تكلس النخبة السياسية الفلسطينية، وتحديات الجيل الجديد
شكل التيه السياسي للنخبة الفلسطينية بين الدولة واللا دولة والتنمية واللا تنمية، وبين الثورة والعقلنة، وحكم الفصائل وحكم السلطة، وحكم العشائر وسيطرة القطاع الخاص المعولم، نفوذاً أكبر للنخبة السياسية الفلسطينية داخل السلطة الحاكمة، باعتبارها الفاعل السياسي الرئيس الذي يستحوذ على عملية صنع القرار وتأطير المشهد السياسي بعد تقاسم الأدوار والغنائم، وشكلت النخبة السياسية مثال جيد لخضوع مجال سياسي بكامله لسيطرة وتوجيه النخب السياسية والاجتماعية أكثر من خضوعه لمؤسسات دولة أو سلطة سيادية، وأدى بقاؤها في مكانها فترات طويلة إلى تعطيل نفوذ الجيل الجديد لمراكز صناعة القرار.
طبعت حركة فتح إدارتها ومؤسساتها حتى بعد السلطة بطابعها الفصائلي، وأدى ادخال حماس لرموزها بقوة في النخبة السياسية للسلطة عام 2006 بعد فوزها بالانتخابات التشريعية إلى صراع إرادات أفضى لتطبيع حركة حماس مؤسسات السلطة ومن ثم مؤسسات إدارة قطاع غزة بطابعها الفصائلي، ومع عدم وجود بيئة انتخابية حرة ومستمرة انطلاقاً من الكيانات الطلابية في الجامعات، ثم النقابات، ثم البلديات والتشريعي، تكلّست النخبة السياسية الحالية في مواضعها وتطبعها بمن يسيطر على بقاعها الجغرافية تحديداً بين غزة والضفة، بشكل عطل آليات النفاذ للجيل الجديد والصاعد.
وقد شكّل هذا التكلُّس حالة من العزلة لكثير من المثقفين “الانتلجنسيا” الفلسطينية عن العمل السياسي، إلا من له مصالح خاصة ضمن طبقة “الأوليجرسيا” الفلسطينية، أدى بالمقابل إلى خروج الجيل الجديد من دوائر التأطير التقليدية للنخبة بمعزل عن الحالة السياسية لصالح مشاريع خارجية (غربية وعربية) بحثاً عن مصالحهم الحياتية، تحاول الورقة التفصيل في أشكال النخبة الفلسطينية والتحديات التي تواجهها والفرص المتبقية أمامها لإعادة المشروع الوطني الفلسطيني إلى حيويته.
أولاً: الأدبيات السابقة لدراسة النخبة الفلسطينية.
تناولت عدة أدبيات سابقة موضوع النخبة الفلسطينية تحديداً، فقد ركزت سمر البرغوثي في دراستها بعنوان “سمات النخبة السياسية الفلسطينية قبل وبعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية“ في أكتوبر 2009 على مكانة النخبة السياسية الفلسطينية في صنع وتنفيذ القرار السياسي، تطرقت فيها للثقافة السياسية لأعضاء النخبة السياسية قسمتها مناطقياً إلى ثلاثة أنواع: نخبة الخارج، ونخب الداخل من منظمة التحرير الفلسطينية، ونخبة حماس، وخلصت الدراسة أن مجموعة من السلطة التنفيذية استولت على صناعة القرار السياسي وأصبحت قادرة على إلغاء أي فعالية للمحاسبة من السلطة التشريعية، لتصف النخبة بأنها سياسية شكلية مثلت أعضاء للهيئات التي ذكرتها الكاتبة، ونخبة سياسية فعلية تقتصر على مجموعة من السلطة التنفيذية.
أما جميل هلال فقد تحدث في دراسته “إضاءة على مأزق النخبة الفلسطينية“ في عن تأثير النخبة الفلسطينية لأجندات وتمويل الخارج، وتأثير أوسلو على اختفاء منظمة التحرير بنخبتها الفاعلة الأولى، لتنتقل النخبة من أيديولوجيا التحرير إلى إيديولوجيا بناء المؤسسات، أنشأت معها جماعات مصالح تتصرف كسلوك الدولة دون دولة، وقد ركزت الدراسة على الانقسام الفلسطيني الذي ولّد سلطتين متخاصمتين، و عطل معها المؤسسات الجامعة مثل منظمة التحرير والمجلس الوطني، وغياب الحركة الشعبية المنظمة والفاعلة على فريقي الانقسام وتصويب المسار، ما انعكس سلباً على مشروع إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتعثره الكبير أمام الزحف الاستيطاني المتسارع.
وكشف عزام شعت في دراسته حول “توجهات النخبة السياسية الفلسطينية نحو الصراع العربي– الإسرائيلي“، عن حالة الانتظار للنخبة السياسية الفلسطينية بلا خيارات ملموسة تحظى بقدر كاف من الوضوح والتوافق، وتشتت الرؤية وتوقفها تجاه قضايا حاسمة، أثرت في مصير المشروع الفلسطيني ككل ظهرت من الخطوات الضعيفة للنخبة الفلسطينية تجاه قرار اعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن القدس عاصمة إسرائيل، وكيف كبلت النخبة السياسية الرسمية والنظام السياسي الفلسطيني الناشئ بالاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال الإسرائيلي.
وتتخذ هذه الورقة منحى جديد عن سابقاتها يتمثل في إشكالية التعطيل داخل النخبة المتكلسّة المانعة لمرور الجيل الجديد لمراكز صناعة القرار، بما يملكه من أدوات قتالية وتفاوضية جديدة قد تنقذ المشروع الوطني الفلسطيني، فضلاً عن تحرره بشكل أو بآخر من إيديولوجيا الخلاف بين النخبة السياسية الموجودة، في حين بدا التصعيد النخبوي للجيل الجديد ذاتياً ودون المرور بالآليات التقليدية القديمة.
لإكمال قراءة الدراسة pdf “هنا”