تقدير الموقف

التداعيات والمآلات المحتملة لعملية “طوفان الأقصى”

في لحظة حاسمة من التاريخ وبعمق استراتيجي لا يُضاهى، استيقظ العالم على وقع عملية “طوفان الأقصى” التي أذهلت الجميع بجرأتها وتأثيرها. بلغت هذه العملية مستوى لم يكن متوقعًا، حيث كشفت عن هشاشة الجيش الإسرائيلي بصورة لم يتخيلها الكثيرون. ربما حتى منظمو العملية لم يتوقعوا الانعكاسات الكبيرة التي أفرزتها، وكان أهم تجلياتها استسلام مواقع عسكرية إسرائيلية بالكامل لكتائب القسام. هذه العملية التي جاءت كتعبير عن حالة الاحتقان التي سادت ما قبل نقطة التحول هذه؛ وتراكم الغضب  نتيجة للجرائم الصهيونية المتكررة بحق المدنيين والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، خصوصا بعد فشل جميع الوساطات والتفاهمات لوقف الانتهاكات ضد حرمة المسجد الأقصى والاعتداء على المصلين، ضمن سياسة ممنهجة لفرض التقسيم الزماني والمكاني، وفشل كل اتفاقات التهدئة في لجم التغول الصهيوني، وفي ظل هذا الواقع وغياب الخيارات السياسية  البديلة، في ضوء قلّة الحلفاء الجدّيين والأصدقاء الحقيقيين، وفي ضوء محاولات تجاوز الحقوق التاريخية الفلسطينية تارة بمسار التطبيع الإقليمي ومرةً بالتوظيف السياسي لنضالات وتضحيات الشعب الفلسطيني بدون مردود ملموس لمصلحة الفلسطينيين وتأثير كل ذلك على مستقبل ومكانة القضية الفلسطينية إقليمياً ودولياً، مما وضع المقاومة أمام لحظة الحقيقة إما ان تبقى ساكنة وتتفادى مواجهة قادمة لا محالة حيث يتسارع معها المشروع الصهيوني في كلّ الأرض الفلسطينية ويفرض الحقائق والوقائع من تهويد في القدس واستيطان في الضفة وحصار على غزة وتواصل سياسات تعزيز الانقسام واستراتيجيات عزل الفلسطينيين ليتوج في نهاية المطاف بتصفية القضية الفلسطينية وإخضاع الفلسطينيين بشكل نهائي وفقاً للتصورات والأفكار التي تعتنقها هذه الحكومة الأكثر تطرفاً وفاشية في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي، وإما أن  تطلق مبادرة استراتيجية تغير المعادلات العسكرية والسياسية بعمل غير مسبوق على مدار حركة النضال الفلسطيني ليعيد الاعتبار للشعب الفلسطيني ويضع قضيته على رأس أجندة السياسة الإقليمية والدولية ويفتح الباب لكافة الاحتمالات لحل الصراع وفقاً لتطلعات الشعب الفلسطيني في نيل الحرية والعودة والاستقلال، فكانت عملية طوفان الأقصى بعدما أيقنت المقاومة أن تكلفة استمرار الوضع الراهن للقضية الفلسطينية أعلى من كسر حالة الجمود السياسي والميداني السائد في المنطقة والمتضرر الأول منه الفلسطينيون.

نتائج العملية :

جاءت العملية بقوتها الهائلة كصاعقة، فاجأت العالم وهزت أسس الخيال السياسي السائد عن تفوق إسرائيل المُطلق والواقع العربي العاجز والانقسام الفلسطيني المُتواصل. ألقت “طوفان الأقصى” بظلال الإرباك والدهشة على كل من الميدان العملياتي والمسرح السياسي. 

أولاً ميدانيا:
– كانت العملية نقطة تحول مؤثرة، إذ وجهت ضربة استراتيجية غير متوقعة للجيش الإسرائيلي، مما أحدث ردة فعل كبيرة داخل المجتمع الإسرائيلي. أصبح الجيش الإسرائيلي، في أعقاب هذه الضربة، غير قادر على فك رموز هذه العملية، وظل مشلولًا وغير قادر على الاستجابة بكفاءة حتى بعد مرور 36 ساعة على الهجوم.

– تسببت العملية في أسر عدد كبير من الجنود الإسرائيليين وبعض المدنيين، الذين تم نقلهم إلى قطاع غزة. وقعت هذه الأحداث في ظل حالة من الفوضى والارتباك نتيجة لانهيار فرقة غزة التي كانت تسيطر على الحدود مع قطاع غزة.

– نجحت المقاومة في تعزيز سيطرتها على الأراضي، مؤكدةً إصرارها على الاحتفاظ بكل شبر منها. هذه السيطرة أدت إلى وضع المدنيين الإسرائيليين تحت طائلة سلطتها لفترة وجيزة، مما أثار حالة من الانفلات والتخبط على الجانب المقابل للجدار المُفصلي عن قطاع غزة. هذا الوضع الذي لم يكن متوقعًا من قبل الكثيرين، استمر لأكثر من الفترة المتوقعة، حيث لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من إعادة السيطرة على منطقة غلاف غزة إلا بعد مرور 72 ساعة من بداية العملية، كما أفادت تصريحاته. من ناحيتها، أعلنت المقاومة عن استمرارها في النضال والمعركة، حتى وراء خطوط العدو.

– استطاعت المقاومة، بجرأة وتكتيك غير مسبوق، اقتحام الجدار الأمني الذي تميز بكل تلك التحصينات المتقدمة والتكنولوجيا العالية، والتي بلغت تكلفتها مليارات الدولارات. لم يكن يمثل فقط ضربة للقوة والهيبة التي كان يتمتع بها الجيش الإسرائيلي، بل كان، بالأحرى، مصدرًا لإلهام وتحفيز المعنويات الفلسطينية، وتأكيدًا على قوة العزيمة والتصميم، بطريقة لم تكن في حسابات الكثيرين.

– أثر ذلك شهد قطاع غزة هجومًا إسرائيليًا شرسًا، على خلفية الرغبة في الانتقام، حيث استشهد حتّى الآن نحو 700 مدني وتعرضت المنشآت والأحياء السكنية لتدمير هائل. يُرى في هذا الهجوم ظلال “عقيدة الضاحية” التي طبقت سابقًا في لبنان خلال حرب 2006، والتي تهدف، في جوهرها، إلى ضرب الحاضنة الشعبي للمقاومة من خلال استهداف البنية التحتية والمدنيين. بالإضافة إلى ذلك، تم اتخاذ قرارات تجاوزت الهجوم الميداني، حيث فُرض عقاب جماعي على سكان قطاع غزة من خلال إغلاق المعابر وقطع المياه والكهرباء، في محاولة لفرض ضغوط إضافية وتحقيق أثر نفسي معين.

ثانيا : التداعيات السياسية 

  • على الجانب الإسرائيلي : احدثت العملية هزة عنيفة في المشهد السياسي في داخل الكيان، سنشهد نتائجها عندما تصمت المدافع وتضع الحرب أوزارها، وستتحول الحرب إلى أزمة سياسية حادة داخل الكيان، ومحاكمات ولجان تحقيق تطال كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين، كما شهدنا ردات فعل سياسية من القيادات الإسرائيلية التي تتوعد بالدمار لقطاع غزة لن ينساه الفلسطيني  .
  • على الجانب الفلسطيني : الشعور بنشوة النصر لدى الجمهور الفلسطيني  نتيجة  لما شهده الفلسطينيون من انجاز غير مسبوق ، أدى إلى حالة من الالتفاف الشعبي  الواسع حول المقاومة، مما وضع السلطة الفلسطينية أمام موقف صعب في ظل انسداد الأفق السياسي أمام السلطة الفلسطينية، وفي ظل رفض السلطة ادانة ما قمت به  المقاومة واعلان بعض الجهات الغربية عن توقف دعمها للسلطة الفلسطينية  مما يجعل المشهد الفلسطيني امام حالة معقدة مقاومة منتصرة وسلطة محاصرة .
  • إقليميا: احدثت العملية حالة من الإرباك علاوة على احداث حالة من  الفرز السياسي تجاه الموقف من القضية الفلسطينية ، فعدد محدود من الدول أعلن تأييد المقاومة، ولكن الأغلب تعاملوا بمنطق المتفرج والمحايد، والأسوأ من أدان فعل المقاومة بصورة غير مباشرة أو كاد يكون قاطعا في ادانته، ولم تبدو تحركات واضحة لوقف العدوان او التحرك للجم العدوان خاصة ضد المدنيين. اما على المستوى الشعبي فقد بدا واضحا التعاطف الشعبي مع المقاومة وحالة من الفخر في الجمهور العربي، حتى في بعض البلدان التي لم تبدى موقفا مساندا للمقاومة، ولم يترجم حتى اللحظة إلى قوة ضغط على الأنظمة لإجبارها للتحرك للجم العدوان على قطاع غزة.
  • دوليا : كان واضحا ان  الموقف الغربي الداعم لإسرائيلي قولا وعملا منذ اللحظة الأولى من خلال اعلان واشنطن عن دعم 8 مليار دولار، وتحريك  حاملة الطائرات الأحدث في ترسانتها إلى منطقة شرق المتوسط مدعومة بسفن الصواريخ والدعم اللوجستي والإنزال ، إلى جانب ذلك اعلان بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا مساندتها التامة لإسرائيل، حتى الاتحاد الأوربي أعلن عن وقف المساعدات للسلطة الفلسطينة.  في حين لم تظهر القوى الدولية الأخرى مواقف محددة في دعم أي من الطرفين سواء روسيا والصين.

السيناريوهات المحتلمة في ظل الوقائع على الأرض .

السيناريو الأول : استمرار الضربات القاسية والعنيفة على قطاع غزة وعلى أهداف المقاومة بهدف فرض الاستسلام على حركة حماس واجبرها على التخلي عن سلاحها مقابل بقائها في الحكم أو القضاء عليها .                                        
– ما يعزز هذا التوجه  هو الانحياز الغربي والأمريكي المطلق والداعم لإسرائيل والتعامل مع حركة حماس وذراعها العسكري “ القسام “كحركة ارهابية، خاصة مع سعيهم لوضع القسام بموازاة داعش لتبرير تدمير غزة.  رغبة المؤسسة العسكرية والأمنية التي حطمت هيبتها مما يدفعها للانتقام من غزة عبر استخدام قوة مفرطة.  استمرار القسام والمقاومة الفلسطينية في غزة بالقتال واطلاق الصواريخ على المدن والمستوطنات الاسرائيلية.                                                               
ويضعف هذا الخيار :                                                                             

  • خشية الدول العربية من اطالة أمد الحرب مما يضعف قدرة الدول العربية على الحفاظ على مواقف حيادية.                                 
  • الخشية من تصاعد الأزمة إلى مواجهة شاملة خاصة في ظل امكانية تصاعد اعمال المقاومة من شمال لبنان. وما يمكن أن يتبعه من جر إيران في هذه المواجهة بصورة أو أخرى، الأمر الذي لا ترغب به واشنطن.                                                       
  • صعوبة الحسم إلا بتدمير غزة وهذا يتطلب استمرار المواجهة مما  يضر بالمساعي الأمريكية لتجنيد الموقف الدولي والدعم المادي لأوكرانيا في مواجهة روسيا، والأزمات الدولية خاصة في أفريقيا.              ـ
  • اتخاذ حركة حماس خطوات إنسانية من قبيل الاستعداد لإطلاق سراح المدنين لديها مما يساهم بزعزعة شرعية الهجوم الاسرائيلي.

 السيناريو الثاني : تراجع حدة المواجهة وانتقالها إلى مستوى أقل عنفا وحدة، المستوى المتوسط، ويساعد في هذا التوجه :                                            

  • رغبة اسرائيل في اطالة أمد المواجهة لتلبية الحاجات السياسية للحكومة والنفسية للجمهور الإسرائيلي، مثل هذا السيناريو يتطلب خفض مستوى المواجهة مما يجبرها على عدم الذهاب إلى التصعيد الشديد ، لكن هذا السيناريو يحتاج 10 – 14 يوم  حتى نصل  إليه نظرا لحاجة الحكومة الإسرائيلية لاظهار الحزم  والقوة تجاه حركة حماس من قبيل التدمير المنهجي للمناطق في بداية المواجهة كتطبيق عملي “لعقيدة الضاحية” ، وتهدف إسرائيل من هذا السيناريو احداث انهاك لحركة حماس بأقل التكلفة في ظل الصمت العالمي والحصار المفروض على قطاع غزة أملاً في تأليب الجمهور الفلسطيني على حركة حماس.
  • حاجة نتانياهو لاستمرار المواجهة للتخلص من امكانية المحاسبة هو وحكومته بانتظار تحقيق انجاز يشفع له إزاء الفشل العسكري والاستخبارتي الذي كشفته عملية “طوفان الأقصى”.                                    
  • قد تتطور المواجهة إلى تدخل بري محدود وليس من الواضح أن يكون هناك تفكير جدي لاحتلال القطاع نظرا للتكلفة العالية المتوقعة .                                
    يضعف هذا التوجه :
  • نجاح المقاومة في الاستمرار بتوجيه ضربات قوية وتهديد للمصالح “الإسرائيلية” خاصة  القدرة على ضرب الاهداف الاستراتيجية، والتلويح بذلك إن لم يرفع الحصار. أي بمعني استخدام القوة المتزنة
  • والامتناع عن ضرب أهداف حيوية ومراكز سكانية والتلويح بضربها إن لم يتوقف العدوان.
  • اليأس من إمكانية إثارة الجمهور ضد حماس خاصة في حال انتشار مظاهر المجاعات في وسط السكان وانتشار الأوبئة مما  يشكل ضغطا على الموقف الدولي الداعم للسياسة الإسرائيلية .
  • تحركات دولية واقليمة لوقف الحملة العسكرية الإسرائيلية.  

 التقدير :
– من المستبعد في المرحلة الحالية وقف إطلاق  النار ولا يمكن الحديث عن ذلك قبل مضي عدة أيام، إذ يُعتبر وقف إطلاق النار في الفترة القصيرة هو بمثابة انتصار ساحق لحماس، وهذا لن يقبله أحد لا “الإسرائيليين” ولا حلفائها من الغرب.

 السيناريو الثالث : تراجع المواجهة                                                  
من أبرز شروط تحقيق هذا السيناريو

  • تحقيق انجاز عسكري ومعنوي للجانب الإسرائيلي يرضي غرور القيادة الإسرائيلية ويشبع رغبتها في الانتقام في خلال الأيام القليلة القادمة القادمة ، مما يمهد لإمكانية التوصل إلى اتفاق تهدئة تفرض شروطه إسرائيل.
  • استفاقة عربية والضغط على الجانب الإسرائيلي عبر الضغط على الإدارة الأمريكية ، بموازاة تحرك شعبي في العالم العربي والإسلامي يدفع القادة العرب للتحرك لتجنب تصاعد الأزمة، يساهم في ذلك حراك شعبي دولي دعم للشعب الفلسطيني.                           
  • ويضعف هذ الخيار فشل ذريع في تحقيق انجازات عسكرية  تبرر للساسة الإسرائيليين قرار وقف العملية  وهذا خيار مستبعد حاليا في ظل حالة الألم والصدمة القاسية  التي  تعاني منها القيادة والمجتمع الإسرائيلي السيناريو العرضي
  • حدوث حدث عرضي قد لا يكون أحد قادر على التنبؤ به في ظل المتغيرات المفاجئة التي صنعها “ طوفان الأقصى” مما يقلب كل الموازين التي تسير عليها الأحدث في أي من السيناريوهات السابقة: لكن يمكن التكهن بأحداث قد تحدث نتيجة لأزمات مشابهة  مثل  مجزرة تقع في غزة أو في الطرف الأخر بسبب القصف المتبادل . أو تصاعد المواجهة في شمال لبنان مما يغير من قواعد اللعبة بشكل كبير. أو حدوث ازمة  مثل اضطربات واسعة في الأردن ، أو الضفة أو صدرو قرار دولي من مجلس الأمن لفرض وقف إطلاق النار. ترجيح مسارات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة :

 – ستستمر إسرائيل في الأيام القادمة في انتهاج“عقيدة الضاحية” على مراحل وليس دفعة واحدة، اذ تفضل الحكومة الإسرائيلية في المرحلة الحالية ارضاء جمهورها عبر مواجهة طويلة من الهجمات المحدودة.

– لا تفضل إسرائيل ولا حلفائها تدخلا بريا واسعا بل اتباع استراتيجية مشابهة لما حصل في حرب البلقان  كوسوفوا بالقصف الجوي الذي نفذه الناتو ضد الصرب عام 1996 .

– إسرائيل ستكون مضطرة بعد أيام للسماح بادخال المواد الغذائية وفي مرحلة لاحقة .                               
– من المتوقع أن تتمكّن المقاومة من الصمود لفترة طويلة مما سيجبر الطرف الإسرائيلي للبحث عن مخرج بأقل التكالبف وأقل الانجازات لحركة حماس .                                 
–  سيكون للمفاعيل الإقليمة والدولية أثر مهم في وقف العدوان والمواجهة مثل انجاز تحالف عربي وإقليمي مسنود من قوى دولية وازنة في الضغط على الموقف الغربي والإسرائيلي لوقف العدوان وفتح آفاق سياسية للوضع الانساني والسياسي والميداني غير المسبوق تعقيده وخطورته.               
– نجاح حركة التضامن الدولية مع الشعب الفلسطيني في في إظهار معاناة الشعب الفلسطيني تحت العدوان وتحريك القوى المناصرة للضغط على الاحتلال والقوى الغربية المساندة له.

– قد يساهم تجنب المقاومة أي خطوات استفزازية للمجتمع الدولي وتقديم بعض المبادرات الانسانية خصوصاً في ملف الأسرى المدنيين في ترك أثر مهم في خفض وتيرة العدوان.

ختاماً:

لا شكّ في أنّ “طوفان الأقصى” يُمثل ملحمة فريدة في تاريخ الصراع الفلسطيني، بفضل التأثير العميق الذي أحدثته على الصعيد العملياتي والنفسي في صفوف قوات الاحتلال، وحجم الخسائر التي تكبدتها. وبغض النظر عن النتائج المترتبة على هذه العملية، تبقى القدرة التي أظهرها الفلسطينيون على مفاجأة الاحتلال وإعادة تعريف المعادلات السياسية والعسكرية والأمنية معه، حقيقة ثابتة في الميزان الاستراتيجي. وعليه، يتعين علينا قراءة هذا الحدث ضمن سياق أوسع، يشير إلى أنّ السياسات الإسرائيلية الرامية لتجاوز حقوق الفلسطينيين وتجاهل وجودهم، وفقًا للرؤية التي تُعتنقها الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفاً وفاشية، ستواجه الفشل المحتوم.

وفي هذا السياق، يُظهر التجاهل الإقليمي والدولي للقضية الفلسطينية مدى قصور الرؤية التي كانت تسود، وكيف أدت هذه السياسات إلى نتائج غير متوقعة وعواقب لم تُقدّر آثارها على كافة الصعد. من الضروري الآن أن يُدرك العالم، بما في ذلك الحكومات العربية والإسلامية، الحاجة الماسة لتحرك ملموس يُلبي تطلعات الشعب الفلسطيني ويحقق حقوقه المشروعة والمعترف بها دوليًا.

مع ذلك، يتعين التمييز بين العملية نفسها والأحداث الجانبية التي قد تكون رافقتها، خصوصًا في ظل الانفعالات الشعبية الغاضبة والتي قد تؤدي إلى أفعال لا يمكن الإقرار بها.

أولئك المدنيين الذين شهدوا قسوة العالم وتجاهله لحقوقهم، والذين عاشوا ضمن ما يُشبه أكبر سجن مفتوح على وجه الأرض، لم يكونوا يتوقعوا أن جدران الفصل العنصري ستنهار بقوة ضربات المقاومة الفلسطينية، وكانت أنفقت عليها إسرائيل مليارات الدولارات لإحكام السجن على أكثر من ٢ مليون من السكان، وبعدما كانت مسرحًا لمأساة جديدة. عندما استُشهد المئات من الشبان المدنيين الذين تظاهروا بشكل سلمي خلال مسيرات العودة على أبواب هذه الجدران، وأصيب ما يزيد عن ١٠ آلاف منهم بالرصاص الحي على أيدي جنود الاحتلال وبتشجيع من المستوطنين في غلاف قطاع غرة مما أوجد حالة غضب لا يمكن التحكم بها، وذلك دون التطرق أولئك الذين فقدوا عائلاتهم ومسحت من السجلات المدنية بالكامل في الاعتداءات الإسرائيلية السابقة. هذه الأوضاع تبقى دليل آخر على مسؤولية هذا العالم للإقرار بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وأن لا يتمادى في قسوته على الفلسطينين وأن ترك اسرائيل ومنحها الغطاء كي تنتقم من المدنيين الفلسطينيين للرّد على كسر هيبتها العسكري عن طريق منع إدخال إمدادات الغذاء والدواء وقطع الكهرباء والماء بما يعني حرب للإبادة الجماعية وفقاً لكل المواثيق الدولية، هو ما يؤسس لأي تطرف في المنطقة والعالم وستتحمّل اسرائيل وحلفاءها الغربيين وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية تداعيات مثل هذه الأوضاع التي لا تخدم مبدأ الأمن والاستقرار في هدا العالم.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق