قراءة في مسار الانتخابات الجديد، الفواعل والتحديات
يمكن قراءة المادة وتحميلها “هنا“
منذ الانتهاء من حوارات اسطنبول، والتي توجت بالتوافق الكبير بين حركتي حماس وفتح على مجموعة من القضايا العالقة منذ سنوات طويلة، والاتفاق على اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني خلال فترات زمنية متتالية، تبدأ في ٢٢ مايو، وتنتهي في ٣١ أغسطس، ليجيء بعد ذلك إعلان حركة حماس مشاركتها في الانتخابات القادمة، وهو الإعلان الذي كشف حجم تحديات هذه المشاركة محليًا وإقليميًا، وهي التحديات التي تؤثر في طبيعة مشاركة حركة حماس وكذلك منافسيها في هذا المسار، وبناءً عليه، كان لابد من الوقوف عند مجموعة من القضايا الأساسية لفهم مسار الانتخابات ببعده الفصائلي تحديدًا، وذلك اعتمادًا على تتبع الواقع الحالي، وتجربة حماس والفصائل السابقة، على النحو التالي.
أولا: حماس.
منذ فوز الحركة بانتخابات ٢٠٠٦، ومن ثم حالة الحصار السياسي والاقتصادي الذي تعرضت له، والذي تخلله سيطرة الحركة على قطاع غزة في صيف عام ٢٠٠٧، وتوليها ادارة القطاع بشكل كامل تقريبًا، واجهت الحركة جملة من التحديات الكبيرة، تمثلت في خوضها ٣ حروب كبيرة وحالة من الحصار الشديد، أدت لتآكل قدرة الصمود لدى مجتمع القطاع، فضلًا عن القضاء الكامل على بنيتها الاجتماعية والعسكرية والأمنية في الضفة الغربية، الأمر الذي جعلها أمام واقعين صعبين، الأول الكلفة الكبيرة لإدارة قطاع غزة بدون أي مقومات ذاتية للصمود باستثناء القوة العسكرية الفعالة والنوعية التي بنتها منذ الانتفاضة الثانية، والثاني تشكل الواقع السياسي الجديد للضفة الغربية دون قوة حقيقية لحماس فيها، وعليه يمكن فهم توجه حماس لهذا المسار وفق المحددات التالية.
- أهداف المشاركة الانتخابية.
- اعادة تشكيل العلاقات الفلسطينية البينية، من حالة صراعية إلى حالة تنافسية، تؤدي مع الوقت إلى امكانية ايجاد لغة فلسطينية جامعة ومشتركة.
- تخفيف الضغط على الحركة في الضفة الغربية، وايجاد مساحات عمل لا بأس بها هنا، وايجاد مخرج للأزمة الإنسانية في قطاع غزة.
- الحفاظ على الشرعية السياسية التي اكتسبتها في انتخابات 2006، وهي الشرعية التي أهلتها لنسج شبكة علاقات اقليمية لا بأس بها، مع تعظيم هذا المكتسب قدر الإمكان.
- تجاوز “استحقاق” مؤجل، تقدر حركة حماس بأنه سيمر بها أو بدونها، وبالتالي ضمان وجود لها في أي بنية فلسطينية جديدة.
٢. تحديات أمام مشاركة حماس
- التحديات القانونية بسبب بعض القوانين التي يمكن استغلالها من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس بهدف الالتفاف على نتائج الانتخابات، وذلك حالة شعوره بأن الأمور لا تسير لصالحه، إذ أن السلطة الفلسطينية صممت واقعًا قانونيًا وأمنيًا يلبي مصالحها بشكل كامل، إن في بنية النظام السياسي الفلسطيني المعترف به دوليًا، أو في بنية السلطوية في الضفة الغربية.
- أن تكون نتائج الانتخابات قاسية وغير مقبولة لحركة حماس، وذلك في حالة عدم قدرتها على تجاوز عقبات الاحتلال في الضفة الغربية، واتجاه مجتمع القطاع نحو تصويت احتجاجي ضدها، مما يسهل على عباس فرض شروطه السياسية في المرحلة القادمة.
- عدم القدرة -المحتملة- لحماس في الضفة على المشاركة الفعالة وابراز قيادات وازنة، وذلك خشية تكرر سيناريو الاعتقالات لأعضاء التشريعي كما حصل في عام ٢٠٠٦، وذلك على الرغم من وجود مخرج قانوني عبر ايجاد صيغة قانونية تشبه القانون ” النرويجي ” عبر الاتفاق على اصدار قانون يسمح بإحلال عضو تشريعي مكان العضو الذي يمكن أن يُغيب لأي ظرف.
- انشغال الحركة في انتخاباتها الداخلية، والتي ستبدأ في فبراير ٢٠٢١، مما سيؤدي إلى انشغال عناصر الحركة في القضايا الداخلية أكثر من أي شأن خارجي، وإمكانية شلل التنظيم خلال هذه الفترة.
- حالة المظلومية لدى قطاعات واسعة من مؤيدي الحركة الذين صوتوا للحركة سابقًا، مما قد ينتج عنه حالة تصويت احتجاجي لصالح كتل اخرى، وذلك على الرغم من قدرة تنظيم مثل حماس على حشد القوة الأكبر من كتلته التنظيمية، إلا أن هناك تخوفات لدى الحركة من عدم قدرة هذه الكتلة على الترويج للحركة داخل الجمهور الفلسطيني.
٣) خيارات المشاركة الانتخابية.
- عدم تشكيل قائمة حزبية رسمية، والدفع بإجراء انتخابات تمهيدية تعبر عن القاعدة الشعبية للحركة بالمشاركة مع شخصيات مقربة منها ولديها كفاءة وتقدير في الشارع.
- تشكيل كتلة تضم كوادرها التنظيمية، وتلقى دعمًا حركيًا واضحًا، وذلك لتجنب تشتت أصوات كتلتها التنظيمية.
- الدعم باتجاه وجود كتلة وطنية مستقلة قد تكون ملاذًا لأنصار حماس الذين يرغبون بالترشح لكنهم يخشون الظهور في قوائم حمساوية صرفة.
- دعم كتلة حمساوية ضمن قائمة مستقلين، وذلك تحت جبهة عريضة مفتوحة لتخفيف الصورة التنظيمية والحزبية، التي تشوهت خلال الفترة الماضية.
- خيار القائمة المشتركة مع المكونات السياسية الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح، وهو ما سيضمن وجود حماس في المجلس التشريعي بالنسبة المتفق عليها بحصانة سياسية، من دون وجود مخاوف من العملية الانتخابية، مما يساهم في تفكيك أزمة الانقسام، لكن هذا الخيار قد يُنظر له على أنه تناقض مع خطاب المقاومة، مما قد يشكك البعض من جدية التزام حماس بخط المقاومة بشكل جذري.
ثانيا: حركة فتح.
واجهت حركة فتح منذ اندلاع الانتفاضة الثانية مجموعة من المآزق التاريخية، تمثلت أولًا بحياة التشرذم والصراع بين تياراتها الداخلية، مرورًا بخسارتها الكبيرة في انتخابات ٢٠٠٦، وانهاء نفوذها الأمني والعسكري في قطاع غزة، وليس انتهاءً بفصل القيادي الكبير محمد دحلان وحملة مواجهة “التجنح” ضد المحسوبين عليه في التنظيم، مما أدخل التنظيم بمجموعة من التجاذبات الداخلية، وهو ما اعتبره بعض قادة الحركة ترسيخًا لحكم الرئيس محمود عباس، وجعلت في يديه صلاحيات استثنائية وكبيرة، وعلى الرغم من نجاح الحركة في عقد مؤتمرها السابع في ٢٠١٦، والوصول لتفاهمات داخلية بين مكونات الحركة على إثر المؤتمر، إلا أنه بدا واضحًا وجود جملة من القضايا التي تهم الحركة، مما جعلها تتجه نحو الانتخابات، وتعلن موافقتها عليها، يمكن اجمالًا بالتالي.
١) أهداف الحركة.
- التحولات البنيوية الكبيرة في حركة فتح، والتي حولته من تنظيم كفاحي إلى حزب سلطوي، مما يجعله يقدر تحركاته السياسية وعينه على كيفية تعزيز سلطته، ولذلك فإن حركة فتح لم تذهب إلى الانتخابات إلا بعد ادراكها بأن التوقيت مناسب لها بشكل كبير.
- قدوم إدارة بايدن الديمقراطية، والتي تتبنى حل الدولتين كإطار مرجعي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مما يستلزم تجديد الشرعية السياسية لمحمود عباس والذي لم يجري أي انتخابات منذ ١٦ عامًا.
- قطف ثمار حصار وانهاك قطاع غزة، وتقدير السلطة بأن مجتمع القطاع قد ضج بحكم حركة حماس، وأنه قد يتجه نحو معاقبتها في أي انتخابات قادمة.
- ادراك محمود عباس للحالة الصراعية بين مكونات حركة فتح تحديدًا على خلافته، ولذلك فهو يسعى إلى اعادة ترتيب الورثة من بعده بشكل غير مباشر.
- استمرار تدفق المساعدات الاقتصادية، وذلك في ظل الضغط الأوربي بالتهديد بوقف الدعم بسبب غياب الشفافية الديموقراطية، وكذلك العمل على استعادة التمويل الأمريكي للسلطة الذي توقف في عهد ترامب.
٣) التحديات التي تواجهها حركة فتح.
- التحدي الأبرز لحركة فتح في سلسلة الانتخابات الحالية، هو قدرة حماس على الفوز أو التعادل معها، في المجلس التشريعي، وامكانية قيامها بهزيمة محمود عباس في أي عملية انتخابية.
- عدم قدرة التنظيم على ضبط الحالة التنظيمية أولًا، من خلال تفلت قيادات ووجوه فتحاوية عبر تشكيل او المشاركة في قوائم انتخابية خارج القائمة الرسمية، وثانيًا قيام شخصيات مركزية بتشكيل قوائم انتخابية ستتسبب بتشتيت كبير للكتلة التصويتية الفتحاوية، وخصوصًا في حالة دعم مروان البرغوتي قائمة انتخابية، وقام دحلان بدعم قائمة انتخابية ثانية.
- قدرة حركة حماس على اعادة ترميم قدراتها التنظيمية في الضفة الغربية، مما يهدد هيمنتها بشكل كبير في الضفة، وقد يدفع دولة الاحتلال للتدخل بشكل يقلص من هيبة السلطة، ويضعف من مشروعية برنامجها السياسي والذي يتضائل يومًا بعد يوم.
٢) خيارات المشاركة الانتخابية.
بحسب التصريحات المتوفرة حتى الآن، إضافة إلى التجربة السابقة في عام ٢٠٠٦، يمكن القول بأن حركة فتح قد تذهب إلى ترتيب صفوفها، وذلك عبر تشكيل قائمة من عناصر جديدة، ليست من القيادات التنظيمية الحالية أومن المسؤولين الحكوميين، وهذا سيحشد قاعدة فتح بشكل أكبر، بالإضافة لعودة الأصوات الاحتجاجية في الانتخابات السابقة، علاوة على امكانية حشد أصوات ترى بأن عودة سلطة فتح لغزة قد تغير الأوضاع المعيشية للأفضل، لكن ربما الطبيعة السلطوية لأبو مازن، قد تدفعه لتقليص مشاركة القاعدة في اختيار عناصر الكتلة الانتخابية، بهدف اختيار عناصر موالية له يهدف من خلالها إلى اضعاف من حوله وخفض توقعاتهم وتطلعاتهم لخلافته.
ورغم حديث مجموعة من قيادات حركة فتح مثل ماجد الفتياني وجمال نزال، عن وجود قرارات بمنع ترشح أي شخص من الأطر القيادية، إلا أنه غالبًا فإن حركة فتح ستتجه نحو ارضاء بعض المكونات الداخلية بها من جانب، وتصعيد شخصيات تنظيمية تحمل ولاءً كبيرًا لرئيس السلطة من جانب آخر لقوائمها الانتخابية، ذلك أن قدرة عباس وفريقه على تجاوز تنظيم حركة فتح وجلب شخصيات جديدة سيضعف من تماسك التنظيم داخليًا، وقد يضعف كتلته التصويتية.
ثالثا: الجهاد الإسلامي.
مقارنة بسمعته في مجال المقاومة، لم يستثمر الجهاد الاسلامي كثيرًا في مسار العمل الجماهيري والبنية الشعبية، إذ أن التنظيم يعتبر التنظيم الثاني على صعيد الكتلة العسكرية المقاتلة، وهو يرى بأن ذلك هو المسار الأكثر قدرة على التأثير فيه والتعويل عليه لاستمرار بقاءه في الواقع الفلسطيني، لذلك فإن قيادة الحركة تدرك محدودية قدراتها على الحشد الجماهيري، ومن غير المتوقع أن تشارك في انتخابات تشريعية بشكل مباشر.
لذلك من المستبعد مشاركة الجهاد في الانتخابات، وقد تعزف عناصره عن المشاركة الانتخابية أو التكتل خلف كتلة حماس حتى لو دعا التنظيم إلى ذلك بشكل واضح، لكن من الممكن حشد الكتلة التصويتية للجهاد مع حركة حماس إذا تم التوافق معها على كتلة وطنية تسمح بمشاركة شخصيات محسوبة على الحركة، وبدون مشاركة رسمية من الجهاد ، نظرًا لأن أعضاء التشريعي هم أعضاء طبيعيين في المجلس الوطني، الذي يتوقع مشاركة الحركة في انتخاباته.
رابعا: اليسار.
يواجه اليسار الفلسطيني منذ عقود جملة من التحديات الكبيرة التي قلصت من حضوره الجماهيري والسياسي، مثل عدم قدرته على تقديم نموذج تنظيمي فعال في الفعل الكفاحي ضد الاحتلال، بالإضافة لعدم قدرته على توحيد تياراته المتباينة ضمن تكتل سياسي واحد مما يرفع تأثيره السياسي والاجتماعي، وذلك على الرغم من محاولة قوى اليسار تجاوز بعض الاشكاليات عبر تأسيس “التحالف الديمقراطي” والذي تشكل من أبرز ٥ قوى يسارية، لكن التحالف فشل عند أول اختبار له، مما أضعف اليسار وأدخله في جملة من الاشكاليات، ولذلك فإن خياراته الانتخابية ستبقى محدودة، وتركز على محاولة انتزاع أكبر قدر من المكاسب من القوى المتنافسة، ويمكن اجمال هذه الخيارات بالتالي.
الخيار الأول: تشكيل تحالف شامل لليسار الفلسطيني وبقائمة وطنية واحدة، وهو الخيار الذي سيواجه بمصاعب عديدة، أهمها القدرة على الاتفاق على الحصص المتعلقة بكل فصيل داخل هذه القائمة.
الخيار الثاني: دخول الجبهة الشعبية في كتلة مستقلة إذا قدرت بأن هذا الخيار سيحقق لها بعض المكاسب، وسيرفع من احتمالية هذا التوجه في حال استطاعت استقطاب شخصيات مستقلة بارزة في الشارع الفلسطيني.
الخيار الثالث: تحالف هذه القوى أو أطراف منها مع حماس، وذلك وفق رأيين هما:
أ) قد تفضل الجبهة الشعبية المشاركة في تحالف يضم فصائل المقاومة، وذلك إذا ضمنت حصة معتبرة في القائمة الانتخابية، وفي هذا الخيار قد تستفيد من القدرات الانتخابية لحركة حماس، لكن من المستبعد موافقة بقية القوى اليسارية على التحالف مع حركة حماس.
ب) قد تقدر المبادرة الوطنية بأن التحالف مع حماس تحالف نموذجي، إذا استطاعت تأمين صفقة مع حماس مقابل دعم مصطفى البرغوتي رئيس المبادرة للانتخابات الرئاسية، وذلك على الرغم من استبعاد هذا الخيار، نظرًا لضعف حجم المبادرة الشعبي بالشكل الذي يدفعها لمقايضة حماس في هذه القضية.
الخيار الرابع: خيار التحالف مع حركة فتح، وهو الخيار الذي قد يكون مريحًا للطرفين تحت عنوان فصائل منظمة التحرير، وسيكون هذا التحالف انتخابيًا بالدرجة الأولى بهدف ضمان مقاعد للجميع وليس للتوافق السياسي، وقد تكون مكسبًا لفتح لضمان اسناد فصائل أخرى لسياساتها.
الخيار الخامس: المشاركة في القائمة المشتركة والتي يجري الحديث عنها بين حركتي فتح وحماس، وهو خيار معقول بالنسبة لمعظم مكونات اليسار في حالة جرى تأمين حصتها في القائمة.
وتقديرًا لمجموعة من المعطيات السياسية والتنظيمية لفصائل اليسار، فإن قدرتها على انجاز قائمة موحدة محدودة، نظرًا لحالة التباين الواسع بين مكوناتها، وستتجه نحو قيام الفصيلين الأبرز “الشعبية والديمقراطية” بتشكيل قوائمهما الخاصة، بالتحالف مع بعض المكونات المستقلة ومؤسسات المجتمع المدني، وتوحد بقية مكونات اليسار وخصوصًا “الشعب وفدا” في قائمة واحدة تتضمن رؤساء حزبيهما، إذ أن قدرة هذه الفصائل على توزيع حصص القوائم ستكون متساوية.
خامسا: كتلة مستقلين
رغم أن كتلة المستقلين لم تستطع النجاح بأي استحقاق انتخابي في الحالة الفلسطينية تاريخيًا، إلا أن الواقع شهد بعض التجارب التي استطاع فيها المستقلون تحقيق مكاسب كبيرة ضد خصوم سياسيين تاريخيين، فقد استطاع الرئيس التونسي قيس بن سعيد تصدر المشهد السياسي بدون حزب يدعمه، ولكن عبر تنظيم فريق عمل يدعم حملته الانتخابية، كذلك تجربة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفوزه على قادة الحزب الجمهوري، وهو القادم من عالم المال وليس من عالم السياسة، لذلك فإمكانية بروز شخصيات مستقلة قوية تحظى بدعم خارجي، مع حالة الاحباط من الناجمة عن الانقسام، وحملة اعلامية منظمة بدعم خارجي أومن جهات فصائلية، قد تمكن كتلة المستقلين من تحقيق مكاسب لا بأس بها.
ولكن تواجه كتلة المستقلين تحديات كبيرة، أهمها أن هذه الكتلة غير متحدة، وفيها ولاءات متعددة، وتوجهات فكرية مختلفة، وبالتالي امكانية تجمع كتلة المستقلين ضمن قائمة أو قائمتين محدودة.
سادسا: التيار الإصلاحي في حركة فتح.
يحظى هذا التيار بدعم لا يستهان به في قطاع غزة، علاوة على حلفاء محتملين في الضفة، ودعم من بعض الدول الإقليمية والدولية، لكن قائد التيار الإصلاحي محمد دحلان لا يريد أن يغادر مربع حركة فتح خشية فقدانه أي أمل للعودة للتنظيم، وتحقيق آماله بالوصول إلى رأس هرم السلطة، وهو يدرك بأن عودته من عدمها في المرحلة الحالية مرتبطة بشخصية أبو مازن، ورغم أن تشكيل التيار لقائمة انتخابية مستقلة، ستسبب له اشكالية كبيرة مع التنظيم الأم “حركة فتح”، إلا أن التيار إذا لم يستطع التفاهم مع حركة فتح على أن تضم قائمة الحركة الرسمية مجموعة من الشخصيات القيادية في التيار، فإنه لن يفرط بفرصة تاريخية للشعب الفلسطيني، وسيتدخل في الانتخابات ضمن قائمة يقدر أنها ستكون القائمة الثالثة بعد حركتي فتح وحماس في المجلس التشريعي، ذلك أن خسائر استبعاده من المجلس التشريعي تعني ضربة كبيرة له قد تقلص من حضوره بشكل كبير، إذ أن حركة فتح بعد المؤتمر السابع استبعدت معظم المحسوبين عليه من الأطر القيادية، كما جرى تجريفه من مؤسسات السلطة، وبالتالي فإن خروجه من آخر ما تبقى له وهو المجلس التشريعي، يعني انتهاء التيار سياسيًا وقانونيًا، وهو الخيار المرجح، مع وجود بعض الخيارات التي طرحت من قبل البعض مثل:
- المشاركة غير المباشرة، أي عدم دخول الانتخابات بكتلة مستقلة واعلانه تأييد كتلة فتح وبقاءه مخلصًا لحركته بهدف اصلاحها وليس تدميرها، وقد يبحث عن وساطات لمشاركة مؤيديه في قائمة فتح خاصة وساطات اقليمية، لضمان فوز فتح بالأغلبية المطلقة، مع استعداده لقبول نصيب أقل من المقاعد التي قد يحصل عليها لو دخل مستقلًا، أي بمعنى ترحيل الخلاف إلى ما بعد الانتخابات من أجل التوصل إلى تفاهمات داخلية، وسيحقق هذا الخيار مكاسب كبيرة لفتح في الانتخابات، لذلك يمكن تفسير حضور وفد المخابرات المصري عباس كامل، والأردني أحمد حسني إلى رام الله.
- دعم قائمة تضم خليطًا من شخصيات تياره وبعض المستقلين وشخصيات المجتمع المدني، مما يضمن بقاءه ضمن الخارطة السياسية أولًا، والنظام السياسي الفلسطيني ثانيًا، دخول الانتخابات بشكل مستقل، وذلك حتى لا يظهر موقف مناوئ لقائمة فتح التنظيمية، أو كشخص تسبب في خسارتها، إذ أن دخول دحلان في قائمة مستقلة يعني رفع احتمالية خسارة فتح بشكل كبير.
- التحالف مع حماس، وهو الخيار المستبعد ميدانيًا، لأنه سيفقد سمعته كمدافع عن فتح في معركة مصيرية مع حماس، مع امكانية تواجد ضغوط اقليمية عليه لمنعه من هذه الخطوة.
سابعا: المواقف الإقليمية.
هناك تيارين في المنطقة العربية بخصوص الموقف من تبلور أي مناخ ديمقراطي أولًا، واعادة دمج قوى الإسلام السياسي في المنطقة ثانيًا، التيار الأول وهو الذي تقوده بعض الدول العربية الديكتاتورية، والتي لديها عداء مع قوى الإسلام السياسي، وتفضل هذه الدول مبدئيًا عدم اجراء أي انتخابات في الوقت الحالي وخصوصًا في ظل الحديث عن مشاركة حماس في منظمة التحرير، وهو الأمر الذي ترفضه دول اقليمية مثل الامارات ومصر والأردن، ولكن نظرًا لتدخل قوى دولية داعمة للانتخابات، وحاجة السلطة لها، فإنها ستحاول تمرير مسار الانتخابات ولكن مع اجهاض جهود حماس لتحقيق مكاسب مهمة، في المقابل ترغب دول مثل قطر وتركيا في نجاح حماس في دور رسمي في المشهد الفلسطيني، لتبرير تعاملها السياسي مع حركة حماس أمام الغرب وأمريكا مستقبلًا.
ثامنا: الموقف الإسرائيلي
يمكن تلخيص موقف دولة الاحتلال الحالي عبر التالي:
- إسرائيل اليمينة بقيادة نتانياهو أو زعيم يميني آخر ترفض فكرة حل الدولتين، فهي تقف ضد أي اتفاق يجمع شمل الأطراف الفلسطينية، وذلك لاستخدام ورقة الانقسام لتبرير تهربها من عملية السلام، بالإضافة لرفض اعطاء اي شرعية لحركة حماس في النظام السياسي الفلسطيني.
- رفض أي دور لحركة حماس يكرس شرعية المقاومة، ويعطيها شرعية قانونية داخلية قد تمهد لشرعية إقليمية ودولية لاحقًا.
- في حالة كان هناك ضغطًا أوروبيًا وأمريكيًا لانجاح مسار الانتخابات، بالإضافة لمتابعة أممية ودولية للعملية الانتخابية، فستحاول دولة الاحتلال التكيف مع ذلك، وتقليص صدامها مع المكونات الفلسطينية، وستبذل قدر الامكان جهدها في منع تشكل بنية اجتماعية لحماس في الضفة، وذلك عبر تكثيف سياسة الاعتقال المحسوب تحت حجج أمنية ضد كوادر الحركة الفاعلة.
- ستمنع دولة الاحتلال سكان القدس من المشاركة في الانتخابات أو إظهار أي مظهر من مظاهر الانتخابات في الشارع الفلسطيني في القدس.
- ورغم ذلك، فإنه وفي حالة توفر ارادة فلسطينية صلبة لانجاح الانتخابات، والقدرة على ابراز درجة معينة من التحدي له في الضفة الغربية، فإن تقليص هذه الاجراءات، وجعلها مدخلًا لإدانة الاحتلال، وحشد المجتمع الفلسطيني ضده، ستخفض من اجراءات الاحتلال، وخصوصًا بعد طلب الجنائية الدولية بتمديد ولايتها لتشمل الأراضي الفلسطينية.
الخلاصة.
بلا شك فإن الانتخابات الفلسطينية فيما لو تمت ستكون حدثًا مؤسسًا لما بعده، ولحظة فارقة في مسار القضية الفلسطينية، إن على صعيد أثر ذلك على المكونات السياسية الفلسطينية، أو على صعيد موقف الأطراف الإقليمية، بالإضافة لترميم مؤسسات المجتمع الفلسطيني سواء ما يتعلق بالسلطة أو منظمة التحرير، وبالتالي تجديد شرعيتها.
من جانب آخر، ستؤدي الانتخابات الفلسطينية-فيما لو تمت كما أعلن عنه في حوار القاهرة-إلى إعادة دمج هذه المكونات في نظام سياسي يمنع هيمنة تيار واحد على هذه المؤسسات، وفي أقل الأحوال ستقلص من هيمنته بشكل كبير، الأمر الذي سيوجد حالة من الإدارة الجماعية للمجتمع الفلسطيني، لكن التخوف الأبرز في هذا الصدد، مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني وتطلعاته، أي هل تقود الانتخابات إلى نظام سياسي يقضم من رصيد المشروع الوطني الفلسطيني في مواجهة التحدي الإسرائيلي، أم ستكون نقطة لترتيب أوراق البيت الفلسطيني، والنهوض مجددًا بالمشروع الوطني الفلسطيني.