احتمالات التطبيع السعودي “الإسرائيلي”
على الرغم من تواتر التصريحات والتقارير بشأن اقتراب “التطبيع الدبلوماسي” بين المملكة العربية السعودية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، برعاية واشنطن، فإن ثمة خمسة عوامل تؤثّر على مسار هذا التطبيع المرتقب؛ أولها وجود تعارض في حسابات الأطراف الأميركية والسعودية والإسرائيلية، وتباين أولوياتها وأهدافها في موضوع التطبيع.
وثانيها أثر التحالف الأميركي الإسرائيلي الممتد على مدار عقود طويلة، ومكانة “إسرائيل” الفريدة في الاستراتيجية الأميركية تجاه إقليم الشرق الأوسط، على مخرجات مسار التطبيع، التي ربما تكون أقرب لتحقيق المصالح الإسرائيلية أكثر من الشروط السعودية (بالنظر إلى خبرة التطبيع المصري الإسرائيلي، على الرغم من حدوثه في سياقات دولية وإقليمية مواتية نسبيًّا للعرب، بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973).
وثالثها هشاشة وضع رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بسبب مشروع “التعديلات القضائية” وتفاقم الانقسام السياسي والمجتمعي في “إسرائيل”، وكذا تصاعد انتقادات شخصيات أمنية وعسكرية وسياسية لنتنياهو، بسبب احتمال تعريضه المصالح الأمنية والإقليمية الإسرائيلية لمخاطر في إطار صفقة التطبيع مع الرياض، (التي تعني عدم الاعتراض الإسرائيلي على برنامج نووي مدني سعودي)، ما يتناقض مع خطاب نتنياهو وسياساته؛ إذ ركّز على مدار أكثر من عقد، على التصدي للخطر النووي الإيراني، و”تحريض” أميركا والدول الغربية ضد النظام الإيراني.
ورابعها طبيعة/حدود “عملية إعادة التموضع الجزئي”، الذي تقوم به السعودية حاليًّا، في ظلّ تداعيات “المرحلة الانتقالية” التي يمرُّ بها النظامان الدولي والإقليمي، خصوصًا بعد الحرب الروسية على أوكرانيا 2022/2023، التي زادت، من ناحية، فرص الرياض لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية وتوسيع هامش المناورة والحركة في سياساتها الخارجية، بسبب زيادة الطلب الدولي على دور السعودية ونفطها وقدراتها المالية والاستثمارية والإغاثية، وتحوّلها مركزًا دبلوماسيًّا إقليميًّا، وتوسيع وساطاتها نحو قضايا دولية (مثل الأزمة الأوكرانية).
لكن هذه المرحلة الانتقالية تفرض، من ناحية أخرى، تحديات جمّة على كيفية توفيق السعودية بين تعارض سياساتها في المستويات الدولية والإقليمية والداخلية؛ فرغم وجود مصلحة سعودية في إعادة توطيد علاقاتها بواشنطن (عبر تقديم مزايا اقتصادية ومالية سعودية للأطراف الأميركية والإسرائيلية والهندية)، مقابل ضمان تحسين القدرات الدفاعية السعودية وامتلاكها برنامجًا نوويًّا مدنيًّا، فإن ذلك قد ينطوي على تأجيج التنافس السعودي الإيراني إلى مستويات خطرة، واحتمال تكريس تباعد الرياض مع أطراف إقليمية مهمة (مثل مصر وتركيا وباكستان)، بسبب تداعيات التطبيع السعودي الإسرائيلي على مصالح هذه الأطراف الإقليمية، وأخيرًا، انعكاسات التطبيع على شرعية النظام السعودي الداخلية، المرتكزة على أساس ديني وقَبَلي، علمًا بأن النظام السعودي كان يدرك جيدًا، إبان حقبة الملك فيصل بن عبد العزيز (1964- 1975)، أن اهتمامه بقضية الدفاع عن المسجد الأقصى والقدس، تعزز من شرعية النظام، سواء على الصعيد السعودي أم الإقليمي؛ إذ بنى فيصل خطابه الإسلامي على فكرة “التضامن الإسلامي”، خصوصًا بعد حريق المسجد الأقصى أغسطس/آب 1969، على الرغم من وجود دوافع تنافسية، آنذاك، مع زعامة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، المرتكزة على أساس قومي عروبي.
أما العامل الخامس المؤثّر على مسار التطبيع و وتيرته، فهو كيفية تعامل المقاومة الفلسطينية مع تحديات المرحلة الراهنة، ومدى جهوزيتها لتطوير عملية نضال سياسية اجتماعية طويلة الأمد، استنادًا إلى مواطن قوة الشعب الفلسطيني وأهمها: استمراره على أرضه، ودخول جيل الشباب إلى ميدان الصراع مع “إسرائيل”، وتجديد أشكال المقاومة وأساليبها، وتصاعد احتمال اندلاع “انتفاضة فلسطينية شاملة”، تعيد خلط الأوراق وتعمل على إرباك حكومة نتنياهو ومسار التطبيع العربي “الاسرائيلي”، على حد سواء.
سيناريوهات التطبيع السعودي الإسرائيلي:
يمكن أن يتخذ التطبيع عدة مسارات مستقبلية متداخلة، بسبب تأثير العوامل الخمسة المذكورة آنفًا، سيما تداعيات “المرحلة الانتقالية” التي يمرُّ بها النظامان الدولي والإقليمي، على كيفية استجابة السياسة السعودية لعناصر التعقيد والغموض والتشابك، التي تهيمن على المشهدين العالمي والإقليمي.
1-سيناريو “التطبيع الحذِر”
ويرتكز في جوهره على تطبيع “الحد الأدنى”، أو “إعادة تعريف التطبيع”، مع تدشين علاقة سعودية، تبغي تحقيق توازن بين السلطة الفلسطينية في رام الله والحكومة الإسرائيلية، على نحو يخلق “رسائل رمزية”، بانفتاح السعودية ومرونتها وحرصها على إحياء عملية التسوية، وتعزيز التهدئة في إقليم الشرق الأوسط إجمالًا، وجدارة السعودية بمكانتها لدى واشنطن.
وصحيح أن هذا السيناريو يعني تزايد مساحة التقارب بين الرياض وتل أبيب باطراد، لكن السعودية ستبقى تتحسّب من تعقيدات السياسة “الإسرائيلية” الداخلية وكذلك نواياه العدوانية وفقاً للخبرة العربية أثناء جهود التسوية أو المبادرات العربية للسلام.
وعلى الرغم من احتمال نجاح المسعى الأميركي في إنجاز خطوات “جزئية” في مسار التقارب السعودي “الإسرائيلي”، لكنها ستبقى على الأرجح، أقل من مستوى الاعتراف السعودي بدولة الاحتلال، (على الأقل حتى اقتراب موعد الانتخابات الأميركية القادمة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، ما قد يدفع الرياض نحو تطوير مسارات أخرى للتطبيع بعيدًا عن العلاقات الدبلوماسية المباشرة، (من قبيل توسيع التعاون الاقتصادي والثقافي والسياحي والتجاري.. إلخ، وإمكانية استقبال مسؤولين أو تكنوقراط إسرائيليين في المملكة؛ إذ شهد شهر سبتمبر/أيلول 2023، مشاركة وفد إسرائيلي في قمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، المنعقدة في الرياض، ثم زيارة وزير السياحة الإسرائيلي حاييم كاتس، السعودية، للمشاركة في مؤتمر السياحة التابع للأمم المتحدة).
وربما يمكن قراءة زيارة السفير السعودي غير المقيم لدى السلطة الفلسطينية، نايف بن بندر السديري، إلى رام الله، 26 و27 سبتمبر/أيلول 2023، في إطار تحرك السعودية نحو السلطة الفلسطينية لإثبات جهوزية الرياض لاتخاذ خطوات لتشجيع “إسرائيل” والولايات المتحدة على السير نحو تخفيف “معاناة الفلسطينيين” و”تحسين معيشتهم”، على نحو يتلاقى مع أفكار “السلام الاقتصادي”، التي يتبنّاها نتنياهو، ما يعني ضمنيًّا أن السعودية تدرك عدم قدرتها على الضغط لفرض تطبيق “المبادرة العربية للسلام”، على الرغم من التمسك بها كموقف السياسي يعكس نظرتها التقليدية اتجاه القضية الفلسطينية، على مدار العقود الماضية.
ويبدو أن هذا السيناريو هو المرجّح في الشهور القليلة القادمة.
2- سيناريو نجاح التطبيع السعودي الإسرائيلي، والتحاق دول أخرى به
ومن شروط هذا السيناريو، نجاح السياسة الأميركية في استعادة سياسة “المحافظة على الوضع القائم” في فلسطين والمنطقة عموما، وتنشيط عملية التسوية، ولو بشروط أخرى وبوتيرة أبطأ، ضمن ضغوط أكبر لزيادة التطبيع العربي والإقليمي مع “إسرائيل”، وتغيير السياسات الرسمية العربية تجاه فلسطين، عبر دعم التطبيع ودمج “إسرائيل” في المنطقة العربية سياسيًّا واقتصاديًّا واستراتيجيًّا، وتأطيرها في اجتماعات دورية، (مثل اجتماع النقب 27-28 آذار/ مارس 2022، الذي ضم وزراء خارجية إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ومصر والمغرب والإمارات والبحرين أو التأطير في القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط “سانتكوم” التي باتت “اسرائيل” تنسق جهودها العسكرية عبره)
وهذا يعني عودة الحياة ل”صفقة القرن”، وانتعاش “اتفاقات أبراهام”، وتوسيع التطبيع ليشمل دولًا إسلامية (مثل أندونيسيا وماليزيا وباكستان وبنغلاديش)، ودولًا أفريقية (مثل جزر القمر وموريتانيا وجيبوتي ومالي والنيجر)، ودولا عربية (مثل سلطنة عُمان وقطر).
ويفترض هذا السيناريو أن تطبيع السعودية، في حال حدوثه، سيشجع كثيرًا من الدول الإسلامية والأفريقية والعربية التي تعاني أزمات داخلية على تسريع عملية تطبيعها مع إسرائيل؛ إذ تمتلك دولة الاحتلال دبلوماسية نشيطة في توظيف الأزمات لعرض خدماتها وتسويق قدراتها التقنية المتقدمة وفتح مجالات للتعاون.
ويبدو أن فرص تحقق هذا السيناريو هي ضئيلة، على ضوء انعكاسات متغيرات البيئة الدولية والإقليمية على إقليم الشرق الأوسط، الذي يبدو في مسار خروج من حالة الهيمنة الأميركية/الإسرائيلية التي سادت منذ حرب الكويت عام 1991، وربما حتى بداية الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
وفي حال تحقق هذا السيناريو، سيتم تعزيز مكانة إسرائيل الإقليمية وتهميش قضية فلسطين بصورة أكبر، وتدهور العلاقات العربية الفلسطينية بصورة أكبر.
3- سيناريو فشل التطبيع واحتمال انهيار عملية التسوية
من العوامل الدافعة لهذا السيناريو، هشاشة وضع رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، واحتمال فشل إدارة بايدن في إعادة ترتيب المشهد الإسرائيلي نحو حكومة أقل تطرفا، بحيث تضم أحزاب الوسط وتخرج منها أحزاب اليمين الديني الصهيوني.
وعلى الرغم من التوافق بين إدارة بايدن ونتنياهو على إمكانية تطبيع في مستوى معين مع المملكة في ظل المرونة التي أظهرها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلة الفوكس نيوز؛ فإن ثمة احتمالًا بعدم مصادقة الكونغرس على معاهدة دفاع مشترك مع السعودية (بسبب موقف التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي مما يسمّى الملف الحقوقي السعودي، وعدم رغبة الجمهوريين في مساعدة بايدن بتحقيق إنجاز عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية المرتقبة). بالإضافة إلى العائق “الإسرائيلي” المتمثل في اعتراض شخصيات سياسية وأمنية على تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية، ناهيك عن مطالبة السعودية إسرائيل بتقديم “تنازلات” ملموسة للفلسطينيين.
كما أن عدم تجاوب واشنطن مع مطالب السعودية، (المتمثلة في تعهد أميركي رسمي بأمن السعودية في حال تعرّضها للتهديد، بما في ذلك الالتزام بتلبية طلباتها من كل أنواع المعدّات العسكرية المتقدّمة التي ترغب في شرائها، والمشاركة الأميركية في البرنامج النووي السلمي السعودي، بما في ذلك امتلاك تكنولوجيا دورة الوقود النووي الكاملة من دون قيود)، قد يدفع بالسعودية نحو الصين، التي لا تفرض شروطًا سياسية معقدة في تحالفاتها وسياساتها في تصدير التقنية النووية، مقارنة بواشنطن.
وعلى الرغم من “الاستقرار” السياسي الذي تتمتّع به المملكة، فإن الاندفاع نحو التطبيع مع دولة الاحتلال، من شأنه التأثير على شرعية النظام الداخلية، ولو بعد حين؛ إذ يبقى ماثلًا في الذهن مآلات التطبيع الأردني والمصري .
وعلى الرغم من استمرار نموذج “السلام البارد” بين مصر و”إسرئيل” على مدار حقبة الرئيس الراحل حسني مبارك (1981- 2011)، وكذا تطور نموذج “التطبيع الاستراتيجي” مع إسرائيل في ظل نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، فإن هذا التطبيع لم يتمتع بتأييد شعبي مصري، كما ظهر من عملية الجندي محمد صلاح 3 يونيو/حزيران 2023، في معبر العوجة، التي حملت مؤشرًا على استمرار رفض الوعي الشعبي المصري لسياسات الاحتلال على الرغم من متانة العلاقات الرسمية المصرية “الإسرائيلية”، ما يؤكد مصداقية نتائج المؤشر العربي، (الذي يصدره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة) التي كشفت “شبه إجماع لدى المستجيبين عن أسئلة المؤشر على رفض اعتراف بلدانهم بإسرائيل، وبنسب شبه ثابتة منذ استطلاع المؤشر الأول في عام 2011 وحتى عام 2020، وتصل النسبة إلى نحو 87% في الحد الأعلى، في مقابل 9% فقط وافقوا على أن تعترف بلدانهم ب”إسرائيل”. ويتسق ذلك مع معارضة المواطنين العرب اتفاقيات السلام التي عقدت بين إسرائيل وأطراف عربية، وتقديرهم أن “إسرائيل” هي الدولة الأكثر تهديدا لأمن الوطن العربي”.
وعلى الرغم من وجود ما يشبه “توزيع أدوار” في السياسة السعودية تجاه الموضوع الفلسطيني والتطبيع مع “إسرائيل”، (كما يظهر من تباين مضمون تصريحات ولي العهد محمد بن سلمان قناة فوكس نيوز الأميركية، وخطاب وزير الخارجية فيصل بن فرحان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والسفير السعودي، نايف بن بندر السديري)، فإن الأرجح عدم نجاح هذه التكتيكات أكثر من كسب الوقت لأسباب تشبه أسباب فشل المبادرة العربية للسلام لحل الصراع العربي الإسرائيلي، (كونها أتت خالية من أي أدوات ضغط أو “أنياب”، ناهيك عن عدم قابليتها للتنفيذ إسرائيليًّا في ظل غياب أي قبول مجتمعي/ سياسي إسرائيلي لإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه، مع الصعود المطرد لتيارات اليمين الإسرائيلي المتطرّف).
ولا شك أن تطور أداء المقاومة الفلسطينية بعد الأزمة الأوكرانية (2022-2023)، وفشل حكومة نفتالي بينت، في استعادة “الردع الإسرائيلي” عبر إطلاق حملة “كاسر الأمواج” في الضفة الغربية، وبروز جيوب المقاومة (من جنين، إلى نابلس، وصولًا إلى بلدة بيت أمر شمال الخليل)، وبروز ظاهرة “الفدائيين الجدد”.
حيث تكمن المفارقة هنا في أن تسارع معدلات التطبيع العربي والإقليمي مع “إسرائيل”، قد يحفّز الشباب على بلورة العامل الذاتي التحرري الفلسطيني لرفع سوية المقاومة وتحسين أدائها في مواجهة بيئة عربية وإقليمية غير مساندة للنضال الفلسطيني، ما يعني أنه يصعب تجاوز البعد الفلسطيني في حل قضية فلسطين، سيما في ظل محدودية نجاح مقاربة “الحل الإقليمي” والتطبيع العربي “الإسرائيلي”، سواء في صيغة أوسلو، أم المبادرة العربية للسلام، أم صفقة القرن واتفاقات أبراهام، ما يعني إجمالًا فشل السياسة الأميركية في “إدارة” الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بدلًا من حلّه.
خلاصة:
عبر تحليل العوامل المؤثرة في احتمالات التطبيع السعودي “الإسرائيلي”، وسيناريوهاته المحتملة، يبدو أن ثمة تعارضًا في حسابات الأطراف الأميركية والسعودية و”الإسرائيلية”، في موضوع التطبيع، في ظل مكانة إسرائيل “الفريدة” في الاستراتيجية الأميركية تجاه إقليم الشرق الأوسط، ما يدفع إدارة بايدن إلى محاولة إنقاذ “إسرائيل” من مأزقها الراهن وانقساماتها الداخلية، عبر الضغط على أطراف عربية لتطبيع علاقاتها مع “إسرائيل” بهدف إعطاء أمل للمجتمع اليهودي بوجود مستقبل للكيان في المنطقة. إذ أن عوامل تفككه من الداخل أقوى من عوامل تماسكه.
وعلى الرغم من أن الدافع السعودي نحو التطبيع مع “إسرائيل” هو إعادة توطيد العلاقات الأميركية السعودية، في تكرار لما حدث في المبادرة العربية للسلام عام 2002، التي كان هدفها الحقيقي هو تجاوز أثر تداعيات أحداث 11/9/2001 على صورة السعودية في أميركا، فإن احتمال خروج الرياض خاسرة على المدى البعيد من هذا التطبيع، يبدو كبيرًا، على نحو يشبه الحالات المصرية والفلسطينية والأردنية.
وإذا كان التطبيع السعودي “الإسرائيلي” يحاول إعادة عقارب الساعة إلى الخلف، وتحجيم النفوذ الصيني في الإقليم، فإن ثمة شكوكا في القدرة الأميركية على تقديم الحوافز والضمانات الكافية لنجاح هذا التطبيع، (كما كان الحال وقت اتفاقات كامب ديفيد عام 1978)، ناهيك عن عدم حاجة الرياض للتطبيع مع حكومة “إسرائيلية” متطرفة ومن غير المعروف على وجه الدّقة طبيعة ردّها فيما لو استجاب نتنياهو لأي بند من الشروط السعودية للتطبيع حيث هاجس حدث اغتيال رئيس وزراء إسرائيل رابين، الذي سبق وأن قاد مسار التسوية مع الفلسطينيين، ما زال قائمًا في أذهان القادة الإسرائيليين.
وفي ظل سياسة المصالحات السعودية الإقليمية مع قطر وتركيا وإيران، وفي ظل توسيع العلاقات السعودية (مع أميركا، وفرنسا، وسائر الدول، وروسيا والصين والهند)
وهو ما يشير إلى أن السعودية قد تجاوزت استراتيجية العزلة التي حاولت أمريكا فرضها. وبفضل تصاعد مكانتها في السياسة الدولية وتزايد وزنها الإقليمي، تظل المملكة في موقف يتيح لها مواجهة الضغوط الأمريكية والحفاظ على مكتسباتها ومصالحها الجيوسياسية على رأسها مركزية القضية الفلسطينية و قدرة الفلسطينيين على مواصلة نضالهم لانتزاع حقوقهم التاريخية وإٍقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، حتى وإن كانت السلطة الفلسطينية في رام الله مستعدة لقبول التطبيع بسقف أقل من إقامة دولة فلسطينية، فإنه على الأرجح ستواجه صعوبات في تسويقها إلى الشعب الفلسطيني. مهما كانت المكتسبات الاقتصادية والمعيشية المرتبطة بمسار التطبيع.