مقالاتمقالات رأي

قراءة تحليلية في إعادة الإعلان عن إعلان خطة ترامب للسلام

مضى على تسلمه زمام الحكم سنوات عدة، ولا تزال إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تكرر بين الفينة والأخرى ديباجة نيتها الكشف عن صفقة القرن؛ وكأن بنودها لم تكشف بعد.

بين تسريب وفعل دبلوماسي، أصبحت تفاصيل الصفقة أكثر وضوحًا، ولا يشير ما تم افتضاحه حتى اللحظة إلى وجود صفقة تلوح في الأفق، بقدر ما يشير إلى استراتيجية أميركية، بدأ تطبيقها على الأرض، وتتماهى مع رؤية اليمين الإسرائيلي لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وبقدر من النظر إلى ما يتوفر من معطيات، وبقليل من إعمال المنطق، فإنه يسهل على المراقب كشف المراوغة السياسية من وراء وصفها بـ”الصفقة”، إذ لا يمكن النظر إليها كصفقة إلا في حالة واحدة؛ أن تكون صفقة أمريكية-إسرائيلية خالصة وبمساهمة من حلفاء واشنطن في المنطقة.

التوقيت
لم يكن من المصادفة أن يتزامن الإعلان عن “الإعلان” مع فترة يخضع فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمحاكمة عزل تاريخية، بل تزامنت مع سعيه إلى الظهور بمشهد يكون فيه أكثر قوة، ويباشر فيه أعماله السياسية كزعيم عالمي يتعاطى مع أكثر الملفات العالمية حساسية بهدف إضعاف مساعي الديمقراطيين وكسب تأييد الشارع الأمريكي، الأمر الذي يساهم في تخليصه من قيود المحاكمة من جهة، ويساهم في تعزيز فرص فوزه في الانتخابات الأميركية، في نوفمبر المقبل، من جهة أخرى.

تلاقت مساعي الرئيس الأميركي مع مساعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنياميين نتنياهو والذي يعمل جاهدًا على تفادي وقوعه كفريسة للقضاء الإسرائيلي أيضًا، بعد تورطه بثلاثة قضايا فساد، قد تذهب به إلى السجن وتنهي حياته السياسية، ومما يزيد من فرص ذلك، استمرار المأزق السياسي الكبير الذي فرضته حالة العجز عن حسم الانتخابات الإسرائيلية، في وقت أصبح فيه النظام الانتخابي مشلولًا بحكم واقع أصبحت فيه حال الانتخابات أقرب إلى الثنائية الحزبية، الأمر الذي يتناقض مع القوانين القائمة لتداول السلطة من ناحية، ويتناقض مع تركيبة وبنية المجتمع الإسرائيلي من ناحية أخرى. ولا يستبعد أن يكون الإعلان عن الخطة الأميركية نتيجة لطلب من نتنياهو، بائع السياسة المحترف، إذ تربطه بالرئيس الأميركي علاقة استثنائية.

سيتم الكشف عن بنود “الصفقة” في نفس اليوم الذي سيصوت فيه أعضاء الكنيست على طلب نتنياهو تشكيل لجنة برلمانية مهمتها تقييم حصوله على حصانة برلمانية، الأمر الذي يضعه في موقف يتسابق فيه مع الزمن، ويدفعه، على الأرجح، للقبول بتشكيل حكومة وحدة وطنية مع غانتز، تكون رئاستها بالتناوب، وتكون قادرة على تبني بنود الخطة الأميركية. وقد بدا رئيس حزب “أزرق-أبيض” غانتز، الأقل خبرة سياسيا من نتنياهو، مترددًا بداية الأمر في قبول الإعلان عن الخطة، لأن في الإعلان زيادة في رصيد منافسه نتينياهو؛ لكن انتهى به الأمر الى مباركتها وقبول دعوة الرئيس الأميركي له إلى اجتماع ثنائي في واشنطن، لأن في رفضه للخطة خسارة أكبر من خسارة ازدياد رصيد منافسه.
وتأتي دعوة الرئيس الأميركي لكل من غانتز ونتنياهو للبيت الأبيض لخوض مناقشات يوم الإثنين، أي قبل يوم واحد من إعلان الخطة، وقبيل الانتخاب الإسرائيلية المزمع عقدها، في بداية مارس، في سياق المسعى الأميركي لحسمها وإخراج المشهد السياسي من مأزقه؛ الأمر الذي يعتبر تدخلًا أميركيًا مباشرًا في الانتخابات الإسرائيلية.

الخطة وتهميش الفلسطينيين
“قد يتصرف الفلسطينيون بردود فعل سلبية في البداية عند الإعلان عن الخطة، ولكنها إيجابية جدًا لهم”، هكذا صرح الرئيس الأميركي حرفيًا؛ ولا يخفي هذا التصريح الفوقي وراءه موقفًا تهميشيًا نحو الفلسطينيين. وهذا ما يوكد أن تصوير خطة ترامب كصفقة ليس أكثر من عرض مسرحي سريالي، إذ يغلب على فعله السياسي تجاه الفلسطينيين تهميشًا واضحًا وغير مسبوق، كما يصر على مواصلة تبنيه للخطة بالرغم من الرفض الفلسطيني غير المتردد بكافة مستوياته.

حذر الجانب الفلسطيني الرسمي “الحردان” من الخطوة الأميركية، واعتبرها تجاوزًا للخطوط الحمراء، كما رفض أيضًا مناقشة بنود الخطة مؤخرًا بوساطة أوروبية؛ لكن ما الذي يستطيع الفلسطينيين القيام به للوقوف في وجه الخطة في ظل حالة الانقسام وتشتت الجهد؟

يبدو أن الحالة المثالية التي كانت تنتظرها الإدارة الأميركية للإعلان عن الخطة هي حالة الفراغ السياسي والمرحلة الانتقالية التي قد تنتج عن غياب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لكن لن يكون للفلسطينيين أي ردود فعالة ومؤثرة حتى وان لم تتسنى تلك الفرصة المثالية، إلا إذا قررت النخبة السياسية الفلسطينية وعلى رأسها قيادة حركة حماس وقيادة حركة فتح توحيد الصف والعمل المشترك، لصد هذا التغول الأميركي-الإسرائيلي، الذي ستكون آثاره وخيمة على القضية الفلسطينية؛ فقد بدأ التطبيق العملي للخطة على الأرض منذ أن تسلم ترامب زمام الحكم، وأكبر تجلياته الحاضرة هو السعي لضم الأغوار الشمالية.

قد ينتهي تطبيق الخطة، ليجد فلسطينيو الضفة الغربية والقدس بشكل خاص أنفسهم تحت أمر واقع وهم خاوي اليدين، فلن يحظوا إلا بكيان سياسي شكلي على ما مساحته ٢٠٪ من الضفة الغربية، ويكون الحكم الأمني الإسرائيلي كاملًا على الضفة الغربية، وبهذا لن يكون للفلسطيني أي شكل من أشكال السيادة، وسيحرمهم ذلك من حقوقهم السياسية، وستتقزم على إثره أهداف الفلسطينيين في مساعيهم للتحرر من الاحتلال.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق