حكومة التكنوقراط الحائرة بين شرعية منظمة التحرير وشرعية عباس
بفعل مخططات اليمين الديني المتطرف، يواجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس وسلطته المزيد من التهميش والابعاد عن معادلة الصراع، ويصاحب ذلك المزيد من الضغط الإقليمي والدولي الساعي لإصلاح السلطة الفلسطينية عبر تشكيل حكومة تكنوقراط بصلاحيات واسعة تتجاوز هيمنه الرئيس عباس، وهو ما دفعه مؤخراً للتخلص من حكومة الفتحاوي الدكتور محمد اشتيه، والاستعداد لتشكيل حكومة تكنوقراط برئاسة الاقتصادي المستقل محمد مصطفى.
خلافاً لهجوم حكومة نتنياهو على كافة المكونات السياسية الفلسطينية، وتأكيدها مراراً على عدم الموافقة على قيام دولة فلسطينية مستقبلاً، تواجه قيادة السلطة الفلسطينية ضغوط من نوع آخر ظهرت بشكل جدي في 8 فبراير/ شباط 2024، حيث تؤكد مصادر مطلعة أن لقاء المملكة العربية السعودية الوزاري الذي تم عقده في 8 فبراير، تحت عنوان تعزيز الموقف العربي بشأن دراسة ما بعد الحرب على غزة، ومثل الوفد الفلسطيني فيه، كل من رئيس الحكومة محمد اشتيه، وحسين الشيخ وزير الشؤون المدنية، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حيث واجه هذا الأخير على هامش هذا الاجتماع العربي انتقادات حادة خلال اللقاء الثنائي الذي جمعه بمسؤولين إماراتيين، حيث حمَل هؤلاء المسؤولين الاماراتيين السلطة الفلسطينية مسؤولية ما وصل إليه الوضع الكارثي في الأراضي الفلسطينية، واعتبروا صمت قيادتها على ما يحدث في غزة تجاهل غير مبرر لتلك الإبادة الجماعية الجارية هناك.
وعليه أدركت قيادة السلطة الفلسطينية أن هذا الهجوم الاماراتي يأتي في سياق المحاولات الإقليمية لإعادة محمد دحلان رئيس تيار الإصلاح الديمقراطي الى المشهد السياسي على حسابها، خاصةً وأن تصريحات دحلان في 14 فبراير/ شباط 2024، التي قال فيها أنه يرفض وجود عباس وحماس في الحكم خلال المرحلة المقبلة، جاءت بالتزامن مع تلك الانتقادات التي تعرض لها حسين الشيخ من الجانب الاماراتي.
في هذا السياق أشارت مصادر مقربه من حركة حماس، أن قيادة الحركة لم تفوت أو تتجاهل هجوم دحلان عليها، إذ تواصلت قيادة حماس مع دحلان للاستفسار عن سبب هجومه عليها، وقد أكد دحلان، أن حماس ليست الطرف المقصود، والمستهدف هو الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خاصةً وأن علاقات دحلان بحركة حماس تسير في الاتجاه الإيجابي خلال الفترة الماضية، وهناك تسريبات كانت قد أشارت إلى لقاءات قد جرت بين الجانبين خلال الأسابيع الماضية في بعض العواصم العربية.
وبالعودة لتلك الضغوط الإقليمية على حركة فتح، والسلطة الفلسطينية، فقد كان استشعار الخطر الثاني خلال زيارة جبريل الرجوب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وأمين سرها إلى العاصمة القطرية الدوحة في 5 فبراير/شباط2024 ، حيث تؤكد مصادر خاصة، أن تلك الزيارة كانت لأهداف تتعلق بالشأن الرياضي، لكن أمير دولة قطر وجه لوم بلاده لقيادة فتح على عدم اتخاذها أي خطوات إيجابية تجاه غزة، أو حتى على مستوى استئناف المصالحة وتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وهو ما قوبل بترحيب من الرجوب الذي يتمتع بعلاقات جيدة من الجانب القطري، مؤكداً أن هذا القرار متوقف عند الرئيس محمود عباس.
وهنا طلب أمير قطر من الرجوب ضرورة زيارة عباس بشكل منفرد إلى العاصمة الدوحة، وفي أقرب وقت، وقد تحقق ذلك الطلب القطري في 11 فبراير/ شباط 2024، أي بعد أسبوع واحد فقط، ولما طرح أمير دولة قطر فكرة انشاء حكومة وحدة وطنية مع حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية، جدد عباس مطلبه التقليدي المتعلق بضرورة اعتراف حماس بالشرعية الدولية، وكل ما تعترف به منظمة التحرير من اتفاقيات مع إسرائيل، بما في ذلك الاعتراف بإسرائيل، وهو ما أفشل ذلك الاجتماع الثنائي بين عباس وأمير دولة قطر.
في هذه الاثناء ظهرت العديد من التسريبات حول خطة دحلان لإدارة الأراضي الفلسطينية بعد الحرب على غزة، حيث أشارت العديد من المصادر أن هذه الخطة سوف تكون على حساب قيادات السلطة الفلسطينية، ودون أي صراع مستقبلي مع حماس، خاصةً وأن كافة الأطراف الإقليمية الداعمة لدحلان، لا تظهر أي محاولات لتجاوز حماس، وهو ما فهمه محمود عباس كـ تهديد لسلطته، ولمحاولاته الساعية الى إدخال قطاع غزة تحت سلطته بعد الحرب.
لهذه الاعتبارات تحرك الرئيس محمود عباس، داعياً محمد اشتيه إلى تقديم استقالة حكومته، وتسميه وزراء الحكومة الجديدة بشكل شفوي، كخطوة استباقية على تلك المحاولات الإقليمية الرامية إلى إعادة دحلان الى المشهد السياسي الفلسطيني من جديد، أو الساعية لإصلاح السلطة الفلسطينية، خاصةً وأن هذه الأخيرة غيبت دور منظمة التحرير، وحولت ميزانيتها السنوية إلى مجرد واحداً من بنود ميزانية السلطة الفلسطينية.
في السياق ذاته، فإن تحركات الرئيس عباس، تستبق تلك المساعي الدولية الرامية لتشكيل حكومة تكنوقراط بصلاحيات كاملة تجعل من دورة مجرد دور فخري، وهو ما يرفضه عباس، ويرفض كذلك أي مرجعية فصائلية لهذه الحكومة، ويتمسك بتشكيل حكومة بمرجعية عباسية لديها استعداد كامل لتنفيذ كامل مهامها الأمنية في الضفة الغربية، مع الاستعداد لإدارة قطاع غزة بعد حكم حماس، وهو ما تؤكده الكثير من التقرير التي تشير الى تحرك رئيس جهاز المخابرات ماجد فرج داخل قطاع غزة، من أجل تشكيل قوة أمنية بالتنسيق مع أطراف إقليمية ودولية، على أن تكون هذه القوة نواة للأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة.
من الواضح إذاً أن ثمة تشابه في هدف الأطراف الدولية بشأن التخلص من حكم حماس في غزة، وهدف محمود عباس، لكن الخلاف يبقى على علاقة شرعية الحكومة، خاصة وأن عباس كان قد رفض مطلب الفصائل الساعي لتشكيل حكومة بمرجعية وطنية، لكن يتوقف نجاح أي حكومة على نتائج ما يحدث في قطاع غزة، خصوصاً وأن الإدارة الامريكية التي تحدثت مراراً عن ضرورة العودة لاتفاقيات السلام، وقيام الدولة الفلسطينية، باتت تتحرك بشكل عملي على عكس ما تقول، فمشروع انشاء الميناء العائم في غزة الذي يأتي تحت عنوان إيصال المساعدات لسكان شمال قطاع غزة، من شأنه أن يقطع الحبل السري بين غزة والضفة الغربية، لأن هذا الميناء يعتمد على حكومة محلية مستحدثة على حساب حكومة حماس، وبعيداً عن السلطة الفلسطينية التي ترفض بدورها هذا المشروع، وما يترتب عليه من تداعيات خطيرة على علاقاتها السياسية والاقتصادية بقطاع غزة.
لهذا يمكن القول، أن الأطراف الدولية والاقليمية تتحرك بعيداً عن الفصائل والسلطة الفلسطينية، وهو ما يستدعي تحرك فصائلي يتناسب مع خطورة المرحلة، لأن هذه الأطراف تحاول فرض واقع جديد لا يحقق إلا مصالح اليمين الديني في إسرائيل، والساعي للقضاء على أي حلم فلسطيني، مستفيداً من غياب الدور الفصائلي وإصرارها على استمرار الانقسام بغض النظر عن التداعيات الخطيرة التي تواجه القضية الفلسطينية.