الحوار الفلسطيني

هل تهزم الشعوب؟ عن مواجهة الاستيطان

هيئة

على النقيض التام من مفهوم الشعب، كوجود متجذر في الأرض يستند للتاريخ المشترك المترابط مع المكان، تعمل فكرة الاستيطان كأداة هدم واقتلاع للشعوب، تستند لتحطيم كل تلك الصلات والمقومات التي تجعل من مجموع السكان الاصليين شعبا حيا قادر على المواجهة والصمود في أرضه.

مكمن الخطورة ، في القرار الأمريكي الأخير بشأن الاستيطان، لا ينبع فحسب من كونه تغير سلبي جديد في الموقف الأمريكي، ولكن أكثر من ذلك كونه تعبير منسجم و متضافر مع الاستراتيجية الإسرائيلية المستخدمة لتصفية القضية الفلسطينية، التي تنقض على واقع فلسطيني مشوه ومحيط عربي خسر مناعته وتمزقت صلاته بقضاياه المركزية ومصالحه الحيوية.

ما تبع الموقف الأمريكي من مشاريع قرارات اسرائيلية بضم الأغوار، وما يرشح من مؤشرات حول توجه لضم المناطق “c” في الضفة الغربية المحتلة، يعطي فكرة عن المرحلة التي يسير فيها مشروع تصفية الحقوق والوجود الفلسطيني على الأرض، فضم الأرض ما هو إلا قطف لثمار مجموعة من المسارات التي عمل عليها الاحتلال وداعميه، وتم الاستثمار فيها طيلة السنوات الماضية، يمكن تلخيص فهمنا لها في المحاور التالية:

● العمل المباشر لتقويض وقضم القدرات الفلسطينية، بمقوماتها و تجسيداتها المتعددة، سياسيا وعسكريا.

● السعي لتفكيك البنية الفلسطينية، وتعميق انقساماتها بما يطال الموقف من الاحتلال ومواجهته، والعمل على تخليق انقسامات جديدة، تصطنع هويات بديلة تستند لبنى ما دون الهوية الوطنية وتعمل كنقائض لها.

● عزل الفلسطينيين عن مصادر دعمهم، وتجفيف منابع هذا الدعم، معنويا وماديا وسياسيا، وخصوصا ما تم من عمل على عزل الفلسطيني عن عمقه العربي، بل ووضعه كنقيض وهدف لجهات عربية متعددة.

لم تؤتي هذه المسارات اكلها لكون الاحتلال كلي القدرة، ولكن بالأساس لتراجع وهشاشة استثنائية تلم بالحالة الفلسطينية، لم تنتج عن ضعف في موارد القدرة فحسب، ولكن لخلل خطير في الصوابية السياسية في مقاربة الواقع و الاستراتيجيا، وانحياز خطر ضد حقائق الواقع و توجهات الارادة الشعبية، لا أدل عليه من ذلك التعارض الصارخ بين مسار السياسات والقرارات، و محركين أساسين لضمان صوابية اي سياسة، هما الارادة الشعبية، والثوابت السياسية والقيمية و الهوياتية التي تشكلت تاريخيا في خضم الصراع وعبرت عن توصيف وطني جامع للتعامل مع مختلف منطلقات ومتغيرات هذا الصراع، وهو ما قوبل بتركيبة من العجز والتواطئ الذي قدمته النخب الفلسطينية القائمة، سهلت من خلاله مهمة هذه المسارات في قهر الإرادة السياسية الرسمية وشبه الرسمية في محطات مفصلية عديدة.

هل نقترح الاستسلام؟

إن تعريف الذات والهوية هو عامل مؤسس في بناء التوجهات السياسية، وفي تكوين رد الفعل على التحديات المختلفة وتحديد ملامحه، لا الشعب الفلسطيني بتاريخه النضالي الطويل، يبدو ميال لخيارات

انتحارية كالاستسلام ام هذا المشروع الاحتلالي الرامي لابادته سياسيا وهوياتيا، ولا “مجموعة الحوار الفلسطيني” التي تحاول الانحياز دوما لارادة هذا الشعب تسعى لاقتراحات من هذا النوع، لا من باب ضخ الشعارات في المشهد الفلسطيني المأزوم بالخطابة الجوفاء. ولكن الاهم هو أن الحساب المنطقي بعقل بارد للعوامل المؤثرة في هذه المواجهة يؤكد امكانية الانتصار فيها، عبر مجموعة من أدوات العمل التي لا تشترط بالضرورة تحول جذري عاجل في الحالة الفلسطينية، ولكن تراهن على القدرة والارادة الشعبية والوطنية:

● الاستناد للاجماع الفلسطيني المؤكد على رفض الاستيطان وضرورة مواجهته، في تحديد هذه الانتصار، ونشدد على اصطلاح الانتصار، في هذه المواجهة كهدف للفلسطينيين حتى نهاية العام ٢٠٢٠م، بغض النظر عن التباينات الفلسطينية الداخلية في العديد من الملفات والقضايا.

● وضع استراتيجية وطنية وبرنامج عمل لهذه المواجهة، يستند للمصلحة السياسية الوطنية الجماعية للاغلبية العظمى من المكونات الفلسطينية في مواجهة الاستيطان، تركز على القدرة الشعبية الفلسطينية كعنصر قوة اساسي في هذه المواجهة التي يفترض أن رقعتها هو ارض الضفة الغربية المحتلة.

● تشكيل اجسام وحوامل وطنية موحدة لقيادة وتنظيم الجهد الشعبي والجماهيري في هذه المواجهة، وضمان مواصلة عملها أي كانت العوائق او المناخات السياسية السائدة او الطارئة، وكذلك ضمان انفتاحها على الارادة الشعبية وتمثيلها لها.

تقترح هذه المقالة، بعض الاجراءات التفصيلية كروافع للقدرة الفلسطينية في هذه المواجهة:

● التأسيس لصندوق مالي وطني يخصص لدعم الصمود الفردي والجماعي في المناطق التي تشكل خطوط المواجهة والتماس مع المشروع الاستيطاني.

● سن التشريعات والمراسيم الملائمة لجعل التعامل مع الاستيطان او الرهان اقتصاديا عليه خسارة صافية لمرتكبيه، والتي تتيح لمبادرات الصمود الفردي والجمعي مجموعة من الامتيازات المهمة.

● بناء تحالف عربي وعالمي واسع النطاق يتبنى الرؤية الفلسطينية لهذه المواجهة ويعمل على رفدها ودعمها دوليا بما يشكل ضغط فاعل على الاحتلال وداعميه.

ختاما تفترض هذه المقالة، أن احداث فشل للمشروع الاستيطاني، ولو بشكل جزئي، كفيل بزيادة الضغط على الاحتلال وتفعيل أزماته، وكذلك إن تحقيق نموذج من النجاح للعمل الفلسطيني الموحد، المستند لارادة الشعب الفلسطيني، كفيل باطلاق طاقات العمل لأجل مشروع تحرر وطني فلسطيني كفيل بانجاز مهمات التحرر الوطني والاستقلال وتقرير المصير.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق