مؤشر فلسطين

بين زيارة بايدن للمنطقة وزيارة عباس لقبرص…”إسرائيل” المستفيد

تُلقي زيارة الرئيس الأمريكي بايدن المرتقبة للمنطقة بظلالها على التطورات الميدانية والسياسية في الأراضي الفلسطينية، إذ تشهد حالة التصعيد تراجعاً جزئياً يُلبي رغبة الإدارة الأمريكية التي طالبت بذلك؛ أملاً في إنجاح جولة بايدن وذلك بالتزامن مع قرار الاتحاد الأوروبي استئناف الدعم المالي للسلطة الفلسطينية دون شروط، وذلك بعد تجميدها لفترة طويلة انعكست سلباً على موازنة السلطة.

في المقابل، يبدو أن الهدوء النسبي المنشود إقليمياً ودولياً لا يتجه نحو إيجاد أي حلول مرتقبه للقضية الفلسطينية، فالاقتراح الأمريكي لم يُلبي أبسط تطلعات السلطة الفلسطينية، لأن حكومة بنيت تتمسك بموقفها الرافض لكل الحلول السياسية، ولا تجد أي غضاضة في الاقتحامات الميدانية والهدم والتجريف في مناطق مختلفة من الضفة الغربية؛ تمهيداً لحزمةٍ من المشاريع الاستيطانية الجديدة وغير المسبوقة.

لذلك من الواضح أن زيارة بايدن إلى الأراضي الفلسطينية لا تهدف لتفعيل مسار السلام أو إعادة القضية الفلسطينية إلى الأجندة الإقليمية والدولية كما يظن البعض، لأن ما يهم الإدارة الأمريكية الآن ضمان استمرار مسار التطبيع العربي الإسرائيلي، وضمان مشاريع نقل النفط والغاز إلى القارة الأوروبية، خاصةً وأن إدارة بايدن تلعب دور الوسيط في الخلاف الإسرائيلي اللبناني حول حقول الغاز المُكتشفة شرق المتوسط.

يصعب الفصل بين المساعي الأمريكية لتمرير مسار التطبيع، وفرض الهدوء لضمان نقل غاز المتوسط إلى القارة الأوروبية، ومساعي الأخيرة للحفاظ على بقاء السلطة الفلسطينية عبر قرار الإفراج عن أموال الدعم المخصصة لها، وتلك التفاعلات يعززها الاحتلال عبر تقديم بعض الحوافز الاقتصادية للأراضي الفلسطينية؛ تمهيداً للحل الاقتصادي المؤقت على حساب الحلول السياسية للقضية الفلسطينية.

ميدانياً:

تشهد موجة التصعيد التي مر عليها نحو شهرين تراجعاً تدريجياً بدءاً من النصف الأول من شهر يونيو الجاري؛ بناءً على طلبٍ أمريكي بعدم الاقدام على أي خطوة من شأنها أن تؤجج تصعيداً ميدانياً في الضفة الغربية والقدس تزامناً مع زيارة بايدن للمنطقة؛ في هذا السياق يمكن فهم تأجيل قوات الاحتلال لهدم منزل عائلة الشهيد رعد حازم منفذ عملية ديزنغوف إلى عدة أسابيع أو بعد زيارة الرئيس الأمريكي بايدن للأراضي الفلسطينية وإسرائيل[1] منعاً لتأزم الوضع الأمني.

أملاً في التخفيف من سخونة الأحداث ثمة توجه اقتصادي لحكومة بنيت تجاه الضفة الغربية والأراضي الفلسطينية عموماً، فقد شهدت الأيام القليلة الماضية قرارات جديدة بشأن تصاريح العمل، إذ رفعت تصاريح عمال الضفة الغربية من 100 ألف إلى 120 ألف عامل في إطار خطةٍ أطلق عليها “عامل 360”[2]، بعد أن كانت قد اتخذت إجراءات أمنية مشددة قبل نحو شهرين تمثلت في سحب أو خفض تصاريح العمال وملاحقة المتسللين منهم بدون تصاريح قانونية؛ ما أثر سلباً على الحالة الاقتصادية في الضفة الغربية عامةً، وجنين خاصةً نظراً لما اختصت به من إجراءاتِ تضييق إضافية دون غيرها من المناطق. 

وخارج سياق الطلب الأمريكي؛ تحافظ قوات الاحتلال على وتيرةٍ مستمرة للاقتحامات والاشتباكات، خاصة مع كتيبة جنين التي وقع منها ثلاث شهداء وأصيب 8 شبان في عملية اغتيال بتاريخ 17 يونيو الماضي اقتحمت خلالها ما يقارب 30 آلية عسكرية المدينة، وهو ما يدل على الأهمية الأمنية والاستخباراتية التي توليها أجهزة الاحتلال لملف مقاومي جنين، وتسعى باقتحاماتها واشتباكاتها المتكررة إلى إبقاء مقاوميها في ضغطٍ مستمر بعيداً عن التفرغ لعمليات فردية في الداخل، وهو السيناريو المستمر لمدة شهرين وإن كان بوتيرة اقتحاماتٍ متقطعة، لكن مع الحفاظ على استمراريتها وتنفيذ عمليات اغتيال خاطفة بين الفينة والأخرى. 

إلى جانب ذلك، تعود سياسة التهجير والترحيل القسري إلى الواجهة من جديد من بوابة منطقة مسافر يطا في الخليل التي يقطنها حوالي 1200 فلسطيني تزامناً مع استئناف الاحتلال تنفيذ مخططات استيطانية جديدة على مساحة 953 دونماً يفصل جنوب الضفة عن شمالها ووسطها [3]، فيما عادت القدس المحتلة من جديد لتواجه سياسة هدم المنازل في القدس المحتلة، حيث قامت آليات الاحتلال بهدم عدد من المنازل والمنشآت الاقتصادية والتجارية في القدس [4].

رغم حاجة الفلسطينيين إلى التركيز مع الاحتلال ومخططاته التهويدية في القدس والضفة الغربية، إلا أن أمن جامعة النجاح الوطنية في نابلس شغل الرأي العام الفلسطيني بعد اعتداءاته على الطلبة المشاركين في اعتصامٍ سلمي في 14 يونيو الجاري، وهو ما لقي استنكاراً ونداءات على المستويين الشعبي والفصائلي بضرورة تشكيل لجنة تحقيقٍ ومحاسبة المسؤولين عن القمع غير المبرر، خاصةً وأنه صُنف كمؤشر على حالة الانفلات الأمني التي تعيشها الضفة الغربية، وقد يكون له انعكاسات خطيرة على المدى المتوسط فيما يخص الوضع الأمني. 

سياسياً:

لا يمكن تجاهل حقيقة الموقف الحذر المتعلق بخليفة محمود عباس في رام الله، وإذا كان حسين الشيخ غير مقبول فلسطينياً وربما فتحاوياً، فإن مواقف الإقليم حول هذا الملف ليس أفضل حالاً من الموقف الفلسطيني الداخلي، لهذا تناقلت العديد من الأنباء خلال الساعات القليلة الماضية اجتماعات لأجهزة أمنية عربية تسعى للاتفاق على خليفة محمود عباس.

لهذا يمكن القول إن تراجع الاتحاد الأوروبي عن مواقفه السابقة، وإعادة أموال الدعم للسلطة الفلسطينية ليس في إطار الحلول الاقتصادية التي تخدم الأجندة الإسرائيلية فحسب، بل للحفاظ على كيان السلطة الفلسطينية، خاصةً وأن تراجعه عن مطالبة المتعلقة بضرورة تطبيق الحريات والديمقراطية، وتعديل المناهج أمراً ليس معهوداً على الاتحاد الأوروبي، وهو ما اعتبرته السلطة الفلسطينية إنجازاً يُحسب لها!

إذا كانت مساعي العديد من الأطراف الإقليمية والدولية لا تتوقف عن دفع عجلة التطبيع، فإن محصلة مواقف السلطة الفلسطينية لا تتعارض كثيراً مع ذلك المسار؛ لأن زيارة محمود عباس إلى قبرص الرومية في 13 يوليو، وتصريحاته الداعمة لموقفها المتعارض مع الموقف التركي قد يدفع الأخيرة نحو المزيد من تطوير علاقاتها مع الاحتلال، كون ممثلي الشعب الفلسطيني باتوا يقفوا إلى جانب أعداء تركيا، وهنا لم يراعي محمود عباس حساسية المسألة القبرصية بالنسبة لتركيا، وتجاهل تلك المساعي الإسرائيلية لتشكيل تحالف عسكري يجمع كل من تل أبيب وقبرص واليونان.

على الجانب الآخر وفي إطار مساعيها لإنجاح زيارة بايدن إلى المنطقة، قدم نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الفلسطينية الاسرائيلية هادي عمرو إلى أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير “بالتعيين” حسين الشيخ في 11 يونيو مقترحاً لعقد لقاء سياسي فلسطيني – إسرائيلي، وهو ما لم يُقبل فلسطينياً، غير أن تلك الخطوة الأمريكية تأتي قبيل جولة بايدن المرتقبة للمنطقة، في محاولةٍ لإنجاح الزيارة وتحقيق نتائج إيجابية لعدد من الملفات العالقة، وعلى رأسها المفاوضات الثنائية بين السلطة وإسرائيل، وفي الوقت ذاته لضمان نجاح مساعيها على مستوى ملفات التطبيع، وهذا ما يفسر طلب الإدارة الأمريكية من إسرائيل عدم الإقدام على أي خطوة من شانها أن تقود إلى التصعيد الميداني مع الفلسطينيين.

اقتصادياً: 

تتواصل الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية، فيما يشهد الاقتصاد الفلسطيني تراجعاً حاداً للحركة التجارية في الأسواق وموجة من الركود التضخمي، مدعوماً بموجة ارتفاع في الأسعار تشهدها السلع الأساسية، واستمرار الاقتطاعات في رواتب الموظفين للشهر السابع على التوالي. 

وأظهرت بيانات الربع الأول للموازنة العامة، اقتطاع إسرائيل لما يزيد عن 620 مليون شيكل (سعر صرف الدولار مقابل الشيكل 3.25) من أموال المقاصة، منها 149 مليون شيكل، تحت بند رواتب أسر الشهداء والأسرى، و471 مليون شيكل اقتطاعات خدمات المياه والكهرباء الإسرائيلية العاملة في سوق الضفة الغربية.

فيما جاء ادعاء السلطة بدعم الأسعار بقيمة 600 مليون شيكل منذ مطلع العام منافياً للحقائق التي فندتها بيانات الموازنة، إذ سجلت إيرادات ضريبة “البلو” على المحروقات صعوداً بنسبة 13% على أساس سنوي، التي ارتفعت بقيمة 82 مليون شيكل، من 619 مليون شيكل إلى 701 مليون شيكل خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، دون احتساب ضريبة القيمة المضافة على المحروقات، التي رفعت السلطة أسعارها 4 مرات منذ مطلع العام، فيما لا تزال أسعار السلع الأساسية مرتفعة بصورة كبيرة دون قدرة السلطة على ضبطها كما يروج مسؤوليها لذلك.

أمام هذه الأزمات المالية سجل الدين العام رقماً قياسياً بتخطيه مستوى 3.7 مليار دولار، مدعوماً بزيادة اعتماد السلطة الفلسطينية على الاقتراض من البنوك المحلية بزيادة وصلت ل 5% على أساس سنوي، في ظل توقف شبه كامل للمساعدات والمنح الخارجية، التي سجلت أدنى مستوى لها خلال النصف الأول من هذا العام عند 60 مليون شيكل، فيما تتطلع السلطة لعودة الدعم الأوروبي خلال الفترة القادمة بعد أن صادق مجلس الاتحاد الأوروبي على عودة الدعم المالي بأثر رجعي دون شروط مسبقة، والتي تقدر قيمتها السنوية بنحو 300 مليون دولار.

بموازاة ذلك، يسود قطاع غزة حالة من الترقب لمعرفة نتائج زيارة رئيس لجنة متابعة العمل الحكومي عصام الدعاليس، للقاهرة الشهر الماضي، والتي ناقش خلالها مسألة البطء الشديد في تنفيذ الشركات المصرية لمشاريع إعادة الإعمار، ومحاولة اقناع المسؤولين المصريين بالعدول عن قرار حظر دخول المواد الغذائية الأساسية عبر بوابة صلاح الدين، والتي أثرت على مخزون السلع الغذائية وارتفاع أسعاره في غزة، وتراجع الإيرادات المالية الحكومة.

تحليل المؤشر: 

تستمر قوات الاحتلال في الحفاظ على وتيرةٍ مستمرة ومتقطعة من الاقتحامات والمواجهات في مناطق متفرقة من الضفة الغربية؛ رغبةً في إبقاء كتائب المقاومة في انشغالٍ دائمٍ بصد تلك الاقتحامات والاشتباك من جهة، وللكشف عن خلاياهم من جهةٍ أخرى؛ مما يمنعهم من التفرغ لتنفيذ عمليات في الداخل المحتل، ما يخفف الضغط الداخلي، وقد نجحت هذه السياسة في احتواء الحالة الأمنية في الداخل. 

من جانبٍ آخر، وعلى الرغم من مراعاة حكومة الائتلاف الطلب الأمريكي باحتواء الوضع الميداني بشكلٍ جزئي في الضفة الغربية والقدس بتقديمها تسهيلات اقتصادية والتخفيف من الإجراءات المشددة، إلا أنها تبقي مشاريعها الاستيطانية غير المسبوقة خارج سياق هذا الطلب، بل تسارع في تنفيذها قبل الزيارة؛ نظراً لأن استمرار الائتلاف دون تفككٍ مرهون باستمرارية هذه المشاريع التي ربط نوابٌ من الائتلاف استمراريتها باستقالتهم، ويشير ذلك إلى عدم جدوى زيارة بايدن فيما يتعلق بمحاولة تقريب وجهات النظر الفلسطينية الإسرائيلية.

يلاحظ من إجراءات سلطات الاحتلال في الآونة الأخيرة سعيها إعادة تفعيل “مبدأ الاقتصاد مقابل السلام” من جديد بدلاً من الإجراءات الأمنية المشددة التي اتبعتها منذ حوالي شهرين؛ في محاولةٍ منها لتقليل فرص اندلاع تصعيد أمني أو تنفيذ عمليات، وبدلاً من اتباعها أساليب ملاحقة المتسللين عبر الجدار دون تصاريح قانونية تسعى إلى إخضاع العديد منهم إلى دائرة الفحص الأمني بدمجهم في حصة العمال الجديدة، وكذا الحال مع قطاع غزة التي تسعى إلى تحييد جبهته من خلال تسهيلات اقتصادية [5].

أخيراً، يصعب الفصل بين المساعي الأمريكية لتمرير مسار التطبيع، وفرض الهدوء لضمان نقل غاز المتوسط إلى القارة الأوروبية، ومساعي الأخيرة للحفاظ على بقاء السلطة الفلسطينية عبر قرار الإفراج عن أموال الدعم المخصصة لها، وتلك التفاعلات يعززها الاحتلال عبر تقديم بعض الحوافز الاقتصادية للأراضي الفلسطينية تمهيداً للحل الاقتصادي المؤقت على حساب الحلول السياسية للقضية الفلسطينية.


[1] الجزيرة نت، الاحتلال الإسرائيلي يؤجل هدم منزل منفذ عملية ديزنغوف إلى ما بعد زيارة بايدن، 15 يونيو 2022، https://www.aljazeera.net/

[2] يذكر أن قرار تخفيض عدد عمال الضفة الغربية، الذي يشكلون ما يقارب 66% من عمال البناء والبنى التحتية، كان له أثاراً سلبية على قطاع المقاولات في دولة الاحتلال، حيث يؤثر على بناء 73 ألف وحدة سكنية ويكبد الاقتصاد الإسرائيلي أكثر من 120 مليون دولار خسائر مادية. ينظر: عتمه، رغدة، بهدف “تعزيز الردع”… خطة إسرائيلية لزيادة تصاريح العمل للفلسطينيين، 17 يونيو 2022، https://2u.pw/OFbqf

[3] حيث بدأت آلياتها على عجلة بتجريف أراضٍ زراعية في أكثر من منطقة تمهيداً لوضع أساسها قبل زيارة بايدن المقررة في شهر يوليو المقبل. ينظر: مخططات استيطانية خطيرة تسرق مساحات واسعة من أراضي الضفة لفرض وقائع جديدة قبل زيارة بايدن، أخبار الغد، 17 يونيو 2022، https://ghadnews.net/ar/post/7405؛ مخطط استيطاني يفصل جنوب الضفة عن شمالها ووسطها، فلسطين اليوم، 18 يونيو 2022، https://2u.pw/22x3w

[4] في السياق نفسه، قامت قوات الاحتلال بتجريف أراضي زراعية في مخيم الجلزون في رام الله تمهيداً لبناء جدارِ فصلٍ عنصري في المنطقة ضمن خطة حكومة الائتلاف لمنع تسلل المقاومين، وهدمت منزلاً لعائلة ربايعة في منطقة واد الحمص ببلدة صور باهر جنوب شرق القدس المحتلة، بالإضافة إلى منشآة تجارية في بلدة الجيب شمال غربالقدس مع فرض غرامات مالية. ينظر: هدمت جرافات الاحتلال الإسرائيلي، شبكة فلسطين الإخبارية PNN، 15 يونيو 2022، http://pnn.ps/news/649871?amp&nonamp=1؛ قوات الاحتلال تهدم منزل عائلة ربايعة في القدس المحتلة، قناة الجزيرة، 15 يونيو 2022، https://2u.pw/yLvxs

[5] يذكر أن وزير جيش الاحتلال ” بيني غانتس قرر تجميد زيادة حصة عمال غزة من 12000 إلى 14000 عامل في ضوء اطلاق صاروخ من القطاع تجاه المساتوطنات متهماً حركة حماس بتحمل المسؤولية. ينظر: رداً على صاروخ الفجر، 18 يونيو 2022، https://www.amad.ps/ar/post/461955  

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق