدرات، وانقاذ القوة السياسية من الاشكاليات والمخاطر، كما أن تعميم هذا النمط من التفكير والبناء، سيقود بشكل مؤكد لتقارب القوى الفلسطينية نحو خيارات أكثر وطنية، وأكثر وحدوية، وأكثر قدرة على مواجهة الواقع والاحتلال، فكلما زادت استقلالية المؤسسة، كلما زادت قدرتها على تحديد المصالح الحقيقية سواء للقوة السياسية أو للكل الفلسطيني.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق