أعلنت الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار، الأربعاء ٣٠ أغسطس، البدء بإعادة تجهيز وتأهيل مخيمات العودة على الحدود الشرقية لقطاع غزة، فيما بدأت الجرافات بتجهيز المناطق الخاصة بتجمعات المتظاهرين في مناطق القطاع الخمس في ذات اليوم، وقد جاء قرار استئناف المسيرات بعد انقطاع امتد لقرابة ثلاثة أعوام، بفعل ظروف مختلفة كجائحة كورونا أو حالة التهدئة التي أعقبت تخفيف دولة الاحتلال بعض قيودها عل قطاع غزة المحاصر منذ العام ٢٠٠٧.
كانت مسيرات العودة الكبرى التي انطلقت في ٣٠ مارس ٢٠١٨ واحدة من أبرز الأحداث الشعبية في قطاع غزة خلال العقد الماضي، وفي حين حملت المسيرات شعارها المتعلق بالمطالبة بتنفيذ حق العودة، فقد كان المطلب الثاني المتعلق بكسر الحصار عن غزة هدفاً مركزياً لاستمرار المسيرات على مدار قرابة عامين تقريباً، استطاعت المسيرات تحقيق عدد من الإنجازات التي ساعدت في التنفيس عن القطاع الذي يعاني من حصار إسرائيلي- مصري مشدد.
أبرز تلك الإنجازات تمثلت في إعادة فتح معبر رفح بصورة شبه دائمة، بعد مماطلة مصرية طويلة، ثم دخول المنحة القطرية التي شملت تقديم مساعدات شملت الاف الأسر الفقيرة والموظفين المدنيين وتمويل أسعار الوقود الخاص بمحطة توليد الكهرباء في غزة، إضافة إلى بعض المشاريع الأخرى التي ساهمت فيها قطر كجزء من حالة التهدئة الميدانية عقب مسيرات العودة.
أسباب استئناف مسيرات العودة
مع تصاعد موجة العمليات الفدائية في الضفة الغربية، وجهت دولة العدو اتهامات مباشرة لحركة حماس بتمويل تلك العمليات، وهو ما دفعها إلى اتخاذ جملة من القرارات التي هدفت إلى معاقبة حماس من خلال زيادة الضغط الاقتصادي على قطاع غزة.
خلال الشهور الماضية؛ تراجعت دولة الاحتلال عن العديد من التفاهمات السابقة الخاصة بالوضع الانساني في القطاع، ما أثر سلباً على حياة الناس هناك بصورة كبيرة مقارنة بما كان عليه الوضع خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، حيث خفضت دولة الاحتلال أعداد التصاريح الممنوحة للعمال في غزة، إضافة إلى تقليص المنحة القطرية عدا عن تأخر موعد صرفها، فيما رفعت مصر من حجم الضرائب على البضائع الواردة من معبر رفح – الشق التجاري، وهو ما أسفر عن ضغوط اقتصادية على لجنة العمل الحكومي التي تحملت الفرق في أسعار الضرائب كبديل عن رفع أسعار السلع بسبب التداعيات السلبية التي يمكن أن تنتج عن مثل هذه الخطوة في الشارع الفلسطيني.
إلى جانب ذلك؛ فقد أدت تلك الخطوات إلى إضعاف خزينة الحكومة في غزة، ما أثر تباعاً على مواعيد ونسب الصرف للموظفين المدنيين والعسكريين داخل القطاع، وهو ما زاد من حدة الانتقادات لعمل الحكومة من جهة، وللأوضاع المعيشية في غزة من جهة أخرى.
استئناف المسيرات بين الفرص والتحديات:
يحمل قرار استئناف مسيرات العودة جملة من الفرص وكذلك التحديات للعمل الوطني الذي تشكل المسيرات أحد أوجهه، ويمكن الإشارة إليها على النحو التالي:
الفرص:
حشد الفلسطينيين في الضفة وغزة ضد الاحتلال: يشكل استئناف مسيرات العودة فرصة مهمة لالتحام الفلسطينيين في الضفة والقطاع ضد الاحتلال الإسرائيلي وسياساته، وبالتالي توسيع مساحات العمل ضد الاحتلال وضمان مشاركة أكبر قدر من الشارع في الحالة المقاومة شعبياً وعسكرياً ضد الاحتلال.
إشغال الاحتلال عن التركيز عن الضفة الغربية: عطفاً على النقطة السابقة، فقد دأبت دولة الاحتلال على استنفار قواتها على طول الحدود مع غزة خلال مسيرات العودة، إضافة إلى تعزيز تلك القوات بألوية أخرى في الجيش، عدا عن الاستنفار في قيادة جيش الاحتلال والحكومة في المناسبات الوطنية الخاصة التي تحييها الهيئة الوطنية العليا للمسيرات كذكرى النكبة أو ذكرى انطلاق المسيرات وغيرها.
وبالتالي فإن استئناف مسيرات العودة قد يشكل ضغط إضافي على جيش الاحتلال من حيث تشتيت تركيزها على جبهتين بدلاً من إبقاءها منصبة على الضفة الغربية.
إبقاء القضايا الوطنية الكبرى حاضرة في الوعي الدولي: كانت مسيرات العودة بأسبابها ثم أحداثها وانتهاكات الاحتلال خلالها، حاضرة بقوة على أجندة الأطراف المتداخلة مع القضية الفلسطينية، وقد ركزت التقارير الأممية التي عالجت مسألة المسيرات، على التعريف بها وأسبابها ابتداء بالمطالبة بحق العودة، وصولاً إلى الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وخاصة حصار قطاع غزة، وإن استئناف المسيرات سيعيد التركيز على هذه القضايا مع إحراج حكومة الاحتلال المتطرفة من خلال إدانة سياساتها ضد الفلسطينيين.
دفع حكومة العدو للتراجع عن خطواتها ضد غزة: إن استمرار الحشد للمسيرات وما يترتب عليها من إدانات دولية لسياسات الاحتلال أو حتى خطر الانزلاق لمواجهة عسكرية مع غزة، قد يدفع حكومة الاحتلال للتراجع عن كافة الخطوات العقابية ضد غزة، وإعادة تفعيل دور الوسطاء بقوة للوصول إلى حلول تضمن استقرار الأوضاع في غزة، بما فيها تراجع مصر عن سياساتها الجديدة بشأن الضرائب على معبر رفح التجاري.
إبطاء جهود التطبيع العربي الصهيوني: إن الحراك الشعبي الفلسطيني ضد الاحتلال وازدياد زخمه، وقدرة الجهات الفاعلة في غزة على حشد أكبر عدد من الناس للمشاركة في المسيرات والقيام بأنشطة شعبية نوعية، مع استمرار حالة المقاومة في الضفة الغربية واحتمال تطور الأمور في الأراضي الفلسطينية إلى هبة شعبية ضد الاحتلال، وما يصاحبها من تعاطي إعلامي واسع، قد يصعّب جهود التطبيع خاصة تلك التي تسعى فيها الإدارة الأمريكية بين السعودية ودولة الاحتلال، حيث قد تجد الرياض نفسها في حرج من التقدم في مسار التطبيع الشامل في ظل ارتفاع مستوى المقاومة والاحتجاجات ضد الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.
التحديات:
تراجع القابلية للمشاركة في المسيرات: على الرغم من النجاحات التي حققتها مسيرات العودة، إلا أنها تعرضت أيضاً لانتقادات عديدة منها إخفاقها في تحقيق اختراق كبير ونوعي على صعيد كسر الحصار، أو سوء إدارة بعض الملفات كجرحى مسيرات العودة الذين تم إيقاف جزء كبير من مخصصاتهم رغم تعرضهم لإصابات أحدثت لهم عاهات مستديمة، فيما أن انخفاض شعبية مسيرات العودة برز في حالة الجدل على منصات التواصل الاجتماعي بشأنها، على عكس البدايات القوية للمسيرة في ٢٠١٨.
تجاهل حكومة الاحتلال لمطالب تخفيف الحصار: إذ قد تجد حكومة نتنياهو نفسها غير مضطرة لتقديم تنازلات على صعيد تخفيف الحصار عن غزة أو التراجع عن الخطوات التصعيدية الأخيرة في هذا الخصوص، في ظل استمرار الاتهامات لحماس بدعم وتمويل المقاومة في الضفة الغربية، أو قيامها بالمساومة على هذه القضية، من خلال الاستعداد لتخفيف الضغط عن غزة مقابل وقف دعم العمليات الفدائية في الضفة الغربية، وهو مقترح قد تطرحه دولة الاحتلال على الطاولة بغض النظر عن رفض حماس له.
انزلاق الأحداث إلى تصعيد عسكري: شهد قطاع غزة أكثر من جولة تصعيد خلال الشهور الممتدة من عمر مسيرات العودة سابقاً، فيما أن توتر الوضع الأمني حالياً، وتهديدات الاحتلال ضد قادة ورموز حماس، كلها عوامل قد تجعل من مسيرات العودة صاعق تفجير لجولة تصعيد كبيرة بين المقاومة ودولة الاحتلال.
مع كل ذلك، يبقى استمرار الحشد لمسيرات العودة، وربط استئنافها بتنامي المقاومة في الضفة عاملاً هاماً في تشكيل حالة شعبية مناهضة للاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما ستساهم التغطية الإعلامية المكثفة لفعاليات مسيرات العودة خاصة على المنصات الناطقة باللغة الإنجليزية، في تشكيل حالة ضاغطة على دولة الاحتلال بشأن استمرار الانتهاكات في الأراضي الفلسطينية، وإرغام جيش الاحتلال إلى عدم التعامل بوحشية مع المتظاهرين السلميين.