تقرير فلسطين

مُقترحات إدارة غزة بعد الحرب والحق الفلسطيني

تعود النقاشات المتداولة حول شكل إدارة غزة في اليوم التالي للحرب إلى الواجهة من جديد، وخصوصاً مع ترويج الاحتلال لإعادة احتلال غزة والبقاء مدة طويلة في القطاع، وذلك بالتزامن مع التعنت الإسرائيلي المستمر في فرض عوائق أمام أي حلول لوقف إطلاق النار، من شأنها إخراج الوضع من حالة الانسداد بخطواتٍ تدريجية تقود إلى إنهاء الحرب أو اتفاقٍ كامل يشمل كافة الملفات العالقة. 

ومنذ السابع من أكتوبر، قُدمت عدة مبادرات إقليمية ودولية لإنهاء الانقسام الفلسطيني بين حركتي حماس وفتح، مثل تفاهمات بكين وروسيا ومحادثات القاهرة، وفرت فرصة للفلسطينيين للمناورة أمام الضغوط الأمريكية والمخططات الإسرائيلية عندما اقترحت مصر صيغة عملية لإدارة القطاع، يكون عمادها التوافق الفلسطيني. 

وفي ظل التحديات الداخلية والخارجية، يلقي التقرير الضوء على مجريات المناقشات حول مبادرات مستقبل القطاع بعد وقف إطلاق النار، والتحديات التي تواجه التفاوض بهذا الشأن وأيضاً البدائل الممكنة لمقترحات الأطراف المختلفة. 

أولاً: الفلسطينيون ومقترحات إدارة غزة

كان الاتجاه العام، أن يكون الحل فلسطينياً وليس دولياً. يتلاقى هذا التصور مع المواقف العربية والإسلامية، وخصوصاً ما يتعلق بتصنيف الفصائل الفلسطينية حركات تحرر وطني، لها الحق في تقرير مصير القطاع والضفة الغربية، تعبيراً عن النسيج المشترك للشعب الفلسطيني

الاختلاف الفلسطيني بشأن لجنة الإسناد المجتمعي

بعد مشوار من المبادرات، توافقت الفصائل والقوى الفلسطينية، وعلى رأسها حركتا فتح وحماس، بعد نحو شهرٍ من محادثات مكثّفة، برعايةٍ مصرية في القاهرة، على تشكيل “لجنة الإسناد المجتمعي”، لإدارة الشؤون الإدارية والإنسانية في قطاع غزة، على أن تتكون من شخصيات فلسطينية مستقلة، وتكون مرجعيتها القانونية مرسوم رئاسي من قيادة السلطة، يتيح لها ممارسة المهام وفق اللوائح القانونية المعمول بها في الأراضي الفلسطينية. 

غير أنه رغم التوافق الفصائلي الفلسطيني على تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي، أبدت حركة فتح ممثلةً بقيادة السلطة الفلسطينية تحولاً ملحوظاً في موقفها تجاه مخرجات هذا التوافق، تمثل في التحفظ غير المُعلن على تشكيل اللجنة، مما عطّل ترتيبات البدء الفعلي بخطوات تشكيل اللجنة، وهو ما انتقدته حركة حماس في بيانٍ رسمي دعت فيه قيادة السلطة إلى التفاعل الإيجابي مع جهود تشكيل اللجنة. 

أبدى العديد من قيادات السلطة الفلسطينية أن السبب في التحفظ على لجنة الاسناد المجتمعي يكمن في التخوف من احتمال انعكاسها سلباً على المكون الفلسطيني جغرافياً وديموغرافياً بفصل غزة عن الضفة، مستبدلين التوافق على اللجنة لمطالبة حركة حماس بتمثيل الحكومة الكل الفلسطيني وتسليم إدارة الشؤون إليها.  

وفي المقابل، بدأت العديد من الأطراف الفلسطينية، وفي مقدمتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، بمناشدة قيادة السلطة الفلسطينية بالتفاعل الإيجابي، وتحثها إلى العدول عن موقفها الرافض للتفاهمات المُتفق عليه بخصوص لجنة الإسناد المجتمعي، والمضي قُدماً في الترتيبات العملية. 

واضافةً إلى ذلك، نشرت شريحة واسعة من الهيئات والشخصيات الوطنية والمجتمعية المستقلة عريضة تأييد للجهد المصري الساعي إلى تشكيل لجنة لإدارة شؤون غزة الإدارية والإنسانية في إطار ترتيبات اليوم التالي للحرب، وداعيةً قيادة السلطة الفلسطينية إلى التفاعل الإيجابي مع المُقترح المصري. 

ويُلاحظ من تصريحات الأطراف الفلسطينية، بشقيّها الحزبي والمدني، حول لجنة الاسناد المجتمعي، إدراكها لمدى حاجة المرحلة الحالية إلى التكاتف الكامل لتكوين إدارة مؤقتة بعيداً عن أي انقسامٍ سياسي، لكي تقطع الطريق عن مساعي الاحتلال في احتكار حلول مشهد اليوم التالي للحرب، وهذا ما زالت تسعى إليه الأطراف الفلسطينية كافةً منذ بدء حرب الإبادة في السابع من أكتوبر. خاصةً وأن ما تستند إليه قيادة السلطة من مبررات تعتمد على ملفاتٍ خلافية ليست مستجدة، وإثارتها حالياً لا يتناسب مع الظروف الراهنة، في ظل حاجة سكان القطاع إلى إدارة عاجلة للوضع الإنساني المتفاقم على كافة المستويات. 

التحديات القائمة والمُحتملة

يشكل رفض قيادة السلطة الفلسطينية اصدار مرسوم رئاسي لمباشرة إجراءات تكوين لجنة الإسناد المجتمعي عائقاً حقيقياً رغم التفاهمات المسبقة مع حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية، وهو ما لاقى رفضاً فلسطينياً واسعاً، على اعتبار أنه لا يوجد ما يستدعي هذا التحفظ من قبل قيادة السلطة؛ حيث ستكون المُشرف المباشر على اللجنة وملفات إدارة القطاع، مثل المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار وإعادة تشغيل معبر رفح. 

واضافةً إلى ذلك، تعد حرب الإبادة وما يرافقها من إجراءاتٍ ميدانية إسرائيلية تدمر كافة مقومات الحياة في غزة، من أبرز العوائق الأخرى التي تقف عائقاً أمام فعالية عمل اللجنة في اليوم التالي للحرب، إذ يسعى الاحتلال إلى فرض واقع جيوسياسي يصعب التعامل مع تداعياته بعد الحرب، ويتسبب في تعميق الأزمة الإنسانية من خلال توسيع نطاق تدمير البنية العمرانية، إضافةً إلى توسيع النطاق الجغرافي للمناطق العسكرية التي تُسيطر عليها، بتعزيزها ببنية أمنية وعسكرية تفرض واقع شبه دائم. 

مقترحات فلسطينية بديلة

مع رفض قيادة السلطة اصدار المرسوم الرئاسي بخصوص لجنة الإسناد، بدأت عدة شخصيات نافذة في حركة فتح والسلطة تقترح على حركة حماس التخلي عن إدارة شؤون القطاع إلى حكومة السلطة، باعتبارها ممثل الشرعية الفلسطينية، دون الحاجة إلى تشكيل أي لجان من شأنها تعميق الانقسام السياسي والفصل الجغرافي بين القطاع والضفة، وهو ما يُعد مقترحاً – غير مُعلن – من قيادة السلطة إلى حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية.  

ويتقاطع هذا المقترح مع مقترحاتٍ أخرى، قدمتها أطراف إقليمية ودولية، حيث جرى تداولها في صيف 2024، بشأن تكوين إدارة فلسطينية تتبع السلطة، على أن تتكون من مؤيدي حركة فتح في قطاع غزة وخارجها، دون أن تشمل حركة حماس أو سيطرة الاحتلال، على أن تتكون من قوة أمنية، يصل عددها إلى 2500 عنصر، يُشرف على تدريبها خبراء أمريكيين، وبدعم من دولٍ عربية معتدلة. 

واضافةً إلى ذلك، طرحت أطراف من داخل حركة فتح مقترحاً بشأن تولي منظمة التحرير الفلسطينية إدارة القطاع بعد الحرب، على اعتبار أنه مقترحاً سيلقى دعماً إقليمياً وقبولاً دولياً، عدا عن إمكانية التحرك السياسي الكامل على كافة الأصعدة. 

وفي ظل حالة الجمود الفلسطيني، بدأت أطراف عدة تداول سيناريوهات محتملة لشكل الإدارة ما بعد الحرب، ومن أبرزها؛ تشكيل لجنة وزارية كـ إدارة تكنوقراط لإدارة غزة، وأن يكون محمد دحلان على رأسها، خاصةً وأنه يحظى بعلاقاتٍ خارجية واسعة، عدا عن دوره الواسع في الجانب الإنساني في قطاع غزة. وتظل فرص وقوع هذا السيناريو وغيره مرتبطاً بتعقيدات الوضع الداخلي الفلسطيني التي تفرض اعتباراتٍ عديدة على كافة الأطراف الفلسطينية. 

لم تبدِ أي من هذه الأطراف، بشقيّها المدني والفصائلي، أي تجاوب مع أي من هذه المُقترحات والسيناريوهات، نظراً لأن الجهود المصرية لتبديد الخلاف الفصائلي حول اللجنة ما زالت مستمرة. عدا عن صعوبة تنفيذ مثل هذه المُقترحات على أرض الواقع، دون وجود تفاهماتٍ فلسطينية مسبقة حول ترتيب مسائل عدة حولها، وذلك إما لاعتباراتٍ سياسية تتعلق ببعض الشخصيات، وإما لحصر بعض هذه المُقترحات في إطارٍ أمني فقط، بعيداً عن محددات إدارة الشؤون الإدارية والإنسانية التي تُعد أولوية المرحلة الراهنة. 

اتجاه حماس

وحسب بيان حركة حماس في 03 يناير 2025، تقوم مواقف حماس على اعتبار قطاع غزة جزء أصيلاً من الجغرافيا الفلسطينية، لذلك، كان اقتراح حماس، بتشكيل حكومة وطنية تختص بإدارة الضفة والقطاع بعد الحرب. لتقبل بخطة “الحُكم المؤقت” والتي تقوم فيها الولايات المتحدة بتدريب قوة الأمن. 

كانت لجنة الإسناد المجتمعي الصيغة الأخيرة في مسار المبادرات الدولية،  حيث رأت مصر أن إدارة غزة واحدة من ملفات التفاوض على مستقبل القطاع، سواء بتبعيته للسلطة أو انفصاله عنها 

ومع تتابع جولات التفاوض، قامت استجابة حركة حماس على أولوية إنقاذ قطاع غزة ووقف الإبادة بعد وضوح التواطؤ الغربي والفشل الدولي، وصارت حركة حماس أكثر مرونة للتلاقي مع حركة فتح لإنهاء الحرب والاتفاق على صفقة التبادل وتشكيل لجنة الإسناد المجتمعي لإدارة قطاع غزة على أن يكون الحل تحت مظلة النظام السياسي الفلسطيني واستناداً للإجماع الوطني ومشروعيته السياسية. وامتد تجاوب حماس مع المبادرة المصرية في محادثات تشكيل حكومة توافق وطني أو تكنوقراط، وكذلك، فيما يتعلق بشكيل لجنة الإسناد المجتمعي كعلامة على التقارب الفلسطيني

ورغم تأخره، يُعد موقف الحركة الأخير متقدماً في التصور عن الحاجات الضرورية لسكان القطاع في الأمن ووقف الحرب، وأيضاً أهمية وجود مظلة مشتركة للفلسطينيين تحميهم من الإطاحة بالشرعية الوطنية. وقد وضح تقدم الخطاب والموقف السياسي في إعلان الجاهزية لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، والانفتاح على مرامي لم الشمل الفلسطيني ومؤسساته والحفاظ على اعتبار النظام السياسي.

على مدى الفترة، قامت مطالب حماس على أن تقود الاتفاقيات الجزئية والمرحلية لوقف الحرب، غير أن تذبذب قوة الوساطة حال دون تلبية مطالب الحركة، وكان للعامل الإسرائيلي ـ الأمريكي تأثير واضح في الإطاحة بما يتم الاتفاق عليه وعدم أهليته لتقديم ضمانات لاحترام الاتفاقيات حول وضعية القطاع.

وعلى أية حال، من الواضح أن ترك ملف شكل الإدارة التي ستتولى شؤون القطاع في اليوم التالي للحرب مفتوحاً دون تفاهمٍ فلسطيني، سيؤدي إلى انفراد دولة الاحتلال في إيجاد البديل بمقترحات تستثني المكون الفلسطيني الفصائلي والرسمي، مما يعزّز مخططها الرامي إلى الفصل الجغرافي والديموغرافي بين غزة والضفة، لكيلا تتوفر أرضية تقود إلى ضغطٍ إقليمي ودولي يدفع دولة الاحتلال إلى استئناف مفاوضات السلام على أساس حل الدولتين. لذا يجب على كافة الأطراف الفلسطينية تغليب أولوية المرحلة الراهنة المتمثلة بالحاجة الماسّة إلى إدارة شؤون القطاع الإنسانية والإدارية، بتكوين لجنة مؤقتة تمثل خطوة مبدئية تقود إلى وقف إطلاق النار، مع إمكانية استئناف محادثات حول حكومة وحدة وطنية شاملة مستقبلاً. 

ثانياً: موقف إسرائيل من بديل حكم حماس في غزة

بعد الاعلان عن المقترح المصري بشأن ما تُعرف بلجنة الاسناد المجتمعي في قطاع غزة في سبتمبر 2024، اتجهت الأنظار الفلسطينية الى القاهرة، لمعرفة ما يمكن أن تسفر عنه جولات الفصائل، خاصةً وأن قطاع غزة بات بحاجة إلى تظافر كافة الجهود لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه والتخفيف من مستوى الكارثة الانسانية، وقد ربط الجميع ولادة تلك اللجنة والتفاوض الفصائلي حولها بوقف إطلاق النار، لأن التحرك الاقليمي لن يكون بعيداً عن الموقف الأمريكي والاسرائيلي، وهو ما ألمحت إليه الصحف العبرية، وأكدت على أهمية وجود حكومة مدنية بديلة عن حركة حماس في قطاع غزة.

نتنياهو وحكم العائلات 

منذ مارس 2024 بدأت حكومة اليمين في إسرائيل التواصل مع بعض العائلات الكبرى في شمال قطاع غزة، غير أنها فشلت في إيجاد حكومة موالية أو إدارات محلية للأحياء المختلفة، خاصةً وأن المقاومة الفلسطينية نجحت آنذاك في تجاوز تلك المساعي الإسرائيلية عبر نفوذها وسيطرتها الأمنية التي أفشلت تلك المخططات الاسرائيلية، وحالت دون ظهور أي عناصر أمنية محلية مناوئة لها ول سيطرتها داخل القطاع.

بالرغم من القدرات التدميرية التي استخدمتها إسرائيل في غزة، وما ترتب عليها من تداعيات كارثية على كافة المستويات، وخصوصاً الإنساني والأمني، إلا أن ما أنجزته حكومة نتنياهو في هذا السياق تركز على القتل والتدمير بكافة أشكالة، وإحداث الفوضى عبر ظهور مجموعات منظمة من اللصوص الذين يقومون بالسطو على المساعدات والشاحنات القادمة للقطاع، والحيلولة دون وصول الكثير منها الى النازحين، فضلاً عن إنتقائها لمجموعة من التجار الذين لعبوا دوراً سلبياً عزز من تلك الكارثة الانسانية القائمة.

 إسرائيل تخشى العودة إلى 6 أكتوبر

في 31 ديسمبر 2024، نشر موقع واي نت العبري تقريراً يظهر فيه مدى تخوف كبار مسؤولي الأمن بشأن سلوك حكومة نتانياهو التي لم تجد أي بديل عن حكم حماس في غزة، فبعد أكثر من عام على الحرب تبقى حركة حماس تحكم في قطاع غزة بغض النظر عن ضعفها، وما لحق بها من خسائر فادحة، مؤكدين على أن ضرورة إيجاد بديل يسبق صفقة التبادل مع حركة حماس أمراً مهماً.

لهذا ما تزال الكثير من الأصوات الاسرائيلية تحذر حكومة نتنياهو من غياب السياسة الواضحة تجاه قطاع غزة، وأنه في حال تم توقيع صفقة أسرى صغيرة سوف تتمكن حركة حماس من إعادة ترتيب صفوفها، وإستعادة حكمها الضعيف في قطاع غزة، وهو موقف يتبناه كبار المسؤولين في الجيش الاسرائيلي، وكافة التيارات التي لا تنتمي للائتلاف الحاكم.

من جانبه يحاول نتنياهو تحقيق مستوى من التوازن بين هذه الآراء وحلفاءه من أقطاب اليمين الديني، فاستمرار الوضع الحالي في غزة يخدم موقف أقطاب اليمين بما فيهم نتنياهو، لهذا يقلل هذا الأخير من خطورة الوضع الحالي في غزة، لأنه يعتقد أن حكومته سوف تعود الى حرب الإبادة حتى في حال تم توقيع اتفاق تبادل مع المقاومة في غزة، لأن صفقة التبادل بالنسبة لليمين الصهيوني تشكل واحدة من أهداف الحرب، لكنها لا تُنهي الحرب في قطاع غزة، وهذا ما يفسر صدور تلك التقارير الاسرائيلية والدولية التي تتحدث مؤخراً عن استعادة حماس جزء من قدراتها العسكرية، فهذا النوع من التقارير وفي هذا التوقيت من شأنه أن يوفر مبررات استمرار حرب الابادة.

موقف إسرائيل من بديل حماس في غزة

بالعودة الى لجنة الاسناد المجتمعي، وغيرها من الأفكار التي تظهر من حين لآخر بشأن توفير لجنة محلية لإدارة الوضع الإنساني في غزة، فإن الأطراف الاقليمية التي تطرح تلك المبادرات لا يمكنها أن تلعب دوراً بعيداً أو مخالفاً للموقف الاسرائيلي، وهذا ما أكدت عليه الصحف الاسرائيلية في نهاية ديسمبر الماضي، مؤكده على أن وجود لجنة أو حكومة محلية بديلة عن حماس في غزة يشكل الخيار الأفضل بالنسبة لإسرائيل، لذا فإن ما حالت المقاومة دون تحقيقه خلال الأشهر الأولى للحرب، بات أمراً واقعياً وتسعى إليه الفصائل الفلسطينية المتجاوبة مع تلك المقترحات الإقليمية في هذا الشأن؛ فمحاولات الاحتلال من أجل الوصول لحكم العائلات كبديل عن حكم حماس سابقاً، بات يأخذ شرعية فصائلية خلال الأشهر الأخيرة، لأن الفصائل وجدت نفسها مجبره على هذا الخيار الذي فرضته إسرائيل والأطراف الدولية والإقليمية الداعمة لها.

نتنياهو والعشوائية المقصودة

تواجه حكومة نتنياهو العديد من الانتقادات المتعلقة بضرورة إيجاد بديل لحكم حماس في غزة، لكن تلك الاتهامات لم تصل بعد إلى ذلك المستوى الذي عبر عنه وزير الدفاع الأسبق موشيه يعالون، والذي اتهم فيه الجيش الاسرائيلي بالتطهير العرقي في قطاع غزة، الأمر الذي وضعه أمام جملة من الإدانات والاتهامات التي بدأت من الجيش، مروراً بالائتلاف الحاكم، وصولاً إلى المعارضة التي عبر عنها يائير لبيد، فقد اعتبر هذا الأخير ما قاله يعالون خطأ شديداً وما كان عليه أن يقول ذلك.

لهذا يمكن القول أن ذاك الخلاف بين الائتلاف الحاكم والمعارضة الصهيونية لا يُمكن إعتباره إشكالية حقيقية، بقدر ما يمثل خلافاً شكلياً، له علاقة بمحاولة كل طرف كسب الجبهة الداخلية، ومحاولة تحقيق مكاسب سياسية على حساب الآخر، وعدم الاعتراف بالتطهير العرقي رغم ممارسته إسرائيلاً ليس جديداً على إسرائيل، لأن منظماتها الصهيونية سبق لها أن مارست أشكالاً مختلفة من التطهير العرقي، وقد درجت كافة الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة على التمسك بتهجير الفلسطينيين، ولا تتوقف مساعيها الدائمة عن تحقيق ذلك.

وهنا، تحاول حكومة نتنياهو التي تتجاهل الضغوط الداخلية سواءً من المعارضة أو المؤسسة الأمنية وتطبيق مخطط التطهير العرقي عبر التظاهر بالسلوك العشوائي أو غير المنظم في قطاع غزة، إذ أن وصول الفصائل أو السلطة الفلسطينية الى تفاهم بشأن إدارة قطاع غزة لا يعني بالضرورة وقف الحرب، كما أن محاولة الإقليم الدفع باتجاه إحراج إسرائيل عبر الإعلان عن لجنة مستقلة أو بعيدة عن حكم حماس في غزة، لا يعني توقف الحكومة الإسرائيلية عن مخططاتها في قطاع غزة، خاصةً وأن المرحلة الثانية من خطة الجنرالات قد بدأت، ولتحقيق ذلك تستمر حكومة نتنياهو  كسب المزيد من الوقت عبر المشاركة في المفاوضات غير المباشرة أملاً في الوصول لكامل أهدافها في قطاع غزة.

ثالثاً: التعامل الدولي إدارة غزة

منذ الهدنة الإنسانية في 30 نوفمبر 2023، نشطت وساطات قطر ومصر والولايات المتحدة لإنجاز لهدنة جديدة أو وقف إطلاق النار، ومحورها الاتفاق على تبادل الأسرى بين الاحتلال وحركة حماس. وعلى جانب الاحتلال، تصاعدت مطالب أُسر أسرى الاحتلال بعقد صفقة لإطلاق سراحهم، وخلال هذه الفترة، نضجت الآراء حول تصور الوضع في غزة، لتقع ما بين بديلين؛ انسحاب الاحتلال من كل القطاع أو تشكيل سلطة محلية تحت إشراف دولي. 

ثالثاً: مسار المواقف الإقليمية والدولية

وفي وقت مبكر، أكتوبر 2023، اقترحت تركيا ورقة ضمانات لوقف الحرب، قامت على جانبين؛ الربط بين أمن الاحتلال ووجود دولة فلسطينية، ووجود ضامنين للجانب الفلسطيني وتمثله مجموعة الدول الإسلامية، وجانب الاحتلال، وتمثله الولايات المتحدة وأي طرف أخر، تكون مهمتهم في تحمل مسؤولية تنفيذ المتطلبات. 

وتأتي التطورات الأخيرة حول شكل قطاع غزة مع تتابع المبادرات الإقليمية والدولية لوقف إطلاق النار، وأيضاً، إدراك الفصائل بالحاجة لوقف الإبادة والإسراع بإعادة الإعمار 

مصر في التطورات الأخيرة

وبشكل عام، قامت السياسة المصرية على أهلية الفلسطينيين لتولي شؤونهم بمجرد وقف إطلاق النار، ولذلك، رأت المقترحات الإسرائيلية والأمريكية بإرسال قوات عربية أو مشتركة غير مقبولة لأنه يطيح بحق الفلسطينيين في تقرير مستقبل قطاع غزة.

ومن طرفها، تسعى مصر إلى تذليل العقبات التي تعيق جهود تكوين اللجنة، من خلال محاولة إقناع قيادة السلطة الفلسطينية بالمضي قُدماً في إجراءات تشكيلها، خاصةً وأنها ستكون تحت اشرافها، مما يبدد مخاوفها بشأن استغلال حركة حماس اللجنة كغطاء لاستدامة حكمها في القطاع، مع الإشارة إلى تأجيل ملفات الانقسام إلى وقتٍ لاحق لمناقشتها في سياق مساعي تكوين حكومة وحدة وطنية مستقبلاً.

يقتضي السياق العام، عودة السلطة للقطاع ضمن مقترحات ما بعد الحرب، مع تعديلات عليها أو تسليم الحكم لحكومة تكنوقراط. وفي هذا السياق، كانت مفاوضات معبر رفح، بحيث تُمهد الطريق لعودة السلطة بضمانات الإشراف الدولي، وهو صيغة وسطى، تشارك فيها تركيا لتحول دون الفصل ما بين الضفة والقطاع.

المقترح الأمريكي

وعلى خلاف المقترحات الإقليمية. في يوليو الماضي، قام مقترح أمريكي على مبادلة وصول السلطة الفلسطينية للقطاع بإقامة علاقات ديبلوماسية بين الاحتلال والسعودية في سياق التمهيد لتنفيذ حل الدولتين. كان الاقتراح الدولي متمثلاً في وضع القطاع تحت قوات دولية بإشراف حلف الناتو، لمدة خمس سنوات، يتم تشكيل سلطة انتقالية، تكون مهامها في تهيئة البنية التحتية للدولة الفلسطينية.  

 وفق هذا المقترح، تحاول الولايات المتحدة التقاطع مع مبادئ المبادرة العربية للسلام، فتقوم تصوراتها على إقامة الدولة على حدود 67، لكنها تُهمل الالتزامات المتبادلة بين الفلسطينيين والاحتلال، غير أنها لا تبدو بصدد حل حقيقي بقدر ما تسعى لمنع الدول العربية والإسلامية من تقديم رؤية بعيدة المدى لتسوية سلمية بين إسرائيل والفلسطينيين. كان جزءً من السياسة الأمريكية، هو استهلاك الوقت في خلافات أمريكية ـ إسرائيلية على تفاصيل مبادرات الرئيس الأمريكي.

وحسب المبادرة الأمريكية، كان ترتيب الميزات واضحاً في أولوية مساهمة المجتمع الدولي في إعادة الإعمار وحرية وصول المساعدات، لكنها في البنود التالية، وضعت بنوداً لمصادرة حق الفلسطينيين في إدارة قطاع غزة عندما تكلمت عن نزع السلاح ورفض استمرار حماس في السلطة باعتبارها منظمة إرهابية ونزع سلاحها في مقابل انسحاب إسرائيل من كامل القطاع وتوحيده مع الضفة الغربية تحت قيادة السلطة الفلسطينية.

ورغم هذه المقترحات، فإنه على مدى مسار الوساطة، قامت السياسة الأمريكية على استهلاك الوقت في الخلاف مع حكومة الاحتلال حول صيغ المبادرات وحماية حكومة نتنياهو من الإدانة الدولية وتأمين صفقة الرهائن، وقد انعكس هذا الخلاف في اجتماعات الوسطاء بطريقة حالت دون الوصول لاتفاق على صفقة التبادل أو وقف إطلاق النار. 

يتوقف مستقبل قطاع غزة على توازن العلاقة بين ثلاثة مُكونات؛ يتمثل الأول في بقاء حماس طرفاً رئيسياً في المعادلة الفلسطينية، أما الثاني، فهو ما يتعلق بتجانس المواقف الإقليمية واتخاذها موقفاً موحداً تجاه مبادرات “تنفيذ حل الدولتين” بقيادة المملكة العربية السعودية و تسيير المصالحة الوطنية وموازنة الأدوار الدولية الأخرى، أما الثالث، فهو يرتبط بقدرة الاحتلال وأمريكا على الهروب للأمام من الضغوط المختلفة.

English version

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق