اللجنة الوطنية للشراكة والتنمية الأهداف والمعيقات
أعُلن في قطاع غزة الإثنين 18 سبتمبر 2023، عن تدشين ”اللجنة الوطنية للشراكة والتنمية“ والتي ستُعني بمعالجة آثار الانقسام الفلسطيني وجبر الضرر عن عائلات شهداء وجرحي أحداث الانقسام والاقتتال الداخلي التي شهدها قطاع غزة اضافة إلى تنفيذ المشاريع الإغاثية وايصال المساعدات إلى الأسر الفقيرة كما تنفيذ جملة من المشاريع التنموية الطارئة التي يحتاج إليها قطاع غزة، وتَضم اللجنة في عضويتها ثمانية فصائل وهي حركة حماس وتيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، وحركة الجهاد الإسلامي، والجبهتين الشعبية والديمقراطية، والجبهة الشعبية القيادة العامة وحركة المبادرة الوطنية، ومنظمة الصاعقة.
من اللجنة الوطنية للتكافل الاجتماعي إلى اللجنة الوطنية للشراكة والتنمية
انطلقت أولى مراحل المصالحة المجتمعية في قطاع غزة لمعالجة آثار الاقتتال الداخلي أبان التوافق السياسي بين حركة حماس ومحمد دحلان القيادي السابق المفصول من حركة فتح وزعيم تيار الاصلاح الديمقراطي في حركة فتح في العام 2017، وقد توّج التوافق آنذاك بقانون المصالحة المجتمعية الذي أقره المجلس التشريعي في غزة في العام 2018 والذي يضم 13 مادة أبرزها تشكيل لجنة مصالحة مجتمعية لمتابعة متضرري أحداث الانقسام والمواجهات بين حركتي فتح وحماس وتعويضهم عن الخسائر في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة.
وقد باشرت اللجنة التي حملت اسم ”اللجنة الوطنية الإسلامية للتنمية والتكافل الاجتماعي“ أعمالها منذ العام 2017 وحتى العام 2019، واستطاعت خلال تلك الفترة جبر الضرر عن 173 عائلة من ضحايا الاقتتال الداخلي التي قبلت بالمصالحة المجتمعية وطي صفحة الاقتتال، قبل أن يتوقف عمل اللجنة مع تصاعد الحديث عن تحقيق المصالحة الفلسطينية وتشكيل حكومة وحدة وطنية في حينه، ما ساهم في تعثر عمل اللجنة وايقاف أعمالها لاحقاً في انتظار أن تتكفل ”حكومة الوحدة الوطنية“ المرتقبة الاضطلاع بمهمة اتمام المصالحة المجتمعية وتبني ملف التعويضات للضحايا، لكن وفي أعقاب فشل المحاولات المتكررة لتحقيق المصالحة السياسية وغياب امكانية إجراء الانتخابات الفلسطينية التي قد تسفر عن حكومة وحدة وطنية دفع القوى الفلسطينية المشكلة للجنة الفلسطينية للتكافل إلى العودة إلى مسار تحقيق المصالحة المجتمعية وتعزيز الشراكة والتنمية في قطاع غزة، مع توسعة مهام اللجنة المرتقبة وتشكيلها من ثمانية فصائل في حين اقتصرت اللجنة الأولى على أربعة فصائل، وهو ما يشير إلى نوايا وتطلعات القائمين على اللجنة المشكلة إلى إمكان اقترابها من العمل السياسي ولعب أدوار أوسع من المصالحة المجتمعية وجبر الضرر عن ضحايا الاقتتال، خصوصاً مع مشاركة العديد من الفصائل غير المتورطة بأحداث الاقتتال الداخلي في الهيئة التأسيسية للجنة المقصودة.
ومن المتوقع أن تباشر اللجنة التي ترأسها القيادي في تيار الاصلاح الديمقراطي في حركة فتح ” أسامة الفرا“ أعمالها خلال الأيام القادمة من خلال اتمام حصر تعويضات ضحايا الانقسام من خلال ”ملف الدماء وتعويضات ضحايا الانقسام“ المنبثق عن اللجنة والمشكَل مركزياً على مستوى قطاع غزة من كافة الفصائل المشاركة في اللجنة، كما يليه لجان فرعية في كافة محافظات قطاع غزة للمساهمة في الوصول إلى أسرع وأدق النتائج المرجوة، وتشير المعلومات الأولية إلى استعداد اللجنة لإنجاز 100 ملف من ملفات ضحايا الاقتتال كمرحلة أولى، إضافة إلى متابعة الأضرار المادية التي تسببت بها الأحداث ودراسة سبل التعويض المناسبة.
من جانب آخر باشرت اللجنة أعمالها في اعداد مشاريع الاغاثة والتكافل من خلال الإعداد لتوزيع الحقائب المدرسية والعمل على توفير الكراسي المتحركة للجرحى وذوي الاحتياجات الخاصة كما إعداد مشروع ترميم البيوت للأسر المتعففة في قطاع غزة، إضافة إلي مجموعة من المشاريع التنموية التي أعلنت اللجنة عزمها المضي بها، لتصل حصيلة المشاريع المزمع تنفيذها في المراحل الأولي لعمل اللجنة إلى 3 مليون دولار، والذي من شأنه أن يساهم في تخفيف العبء عن كاهل الأهالي ويعزز السلم والنسيج الاجتماعي في قطاع غزة المحاصر.
مكاسب الأطراف من تشكيل اللجنة الوطنية
على الرغم من تشكّل اللجنة الوطنية للتكافل والتنمية من ثمانية فصائل فلسطينية إلا أن من الممكن اعتبار حركة حماس والتيار الاصلاحي في حركة فتح ”تيار دحلان“ هما النواة الأساسية المشكلة للجنة، حيث تجري أعمال اللجنة جغرافياً في قطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس وتتناول اللجنة موضوعياً الملفات ذات العلاقة بالاقتتال الداخلي الذي نشب أساساً بين حركتي حماس وفتح التي كان يمثلها بصورة مركزية تيار محمد دحلان أبان أحداث الاقتتال الداخلي، ليكون هدف تحقيق السلم المجتمعي، وإزالة آثار الاقتتال ونزع فتيل دوامة الثأر من قطاع غزة هدفاً مركزياً لحركة حماس التي تحكم القطاع ومطالبة بتوفير الأمن لمجتمعه، كما تشكّل حملات الاغاثة ووعودات المشاريع التنموية المزمع تنفيذها في القطاع فرصة اضافية لحركة حماس التي تعاني من تضييق اقتصادي تمثل مؤخراً في اغلاق المعابر الاسرائيلية لأيام متتالية كما تقليص ”المنحة القطرية“ التي كانت تساهم في تخفيف الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها القطاع، من جانب آخر ترى حركة حماس في التوافق والاجتماع الفصائلي هدفاً مركزياً أكدت عليه في مسارات عملها المختلفة، إذ سجّلت في الأعوام الماضية تشكيل الهيئة الوطنية لمسيرات العودة كما هيئة دعم فلسطينيي الداخل المحتل إضافة إلى تشكيلها الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة لتنسيق أعمال المقاومة من قطاع غزة، ليأتي أخيراً تشكيل اللجنة الوطنية للتكافل والتنمية للتأكيد على سلوكها في تعزيز العمل المشترك مع الفصائل الفلسطينية وبلورة أجسام تشاركية تعزز من شرعيتها داخلياً واقليماً كرائدة للمشروع الوطني وممثلة عن مختلف أطياف ومسارات عمل المجتمع الفلسطيني، من جانب آخر يرى تيار الاصلاح الديمقراطي ”تيار دحلان“ في التوافق مع حركة حماس، وتحقيق المصالحة المجتمعية وتوفير مشاريع الاغاثية في القطاع فرصة سانحة لتعزيز حضوره السياسي في القطاع، والسعي لإعادة كوادره الذين غادروا قطاع غزة عقب سيطرة حركة حماس على القطاع في العام 2007 والذي من شأنه أن يعيد ترتيب أوضاع ”تيار دحلان“ داخل قطاع غزة ويعزز قدراته السياسية، خصوصاً في ظل الأنباء المتواترة عن عزم حركة فتح إنجاز مؤتمرها الثامن في ديسمبر المقبل والبدء بالانتخابات المحلية في القطاع والتي أقصت العديد من المقربين من دحلان وتياره.
موانع في طريق عمل اللجنة
على الرغم من تشكل اللجنة الوطنية من قطاع واسع من الفصائل والقوى الوطنية، وحصولها على الدعم الكبير من اللجان العشائرية في القطاع إلا أنها تواجه معارضة سياسية من بعض القوى السياسية الفلسطينية، إذ رفضت أحزاب مقربة من حركة فتح الاعلان عن اللجنة الوطنية، واعتبر حزب الشعب أن الاعلان عن تشكيل اللجنة لا يتفق مع جوهر مخرجات حوارات المصالحة الوطنية في القاهرة التي أكدت على مشاركة جميع الفصائل في لجنة المصالحات المجتمعية، كما اعتبرت جبهة النضال الشعبي، التي مثلت موقف المعارضين لتشكيل الهيئة، أن شراكة القوى السياسية تحت مسمى الهيئة الوطنية للشراكة والتنمية له هدف سياسي وليس إغاثي أو إنساني، وهو يشكل مرحلة جديدة في الساحة الفلسطينية ذات طابع محوري قد يكرس آثار الانقسام، وطالبت بالابتعاد عن كل ما يعمق الانقسام، وهو الموقف الذي عبّر عن موقف حركة فتح التي ترفض المشاركة في مسار المصالحة المجتمعية في مرحلتيه الأولى والثانية استناداً إلى موقفها الحاسم بعدم مشاركة التيار الاصلاحي ”تيار دحلان“ أي مسارات مجتمعية أو سياسية حسب مصادر مطلعة، كما تعتقد حركة فتح أن انجاز المصالحات المجتمعية وجبر الضرر وإزالة آثار الانقسام في قطاع غزة سينعكس بالإيجاب على حركة حماس التي ستتخلص من العبء المعنوي لأحداث 2007 كما ستحقق فائدة اقتصادية لقطاع غزة الذي تحكمه وتخفف من الأعباء الاقتصادية المتراكمة على كاهل المواطن في القطاع، كما سيحقق تيار دحلان من جانب آخر مكاسب سياسية وجماهيرية في قطاع غزة، والتي من شأنها أن تنتزع من حصة حركة فتح في القطاع وتساهم في زيادة الحضور والتأثير للتيار، ورئيسه محمد دحلان، في المشهد الفلسطيني.
يسبب عدم توافق حركة فتح على اللجنة الوطنية للتكافل والتنمية إلى حصر أعمالها في قطاع غزة دون الضفة الغربية، التي شهدت ارتدادات للاقتتال الداخلي الذي شهده القطاع، وتسببت بوقوع العديد من الضحايا من سكان الضفة الغربية كما تسجيل العديد من الأضرار المادية التي لحقت بالممتلكات الخاصة، من جانب آخر يشكّل رفض بعض العائلات في قطاع غزة لمبدأ المصالحة المجتمعية تحدٍ إضافياً للجنة الوطنية والقائمين عليها لتهيئة السبل نحو اقناع تلك العائلات بأغلاق كافة ملفات ضحايا الاقتتال الداخلي.
على الرغم من معارضة حركة فتح وبعض فصائل منظمة التحرير المقربة منها لمسار اللجنة الوطنية، كما اعلان اللجنة اقتصار أعمالها على المصالحات المجتمعية والمساهمة في دعم واسناد الاسر الفقيرة وتحقيق التنمية في القطاع إلا أن مشاركة ثمانية من الفصائل السياسية، بما فيهم حركة حماس والجهاد الاسلامي والجبهتين وتيار الاصلاح، في تشكيل لجنة وطنية من المقرر أن تكون دائمة يشكّل فرصة سياسية لإمكان تحقيق التوافق السياسي بين المكونات المذكورة وتقديم تجربة عملية على العمل الفلسطيني المشترك كمقدمة لتشكيل جبهة وطنية تتبنى المواقف السياسية المجمع عليها وتشكّل واجهة جامعة لمختلف التيارات الفلسطينية تساهم في الضغط على حركة فتح من أجل المضي في تجديد شرعيات السياسية الممثلة للشعب الفلسطيني وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية في ظل ما يحيق بالقضية الفلسطينية من مهددات.
في السياق ذاته تبقى مشاركة فصائل منظمة التحرير في اللجنة الوطنية للشراكة والتنمية “الجبهتين الشعبية والديمقراطية والقيادة العامة بالإضافة إلى تنظيم الصاعقة، تطوراً مهماً يُحسب لفصائل منظمة التحرير التي رفضت المشاركة في اللجنة السابقة لأسباب سياسية، خاصةً وأن مشاركتها في هكذا لجان يُمكن أن ينعكس على علاقاتها مع حركة فتح التي ترفض وجود “محمد دحلان” في أي عمل وطني فلسطيني. حتى تشكيك حزب الشعب بعلاقة اللجنة بمقررات اتفاق القاهرة 2011 لم يكن ذات تأثير، على عكس التفاعل الفصائلي الإيجابي النادر مع أي عمل وطني خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية.