أوراق سياسيةتقدير الموقف

المساعي الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية

تسعى هذه الورقة إلى تناول الخطّة الأميركيّة للسلام في سياق يقرأها كجزءٍ من السّياسة الأميركيّة تجاه القضية الفلسطينيّة، مع استعراض أهمّ تطوراتها، والأطراف والشّخصيات الفاعلة في صياغتها وتنفيذها. إلى جانب ذلك، تسعى الورقة إلى استقراء ما يجري تطبيقه من إجراءات على أرض الواقع، وعلاقتها بالسّياق سابق الذكر.

الخلاصة
تعمل السّياسة الأميركيّة الحاليّة على إنهاء الصّراع دون إيجادِ حلٍّ حقيقيٍّ للفلسطينيّين، وذلك عبر إنهاء قدرتهم على خوض هذا الصّراع، أو التّأثير سلباً على مجرى الأحداث، وربما إنهاء المظاهر الأبرز لوجودهم كقضيةٍ حيّةٍ وهويّةٍ سياسيّةٍ جماعيّةٍ.

بينما يُعتبر الشّاغل الأبرز للفلسطينيين حالياً هو مواجهة صفقة القرن/ خطّة السّلام طويلة المدى)، والتي بإمكانهم رفضها رسميّاً كورقةٍ سياسيّةٍ، يبدو أنّ إيقاف مفاعيل مسارات السّياسة الأميركيّة لتصفية الحقوق الفلسطينيّة أكثر صعوبة بما لا يقاس.

وفي الوقت الذي يبدو فيه الفلسطينيّون أقلّ قدرةٍ على المواجهة الجماعيّة لهذا المشروع، يتراوح الموقف العربيّ بين التّعاون مع مخططات تصفية الحقوق الفلسطينيّة، أو العجز عن مواجهتها. في هذه الظروف تُصبِحُ المعادلةُ الخطيرةُ المفروضةُ على الفلسطينيّين هي السّكون في مواجهة الأدوات الفاعلة ضدّهم، والسّماح بقضم حقوقهم تدريجيّاً، أو الانطلاق نحو مواجهةٍ شاملةٍ لا يمتلكون الكثير من أدواتها أو ظروفها المناسبة.

توطئة اصطلاحيّة
لا يجد تعبير “صفقة القرن” لنفسه مكاناً إلاً في الصّحف والمراكز العربيّة. في المقابل، تُستخدم غربيّاً وأميركيّاً على وجه الخصوص تسمياتٌ تدور حول: حلّ السّلام، وخطّة السّلام، وخطّة السّلام الإسرائيليّة-الفلسطينيّة، أو خطّة سلام طويل الأمد. في الجانب الرسميّ، لم يستخدم المسؤولون الأميركيّون -كوشنر وترامب على رأسهم- تعبيراً مغايراً عن هذه التّسميات التي تدور كلّها تقريباً حول لفظ: “السّلام”، إلّا أن الرئيس الأميركيّ كان قد استخدم في معرض حديثه عن عمله بشأن هذا الملف تعبير”صفقة نهائيّة”.

أولاً: قراءة مختصرة في طبيعة التّطور في الموقف الأميركيّ

تشهد السّياسة الأميركيّة تجاه الملف الفلسطينيّ منذ عدة عقود، انزياحاً تدريجيّاً تجاه تبني المواقف الإسرائيليّة تجاه قضايا الصّراع. وبعد ولاية الرئيس دونالد ترامب، يمكننا الحديث عن انزياحٍ حادٍّ في موقف الإدارة الأميركيّة هو أقرب ما يكون لتبني موقف اليمين الإسرائيليّ مُتمثلاً بحزب الليكود وحلفائه في الخارطة الإسرائيليّة، وتجاوز مواقف سابقة مُعلنة للعديد من القوى والأحزاب الإسرائيليّة في درجة هذا الانحياز.
ظَهَرَ المسارُ الذي قاد إلى خارطة المواقف الأميركيّة الحالية مع “خطّة كيري” التي ركّزت في جوهرها على السّلام، والتّعاون الاقتصاديّ، وتوسيع سلطات الحكم الذاتيّ، وتُوّجِ كلُّ ذلك بإعلان أوباما الشّهير قبيل نهاية ولايته الثانية بأنّه لا يرى الطّرفين جاهزين لتحقيق السّلام، وبالتالي فإنّه يُفَضِّلُ الانتظار إلى حين جاهزيّة الطّرفين.
في قراءةِ سياسةِ إدارة ترامب يُمكِن التّركيز على هذه النقطة، وهي وراثة إدارة ترامب لوجهة نظر المؤسسة الأميركيّة منذ عهد أوباما، والذهاب بها نحو مدى أبعد وأكثر استعدادية في الانحياز لمصلحة “إسرائيل”، وفي ذلك يُمكن الرجوع إلى الشّواهد التّالية في السّياسة الأميركيّة في عهد أوباما:

  • التّراجع عن فكرة ممارسة الضّغط الأميركيّ للوصول إلى تسويةٍ نهائيّةٍ بين الفلسطينيّين و”إسرائيل”، باتجاه ترك الطّرفين إلى حين جاهزيتهما للسلام، وهو ما يعني فعليّاً ترك الفرصة أمام “إسرائيل” لمواصلة سياسة قضم الأرض والتهويد دون ضغطٍ حقيقيٍّ عليها.
  • تبني فكرة السّلام الاقتصاديّ التي ركّز عليها وزير الخارجيّة الأميركيّ آنذاك جون كيري في خطّته، والتي اعتَبَرَت أنّ التّسهيلات الاقتصاديّة وبناء الشّراكات الاقتصاديّة بين القطاعين الخاصّين الفلسطينيّ والإسرائيليّ، هو المسار الأساسي الذي يجب العمل عليه إلى جانب مساعي أخرى لتوسيع صلاحيات السّلطة الفلسطينيّة في مناطق “أ”.
  • اتجاه أميركيّ إلى تعزيز التّعامل مع قيادات محليّة “ما دون سياسيّة”، ظهر واضحاً في العمل المكثّف مع البلديات والمجالس المحليّة في المشاريع الأميركيّة في الضّفة الغربيّة، وربط مشاريعها بتنسيق مباشر مع “إسرائيل”، هذا بجانب الجهد الواسع في التعامل المباشر مع القطاع الخاصّ والشّخصيات الريادية فيه، في إطار ما سُمي “تأهيل القطاع الخاصّ”.
  • فصل المسألة الأمنيّة عن الجانب السّياسيّ، وهو ما عملت الإدارة الأميركيّة على تحقيقه من خلال دور المُنسِق الأمنيّ الأميركيّ (تتابع عدة جنرالات على هذا المنصب)، ومن خلال التّواصل المباشر والزيارات المُتكررة لـرئيس جهاز المخابرات في السلطة الفلسطينية ماجد فرج إلى واشنطن، والأدوار الموّسعة التي أُعطيت له في عدد من الملفات، تتجاوز ضبط الأمن في الضّفة الغربيّة إلى أداء أدوارٍ وظيفيّةٍ في بلدانٍ مُجاورة.


ثانياً: الفريق الأميركيّ المسؤول عن الملف

هذا التّطور في السّياسة الأميركيّة لا يمكن فهمه كتحوّلٍ أو انقلابٍ على مواقف الإدارة الأميركيّة، ولكنه يشكّل قفزةً نوعيّةً في مسارٍ طويلٍ من الانحياز لـ”إسرائيل”، يُشرِفُ على إحداثِها فريقٌ يتولى الملف الفلسطينيّ من طرف الإدارة الأميركيّة، معظمه من المقرّبين بشكلٍ شخصيٍّ للرئيس الأميركيٍ، مما يعكس درجة اهتمامهِ بهذا الملف.

يتكوّن الفريقُ الأميركيّ الخاصّ بعملية السّلام في الشّرق الأوسط، إلى جوار صهر الرئيس الأميركيّ جاريد كوشنير، من أربع شخصيات أساسيّة: جايسون غريبنلات، وديفيد فريدمان، ودونالد بلوم، بالإضافة إلى دينا حبيب باول التي غادرت الإدارة مطلع السّنة الحاليّة. تعملُ إلى جانب هذه الشّخصيات مجموعةٌ من الكوادر من وزارة الخارجيّة الأميركيّة ومجلس الأمن القوميّ وغيرها من المؤسسات.

يمكن الحديث عن عدد من السّمات الأساسيّة لهذا الفريق كالتالي:

  1. ترتبط الشّخصيات القويّة في الفريق (كوشنير، غريبنبلات، فريدمان) بعلاقات قويّة مع اليمين الإسرائيليّ؛ علاقات تجاريّة وأيدلوجيّة مُشتركة.
  2. تفتقر هذه الشّخصيات للتجربة السّياسيّة العميقة، إذ تستمدُ خبراتِها من عالم التّجارة والأعمال، دون أن تكون ذات خلفيةٍ سياسيّةٍ واضحةٍ، حيث لم تأتِ من خلفياتٍ مؤسساتيّةٍ أو سياسيّةٍ واضحةٍ.
  3. تشترك تصوّرات هذه الشّخصيات حول عملية السّلام مع  أطروحات اليمين الإسرائيليّ.
  4. تُركِّز هذه الشّخصيات على المنفعة الاقتصاديّة كمفهومٍ أساس لحلّ النّزاع.
  5. تُعَدُّ دينا حبيب باول ودونالد بلوم من الشّخصيات الأكثر خبرةً ومعرفةً بالمنطقة.
  6. يُعدُّ دونالد بلوم ممثلاً للمؤسسة التقليديّة الأميركيّة، إذ عمل طيلة 20 عاماً في المنطقة.

جايسون غرينبلات (المبعوث الأميركيّ لعملية السّلام في الشرق الأوسط)
جايسون غرينبلات، ولد عام 1967، لعائلةٍ يهوديّةٍ ذات أُصول مَجَرِيَة هاجرت إلى الولايات المتحدة في منتصف القرن الماضي. متزوج وله ستة أطفال، وحاصل على درجة الدكتوراه من كلية الحقوق في جامعة نيويورك. في العام 1997، بدأ العمل في “مجموعة ترامب” حيث ترقى داخل الشركة، وصولاً إلى منصب نائب الرئيس التنفيذيّ والمدير القانونيّ، ثم مستشار ترامب في “إسرائيل”، الأمر الذي منحه فرصة للتعرف على المسألة الفلسطينيّة عن قرب. خلال حملة ترامب الانتخابيّة، عمل غرينبلات مستشاراً ومسؤولاً عن ملف العلاقات الأميركيّة والإسرائيليّة. بعد فوز ترامب عُيّن غرينبلات مبعوثاً خاصّاً للمفاوضات الدوليّة، حيث توّلى تتبّع ملف العملية السّياسيّة في الشّرق الأوسط، بالإضافة إلى عمله في ملف العلاقات الكوبيّة الأميركيّة وغيره.

ديفيد ميليك فريدمان (السّفير الأميركيّ في “إسرائيل”)
سياسيّ أميركيّ، وُلِدَ عام 1959 في مدينة نيويورك لأبٍّ كان يعمل كاهناً في معبد يهوديّ، يتكلم العبريّة بطلاقة، وأبّ لخمسة أطفال. هاجرت ابنته مؤخراً لتسكن في “إسرائيل”، وعمل في مجال المحاماة، وتم تعيينه في مارس/ آذار 2017 سفيراً للولايات المتحدة في “إسرائيل”.

دونالد بلوم (القنصل الأميركيّ العامّ في القدس)
سياسيّ أميركيّ، يشغل منصب القنصل الأميركيّ العامّ في القدس منذ 27 يوليو/ تموز 2015، ويُعدّ الأكثر خبرةً في الشّرق الأوسط ضمن الفريق الأميركيّ، إذ قضى في المنطقة ما يقرب 20 عاماً تنقّل خلالها بين وظائف مختلفة، الأمر الذي سمح له بالتعرف على المنطقة وعاداتها عن قرب، منها أنّه يتحدث اللغة العربيّة. ترجع أصول بلوم إلى مدينة شيكاغو، وهو حاصل على شهادة البكالوريوس من جامعة ميشيغان وشهادة الدكتوراه المهنيّة من كلية الحقوق في جامعة ميشيغان. قبل أن يباشر بلوم مهامه في القنصلية الأميركيّة عمل في منصب مدير مكتب وزارة الخارجيّة لشؤون شبه الجزيرة العربيّة من 2013 حتى 2015. كما عمل في عدد من الممثليات الدبلوماسيّة الأميركيّة في الشّرق الأدنى وجنوب آسيا، حيث كان مسؤولاً سياسياً في السّفارة الأميركيّة في كابول من 2012 حتى 2013. شغل بلوم في 2009 منصباً رفيعاً في السّفارة الأميركيّة في القاهرة، حيث عمل كمستشارٍ للشؤون الاقتصاديّة والسّياسيّة. كما شغل بلوم المنصب المدني كمديرٍ مشاركٍ في خلية الاشتباك للقوّة الاستراتيجية متعددة الجنسيات في بغداد من 2007 إلى 2008. وفي الكويت، تقلّد بلوم منصب المستشار السّياسيّ، ونائب مدير مكتب شؤون الشّرق الأدنى في الخارجيّة الأميركيّة للقضايا الإسرائيليّة الفلسطينيّة، ومسؤول الملف الإيرانيّ، بالإضافة إلى مناصب أخرى في سفارة الرياض وسفارة عمّان.

دينا حبيب باول (نائب مستشار الأمن القوميّ الأميركيّ)
سياسيّة أميركيّة من أصول مصريّة قبطيّة، هاجرت إلى الولايات المتحدة عام 1974 وعمرها أربع سنوات، حيث كان يعمل والدها نقيباً في الجيش المصري. تسلسلت في المناصب السّياسيّة في الحزب الجمهوريّ والإدارة الأميركيّة في عهدي بوش وترامب، وشاركت بفعالية في بناء تصورات الرئيس الأميركيّ حول عملية السّلام في الشّرق الأوسط. عملت كمديرة لشؤون الكونغرس، وانتقلت لاحقاً إلى العمل في الإدارة الأميركيّة حيث عملت كمساعدٍ لكبيرِ موظفي البيت الأبيض، واستمرت في العمل في الإدارة الثانية للرئيس بوش حيث كانت مسؤولة عن عمليات توظيف واسعة داخل البيت الأبيض، كما عملت مساعداً لوزير الخارجيّة لشؤون التّعليم والثقافة. غادرت باول الإدارةَ الأميركيّة عام 2007، ومن ثمّ عادت في مارس/ آذار 2017 انتقلتْ للعمل كنائب لمستشار الأمن القوميّ الأميركيّ، وبقيت في هذا المنصب حتى يناير/ كانون الثاني 2018.


ثالثاً: مسارات عمل الولايات المتحدة الأميركيّة تجاه الصّراع الفلسطينيّ-الإسرائيليّ

يمكن القول أنّ تطوّرات الموقف الأميركيّ في عهد إدارة ترامب هي تراجع عن الرؤى الأميركيّة السّائدة في حقبة التّسعينيات ومطلع الألفية الجديدة، والتي تركِّزُ على فكرة قيام الدولة الفلسطينيّة باتفاق مع “إسرائيل”[note] حتى إدارة بوش الابن أعلنت في مرات متكررة تمسكها بحلّ الدولتين، وبضرورة الوصول لتحقيق قيام دولة فلسطينيّة، معتبرةً ذلك هدفاً لعملية التسوية بجانب ضمان أمن “إسرائيل” كهدف أساسي، وإن كانت قد اشترطت تخلي الفلسطينيّين عن “العنف”. [/note]، لمصلحة استدعاء الرؤى الإسرائيليّة القديمة والتي تدور في معظمها حول إيجاد معالجات لوضع “السّكان الفلسطينيّين” دون اعتراف بحقوقهم، وبما يديم السّيطرة الصّهيونيّة الأبديّة على أرض فلسطين. بتعبير آخر؛ ما نحن بصدده هو اشتقاقاتٌ أميركيّةٌ من خططٍ استيطانيّةٍ/ استراتيجيّةٍ إسرائيليّةٍ، لا مشاريع تسوية.

لقراءة ملامح السّياسة الأميركيّة في عهد ترامب تجاه الصّراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ، يمكن تلمس شواهد واضحة على عدد من المسارات التي تعمل عليها الإدارة الأمريكيّة تلبيةً لأهدافها وأبرزها: تجاوز العائق الفلسطينيّ/ التأثير السلبيّ للصراع الفلسطينيّ-الإسرائيليّ على سياسات الولايات المتحدة في المنطقة، وذلك ضمن توّجهٍ أميركيٍّ لبناء حالةِ شراكةٍ عربيّةٍ متعاونةٍ مع “إسرائيل” في خدمة مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

تالياً؛ تُقدّم الورقة جملةً من الشواهد التي توّضح طبيعة هذه المسارات (للولايات المتحدة وحلفائها)، والتكامل بينها في تحقيق أهداف السّياسة الأميركيّة:

المسار الأول: فرض الأمر الواقع وحسم قضايا الصّراع (تعزيز مركز “إسرائيل”)

يعمل هذا المسار على تعزيز مركز وقدرة “إسرائيل”، بما يمكِّنها من “الاطمئنان الاستراتيجيّ”، ويُطلِق يدها باتجاه القيام بأدوار أوسع في المنطقة، وفي هذا المسار يمكن التقاط الشّواهد والملامح التّالية:

  • توسيع وتعميق تنسيق السّياسات الأميركيّة مع “إسرائيل”، مع تجنب توجيه أيّة انتقاداتٍ علنيّةٍ مباشرةٍ أو أيّة إداناتٍ لـ”إسرائيل”، وتيسيراً لذلك تم اختيار فريق أميركيّ على درجة عالية من التواصل المكثّف مع الطواقم الإسرائيليّة ذات الصّلة، وقد عبّر دونالد ترامب شخصيّاً عن عدم نيّة إدارتِهِ انتقادَ “إسرائيل”، مُعبّراً عن تفهمه لحساسية “إسرائيل” تجاه الإدانات.
  • خطوات سياسيّة أميركيّة مباشرة لحسم قضايا أساسيّة تقع في لب الصّراع الفلسطينيّ-الإسرائيليّ، وإعطاء شرعية أميركيّة لوقائع غير معترف بها دوليّاً فرضتها “إسرائيل”، باتجاه فرض أوسع قبول ممكن لهذه الوقائع. الشّاهد الأبرز في هذا الجانب هو نقل السّفارة الأميركيّة إلى القدس، والذي تضمّن أيضاً الاعتراف الأميركيّ بالقدس عاصمةً لـ”إسرائيل”، وكذلك المسوغات الأميركيّة التي تضمّنها خطاب ترامب والإدارة الأميركيّة لهذا القرار، والتي تذهب جميعها باتجاه حسم هذا الملف.
  • التّحلل من أيّة التزاماتٍ أميركيّةٍ بشأن شكلِ الحلِّ النهائيّ المطلوب للصراع، بحيث تركت الإدارةُ الأميركيّةُ ذلك لما يتفق عليه الطّرفان، بما يشمل تخلياً واضحاً عن مسألة “الدّولة الفلسطينيّة”، وإطار الحلّ وهو “حلّ الدولتين”، بما يشمل أيضاً تجاوز لأي اعتبار للقرارات الدوليّة التي كانت الولايات المتحدة تعتبرها قاعدةً للحلّ دون أن تعتبرها مُلزِمَةً.
  • تغطية سلوك “إسرائيل” في الحسم الميدانيّ لعددٍ من قضايا الصّراع الأساسيّة، سواء عبر الامتناع عن إظهار معارضة وإدانة هذه الخطوات الإسرائيليّة، أو من خلال ممارسة نفوذ الولايات المتحدة على حلفائها العرب لكبح جماح أي معارضةٍ سياسيّةٍ أو ردود فعلٍ جماهيريّة مُحتَملة. كشواهد على ذلك يمكن النظر للتغطية التي وفّرتها الإدارة الأميركيّة لـ”إسرائيل” في كلٍّ من الملفات التّالية:
      • قضية المسجد الأقصى الذي تتجه “إسرائيل” إلى تقسيمه زمانيّاً ومكانيّاً بعد سنوات من تأجيل هذه الخطوة[note]تضاعفت الاقتحامات للمسجد الاقصى من قبل المستوطنين الإسرائيليين كمّاً ونوعاً، حيث ارتفعت أعداد المشاركين في كلّ نوبة اقتحام وكذلك عدد مرات الاقتحام ، فيما تراجعت مناوئة الشّرطة الاسرائيلية المحدودة لهذه الاقتحامات على نحوٍ واضحٍ.[/note]. تمتنع الولايات المتحدة عن توجيه إدانات لـ”إسرائيل” في هذا الجانب، وتضغط لمنع حدوث أيّة ردود فعل فلسطينيّة وأردنيّة. هذا الضّغط كان نقطةً أساسيّةً في اجتماع قادة أجهزة مخابرات كلّ من الأردن و”إسرائيل” ومصر والولايات المتحدة عقد في الأردن خلال شهر مايو/ أيار من العام الجاري.
      • أعلنتْ الإدارة الأميركيّة في بداية عهدها رفضها اعتبار المستوطنات عائقاً في وجه السّلام، مما أطلق يد “إسرائيل” لتقوم بطفرةٍ ضخمةٍ في العام 2017 على مستوى التّوسع الاستيطانيّ، شملت بناء حوالي 12 ألف وحدةٍ استيطانيّة جديدة، اكتفت الولايات المتحدة على لسان ترامب باعتبارها “لا تُسهم في صنع السّلام”، مؤكداً في ذات التّصريح رفضه لتوجيه انتقادات لـ”إسرائيل” (من الجدير بالملاحظة هنا أن هذا ليس انتقاداً للمستوطنات القائمة بالفعل ولكن المقصد بعض مشاريع التوسع الاستيطانيّ الجديدة).
      • إقرار قانون القومية من قبل الـ”كنيست” الإسرائيليّ والذي يشكِّلُ تهديداً أساسيّاً للوجود الفلسطينيّ في الأراضي المحتلة عام1948.[note]اعتبر أيمن عودة رئيس القائمة المشتركة في الكنيست والمعروف بمواقفه التي تنادي بالتعايش بين “العرب واليهود في إسرائيل” بأن هذا القانون يتم برعاية دونالد ترامب، مرجحاً أن التسريبات حول ذلك صحيحة.[/note]

المسار الثاني: تطويع الفلسطينيّين

يمكن اعتبار هذا المسار الأكثر نشاطاً في العمل الأميركيّ في هذه المرحلة، حيث يجري العمل على حرمان الفلسطينيّين من القدرة على تعطيل الإجراءات الأميركيّة الإسرائيليّة آنفة الذكر، وربط قطاعات واسعة من الفلسطينيّين بمصالح قائمة ومستحدثة، تمنعهم من القيام بأيّ فعلٍ جمعيٍّ واسع النطاق في مواجهة الإجراءات الإسرائيليّة والأميركيّة لفرض الأمر الواقع، وتصفية الحقوق الفلسطينيّة. تُركّز هذه الإجراءات على الكتل الأكثر ترشحاً لإبداء هذه المقاومة؛ غزّة كحيّزٍ جغرافيّ وسكانيّ مُرشح لمعارضة الخطط الأميركيّة، و الفصائل الفلسطينية كحيّزٍ سياسيٍّ رئيسيٍّ مرشح لإبداء هذه المعارضة، هذا دون استثناء كتلٍ أخرى قد تعتبر مطواعة تقليدياً للسياسات الأميركيّة.

ويتخذ العملُ الأميركيّ في هذا المسار أشكالاً متعددةً، تُجيّر شبكةً متنوعةً من الحلفاء والأدوات تقرأها الورقة من خلال الشواهد والإجراءات التالية:

  1. زيادة تأزيم وضع غزّة بشكل غير مسبوق، بما يشغل ويستنزف سكانها وحركة “حماس” التي تمتلك ثقلاً استثنائياً فيها، فرغم كل الحديث عن النوايا الدوليّة بخلق حلول للأزمة الإنسانيّة المتفاقمة في قطاع غزّة لا زالت الإجراءات الإسرائيليّة تتخذ منحى تصعيدياً تجاه القطاع، راهنةً أي حلول تقدّم لهذه الأزمات بمسارات لتثبيت استقرارٍ طويل المدى يُعطّل أي قدرة للقطاع و لقوى المقاومة على التّصدي الميدانيّ لإجراءات “فرض الأمر الواقع النهائي”.[note]أكد نيكولا ميلادنوف وغريسون جرينبلات في تصريحات منفردة، وفي اللقاءات المعقودة مع الأطراف الفلسطينيّة والإقليميّة ذات الصلة على توفر الهدف الأمني كقاعدة أساسيّة للبدء في مشاريع لحلّ أزمات غزّة الإنسانية، وعلى ضمانة استمرار هذا الهدوء كشرط لضمان استمرار هذه المشاريع.  [/note]
  2. العمل على تقويض مكانة القوى الفلسطينيّة الرئيسيّة من خلال تجفيف منابعها الماليّة من جانب، واستثنائها من المشاريع والإجراءات المخصصة للتعامل مع المجتمع الفلسطينيّ والسّكان، حيث اشترط اجتماعُ واشنطن المخصص لبحث أزمات قطاع غزّة ضرورة حرمان حركة “حماس” من أيّ استفادة او شراكة ضمن المشاريع المخصصة لحلّ أزمات القطاع.[note] هذا بجانب تصريحات غريسون جرينبلات التي تبعت الاجتماع وشنّ فيها هجوماً على حركة “حماس” منادياً بنزع سلاحها وإنهاء سيطرتها على قطاع غزّة.[/note]
  3. يتم العمل على تقديم أدوار جديدة للقطاع الخاصّ، ومؤسسات المجتمع المدنيّ كأدوات تنفيذيّةٍ محليّةٍ للمشاريع الدوليّة في قطاع غزّة، باتجاه يخدم ما سبق ذكره من تقويضٍ لِدَور القوى الفصائليّة والسياسيّة، و بالأساس العمل على خلق مراكز قوّة جديدة في المجتمع جاهزة للعمل دون متطلبات سياسيّة تتعلق بالحقوق الفلسطينيّة.
  4. تقديم شخصياتٍ فلسطينيّةٍ أميركيّةٍ في أدوار الناصحين للفلسطينيّين و الجاهزين للمساهمة في إيجاد حلول للفلسطينيّين، وفتح مجال واسع لتقديم الآراء السياسيّة لهؤلاء باعتبار ذلك مخرجاً للفلسطينيّين من وضعهم.
  5. الضخ الماليّ في إطار المشاريع المخطط لها أميركيّاً بخصوص وضع قطاع غزّة، حيث طالبت الإدارة الأميركيّة دولَ الخليج العربيّ بالاستعداد لضخ من 800 الى 900 مليون دولار ضمن مشاريع لحلّ أزمات قطاع غزّة، هذه المشاريع يفترض أن تكون محكومةً بالاشتراطات آنفة الذكر.
  6. حشد تأييد القطاع الخاصّ الفلسطينيّ لأفكار السّلام الاقتصاديّ عبر طروحات لاستثمارات مشتركة بين الأردن و”إسرائيل” ومصر والفلسطينيّين تزيل العوائق وتفتح الباب أمام توسيع حيز الاستثمارات وتحقيق الأرباح مع تمويلٍ خليجيٍّ ودوليٍّ موعود، من شأنه التأسيس لمشاريع عملاقة في مجال الخدمات الأساسيّة (الطاقة والمياه على وجه الخصوص).
  7. العقوبات الماليّة الأميركيّة والإسرائيليّة على السّلطة الفلسطينيّة، والتي تهدف إلى الضّغط ماليّاً وسياسيّاً على السّلطة، وربط أي احتمالات لعودة التّدفق الماليّ بدرجة تعاونها مع السّياسة الأميركيّة، وهناك جانب خاص ذو أهميّة في هذه العقوبات، وذو صلة بحرمان السّلطة من القدرة الماليّة على القيام بالتزاماتٍ حقيقيةٍ تجاه قطاع غزّة (لو توفرت لديها الإرادة السياسيّة لذلك في مرحلة ما).[note]انخفضت المساعدات المالية الدوليّة التي تحصل عليها السّلطة الفلسطينيّة لنسبة 14% من موازنتها في العام 2017 مما كانت تحصل عليه والبالغة 65% من موازنتها.[/note]
  8. الضّخ المعلوماتيّ الكثيف باللغة العربيّة حول صفقة القرن، وقد نجح هذا الضخ فعليّاً في اصطناع اشتباكٍ فلسطينيٍّ وسياقٍ من الشّكوك المتبادلة، بجانب دوره في خلق ديناميات جديدة للتفاعل السّياسيّ تحت هذا العنوان.

المسار الثالث: تطوير العلاقات بين الدول العربيّة و”إسرائيل”

يسعى هذا المسار إلى بناء وتعزيز حالات الشّراكة الاقتصاديّة والأمنيّة بين “إسرائيل” ودول عربيّة مركزيّة، يمكن تطويرها لتحالفٍ أمنيٍّ اقتصاديٍّ، دون اشتراط أولوية حلّ القضية الفلسطينيّة، باعتبار تشخيص الولايات المتحدة للفلسطينيّين كغير راغبين بالسّلام. تلعب الخطّة الأميركيّة للسلام دورَ الغطاء لهذه العلاقات والشّراكات مع “إسرائيل” باعتبار الولايات المتحدة تبذل جهدها لإيجاد حلٍّ للصراع فيما لا ترغب القياداتُ الفلسطينيّة في التعاون مع هذا الجهد، وهو ما يستدعي تجاوزها.

في هذا المسار لا توجد بين أيدينا شواهدٌ قطعيّةٌ حول حجم هذه العلاقات ودرجة تطوّرها، خصوصاً أن الضّخ الإعلاميّ المترتب على أزمة دول المقاطعة مع قطر قد أدّى لضخ الكثير من التّسريبات والشّائعات غير الدقيقة. لكن المؤكد في هذا الجانب هو جملة من الشّواهد التي قدّمتها مصادر إسرائيليّة بالأساس، مع ملاحظة وجود مبالغات إسرائيليّة إما لأغراض داخليّة لتحقيق إنجازات مزعومة لنتنياهو وحكومته أو بغرض تقويض ثقة الفلسطينيّين بوجود ظهيرٍ عربيٍّ لهم، ووضعهم في حالة من العزلة التي تسهّل عمليات الضغط عليهم.


رابعاً: خطة السّلام طويلة المدى (صفقة القرن)

حين نتحدث عن ملامح الخطة الأميركيّة للتسوية فالقصد هنا هو ملامح تلك الخطّة التي ستُعلِن عنها الإدارةُ الأميركيّة وتقدّمُها لأطراف الصّراع، وذلك شأن مختلف وإن كان متصلاً بالسّياسة الأميركيّة المتبعة تجاه الملف الفلسطينيّ، والتي تشمل مسارات متعددة لتطويع الفلسطينيّين واستدخال “إسرائيل” كلاعبٍ شرق أوسطيّ وجزء من منظومة معلنة ومترابطة حليفة للولايات المتحدة.

هذه الخلفية نراها ضرورةً في مطالعتنا للخطوط الرئيسيّة للخطّة كونها لا تحمل فعليّاً مشروعاً يمكن لأكثر الفلسطينيّين هبوطاً بالمعنى السّياسيّ قبولُه، ولكنّها بالأساس أداة واحدة من أدوات إنفاذ السّياسة الأميركيّة تجاه هذا الملف، لا أدلّ على ذلك من أنّ معظم الإجراءات الأميركيّة الرئيسيّة تجاه الملف الفلسطينيّ قد اتُخِذَت في وقتٍ سابقٍ لقرار كتابة هذه (الخطّة/ المبادرة)، ومن بينها قرارات نقل السّفارة والاعتراف بالقدس عاصمةً للكيان ورفع الفيتو الأميركيّ عن الاستيطان.

الخطوط الرئيسية لخطة السّلام الأميركيّة

تعود جذور هذه “الصّفقة”، إلى خُططٍ ومُقترحاتٍ سابقةٍ، قام كوشنر وفريقه بتبنّيها وإعادة تقديمها وكأنّها حديثة. أهمّ هذه المقترحات ما قدّمه غيورا آيلاند Giora Eiland، رئيس مجلس الأمن القوميّ الإسرائيليّ السّابق، في دراسة نشرها مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجيّة، والتي يبدو أن كوشنر وفريقه اعتمدا عليها بشكل أساسيّ. كما تجدُ “الصفقة” المزعومة جذوراً لها، في ما كان قد قدّمه الإسرائيليون سابقاً، في مفاوضات ظلّ أغلبها سريّاً، إذ تُرجع شارين ميتلمان، عن المعهد الأسترالي للسياسات الاستراتيجيّة، بعضاً من جذورها إلى ما سبق أن قدّمه إيهود باراك في محادثات عامي 2000 و2001، وبالخصوص خطّة إيهود أولمرت عام 2008، التي تظلّ كثيرٌ من بنودها أقلّ حِدّةً وأقلّ إجحافاً للفلسطينيين.

المرحلة التمهيديّة:

  1. تُقَدّمُ الخطّةُ، حسب معظم التّسريبات، ليس بكونها افتراضاً لشكل الحلّ النهائيّ، رغم أنها تشمل بعض التصورات حوله، ولكنها تُقدَّم كمقترح لمسارٍ طويل المدى للوصول لهذا الحلّ النهائيّ.
  2. المرحلة الأولى من الخطّة تتعلق بتطوير وضع الفلسطينيّين القائم من خلال تمكينهم من مزيد من الصّلاحيات الإداريّة والأمنيّة في تجمعاتهم في الضّفة الغربيّة “مناطق أ وب” إلى جانب تمكينهم من موارد إضافيّة.
  3. حلّ مشاكل قطاع غزّة الإنسانيّة، مع ضخ استثمارات ومنح دوليّة في المشاريع الخاصّة بالاحتياجات الحيويّة، مع اشتراط ذلك بالهدوء الأمنيّ والاستقرار، مع جنوح أفكار الخطّة المسرّبَة إلى ضرورة عودة السّلطة الفلسطينيّة للقطاع كجزءٍ من هذه العملية.
  4. تجنيد التمويل العربيّ والدوليّ لمجموعة من المشاريع المتعلقة بالتعاون الاقتصاديّ المُشترك بين الرباعيّ (مصر – الأردن – “إسرائيل” – الفلسطينييّن)، يستفيد منها الفلسطينيّون على مستوى الوظائف والفرص التشغيليّة وفرص تطور القطاع الخاصّ وتكامله مع نظرائه في الدول المذكورة.
  5. التفاوض المباشر بين “إسرائيل” وممثلي الفلسطينيّين، كأداة للوصول لاتفاق حول الوضع النهائيّ في الأراضي الفلسطينيّة.

المرحلة النهائيّة: المقترحات الرئيسيّة لواقع الوضع النهائيّ

  • تحويل الضّفة الغربيّة إلى ما سمّاه نتانياهو سابقاً “أقل من دولة” State minus، بمعنى تشكيل تجمّعاتٍ فلسطينيّةٍ Bantustans، في مناطق “أ” و”ب”، بعاصمة صوريّة على أطراف القدس في أبو ديس، وهو ما يعني ضمّ مناطق “ج” إلى السّيطرة الإسرائيليّة.
  • تشمل التسريبات أيضاً، التخلّي عمّا يُسمّى بقضايا الوضع النهائيّ، من بينها التنازل عن القدس، واستمرارية المستوطنات، والتنازل عن عودة اللاجئين بشكل مُسبق، وإخراجها من قائمة المُتفاوض حوله. أمرٌ بدأ تنفيذه باعتراف إدارة ترامب، في 6 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل السّفارة الأميركيّة لاحقاً.
  • يظلُّ الجزءُ المتعلّق بالخطط التي قد يتمّ ترتيبها وتنفيذها فيما يخصّ قطاع غزّة في “الصفقة” الجزءَ الأكثرَ غموضاً وانفتاحاً على التكهّنات والإشاعات[note] بقيّة الجزئيات لا يجد الباحث عنها، مصادر معلومات موثوقة، تتحدّث عن تفاصيلها. غير أن الحديث مثلاً عن منطقة صناعيّة في شمال سيناء، كان محطّ اهتمام عدد من مراكز الأبحاث الغربيّة، من ضمنها مثلاً ورقة بحثيّة نُشرت في “المجلة الدوليّّة للتخطيط والتنمية المستدامة”، ركّزت وفصّلت بالخرائط إمكانيّة خلق منطقة صناعيّة متطوّرة شمال سيناء.[/note]. من ذلك الحديث عن توسيع أراضي القطاع في سيناء، وإنشاء مدن صناعيّة، وإقامة مطار وميناء في مدينة العريش المصريّة[note] وضع أساف آشر ، البروفيسور في “المعهد الوطني للموانئ والطرق البحرية” الأميركيّ، دراسة عنوانها “موانئ بديلة لغزّة”، اقترح فيها عدداً من البدائل التي يُمكن أنّ تمكنّ قطاع غزّة من نافذة بحريّة مُسيطر عليها. من تلك البدائل مثلاً إنشاء ميناء في مدينة العريش المصرية أو ميناء عائم في مياه غزّة أو إفساح مساحات في ميناء أسدود الإسرائيلي أو ميناء قبرص.[/note]. وهي مُخطّطات ظهرت بالمناسبة بشكل مفصّل في دراسة/ مقترح غيورا آيلاند سالفة الذكر عام 2010.

أدوات تقديم الخطّة:

تُحَضّرُ الإدارةُ الأميركيّة عدة مساراتٍ متوازيّةٍ لتقديم هذه الخطّة، وتفحص مدى نجاعة هذه المسارات/ الأدوات في تحقيق أهداف السّياسة الأميركيّة من وراء طرح هذه الخطّة، والمرجح أن أحد أهم الأهداف من وراء طرحها هو شرعنة تفاوض وتلاقي مباشر بين ممثلي الدول العربيّة و”إسرائيل”، واستعادة مناخات التّطبيع العربيّ الرسميّ على أوسع نطاق ممكن على نحوٍ مُماثلٍ لمرحلة أوسلو، بل يفوقها باتجاه تجاوز التّطبيع لعلاقات الشّراكة والتّحالف، خصوصاً أنّ الخطّة ستحمل أفكاراً حول مشاريع اقتصاديّة تشترك فيها دول المنطقة لإيجاد “حلول خلّاقة لوضع الفلسطينيّين”. وفي هذا يمكن قراءة التالي كسيناريوهات محتملة لطريقة تقديم الخطّة:

  1. مؤتمر سلام برعاية دوليّة يجمع العرب و”إسرائيل” ينتهي بمخرجاتٍ مُحددة سلفاً تتكفل على الأقلّ بكسر حواجز المناعة العربيّة تجاه التعامل المباشر مع “إسرائيل”.
  2. مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين حول هذه الخطّة تشكِّل غطاءً للتعامل العربيّ المتوقع مع “إسرائيل”.
  3. مفاوضات مباشرة بين دولٍ عربيّةٍ مركزيّةٍ وبين “إسرائيل” ضمن مؤتمر أو اجتماعات متعددة الأطراف قد يقاطعها ممثلو الفلسطينيّين.المخاطر المترتبة:
  • تفرض السّياسة الأميركيّة والخطّة تصفيةً شاملةً لمعظم الحقوق الفلسطينيّة من خلال السّياسة المزدوجة لفرض الوقائع على الأرض إسرائيليّاً، وشرعنة هذه الوقائع وتغطيتها سياسيّاً بغطاءٍ أميركيٍّ.
  • تسعى السّياسة الأميركيّة لما هو أكثر من التأثير السّياسيّ على إرادة صناع القرار الفلسطينيّين، حيث ترمي لإحداث تغيير في هيكل المجتمع الفلسطينيّ وإفرازاته السّياسيّة، باتجاه يقوّض قدرات وقواعد القوى والفصائل الفلسطينيّة وتحلّ بدلاً عنها أطرافٌ أخرى تقوم بأدوارٍ وظيفيّةٍ متكاملةٍ مع الاحتلال.
  • تسعى الخطّة للعمل على استقطاب التأييد المباشر من الجمهور الفلسطينيّ، عبر المشاريع والأدوات آنفة الذكر، بما يقفز عن أيّ دورٍ لأيّة جهةٍ تمثيليّةٍ للشعب الفلسطينيّ، ويخلق مساراً مستداماً للتحكم في الجمهور الفلسطينيّ وتحديد مسارات تحركه.
  • تسعى الخطّة إلى تصعيد نخبٍ اجتماعيّةٍ وسياسيّةٍ واقتصاديّةٍ جديدة أكثر ولاء للرؤى الأميركيّة، وأكثر استعداداً للتعاون مع “إسرائيل” من بين تلك النخب التي انخرطت في مشروع التّسوية والسّلطة في ظلّ الاحتلال.
  • تعمل السّياسة الأميركيّة على خلق منظومة “وصاية” دوليّة لقطاع غزّة، بغطاءٍ عربيٍّ تُمَثِّلُه مصر، وبشكلٍ يُعطِّلُ قدرةَ القطاع على المقاومة حالياً أو مستقبلاً، ويتحكّم في مصيره ومصير سكانه.
  • تلحق السّياسة الأميركيّة ضرراً استراتيجيّاً هائلاً بالقضية الفلسطينيّة من خلال ربطها للدول العربيّة بعلاقاتٍ وشراكاتٍ مع الكيان الصّهيونيّ بغض النظر عن موقف ووضع الفلسطينيّين، وبشكلٍ يَحرِمُ الفلسطينيّين من ظهيرهم العربيّ بل ويستخدمه ضدّهم على نحو غير مسبوق.
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق