تقرير فلسطين

الاستيلاء الإسرائيلي على الأراضي السورية وإلتهديد الإقليمي

يشكّل الوضع السياسي الجديد في سوريا نقطة تحولٍ بارزةٍ في المنطقة، أسفر عنها إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية، بتراجع النفوذ الإيراني لصالح تعاظم دور تركيا كفاعلٍ إقليمي رئيسي، يساهم بشكلٍ مباشر في صياغة المشهد السياسي الجديد في سوريا. ويثير التحرك العسكري المفاجئ لـ دولة الاحتلال في منطقة الجولان والمناطق المحيطة، تحديات أمنية وعسكرية، ليس بسبب فراغ ما بعد نظام الأسد، ولكن اتساع الأطماع الإسرائيلية.

ويتناول التقرير، تداعيات الاستيلاء الإسرائيلي على جبل الشيخ الاستراتيجي الذي يطل على كافة المناطق الحدودية مع دول الجوار والاستيطان في الجولان، وذلك من جانب تطلعات الحكومة اليمينية، ومواقف الفلسطينيين، والسياسة الإقليمية. إلى جانب تنفيذ عمليات قصف جوي واسعة النطاق استهدفت المواقع العسكرية ومخازن الأسلحة والمطارات والموانئ الحربية. ما شكّل تحولاً استراتيجياً يفرض واقعاً جديداً يؤثّر على الملفات الإقليمية، بما فيها القضية الفلسطينية.

أولاً: التوسع الاسرائيلي في الجولان

بعد أيام قليلة على إنهيار نظام الأسد في سوريا، وتسلم القوى الثورية المدعومة إقليمياً ودولياً للحكم في سوريا، أعلنت الحكومة الاسرائيلية عن تعزيز وجودها الاستيطاني في الجولان بميزانية بلغت نحو 11 مليون دولار أمريكي، تضاعف من خلالها سكان المستوطنات الذي يبلغ نحو 30 ألفاً الى الضعفين، لتؤكد بذلك على أن إحتلالها للمزيد من الأراضي السورية في جبل الشيخ وصولاً وصولاً إلى الحدود مع العاصمة السورية دمشق لم يكن بدافع مواجهة التهديدات المحتملة كما يدعي مسؤوليها، بل استغلالاً لذلك الفراغ الأمني والظرف الاستثنائي الذي تعيشه سوريا.

الجولان والتطورات الداخلية في إسرائيل

بينما كانت الأنظار الاسرائيلية تتجه نحو مثول نتنياهو أمام جلسة التحقيق بقضايا الفساد، فاجأ رئيس الحكومة الاسرائيلية الجميع وقدم خطاباً من أعلى قمة جبل الشيخ الذي إحتلته إسرائيل مؤخراً، ليبرر عدم ذهابه إلى التحقيق بداعي وجود اعتبارات أمنية، وقد حاول بعض القضاه تبرير ذلك حفاظاً على يمعتهم، وهو ما وضعهم أمام انتقادات الصحافة الاسرائيلية التي اتهمتهم بالتساهل مع نتنياهو.

لهذا وظف نتنياهو تلك الأراضي التي إحتلتها إسرائيل حديثاً، ووقرارات الاستيطان الجديدة في الجولان لخدمة مصالحة الشخصية، وكذلك من أجل تعزيز موقف الائتلاف الحاكم، لأن المعارضة الاسرائيلية وكذلك الصحافة تترقب جلسات التحقيق مع نتنياهو للنيل منه سياسياً، خاصةً وأن قضايا الفساد التي تطارد نتنياهو يتم تأجيل البث فيها لأسباب تتعلق باستمرار الحرب في غزة، وقد دخلت الجبهة السورية كسبب أو مبرر أخر بالنسبة لنتنياهو.

الملاحظة الجديرة بالاهتمام، هي أن مشروع الاستيطان الجديد في الجولان خرج من مكتب نتنياهو، وهذا الأخير بات معنياً بتوسع دولة إسرائيل أكثر من تلك الأحزاب اليمنية التي اعتادت مؤخراً على المبادرة بهكذا مشاريع إستيطانية، فإغلب المشاريع الاستيطانية والقوانين الجديدة التي تساعد على ضم الضفة الغربية تكون قيادات اليمين الديني خلفها، لذلك يسعى نتنياهو من وراء توسيع الاستيطان في الجولان إلى تعزيز إئتلافه الحكومي، وكسب المزيد من أصوات أحزاب اليمين.

وفي سياق أخر، كان المجتمع الصهيوني وأحزاب المعارضة تتطلع الى عقد صفقة مع المقاومة في غزة بهدف إستعادة أسرى الاحتلال، كما تصاعدت حركة الاحتجاجات الداخلية المطالبة بعقد الصفقة، وقد وصلت إستطلاعات الرأي إلى أعلى مستوى لها، حيث طالب 69% من الاسرائيليين في منتصف ديسمبر الجاري بعقد الاتفاق مع المقاومة، وهنا استغل نتنياهو الجبهة السورية لحرف الأنظار الاسرائيلية عن قضية الأسرى ووقف الحرب في غزة.

توافق إسرائيلي على توسيع الاستيطان في الجولان

على عكس تلك الخلافات الداخلية التي تظهر بين الحين والأخر بشأن مقترحات المشاريع الاستيطانية في قطاع غزة، ورفض المعارضة الاسرائيلية لمخططات اليمين القومي الساعية الى اعادة احتلال غزة، يُلاحظ أن ثمة حالة توافق داخلي بشأن التوسع الاستيطاني في الجولان، وباستثناء الهجوم على شخص نتنياهو، وإدانة هروبة من تحقيقات المحكمة الاسرائيلية، لم تعلق قوى المعارضة على قرار الحكومة الخاص بإنشاء وحدات استيطانية جديدة في الجولان السوري، وأكتفت الصحف الاسرائيلية بالتحذير من خلق المزيد من الأعداء داخل سوريا، خاصةً وأن احتلال المزيد من الأراضي السورية، يمكن أن يفتح جبهة قتال جديدة مستقبلاً، حيث تقول صحيقة هآارتس أن التوسع الاسرائيلي في سوريا يمثل تحدياً لعناصر مختلفة تعمل في سوريا، دون أن تُسمى هذه العناصر، كما أشارت الصحف الاسرائيلية إلى أن هذا التوسع قد يضر بمهمة إسرائيل الأمنية في سوريا، خاصةً وأن الجيش الاسرائيلي مهتماً بالتخلص من أي سلاح في سوريا قد يوجه نحوه مستقبلاً.

تجاهل الانتقادات الاقليمية والدولية 

وعلى الرغم من تنديد العديد من الأطراف الاقليمية والدولية بما فيها دول التطبيع مع إسرائيل، وكذلك الأطراف الدولية الداعمة لها، بقرار توسيع الاستيطان في الجولان، إلا أن ذلك لم يكن ذات تأثير واضح على موقف حكومة نتنياهو والداخل الاسرائيلي، خاصةً وأن قرار التوسيع الاستيطاني هنا يأتي قبل أسابيع قليلة على وصول الجمهوري ترامب الى البيت الأبيض، والمعروف أن هذا الأخير يشكل الطرف الدولي الوحيد الذي اعترف بحق إسرائيل في ضم هضبة الجولان، لذلك تحاول الحكومة الاسرائيلية استغلال صعود ترامب مجدداً دون الالتفات لتلك الادانات والتنديد الدولي الذي تعرضت له إسرائيل.

وفي السياق ذاته، فإن عدم الاستقرار الأمني في سوريا يشجع إسرائيل على فرض واقع جديد وتحويل المؤقت الى دائم، وهذا ما تؤكده تصريحات مسؤول في الحكومة الاسرائيلية حينما يؤكد على أن الوجود التركي في شمال سوريا من الطبيعي أن يقابلة توسع اسرائيل في الغرب السوري، لهذا فإن توسيع توسيع الاستيطان في الجولان يهدف الى مضي إسرائيل في التوسع على حساب الاراضي السورية، خاصةً وأن التوسع يمثل واحداً من تطلعات إسرائيل بشأن مستقبل سوريا.

وهنا تأمل إسرائيل في وجود مجموعة من الدول المنقسمة طائفياً وعرقياً في سوريا، بما يخدم مشاريعها الاستيطانية في الغرب السوري، وكذلك يعزز من وجودها الأمني، وحتى إذا نجحت الثورة السورية في توحيد صفوفها، وإعادة بناء دولة واحدة، فإن هذه الدولة عليها تجاهل ذلك التوسع الاسرائيلي داخل أراضيها، وحتى هذه اللحظة يعبر الموقف السوري عن تلك التطلعات الاسرائيلية.

لا شك في أن ابعاد إيران عن سوريا، ووقف إمدادات محور المقاومة، إضافة الى التخلص من السلاح السوري، تُعد مكسباً إستراتيجياً بالنسية لاسرائيل، لكنها لا تُعد هدفاً نهائياً، لأن ذلك الفراغ الأمني في سوريا يُعد فرصة ثمينة لا تتكرر كثيراً بالنسبة لتل أبيب، حيث يقول ليبمان أحد أعضاء (ايباك) بأن على القيادة الاسرائيلية دراسة ما يمكنها تحقيقه من مكاسب إسترايجية في سوريا خلال الأشهر المقبلة، إذ يُعد التوسع الاستيطاني في الجولان واحداً من هذه المكاسب التي تسعى الحكومة الاسرائيلية الى تحقيقها، مُضيفاً بأن التحولات الاقليمية وما حققته إسرائيل عسكرياً خلال الأشهر الماضية يتعزز بحضور الرئيس الأمريكي ترامب، فتلك الفرصة التاريخية على حد وصف ليبمان من العار على دولة اسرائيل تفويتها.

ثانياً: تداعيات التوسع الإسرائيلي في الجولان على الملف الفلسطيني

ويمكن توصيف التحرك الإسرائيلي في الجولان على أنه استباق للتغير السياسي الجديد الذي نتج عنه سيطرة فصائل المعارضة على مقاليد الحكم في سوريا، فهي بهذه الخطوة الاستباقية تسعى إلى الدخول كطرفٍ رئيسي في تشكيل المرحلة المقبلة للدولة السورية الجديدة، من خلال تعزيز مقاربة فرض الوقائع، لضمان سيطرتها على المناطق المحتلة في هضبة الجولان، بتعزيز واقع تفاوضي حول مناطق جديدة، إضافةً لاستبدال اتفاق فض الاشتباك عام 1974 بتفاهمٍ أمني جديد يتناسب مع الوقائع الجديدة. 

يعكس التحرك الإسرائيلي الأخير مخاوف استراتيجية متعلقة بالجولان، إذ تدرك إسرائيل أن أي تحرك دبلوماسي مستقبلي واسع النطاق من قبل سوريا لاستعادة الجولان أو أجزاء منه، قد يهدد مخططاتها الرامية إلى تعزيز سيطرتها على المناطق المحتلة. ويظهر ذلك جلياً من قرارات الحكومة الإسرائيلية بتوسيع الاستيطان وزيادة المستوطنين في الجولان، لتعزيز التواجد الإسرائيلي في هذه المناطق مستقبلاً. 

وعلى الجانب الآخر، يُرجّح أن التدخل الإسرائيلي السريع في سوريا تزامناً مع التغير السياسي الجديد، جاء لتقليص احتمالات استعادة سوريا لـ الجولان في المستقبل المنظور، ما قد يشكل تهديداً مباشراً على التواجد الإسرائيلي في الشمال الفلسطيني، إذ يُنظر إلى تحرير الجولان كخطوة استراتيجية قد تمكّن سوريا من التفرغ مستقبلاً لدورها كدولة داعمة للقضية الفلسطينية، مما يضاعف التحديات التي تواجهها إسرائيل على المستويين السياسي والإقليمي. 

في المقابل، لم تتبن القيادة الجديدة في دمشق أي مواقفٍ فعلية تجاه المتغيرات الميدانية في الجولان، رغبةً في البقاء بعيداً عن أي ديناميكية قد تجرها إلى خلافات حادة مع أطراف إقليمية ودولية في الوقت الراهن من شأنها عرقلة بناء العملية السياسية الجديدة التي تمثل أولوية المرحلة، كما أشار أحمد الشرع قائد الحكومة المؤقتة إلى أن الحلول الدبلوماسية السبيل الوحيد لتعزيز الاستقرار. كما أن القيادة الجديدة لم تبد حتى الآن أي تصريحاتٍ حول طبيعة مقارباتها المستقبلية تجاه القضية الفلسطينية، مؤكدةً على أن أولويات المرحلة الراهنة تتجه نحو بناء سوريا الجديدة. 

ولذلك، لا يُتوقع في المرحلة المقبلة اتخاذ القيادة الجديدة في سوريا أي خطوات واضحة تجاه الفلسطينيين، وبالتالي لن تُشكّل التطورات الميدانية الأخيرة في الجولان وما سينتج عنها لاحقاً أي تداعيات مؤثّرة لصالح القضية الفلسطينية، بل على العكس، من المتوقع أن تؤدي إلى تحييد سوريا عن دائرة التأثير بالنسبة للفلسطينيين وقضيتهم. 

علاوةً على أن الواقع الجديد الذي تسعى دولة الاحتلال إلى تشكيله في سوريا الجديدة، قد يشكل تحديات متزايدة على الواقع الفلسطيني؛ فـ إسرائيل لا تسعى إلى فرض واقعٍ جديد يحفظ أمنها في مناطق سيطرتها في الجولان فحسب، بل تسعى إلى إكمال استراتيجيتها التقليدية الساعية إلى تحييد دول الجوار عن دعم الفلسطينيين، من خلال إجبار الأطراف الإقليمية على إعادة ترتيب أولوياتها بعيداً عن القضية الفلسطينية، والتركيز على المصالح الاقتصادية والتنموية، مما يساهم في عزلة الفلسطينيين من خلال ابعادهم عن أي عمقٍ عربي، كما حدث في كافة دول الجوار، وهذا ما تسعى  دولة الاحتلال إليه مؤخراً في سوريا الجديدة من بوابة الجولان بخلق معادلات جديدة. 

على أية حال، يُلاحظ في الوقت الراهن محاولة قيادة العمليات العسكرية في سوريا طمأنة الأطراف الدولية تجاه مقارباتها المستقبلية حول الأزمات الإقليمية، بما فيها القضية الفلسطينية، مما يعطي رؤية استشرافية حول طبيعة المرحلة المقبلة، التي من المتوقع أن تتسم باستمرار محاولات البقاء بعيداً عن أي تصعيد إقليمي أو تدخل مباشر في أي أزماتٍ إقليمية قد تعرقل عملية إعادة بناء الدولة السورية أو يثير خلافات مع أي قوى دولية. 

وفي الختام، يتضح أن التحركات الإسرائيلية في الجولان ليست مجرد خطوات تكتيكية آنية، بل تعكس استراتيجية بعيدة المدى تهدف إلى إعادة تشكيل موازين القوى الجيوسياسية في المنطقة، بتعزيز تحولاتٍ عميقة تُعيد تشكيل خارطة النفوذ الإقليمي، بما يضمن هيمنة “إسرائيل” وتثبيت وجودها كقوة إقليمية فاعلة. كما تسعى هذه الاستراتيجية إلى فرض واقع استيطاني وأمني جديد، لا يقتصر تأثيره على الحدود السورية فقط، بل يمتد ليُحدث انعكاسات عميقة على القضية الفلسطينية أيضاً. 

ورغم كل هذه التداعيات، لم تُبدِ الأطراف الفلسطينية، بمستوييها الرسمي والفصائلي، أيَّ تصريحاتٍ حول التوسع الإسرائيلي في الجولان ومناطق مجاورة، بسبب انشغالهم في معالجة الوضع الداخلي المتأزم، الذي يتمثل باستمرار حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، لا سيّما في شماله الذي يشهد حالياً تصعيداً غير مسبوق لإفراغ ما تبقى من سكانه النازحين في مستشفى كمال عدوان وبعض مناطق بيت حانون. إضافةً إلى شمال الضفة الغربية الذي يشهد تحولاً ميدانياً بارزاً، يتمثل في العملية الموسّعة لقوات أمن السلطة الفلسطينية ضد كتائب المقاومة المتمركزة في مخيم جنين. 

ورغم ذلك، تُدرك الأطراف الفلسطينية بمختلف توجهاتها، أن الاحتلال الإسرائيلي للجولان لا يمكن فصله عن الواقع القائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصةً مع اصدار حكومة الاحتلال قراراً بتوسيع البنية الاستيطانية عمرانياً وديموغرافياً في الجولان. إذ إن نجاح دولة الاحتلال في خلق واقعٍ جديد في الجولان، من شأنه أن ينعكس سلباً على الواقع الفلسطيني، بتشتيت الجهود الإقليمية والدولية الساعية لإنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية.

ثالثا” الجولان في الإطار الإقليمي

تصدرت المستجدات الميدانية في الجولان المشهد الإقليمي، ما قُوبل بتنديدٍ دولي واقليمي واسع تجاه ما وُصف بمساعٍ إسرائيلية لتوسيع نطاق التصعيد حتى دول الجوار، في محاولةٍ لتثبيت قواعد جديدة يصعب التعامل معها أو تُلغي قواعد فك الاشتباك الموقعة في العام 1974، وبالأخص مع استمرار توسيع الاحتلال لرقعة السيطرة الجغرافية إلى القرى الغربية لمحافظة درعا على الحدود الأردنية إلى الشرق من منطقة الجولان. كما لا تهدف هذه المساعي الإسرائيلية لفرض واقع جديد فحسب، بل تدفع القيادة الجديدة في دمشق إلى الدخول في محادثات تسوية بهدف تحييد أي تهديدٍ محتمل قد يشكله النظام الجديد في سوريا في الفترة المقبلة. 

ولذلك، بات ملف الجولان والأهمية الاستراتيجية التي يشكلها على المستوى الجغرافي، وبالأخص بعد السيطرة على جبل الشيخ الاستراتيجي، على رأس الأجندة الإقليمية. لذا سنتطرق في هذا الجزء من التقرير إلى تداعيات المستجدات الميدانية في الجولان على الأزمات الإقليمية، وبالأخص القضية الفلسطينية. 

ومع تتابع التوسع الإسرائيلي في الأراضي السورية، تشكلت المواقف الإقليمية في النظر إليها كمصدر جديد للتهديد، يضاعف من تداعيات الإطاحة بالقضية الفلسطينية، حيث تتداخل أولويات حل الصراع ما بين المسارين؛ السوري والفلسطيني. على أية حال، تتسبب هذه السياسات في تشكيل بيئة اضطراب عسكري وسياسي، ليس من السهل توقع نهايتها، وخصوصاً مع تلويح إسرائيل والغرب بوجود أهداف أخرى في لبنان وإيران، وهي أهداف لا تقتصر آثارها على أطرافها المباشرين، بل يسعون من وراءها لإثارة الحروب الإقليمية.

جاءت التعليقات الإقليمية سريعة على الاستيلاء الاحتلال على أراضي السورية وتوسع الاستيطان في هضبة الجولان.وفي موازاة هذه الأحداث، اتجهت تركيا لتوطيد موقعها في السياسة السورية، فخلال الأسبوعين الماضيين، انتقلت للعلاقات الرسمية، وأعلنت عن فتح سفارتها وألحقته بزيارة دولة لوزير الخارجية، هاكان فيدان، لتكون في طليعة الدول المؤيدة للوضع الرسمي للإدارة الجديدة في دمشق.

وتأتي التحركات التركية في سياق ملء الفراغ وتوفير مظلة سياسية وأمنية لمنع إسرائيل من التمادي في العدوان على سوريا. وقد عبرت تركيا عن موقفها، ليس بالتحذير من الاستفزاز باحتلال أرضي سورية في الجولان فقط، ولكنها سارت نحو اتخاذ إجراءات فعلية في ترتيب الوضع القائم في سوريا، كما أرست تطمينات للدول الإقليمية. قام الموقف التركي على أن التحركات الإسرائيلية تمثل تهديداً استراتيجياً، وخصوصاً مع تطلع الاحتلال لأن تكون السماء السورية مفتوحة أمام العدوان المتكرر. 

من جانب السياسة المصرية، اعتبرت وزارة الخارجية أن استيلاء إسرائيل على تخوم الجولان وإعلانها عن توسع الاستيطان في الجولان المحتلة، هو تهديد لكيان الدولة السورية، وإشعال أجواء الحرب، ولهذا، نظرت مصر بقلق لتطورات العدوان الإسرائيلي، وفي هذا السياق، اتخذت مسارين÷ كان الأول في تفعيل علاقاتها الخارجية لتكوين مظلة دولية لمراقبة الوضع في سوريا، حيث دعت لاجتماع قمة الدول الثماني (الإسلامية) الموسعة، للتشاور حول مستجدات الوضع في الأراضي المحتلة وسوريا، أما الثاني ، فقد عملت على تطوير أوضاعها العسكرية في سيناء، لتكون جاهزة لأي احتمالات لتدهور الأمن الإقليمي.

على المستوى الجماعي، أدان اجتماع العقبة توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة مع سوريا وسلسلة المواقع المجاورة لها في جبل الشيخ ومحافظتي القنيطرة وريف دمشق، واعتبر أن تحركات إسرائيل مخالفة للقانون الدولي واعتداء على السيادة السورية. وتكمن أهمية الموقف من اتساع المشاركة الإقليمية والدولية، وهو من شأنه تقويض أي مشروعية تحاول إسرائيل تثبيتها على الأراضي السورية.

وحسب الكثير من التقييمات الدولية، يتسبب إلغاء الاحتلال لاتفاقية فض الاشتباك الموقعة في العام 1974، وهو قرار له تأثير مزدوج، فهو من ناحية، يعمل على عودة أجواء الحرب الإقليمية، ومن ناحية أخرى، فالقرار الإسرائيلي يعطي سابقة في إنهاء الاتفاقيات من جانب واحد، ما قد يمتد لاتفاقيات سلام أخرى مع مصر أو الأردن.

وفي سياقات المواقف الإقليمية حول تطور العدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية، وباعتبار هضبة الجولان رأس جسر لتهديد دمشق وزيادة قوة إسرائيل، فإن تجانس السياسات بين الدول الإقليمية سوف يعمل تفريغ الخطوات الإسرائيلية من مضمونها، وخصوصا ما إذا تلاقت دول تركيا، السعودية ومصر على ملامح سياسات الأمن الجماعي في منطقة الشام، وبحيث تكون طرفاً مكافئاً لحكومة التطرف الإسرائيلي.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق