أوراق سياسيةمقالات بحثيةتقدير الموقفوجهات نظر

خطة الإصلاح المالي والإداري للسلطة .. إجراءات السلطة لإنهاء الأزمة المالية من جيوب الفقراء

المقدمة:

تعاني السلطة الفلسطينية من ضائقة مالية، جراء السياسات الإسرائيلية المتمثلة في اقتطاع الجزء الأكبر من عائدات الضرائب الفلسطينية (المقاصة)، وتراجع مساهمة الدول المانحة في دعم الموازنة التشغيلية لأدنى مستوى لها منذ إنشاء السلطة الفلسطينية قبل نحو 3 عقود، ما أثر على اتجاهات الانفاق لدى السلطة، التي باتت مقتصرة منذ نحو عام على توفير جزء من رواتب الموظفين، مع إهمال قطاعات التنمية وتطوير البنى التحتية.

وقد أدت هذه الحالة إلى تراكم الدين العام على السلطة الفلسطينية الذي تجاوز للمرة الأولى مستوى 50% من حجم الناتج المحلي، وهو وضع يعكس عمق الأزمة الراهنة، ويقودنا إلى سؤال جوهري عن تأثير هذه الأزمة على ديمومة وبقاء السلطة كحالة سياسية.

 أمام هذا الواقع تتجه السلطة مطلع العام 2023، إلى طرح حلول عبر إجراءات تقشف سيكون الطرف المستهدف فيها شريحة العمال الفلسطينيين في الداخل، وموظفي الخدمة العمومية، الذين سيكونون في دائرة تقليصات مالية ستؤثر بشكل مباشر على مدخولاتهم الشهرية، إذ تستعد السلطة لاقتطاع جزء من رواتب العمال ضمن التعديلات المقترحة لقانون ضريبة الدخل، وإحالة آلاف الموظفين للتقاعد المبكر، ويهدف هذا الإجراء لتعظيم الإيرادات العامة، وتقليل مستوى النفقات إلى النصف.

إذ تنوي السلطة توجيه الفائض من هذه الموارد المالية لسداد الدين العام وعبء الدين، الذي وصل لمستويات تهدد باستقرار المالية العامة، منعاً لوصول السلطة لحالة إفلاس، تفادياً لسيناريو احتكام المقرضين للقضاء، التي قد تجبر السلطة على رهن جزء من أصولها لصالح الدائنين المحليين والخارجيين.

تناقش هذه الورقة السياسية تفاصيل الخطة المستهدفة، والشرائح الأكثر تضرراً منها، والأثار المترتبة عليها.

  1. أداء الموازنة العامة 2022

جاء أداء الموازنة العامة خلال العام الجاري مخيباً للآمال، في ضوء استمرار عجز الموازنة لمستوى فاق المليار دولار للعام الخامس على التوالي، وأدى هذا الواقع إلى حالة من عدم الاستقرار في المالية العامة، ويعود ذلك لعدة أسباب أبرزها:

  • الاقتطاعات الإسرائيلية من عائدات المقاصة

ضاعفت إسرائيل من حجم الاقتطاعات الشهرية من عائدات الضرائب (المقاصة) التي تشكل العمود الفقري للإيرادات العامة، ليصل حجم ما يطالب به الجانب الفلسطيني من إسرائيل إلى2.1 مليار دولار، منها 1.4 مليار دولار اقتطاعات مستحقة قبل احتساب موازنة عام 2022.

جدول رقم (1): متوسط الاقتطاع الشهري من أموال المقاصة خلال هذا العام:

بند الاقتطاعاتالقيمة الشهرية (مليون دولار)
رواتب الأسرى+ تنفيذ قرارات قضائية16+1
تكلفة شراء الكهرباء24
تكلفة شراء المياه10
معالجة المياه العادمة1.4
خدمة العلاج5
بدل جباية (3%) تحصيل ضريبة المقاصة9
رسوم عبور جسر الملك حسين (25%)2
إجمالي الاقتطاعات من 1/1- 30/9 2022684 مليون دولار

ملاحظات على الجدول السابق

أقر كنيست الاحتلال في العام 2019 قانون خصم رواتب الأسرى من عائدات الضرائب الفلسطينية، ويتم اقتطاع ما بين 150-175 مليون دولار سنوياً، تحت هذا البند، ليصل إجمالي المبلغ المستحق للسلطة تحت هذا القانون 650 مليون دولار.

أما تكلفة بدل الخدمات المعروفة ببند (صافي الإقراض) وهي تكلفة شراء الكهرباء والمياه العذبة ومعالجة المياه العادمة من الجانب الإسرائيلي، فتقوم سلطات الاحتلال باقتطاع ما قيمته 300 مليون دولار سنوياً تحت هذا البند.

كما يطالب الجانب الفلسطيني من إسرائيل بمستحقات رسوم العبور بقيمة 230 مليون دولار، وهي عبارة عن 25% من رسوم الدخول والخروج عبر جسر الملك حسين مع الأردن، لم تقم سلطات الاحتلال بتحويلها لخزينة السلطة منذ العام 2017.

  • المساعدات الخارجية للموازنة العامة

تراجع الدعم الخارجي لموازنة السلطة بشكل لافت خلال السنوات العشر الأخيرة بشكل عام، وبشكل أكثر حدة خلال العام الجاري، فبينما كانت المنح والمساعدات الخارجية تساهم بنحو 20% من الإيرادات العامة قبل نحو 10 سنوات، انخفضت مساهمة هذا البند بشكل لافت لأدنى مستوى لها في العام الحالي، لأقل من 2% من إجمالي الإيرادات العامة.

الجدول رقم (2) يستعرض مساهمة الدول المانحة في دعم موازنة السلطة خلال السنوات العشر الأخيرة:

السنةالقيمة (مليون دولار)
20131362
20141320
2015798
2016765
2017719
2018673
2019610
2020488
2021317
النصف الأول من العام 202280
  • الدين العام والمتأخرات المالية

تخطى الدين العام والمتأخرات المالية على السلطة الفلسطينية رقماً قياسياً هذا العام حيث وصل لـ9.8 مليار دولار (2.5 مليار دولار تحت بند قروض، و 7.3 مليار دولار متأخرات)، وهي تشكل نحو 56% من حجم الناتج المحلي، وقد سجل هذا العام نمواً في حجم الاقتراض لتصل السلطة الفلسطينية للحد الأقصى المسموح به من الاقتراض سواءً من البنوك المحلية أو من المؤسسات الدولية.

ويحظر القانون الأساسي ألا يتجاوز حجم الاقتراض 40% من حجم الناتج المحلي، وعوضاً عن ذلك تقوم السلطة بالاستدانة من هيئات محلية كصندوق التقاعد والقطاع الخاص والموردين المحليين قروضاً بفوائد صفرية كخيار للالتفاف على القانون الأساسي.

الجدول رقم (3) تطور الدين العام في عهد أخر 3 حكومات للسلطة الفلسطينية:

الفترة الزمنيةالدين العام في بداية ترأس الحكومة (مليار دولار)الدين العام في نهاية رئاسة الحكومة (مليار دولار)
حكومة سلام فياض (2007-2013)0.4871.337
حكومة رامي الحمد لله (2013-2019)  1.3371.324
حكومة محمد اشتية (2019-2022)1.3242.5

ويشكل الدين العام استنزافاً مستمراً لخزينة السلطة، حيث تدفع السلطة قرابة نصف المليار شيكل (150 مليون دولار) سنوياً، تحت بند فوائد القروض دون سداد أصل الدين.

بالنظر لهذا الأداء الباهت للموازنة العامة، تستعد السلطة لطرح خطط مالية، من شأنها تجاوز الوضع الراهن، عبر إجراء تعديلات على سلم الرواتب للموظفين العمومين الذي يستنزف خزينة السلطة، بالإضافة لإحالة الآلاف آخرين للتقاعد المبكر، والهدف هو تخفيض فاتورة الرواتب بنحو 50%.

أما الإجراء الأكثر أهمية في نظر الاقتصاديين والخبراء الماليين، هو استعداد السلطة لتوسيع شريحة الضرائب لتشمل العمال الفلسطينيين في الداخل، عبر تطبيق قانون ضريبة الدخل لتشمل للمرة الأولى شريحة العمال.

ووفقاً لمصدر في وزارة المالية فإن ما تنوي الحكومة الفلسطينية طرحه من خطط الإصلاح الإداري والمالي جاء بإيعاز وضغط مارسه كل من الاتحاد الأوروبي وصندوقي النقد والبنك الدولي، الذين اشترطوا إجراء تعديلات جوهرية في المالية العامة، كشرط لعودة الدعم الخارجي، كون الوضع الحالي حال استمراره لأشهر إضافية، فإنه لن يغير من حقيقة الانهيار المحتمل للسلطة التي لن تستطيع الإيفاء بما عليها من التزامات.

  • خطة الإصلاح الإداري والمالي

استعرض رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية خلال مؤتمر AHLC الذي احتضنته مدينة نيويورك في 22 من أيلول/ سبتمبر 2022، بمشاركة 30 دولة ومؤسسة مالية دولية، خطة الحكومة لإدارة المرحلة القادمة، عبر تخفيض فاتورة النفقات الشهرية وتعظيم الإيرادات العامة ضمن سلسلة إجراءات تشريعية وتنفيذية ستطال الشريحة الأكبر من المواطنين.

وستتضمن خطة الإصلاح التي تعتزم الحكومة تنفيذها في الأشهر القادمة 3 محاور رئيسية وهي:

  • التشريعات الضريبية

أنهت وزارة المالية من المسودة النهائية لقانون ضريبة القيمة المضافة المعدل، والذي شمل 200 تعديل على القانون السابق المعمول به منذ العام 1994 ضمن اتفاق باريس الاقتصادي، وأهم ما سيتضمنه التعديل الجديد إضافة أعباء ضريبية على الشركات التي تحقق دخولا مرتفعة، ورفع قيمة الضريبة المفروضة على مدخلات عملية الإنتاج من 16% لـ 35%.

وسيلغي التعديل الجديد السقف الأعلى لضريبة القيمة المضافة عند مستوى 16%، لتصبح النسبة التي يبدأ بها فرض الضرائب من 8% وصولا لـ 50% وفقاً لمعايير ستحددها وزارة المالية قبل دخول القانون حيز التنفيذ مطلع العام القادم.

من شأن القانون زيادة إيرادات ضريبة القيمة للخزينة العامة بنحو 46% عن المستوى الحالي، وتعرف ضريبة القيمة المضافة بأنها ضرائب غير مباشرة يتم فرضها على السلع المستوردة من الخارج والسلع نصف المصنعة، باستثناء الدول التي أبرمت مع فلسطين اتفاقيات للتجارة الحرة.

الجانب الأخر من التعديلات التشريعية ستشمل قانون ضريبة الدخل، الذي سيفرض للمرة الأولى على العمال الفلسطينيين في الداخل، وبموجب القانون سيتم اقتطاع ما نسبته 5- 30% من دخل العمال لصالح وزارة المالية.

  • إحالة الآلاف الموظفين للتقاعد المبكر

أنهت السلطة الفلسطينية استعداداتها لطرح قانون التقاعد القسري الذي سيشمل آلاف الموظفين ممن سيتم إحالتهم للتقاعد المبكر في الربع الأول من العام 2023، والهدف من هذا الإجراء خفض فاتورة الرواتب والأجور بنحو 50%.

فيما شهدت الأسابيع الأخيرة نقاشات موسعة أجرتها الحكومة مع مختلف الوزارات والهيئات ذات الصلة، تكللت بالاتفاق بين الحكومة وهيئة التقاعد وديوان الموظفين في الخدمة العمومية، على طرح قانون التقاعد الاختياري لمن يرغب من الموظفين في الربع الأخير من العام 2022، بينما سيفرض قانون التقاعد الإجباري على موظفي السلطة من قطاع غزة.

أما عن محددات من ستنطبق عليهم شروط التقاعد، ستكون مرهونة بشرطين رئيسيين وهما من أمضى 25 عاماً في الوظيفة العمومية، وتجاوز 45 من عمره.

تهدف السلطة عبر هذا الإجراء (التقاعد الاختياري) لخفض فاتورة الرواتب والأجور من الموازنة العامة لـ 70% خلال هذا العام، بينما يهدف قانون التقاعد الإجباري الذي سيبدأ تطبيقه مطلع العام القادم لخفض نسبة الرواتب من الموازنة لـ 50%، حيث سيحال نحو 20% من موظفي السلطة للتقاعد الإجباري بواقع 30 ألف موظف.

يبلغ إجمالي عدد موظفي السلطة 139 ألف موظفاً، تقدر فاتورة الرواتب لهؤلاء الموظفين بنحو 550 مليون شيكل (160 مليون دولار)، يضاف لهم أشباه الرواتب وهم ذوي الأسرى والشهداء والجرحى، البالغ عددهم 111 ألف مستفيد، لتصل فاتورة الرواتب الشهرية من الموازنة العامة لـ 950 مليون شيكل (280 مليون دولار)، تشكل نحو 100% من إجمالي الإيرادات العامة.

  • فرض ضريبة الدخل على العمال الفلسطينيين في الداخل

شرع عشرات آلاف العمال الفلسطينيين الذين يعملون في الداخل في تنفيذ إضراب عن العمل لمدة يومين احتجاجاً على اتفاق الحكومة الفلسطينية في رام الله مع المشغلين الإسرائيليين، بإلزامهم بتحويل أجور العمال عبر البنوك، وإلغاء التعامل بالدفع النقدي أو المباشر.

يهدف الإجراء الحكومي الذي جرى بالتعاون مع سلطة النقد، إلى تكوين قاعدة بيانات كاملة عن حالة العمال في الداخل، تمهيداً لفرض ضريبة الدخل على العمال، بهدف زيادة إيرادات الحكومة ضمن خطة الإصلاح الإداري والمالي التي أعلن عنها رئيس الوزراء محمد اشتية.

يمكن القول أن الحكومة الفلسطينية نجحت في معركتها ضد العمال، إذ تشير البيانات الرسمية الصادرة عن سلطة النقد أن نحو 50% من العمال انهوا إجراءات فتح الحسابات البنكية لاستلام أجورهم من المشغل الإسرائيلي شهرياً.

يقدر عدد العمال الفلسطينيين في الداخل بنحو 210 ألف عامل، 95% منهم من عمال الضفة الغربية، يتركز عمل هؤلاء العمال في قطاعات مختلفة أهمها البناء والتشييد، والزراعة والصيد، والتعدين والمحاجر والصناعات التحويلية، والتجارة والمطاعم والفنادق، والنقل والتخزين.

يشكل هؤلاء العمال عصب الدورة الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية، إذ يقدر إجمالي الأجور التي يتقاضونها شهريا بنحو 1.2 مليار شيكل (350 مليون دولار)، وبموجب الخطة الحكومية سيسري قانون ضريبة الدخل على هؤلاء العمال، عبر اقتطاع جزء من رواتبهم لصالح الحكومة بهدف زيادة الإيرادات العامة.

  • النتائج المتوقعة لخطة الإصلاح المالي والإداري
  • خفض فاتورة النفقات والأجور من الموازنة العامة من 100% في الوضع الحالي لـ 50%، ما يمنح الحكومة مرونة أكبر في إدارة الإيرادات المتوفرة في ضوء الاقتطاعات التي يفرضها الجانب الإسرائيلي.
  • العدالة في توزيع الدخل عبر إشراك عمال الداخل في النظام الضريبي أسوة بالموظفين وأرباب القطاع الخاص.
  • خفض عجز الموازنة، وتوجيه الفائض من النفقات لسداد الدين العام الذي يهدد بديمومة المالية العامة، منعاً لانهيار محتمل للسلطة في حال لم تستطع الإيفاء بالتزاماتها سواء بتوفير رواتب الموظفين أو سداد ما على الحكومة من متأخرات للقطاع الخاص.
  • استعادة ثقة المانحين، وسط تطلعات أن تقضي هذه الخطة بعودة الدعم الخارجي للموازنة الذي يشهد تراجعاً هو الأكبر منذ إنشاء السلطة قبل نحو 3 عقود.
  • الأثار السلبية لخطة الإصلاح الاقتصادي
  • مواجهة السلطة للشارع الفلسطيني وتحديداً في غزة، الذي قد يصعد من موقفه باحتجاجات في حال نفذ قانون التقاعد الإجباري دون أسس تضمن للموظف الحد الأدنى من مستوى المعيشة.
  • مواجهة السلطة للعمال الفلسطينيين في الداخل، في حال اقتطعت السلطة من أجورهم لصالح ضريبة الدخل، دون ضمانات عمالية تقدمها الحكومة لهذه الفئة كالراتب التقاعدي أو التأمين الصحي والحقوق العمالية الأخرى.
  • تركيز السلطة خطتها على تخفيض فاتورة الدين العام، قد يكون على حساب المشاريع التنموية والتشغيلية.
  • استمرار الأزمة المالية للسلطة، حتى في حال تطبيق خطة الإصلاح الاقتصادي.

الخاتمة:

رغم التطلعات التي يبديها مسؤولي السلطة بأن تساهم هذه الخطة في تجاوز الأزمة المالية الراهنة، إلى أن التجارب السابقة أثبتت أن جزءً من الفشل في تطبيق خطط الإصلاح الاقتصادي والمالي يعود بالأساس لمحاباة مسؤولين متنفذين لا يسري عليهم خطط الإصلاح كما هو الحال بالنسبة للطبقات الكادحة والموظفين.

وبالتالي؛ لا يمكن التعويل على نجاح هذه الخطة، لأن المشكلة تكمن في الفساد المستشري في مؤسسات السلطة والشخصيات المتنفذة فيها. علاوة على ما سبق، فإن تبني هذه الخطة جاء بضغط مارسته الدول المانحة كشرط لعودة الدعم الخارجي للموازنة العامة، وهذا يعكس إلى مدى بات القرار الفلسطيني الداخلي بيد الأطراف الدولية الذين لن يتبنوا قرارات ستصب في صالح الفلسطينيين أو تدعم استقلالية قراراهم السياسي والاقتصادي والمعيشي.

الوسوم
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق