اغتيال الشيخ خضر عدنان قراءة في الأبعاد والأهداف والتداعيات
أثار استشهاد الأسير الشيخ خضر عدنان، المضرب عن الطعام منذ ٨٦ يوماً في سجون الاحتلال الإسرائيلي رفضاً للاعتقال ولائحة الاتهام الموجهة ضده، موجةً غضبٍ عارمة في أوساط الشعب الفلسطيني والفصائل والقوى الفلسطينية والتي ردّت على جريمة الاحتلال بعشرات الصواريخ من قطاع غزة، واصفةً إياها بعملية اغتيال مدبرة ومقصودة. فيما استنكرت العديد من مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية الجريمة “الإسرائيلية”، مطالبةً برفع ملف الاغتيال إلى محكمة الجنايات الدولية.
كما شهدت أسواق الضفة الغربية إضرابات واسعة، وتعليق للدراسة في الجامعات والعمل في المحاكم، فضلاً عن حالةَ الغضبٍ التي شهدتها سجون الاحتلال، حيث أعلنت لجنة الطوارئ الوطنية العليا للحركة الأسيرة الحداد في كافة السجون.
أهداف الاحتلال
سعى الاحتلال من وراء الإهمال المتعمد وما رافقه من تعتيم إعلامي على الوضع الصحي للشيخ خضر عدنان إلى محاولة تمرير هدف إغتياله مع ضمان تقليص ردود الفعل الفلسطينية على جريمة مكتملة الأركان . وتأتي هذه الجريمة في إطار سياسة الاحتلال الممنهجة والرامية إلى حرمان القوى الشعبية والجماهيرية الفلسطينية من رموز وقيادات تتمتّع بالشرعية النضالية والثقة لدى الشارع الفلسطيني. حيث للشيخ خضر عدنان حضور بارز لدى الشارع الفلسطيني خصوصاً في مدن وقرى وسط وشمال الضفة الغربية، وكانت المنظومة الأمنية للاحتلال قد سلكت مساراً استراتيجياً يرمي إلى تقليم أظافر الحالة الثورية بتحييد النخب والرموز الوطنية من الضفة الغربية، بهدف منع تشكّل قيادة سياسية/ميدانية يتوفر لها إمكانية إدارة مسار العمل الثوري بأعلى قدر ممكن من المكاسب للفلسطينيين وإيقاع أكبر ضرر على دولة الاحتلال، متبعةً إجراءات ممنهجة في تحييد هذه العناصر، ومنها عمليات الاغتيال المباشر أو غير المباشر.
وتأتي عملية اغتيال الشهيد خضر عدنان بعد أيام قليلة على حديث الإعلام الإسرائيلي وبعض مسؤولي حكومة نتنياهو حول اللجوء لسلوك الاغتيال للتخلص من أشكال المقاومة الفلسطينية، كما يمكن القول أن الاغتيال يأتي في سياق مساعي حكومة نتنياهو الأشد تطرفاً في تاريخ الكيان الصهيوني لتطبيق قانون إعدام الاسرى بطريقة غير مباشرة، خاصةً وأن السجل الطبي للشهيد عدنان معروف لإدارة السجون الصهيونية التي رفضت توفير أبسط متطلبات الرعاية الصحية وأصرت على بقائه في زنزانة ضيقة، وهي بذلك تكون قد طبقت سياسة بن غفير دون الإعلان عن ذلك صراحةً.
أبعاد جريمة الاغتيال
ولا شك في أن هذه السياسة الصهيونية تسعى لمنع أي شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية خاصةً في الضفة الغربية، لأن تطوير السلوك الميداني للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية من شأنه أن يعزز قدرتها على الفعل والبقاء والتطور ؛ وهذا ما يجعل الاحتلال يتجه لهذه السياسة بهدف حرمان المقاومة من فرص بناء و مراكمة خبرات نضالية مسنودة بقوى شعبية.
ضمن هذا الإطار جاء التقدير الاسرائيلي باغتيال الشيخ خضر عدنان الذي بات يمثل رمزية فلسطينية عابرة لفصيل الجهاد الإسلامي الذي ينتمي له، حيث شهد له الجمهور الفلسطيني تحديه المستمر السجان الاسرائيلي وانتزاع الانتصارات منه، بما فيها مشاركته الفاعلة في الأنشطة الوطنية والجماهيرية الداعمة للمقاومة و المناصرة للأسرى والمؤكدة على الثوابت الوطنية.
التداعيات والنتائج المحتملة للجريمة
حدث اغتيال الشيخ خضر عدنان من المؤكد أنه سيزيد حالة الإصرار على نهج التحدى والمواجهة للاحتلال وخططه بشأن محاولة فرض وقائع وحقائق على الأرض يتوقع أنها ستضمن له تغيير البيئة السياسية والأمنية في الضفة الغربية لصالح “اسرائيل” سنوات طويلة قادمة، ومن البديهي أن مجموعات المقاومة المسلحة سيتكثف من جهودها في تدفيع الاحتلال ثمن جرائمه بكل الطرق والوسائل المتاحة، في سبيل ردع الاحتلال و إجباره على التراجع عن مخططاته وجرائمه ، وهو بمثابة ردّ عملى على جملة الاتفاقيات والمؤتمرات الأمنية الأخيرة التي عُقدت في العقبة وشرم الشيخ برعاية أمريكية بهدف احتواء قدرة الشعب الفلسطيني على الدفاع عن نفسه وحماية مكتسباته والذود على مقدساته الاسلامية والمسيحية.
بالتوازي نجحت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة تجسيد مبدأ وحدة الساحات، من خلال ردودها المحسوبة على الجرمية، مجدداً لتأكيد فشل الاحتلال وسياساته الرامية فصل جغرافية النضال الفلسطيني، وكي تعزز من أدوار المقاومة الفلسطينية في غزة تحقيق نوع من المظلّة تساهم في حماية للشعب الفلسطيني في أماكن تواجده كافة محاولات الاستفراد والتوغل بالدم الفلسطيني لتحقيق مكاسب داخلية ل قادة حكومة الاحتلال عن طريق فواتير الدم الفلسطيني، خاصةً وإن البُعد الداخلي للجبهة الداخلية الاسرائيلية كان عاملاً أساسياً في ارتكاب جريمة اغتيال خضر عدنان، فـ نتنياهو المأزوم داخياً فيما يبدو يحاول تصدير أزماته بتسجيل أي إنجازات على حساب الدمّ والأرض الفلسطينية.
وعلى الرغم من ذلك فإن الردود المدروسة للمقاومة الفلسطينية في غزة بواسطة الغرفة المشتركة نجحت على الأرجح، من تفويت فرصة على الاحتلال توسيع المواجهة إلى مستويات معينة ربّما خطط لها وفقاً لأسبابه وضمن حساباته الخاصة، كما أنّ الرد المنسق من قبل كافة الفصائل صعّب الموقف على الاحتلال تطبيق تكتيكاته وسياسات الاستهداف، وأظهر مرةً أخرى ارتقاء مستويات التنسيق الميداني والسياسي بين فصائل المقاومة على اختلاف توجهاتها بما يتناسب مع حجم الحدث وطبيعة التحدي الذي فرضه سلوك العدواني للاحتلال، بحيث استطاعت إلى حدّ ما الحفاظ على قواعد الاشتباك بين المقاومة والاحتلال التي تم تكريسها في مواجهات سابقة . ومن جانب آخر أبقت تفاعلات الحدث في الضفة الغربية مفتوحة على تطورات مقلقة للاحتلال سعى إلى تفاديها عن طريق نقل مجهوداته العسكرية العدوانية إلى ساحات وجبهات أخرى.