أوراق سياسية

الموقف الإسرائيلي من الانتخابات الفلسطينية

تلعب اسرائيل دورًا كبيرًا في الواقع الفلسطيني إن بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، وخصوصًا في القضايا المتعلقة بالنظام السياسي الفلسطيني، نظرًا لتداخلها في هذا النظام في بعض القضايا، وبالتالي لابد علينا دائمًا دراسة مواقف العدو وتحديدها بشكل دقيق، ومن هذا المبدأ سنحاول تفكيك الرؤية الإسرائيلية للانتخابات الفلسطينية المتوقعة، عبر معرفة المحددات التي تحكم هذا الجانب.

فاللموقف الاسرائيلي من الانتخابات الفلسطينية اهمية بالغة، ولإستشرافه سنحاول قراءته عبر الوقوف على محدداته التي سيعتمد عليها القرار الاسرائيلي في تحديد موقفه من الانتخابات الفلسطينية بشكل عام، ومن مشاركة المقدسيين الانتخابات داخل المدينة، ومن مشاركة حركة حماس في الانتخابات.

أولًا محددات الموقف الاسرائيلي :

  • ليس سهلًا على اسرائيل أن تتحمل مسؤولية منع المجتمع الفلسطيني من اختيار قياداته بوسائل شرعية وديموقراطية، الأمر الذي سيعرضها لضغوط أممية كبيرة، لا سيما وأن الانتخابات باتت تشكل مطلبًا أوروبيًا، إذ طالبت رئيسة الوزراء الألمانية ميركل السلطة الفلسطينية بإجراء الانتخابات.
  • كما ينظر إسرائيليًا للإنتخابات الفلسطينية على أنها قد تشكل فرصة لانتخاب قيادة برغماتية، تكون أولويتها تأمين المصالح الحياتية والاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، وذلك على حساب الكفاح السياسي.
  • كما أن الانتخابات ستساعد على ترتيب البيت الفلسطيني، بما يحفظ استقرار النظام السياسي الفلسطيني في اليوم التالي لغياب الرئيس عباس عن المشهد السياسي، ويقلل إلى حد كبير المضاعفات السياسية والأمنية لصراع الخلافة، ويضمن استمرار قدرة السلطة على الوفاء بالتزاماتها.
  • تشكل الفترة الانتخابية عاملًا مهمًا في تحقيق الهدوء، وهو ما سيعزز مسار التهدئة، وذلك اعتمادا على التجارب السابقة .
  • تقديرات الأمن الاسرائيلي للنتائج المتوقعة للانتخابات تشكل عنصرًا ذو أهمية، وهو ما يؤخذ بعين الاعتبار عند نقاش الموقف من الانتخابات، وتقديراتهم في هذه الفترة تعتمد من بين أمور أخرى على استطلاعات الرأي الفلسطينية.
  • مشاركة حركة حماس في الانتخابات ومشاركتها لاحقًا في الحكم، وذلك دون التزامها بالتزامات  م.ت.ف يساعدها على الانفتاح ويمنحها شرعية في ظل تمسكها بنهجها وسياساتها، لكن في المقابل قد يفرض عليها نهجًا برغماتيًا يبعدها عن التشدد ويعزز المسار السياسي.
  • فوز حركة حماس سيمنحها كحركة ونهج وسياسة شرعية أكبر، وسيزيد من التحديات الأمنية والسياسية لا سيما في الضفة، إلا انه ولكون الانتخابات القادمة هي فقط للتشريعي دون الرئاسي، فإن التهديدات والمخاطر قد لا تتجاوز الانتخابات السابقة.
  • قد تؤدي الإنتخابات إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني، أو على الأقل تسمح بتشكيل حكومة فلسطينية واحدة، مما سيقوي الشرعية الفلسطينية ويعززها في المحافل الدولية، ويفشل عملية فصل القطاع عن الضفة، الذي يشكل استمراره وتعميقه مصلحة اسرائيلية.
  • منع أي نشاط فلسطيني في مدينة القدس سواء كان سياسيًا أو اجتماعيًا أو ثقافيًا أو فنيًا، والنظر إلى أي من هذه الأنشطة على اعتبار أنه يشكل تهديدًا ومسًا باستراتيجية فرض السيادة الإسرائيلية على مدينة القدس، لكن وعلى النقيض من ذلك فقد سمحت اسرائيل في السابق بإجراء ثلاثة عمليات انتخابية فلسطينية داخل مدينة القدس (انتخابات 96 وانتخابات الرئاسة 2005 وانتخابات 2006 ).

على خلاف الانتخابات الفلسطينية السابقة، التي تمت في سياق سياسي (مفاوضات التسوية) وبطلب وإجماع دولي وأمريكي على وجه الخصوص، وفي ظل حكومات اسرائيلية تتبنى مشروعًا تسوويًا، أو أقل تشددًا، مثلت الانتخابات لها إجراًء حيويًا لتأكيد شرعية قيادة سياسية شريكة في عملية التسوية، فإن قرار الانتخابات الفلسطينية يأت في ظروف وسياق مختلف تمامًا، فمن الواضح أن الانتخابات الفلسطينية المزمع إجراؤها، لا تأت في سياق مفاوضات التسوية المتوقفة منذ سنوات، وليست في سياق ما يسمى بصفقة القرن، وامريكا ليست طرفًا ذو صلة، وسياقها الوحيد هو إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتجديد شرعية النظام السياسي الفلسطيني، والمميز الآخر والمهم لهذه الانتخابات عما سبقها، هو وجود الانقسام بالإضافة لحكومة اسرائيلية  يمينية متشددة لا تؤمن بالتسوية وتعتبر وحدة التمثيل السياسي الفلسطيني وإنهاء الانقسام تهديدًا لمشروعها القائم على فصل القطاع واستمرار الاستيطان وقطع الطريق على مشروع الدولة .

الموقف  الاسرائيلي من مشاركة حركة حماس في الانتخابات

صحيح بأن اسرائيل على المستوى الرسمي تعتبر حركة حماس تنظيمًا ارهابيًا، ولا تعترف باسرائيل وتسعى لتدميرها، كما أنها تقيم كيانًا (ارهابيًا) في القطاع، لكن اسرائيل من جهة اخرى تتابع التغيرات نحو البرغماتية التي تجري داخل الحركة وتحولها إلى حزب سياسي وسعيها نحو الاندماج في المنظومة السياسية الفلسطينية والإقليمية والانفتاح على العالم وكسب شرعية دولية، كما أن إسرائيل ذاتها تفاوض حركة حماس عبر وسطاء، وعقدت معها تفاهمات، وتسعى للتوصل إلى تسوية (مراجعة) معها فيما يخص القطاع، الامر الذي يجعل عدم وضع إسرائيل لشروط على مشاركة حماس في الانتخابات أكثر احتمالًا، فضلًا عن كون إسرائيل لا تملك لا الشرعية ولا الصلاحية لوضع اشتراطات على مشاركة الاحزاب الفلسطينية في الانتخابات، كما أنه لم يسبق لإسرائيل أن اشترطت أى شروط على مشاركة الأحزاب والحركات في الانتخابات السابقة.

ثمة من يطالب في إسرائيل لا سيما ممن يحسبون على ( اليسار ) باشتراط مشاركة حركة حماس في الانتخابات باشتراط اعترافها باسرائيل وتخليها عن وسائل الكفاح (اللاديموقراطية)، لكن تم رفض هذا الطلب من قبل شارون في السابق عندما قدم له ، معللًا ذلك بأنه لا فرق من وجهة نظره بين حركتي فتح وحماس، وبتقديري فإن التعليل الحقيقي هو أن إسرائيل ليس بوسعها أن تشترط ذلك وتستطيع تحقيقه، لكن إسرائيل بمقدورها أن تعتمد على الاشتراطات الأوروبية على الحكومة الفلسطينية وتتبناها، كما أن بإمكان القوة الاحتلالية إن أرادت أن تقوم باعتقال بعض مرشحي الحركة في الضفة بتهم ومبررات مختلقة، أو اعتقال من تم انتخابه كما حدث بعد الانتخابات السابقة، ولأن الانتخابات القريبة المزمع عقدها هي فقط للتشريعي دون الرئاسي، مما يجعل النتائج المترتبة عليها فيما لو كررت حركة حماس فوزها السابق أقل دراماتيكية عمّا لو كان الأمر يتعلق بانتخابات الرئاسة ومنافسة حماس على منصب الرئيس.

الموقف الاسرائيلي من إجراء الانتخابات في مدينة القدس.

القدس هي عاصمة فلسطين والصراع على مكانتها وعروبتها يعتبر من أهم معالم صراع الشعب الفلسطيني مع  دولة الاحتلال، وقد تمسكت السلطة الفلسطينية على تأكيد مكانة القدس وسكانها عبر التمسك بحق سكان المدينة الفلسطينيين في المشاركة في الانتخابات الفلسطينية ترشيحًا وانتخابًا، وقد تم ترجمة هذا الحق في ملاحق اتفاقية اوسلو، التي حددت شكل واجراءات المشاركة وأماكن الاقتراع، وآلية الدعاية الانتخابية.

وقد اشترط الرئيس محمود عباس وبحق إجراء الانتخابات بالسماح للمقدسيين بالانتخاب في قلب المدينة تخوفًا وتحوطًا من قرار اسرائيلي بالموافقة على اجرائها في مراكز اقتراع تقام في ضواحي القدس.

وقد حرصت اسرائيل في السابق على ألّا تشكل مشاركة المقدسيين في الانتخابات الفلسطينية مسًا قويًا بسيادتها، فحددت في ملاحق اوسلو الخاصة بالانتخابات ستة فروع بريد داخل المدينة كأماكن اقتراع، لا تزيد قدرتهم الاستيعابية على أكثر من 6500 مقترع، وأن تقوم الشرطة الاسرائيلية بتأمين مراكز الانتخاب، وعلى أن ينتخب الآخرون في مراكز انتخاب في ضواحي القدس.

وعلى خلاف الانتخابات السابقة، يجيئ الطلب الفلسطيني للسماح للمقدسيين بالمشاركة في الانتخابات في ظروف سياسية وحزبية اسرائيلية بالغة الحساسية والتعقيد، فوحدة القدس وتهويدها وتأكيد فرض السيادة الاسرائيلية عليها هي في سلم أولويات نتنياهو وباتت تشكل إجماعًا إسرائيليًا وأمرًا إسرائيليًا مفروغًا، لا سيما بعد قرار ترامب بالاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل ونقل سفارة أمريكا إليها.

كما أن تركيبة الكابينت السياسي الأمني المصغر تجعل من الصعب جدًا تخيل اتخاذ قرار بالموافقة، فثلاثة من أعضاء الكابينت هم من الأحزاب الصهيونية الدينية وأعضاء الليكود غلعاد أردان وامير اوحنا هم من غلاة المتطرفين ومن دعاة بناء الهيكل، يضاف لذلك بأن الطلب الفلسطيني جاء في ظل مرحلة انتخابية تشتد فيها المزايدات يمينًا، ولا تستطيع أية جهة سياسية أن تتحمل اتهامها بالتفريط بالسيادة الاسرائيلية على القدس.

وعلية فإننا نقدر صحة ما نشرته صحيفة يديعوت من كون الكابينت تجاهل الرد على الطلب الفلسطيني، والتجاهل هنا لا يعني الرفض، بل التهرب ولو مؤقتًا من تحمل مسؤولية القرار سواء بالرفض أو بالقبول، ونعتقد بأن نتنياهو سيميل الى تأجيل القرار إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية والتي ستجري في مارس أو ترحيله للحكومة القادمة.

أي أن حكومة نتنياهو لن تستعجل اتخاذ قرار لا بالرفض ولا بالقبول، فلماذا ستتحمل مسؤولية الرفض وتدخل في معركة شعبية ديموقراطية وتتعرض لضغوط اممية، في حين كونها تشكك في جدية قرار الانتخابات الفلسطينية وتشكك في قدرة المنقسمين الفلسطينيين في الوصول إلى توافق وطني، وإن حدث توافق فإن أشهر الانتظار الطويلة قد تفسده، وهنا ربما ستراهن اسرائيل على العامل الذاتي الفلسطيني.

فضلًا عن ذلك فإن إسرائيل في حال موافقتها، ستراهن على قدرتها على التشويش على الانتخابات بوسائلها الاحتلالية من اعتقال للمرشحين لا سيما المقدسيين منهم ومنع حرية التنقل والتضييق على المراقبين …الخ.

في المحصلة نعتقد بأن الحكومة الإسرائيلية القادمة ستتخذ قرارًا يسمح لسكان القدس بالانتخاب بعد ان تحاول أن تفرغ الامر من أي تعبير سياسي وربما ستوافق في البداية على حقهم في الانتخاب دون حقهم في الترشح.

ومع ذلك فمن غير المستبعد أن يوظف نتنياهو الموقف من مشاركة المقدسيين في الانتخابات الفلسطينية في دعايته الانتخابية إذا قدر بأن إعلان رفض مشاركتهم سيعزز كثيرًا من موقفه الانتخابي.

عمومًا فإنه وفي حالة وافقت اسرائيل على اجراء الانتخابات، فمن المؤكد بأنها ستمنع كل مظهر من مظاهر العملية الانتخابية في مدينة القدس، سواء تلك التي تخص حركة فتح وبالتأكيد تلك التي تخص حركة حماس، أما في بقي مدن الضفة الغربية فهي لن تقف محايدة، بل ستستخدم كل وسائلها الممكنة عبر اعتقال مرشحين والتضييق على حرية تنقلهم، لا سيما المرشحين الذين ينتمون لأحزاب تصنفهم اسرائيل على أنها أحزاب “ارهابية”، ومن المؤكد بأنها ستلاحق النشاط التمويلي حتى لو كان لتمويل الحملات الانتخابية، فهي لن تفرق بين تمويل الانتخابات، وبين تمويل أنشطة أخرى لحماس، لكنها عمليًا قد تغض النظر عن بعض أشكال التمويل المحلي والشعبي.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق