اجتماع القاهرة: خطوة نحو وقف الحرب
يتناول التقرير تطور عمليات التفاوض على وقف الحرب في قطاع غزة. فعلى المستوى الفلسطيني، يقدم مساراً لقراءة مواقف الفصائل حتى توافقها في اجتماع القاهرة (بداية ديسمبر الجاري) الأخير واستجابتها لمقترحات الوسطاء أعضاء اللجنة السباعية، كما تناول مشاهد الخريطة داخل مكونات الاحتلال، والجدل الدائر حول مراحل التهدئة والخلاف بين الحكومة والمعارضة. وأخيراً، أشار للانعكاس توسيع الوسطاء الداعمين للقضية الفلسطينية بانضمام تركيا وانعكاسه على تقليل الفجوة مع الاحتلال والولايات المتحدة، كما عرض لاستراتيجية مصر في إعداد أوراق المبادرات والتي تقوم على التدرجية والالتزامات المتبادلة وإجراءات بناء الثقة.
أولاً: الموقف الفلسطيني تجاه حلول وقف الحرب في غزة
تواجه الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، تحديات كبيرة في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة يضمن تنفيذ شروط المقاومة الساعية إلى الخروج من المأزق الحالي. ويستمر هذا التحدي في ظل التعنت الإسرائيلي الذي يرفض أي حلول تلبي ولو جزءاً من تلك الشروط، وهو ما يعكس موقف رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذي يرفض بدوره كافة المقترحات الإقليمية والدولية لوقف الحرب، سعياً وراء تحقيق مصالحه الشخصية بإطالة أمد الحرب. ويُعقّد الجمود في المفاوضات التوافق الفلسطيني الداخلي على المصالحة، بحيث يجعل ألية تنفيذ مخرجات توافق لجنة الاسناد المجتمعي أكثر تعقيداً لارتباط آليتها التنفيذية بإنهاء الحرب.
تكمن المعضلة الأبرز في المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تفريغ شمال القطاع من سكانه وتحويله إلى منطقة عسكرية مغلقة، فضلاً عن تمسكها بوجود عسكري دائم أو لفترات طويلة في محوري نتساريم وفيلادلفيا، إلى جانب الترويج لمخططات استعادة التواجد الاستيطاني وتهجير غالبية السكان، مما يعقد المفاوضات ويؤدي إلى تعثر أي مقترحات لا تلبي شروط المقاومة، التي لم تعد تملك سوى ورقة الأسرى كوسيلة ضغط أخيرة، خاصةً بعد توقيع وقف إطلاق النار مع حزب الله على جبهة لبنان.
شروط المقاومة في مواجهة التعنت الإسرائيلي:
منذ بداية العدوان على قطاع غزة، أبدت حركة حماس تعاطياً إيجابياً تجاه أي مقترحات تضمن الوقف الشامل للحرب والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من كافة محاور القطاع وعودة السكان إلى شمال القطاع وإعادة الاعمار، حتى وإن كانت مشروطة بتنفيذٍ مرحلي يتخلله محادثات بشأن باقي الملفات، بما فيها تبادل الأسرى. ولكن تصطدم هذه الشروط بالرفض الإسرائيلي الذي أفشّل كافة الوساطات، إما بعدم التفاعل الإيجابي مع المُقترحات المطروحة، أو بعملياتٍ ميدانية في قطاع غزة تزيد من تعقيد إمكانية استئنافٍ جاد للمفاوضات.
وخلال الأشهر الماضية، أكدت حركة حماس تمسكها بالاتفاق المرحلي الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن في مايو الماضي، والذي يتألف من ثلاث مراحل زمنية متتابعة لإنهاء الحرب. ورأت أن هذا الاتفاق يشكل سقفاً يمكن أن يلبي متطلبات جميع الأطراف. ولكن استمرار الاحتلال في عرقلة استئناف المفاوضات إلى جانب استمرار عملياته العسكرية الرامية إلى تعزيز التواجد العسكري وتهجير السكان في شمال القطاع، أحبط كافة المحاولات الإقليمية والدولية لصياغة أي اتفاق لوقف إطلاق النار.
وبذلك، وصلت المفاوضات بين حركة حماس ودولة الاحتلال إلى طريق مسدود، حيث لم يتمكن الوسطاء من تحقيق أي اختراق يُذكر لتعزيز اتفاق وقف إطلاق النار، حتى وإن كان مرحلياً، وذلك بسبب الرفض الإسرائيلي القاطع للشرطين اللذين تتمسك بهما حركة حماس: الوقف النهائي لإطلاق النار، والانسحاب الكامل من قطاع غزة.
اتفاق لبنان وتأثيره على مسار غزة:
أثار اتفاق وقف إطلاق النار في الجبهة اللبنانية تبايناً ملحوظاً في الآراء بين الفلسطينيون بمختلف مكوناتهم، فمن جهة، يرى المتفائلون أن الاتفاق يعزز من الضغط الدولي والإقليمي للتوصل إلى تفاهم وقف إطلاق نارٍ مشابه في غزة. وفي المقابل، يعتقد القسم الأخر أن توقيع اتفاق لبنان دون وقف الحرب في غزة له انعكاسات خطيرة بمنح دولة الاحتلال فرصة الاستفراد بالقطاع بكل إمكاناتها مستغلة غياب الضغط العسكري من الجبهة اللبنانية، التي كانت مؤخراً أحد أهم عوامل التوازن العسكري المؤثرة.
وتتجلى هذه المخاوف بوضوح في العمليات الإسرائيلية المكثفة الجارية في شمال غزة، والتي تشمل تهجيراً قسرياً للسكان وعمليات إبادة ممنهجة، كما هو الحال في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون. مما يزيد من القلق بشأن نوايا الاحتلال تجاه القطاع، خاصة في ظل استمرار مخططاته لتغيير المعادلة الديموغرافية والجغرافية هناك.
ويعكس هذا التباين في الآراء رغبة الأطراف الفلسطينية بمختلف توجهاتها في إيقاف حرب الإبادة الجماعية الدائرة في القطاع غزة بأي وسيلة، لكن مع الالتزام بسقف شروط الوقف النهائي للحرب والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من كافة محاور قطاع غزة.
ويشكل اتفاق وقف إطلاق النار في الجبهة اللبنانية ضغطاً متزايداً على حركة حماس للقبول بحل مرحلي يحقق الحد الأدنى من شروطها، خاصة مع تراجع دور الجبهة اللبنانية كعامل دعم مؤثر، بالإضافة إلى تراجع الفعالية الميدانية للمقاومة في قطاع غزة. هذا الوضع يضع الحركة أمام خيار صعب يتمثل في القبول بتفاهمات تسهم في كسر الجمود الحالي وتخفيف المعاناة الإنسانية المتفاقمة في القطاع على حساب التأجيل المرحلي لشرط الانسحاب الكامل للاحتلال.
التوافق الفصائلي على إدارة القطاع بعد الحرب
عملت الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها حركتا فتح وحماس، على التفاوض الجاد حول شكل الإدارة التي ستدير القطاع بعد الحرب، حيث توصلت إلى توافق شامل لألية عملية تمثلت بـ لجنة الاسناد المجتمعي، التي تتكون من شخصيات مستقلة، وتتبع السلطة الفلسطينية، وستتولى كافة المجالات الخدمية في القطاع، وفق الأنظمة والقوانين الفلسطينية المعمول بها. إضافةً إلى تولي السلطة الفلسطينية إدارة معبر رفح بلجنة مراقبةٍ دولية، بعيداً عن تواجد حركة حماس.
ورغم التوافق النظري على شكل الإدارة، العديد من التحديات التي تواجه آلية التنفيذ، والتي ترتبط بطبيعة مخرجات اتفاق الهدنة، ولا سيّما انسحاب قوات الاحتلال من محاور القطاع لضمان العمل المرن للجنة، إضافةً إلى التنسيق بين كافة الأطراف الفلسطينية لإنجاح هذه الإدارة في مرحلة ما بعد الحرب التي تزيد تحدياتها في ظل تدمير أكثر من 90% من النية العمرانية لقطاع غزة.
عوامل محفزة
تدرك الأطراف الفلسطينية حجم الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، وبالأخص مع استمرار العملية العسكرية المسماة بـ “خطة الجنرالات” الساعية إلى إفراغ شمال قطاع غزة من السكان وتحويله إلى منطقة عسكرية، مما أعاد أزمة المجاعة والإبادة الجماعية إلى الواجهة من جديد، مما زاد من حدة الضغوط على المقاومة الفلسطينية بشأن التفاعل الإيجابي مع أي مقترحٍ لوقف إطلاق النار، نظراً لأن استمرار الحرب يضاعف الكارثة الإنسانية التي يتعرض لها سكان القطاع.
ومن جانبٍ أخر، يُعتبر دخول تركيا كطرفٍ مشارك في وساطة مفاوضات الهدنة، إلى جانب مصر وقطر وتحت إشراف أمريكي، عاملاً مهماً يضفي مرونةً على المفاوضات ويعزّز من جدية الأطراف. بحيث يساهم هذا التنسيق الدولي بشكل كبير في زيادة احتمالية التوصل إلى اتفاق هدنة ينهي الأزمة الحالية ويوقف الإبادة الجماعية الدائرة في قطاع غزة.
وفي المقابل، اضطرت حركة حماس التعاطي إيجابياً مع المقترح المصري الأخير، لأنه يشكّل مخرجاً لانسداد آفق الحل في القطاع، خاصةً وأنه يقدّم خارطة زمنية لوقفٍ إطلاق النار مماثل لاتفاق الجبهة اللبنانية من حيث التقسيم الزمني المرحلي، مع إعطاء مساحة لتبادل الأسرى والملفات الأخرى.
مرونة حماس في الموقف التفاوضي
لعب المقترح المصري دوراً محورياً في تحريك الجمود التفاوضي بين الطرفين، بدفعهما إلى إظهار مرونة أكبر تحت تأثير الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة للدفع نحو اتفاقٍ مشابه لاتفاق لبنان، إضافةً إلى ضغوط إدارة ترامب المقبلة لتوقيع اتفاق قبل مجيئه للبيت الأبيض.
وفي ضوء ذلك، تٌبدي حماس استعداداً للتعامل المرن مع أي مقترحاتٍ مرحلية، وفق جدولة زمنية تضمن شروطها الثابتة، التي يتخللها تبادلٌ للأسرى وآلية تدريجية لانسحاب قوات الاحتلال من كامل قطاع غزة، بما فيها المحاور الرئيسية، وعلى رأسها محور فيلاديلفيا.
وتشير التقارير الأولية من المفاوضات الجارية في القاهرة، التي تجري بجهود مشتركة من مصر وقطر وتركيا وتحت إشراف أمريكي، إلى إحراز تقدم ملموس في ملف تبادل الأسرى. هذا التطور يعزز التوقعات بإمكانية التوصل إلى اتفاق مرحلي قريب، قد يشكل بداية لتخفيف حدة الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، وفتح الباب أمام استئناف التفاوض على ملفات أكبر في المستقبل.
وفي الختام، يبدو أن الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، تدرك أن خيارات الحل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة تضيق يوماً بعد يوم، مع استمرار العمليات العسكرية للاحتلال، التي تهدف إلى تفريغ سكان شمال القطاع، في محاولة واضحة لتغيير الجغرافيا الديموغرافية. هذا الواقع يعطي انطباعاً بأن المفاوضات الحالية قد تكون الفرصة الأخيرة قبل أن تفرض دولة الاحتلال أمراً واقعاً يتمثل بإفراغ المناطق الواقعة شمال محور مفلاسيم، الذي يفصل شمال القطاع عن مدينة غزة.
بناءً عليه، يبقى التوصل إلى اتفاق مرحلي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة بشكل كبير مرهون بمدى المرونة التي سيبديها الطرف الإسرائيلي خلال المفاوضات، لا سيما فيما يتعلق بالتخلي عن البقاء العسكري الدائم في محاور القطاع، والتراجع عن مخططات التهجير القسري للسكان. ومع ذلك، فإن هذه النقاط الأساسية تجعل من صياغة اتفاق نهائي لوقف إطلاق النار تحدياً بالغ الصعوبة، خاصة في ظل الموقف الإسرائيلي الذي أبدى فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو استعداداً لقبول اتفاق مرحلي، دون أي نية واضحة للتوصل إلى وقف شامل للحرب.
وفي ظل هذا التعقيد، تظل الضغوط الإقليمية والدولية التي تُمارس على الأطراف في الوقت الراهن، إلى جانب ملف الأسرى الذي يشكل ورقة ضغطٍ فعالة على دولة الاحتلال، عوامل رئيسية قد تدفع الأخيرة إلى تقديم تنازلات، خاصةً إذا واصلت حركة حماس توظيف ملف الأسرى بفاعلية كما فعلت مؤخراً، إذ تمكنت من تسليط ضغوط كبيرة على المجتمع الإسرائيلي داخلياً، مما قد يُعزز من موقفها التفاوضي، في ظل تراجع الضغط الميداني مع تقلص العمليات العسكرية ضد القوات الإسرائيلية المتوغلة في قطاع غزة.
ثانيا: الموقف الاسرائيلي من وقف الحرب في غزة
حين وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهديدات للمقاومة الفلسطينية بغزة في 2 ديسمبر 2024، مؤكداً أن الشرق الأوسط سيواجه الجحيم إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن الاسرائيليين، ظن الكثيرين أن تهديدات ترامب موجهة للمقاومة فقط، لكن الحقيقة أن التهديدات موجهة لكافة الأطراف الإقليمية التي تسعى الى الضغط على قيادة حركة حماس أملاً في تمرير اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
موقف الائتلاف الحاكم
يعبر وزير الخارجية الاسرائيلي جدعون ساعر عن موقف نتنياهو وحكومته، حيث يلخص المفاوضات الجارية في القاهرة بتبادل الأسرى دون الحديث عن انسحاب الجانب الاسرائيلي من قطاع غزة، حيث يعتبر ساعر هذه المفاوضات فرصة حقيقية لإبرام صفقة تبادل، وليس لوقف إطلاق النار أو الانسحاب من غزة.
وهنا تعول حكومة نتنياهو على فصل حزب الله عن الصراع والاستفراد الحالي بقطاع غزة، حيث يؤكد إسحاق هرتسوغ رئيس الكيان الصهيوني على أن التسوية مع الجانب اللبناني تتيح لإسرائيل الفرصة لاستعادة محتجزيها من غزة.
بالرغم من حديث وسائل الاعلام الاسرائيلية عن فرصة حقيقية وتفاؤل بشأن الاقتراب من توقيع اتفاق مع حركة حماس، إلا أن مواقف اليمين الديني بددت ذلك، فقد ربطت العديد من الأصوات اليمينية في الائتلاف الحاكم قرار وقف الحرب، والانسحاب الجزئي من قطاع غزة بخروج قادة حماس، وتخلي هذه الأخيرة عن الحكم بغزة.
لذلك فإن موقف الائتلاف الحاكم في إسرائيل يعتمد في اللحظة الراهنة على الجهود الاقليمية، وما سوف تسفر عنه تلك الجهود في الضغط على قيادة حماس وإنتزاع المزيد من التنازلات، خاصةً وأن نتنياهو وحكومته يعتمدون على عزلة حركة حماس، وفقدها لدور محور المقاومة واستراتيجية وحدة الساحات، وهو ما يطمح إليه نتنياهو لإبقاء قواته في غزة، وخصوصاً في محوري فيلادلفيا ونتساريم.
الخلاف مع المؤسسة العسكرية
تقارن المؤسسة الأمنية والعسكرية الاسرائيلية بين موقف الائتلاف الحاكم من لبنان سابقاً، وموقفه الحالي من غزة، حيث تعتبر التهديد اللبناني أكبر بكثير من التهديد القادم من غزة، ومع ذلك تم توقيع الاتفاق مع لبنان، ويتم تضييع الفرص التي تتوفر مع غزة.
لهذا يمكن الحديث عن تماسك في الموقف السياسي بين المؤسسة العسكرية والمعارضة الاسرائيلية، على عكس موقف الائتلاف الحاكم، حيث يقول غادي أيزنكوت رئيس الاركان السابق والقيادي في حزب معسكر الدولة المعارض، أن نتنياهو لا يسعى لتحقيق إتفاق مع غزة، موضحاً أن وزارة الدفاع الاسرائيلية متفقة مع موقف المعارضة، وكذلك مع موقف الرأي العام الاسرائيلي، حيث تقول نتائج إستطلاع الرأي التي أصدرتها القناة ال 12 العبرية أن 71% من الرأي العام الاسرائيلي مع وقف الحرب في غزة، ولم يعارض وقف الحرب سوى 15% فقط من الاسرائيليين، كما عارضت غالبية المستطلعة آرائهم مشاريع إقامة مستوطنات في غزة، وهذا على النقيض من مساعي اليمين الديني الذي يقوم برسم مخططات المشاريع الاستيطانية في قطاع غزة.
موقف المعارضة
ترى أحزاب المعارضة الاسرائيلية أن نتنياهو يسعى لكسب الوقت فقط، لأن الظروف السياسية والقانونية التي تواجه نتنياهو تجعله معنياً بالاستمرار في الحرب، حيث يتفق موشيه يعالون وزير الدفاع الاسرائيلي السابق مع أيزينكوت معتبراً استمرار الحرب في غزة عبارة عن تطهير عرقي، وليس حرباً من أجل هدف مشروع.
أما يائير لبيد زعيم المعارضة الاسرائيلية فإعتبر الوصول لأي صفقة لتبادل الاسرى مرتبطاً بوقف الحرب في غزة، وهو ما تتجاهله حكومة نتنياهو، لكن يظهر التفكك الواضح بين الائتلاف الحكومي والمعارضة عند المقارنة بين تصريحات إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي الذي يدعو الى تهجير أهل غزة مؤكداً عدم توقفه عن تهجير أهل غزة، وأن نتنياهو بات منفتحاً على هذا التوجه، وبين ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا، الذي طالب بضرورة الانفصال الاستراتيجي عن قطاع غزة، وهو توجه مضاد كلياً لأفكار اليمين الديني الاسرائيلي.
الجدير بالذكر أن أقطاب اليمين الديني داخل حكومة نتنياهو متمسكين بالانسحاب من الحكومة في حال توقيع أي اتفاق لا يلبي رغباتهم في غزة، وهذا ما يضاعف من مستوى الضغوط على نتنياهو.
التحقيق مع نتنياهو يعمق الشرخ
بعد فشله في تأجيل قرارات التحقيق المتعلقة بملفات فساد، يستخدم نتنياهو عجزة عن إقناع النيابة في تأجيل التحقيق بتأثير تلك التحقيقات التي سوف يخضع لها خلال الايام القليلة القادمة على قرارات الحرب الجارية في غزة، وهنا يستخدم نتنياهو استمرار الحرب لتجاوز تلك القضايا القانونية، لكنه في الوقت نفسه يضع الجيش الاسرائيلي والأجهزة الأمنية في أزمات جديدة، لأنه رداً على محاولاته تأجيل موعد التحقيقات، طالبه مراقب الدولة بالاستعداد لفتح ملفات قرارات الحرب، وتجهيز كافة الملفات المتعلقة بالاجتماعات المتعلقة بالحرب، وذلك بهدف اخضاعها للفحص في وقت لاحق، وهذا ما جعل رئيس الاركان يوجه انتقاده لمراقب الدولة بسبب تحقيقه في قرارات الجيش الاسرائيلي.
من جانبها تنتقد المعارضة الاسرائيلية محاولات نتنياهو للتهرب من القضاء، وتؤكد بشكل واضح على أن استمرار الحرب في غزة لا يصب إلا في مصلحة نتنياهو على حساب الأسرى والجيش والاقتصاد، خلافاً الى سمعة الكيان، فتصريحات يعالون بشأن التطهير العرقي، هي الأولى من نوعها على مستوى القيادات السياسية والعسكرية الاسرائيلية، فقد أثارت تلك التصريحات الرأي العام الاسرائيلي، لأنها عبرت عن مستوى غير مسبوق من الخلاف والنقد غير المعتاد على المستوى الداخلي.
أمريكياً، يستند نتنياهو على الدعم الأمريكي وتصريحات ترامب التي أشرنا اليها في أعلى التقرير، لأن تهديدات ترامب أعقبها تحركات أمريكية على مستوى التواصل مع الوسطاء الاقليميين، وخصوصاً الوسيط القطري، فقد أعطى ترامب 20 يناير 2025 موعداً نهائياً لاطلاق سراح الاسرى الاسرائيليين في غزة، وهنا يدعم ترامب بشكل واضح موقف نتنياهو وحكومته، خاصةً وأن التركيز على تبادل الأسرى يؤكد على تجاهل لوقف نهائي أو إنسحاب للجيش الاسرائيلي من قطاع غزة.
لذلك يمكن القول أن الائتلاف الحاكم في إسرائيل لا يواجه ضغوطاً إضافية تختلف عن الضغوط السابقة، فالوضع الميداني في غزة أقل حرجاً بالنسبة للجيش الاسرائيلي بعد وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية، والمواقف الداخلية ليست ذات تأثير كبير، حتى التحقيقات القضائية تحتاج لأشهر طويلة من أجل ادانة نتنياهو وحجب الثقة عن حكومته، لكن الجديد يكمن في تصاعد فكرة إنهاء الحرب، خاصةً وأنها فقدت مبرراتها، ولم تنجح الحكومة في إيجاد أي حلول لقضية الاسرى، وهذا ما تستغله المعارضة ضد نتنياهو، بينما يعول نتنياهو على الضغط الاقليمي على المقاومة الفلسطينية والموقف الأمريكي الذي يتبنى نفس رؤية نتنياهو وحكومته.
ثالثاً: مفاوضات القاهرة والتقارب الإقليمي
تشكل مفاوضات القاهرة نقطة مهمة في مسار التفاوض على وقف إطلاق النار واستعادة روح الوحدة الفلسطينية. فقد سارت الاجتماعات نحو ترتيب البيت الفلسطيني في قطاع غزة استعداداً لمرحلة ما بعد العدوان، ليكون الكيان الفلسطيني ضمن أطراف التفاوض على مراحل تنفيذ حل الدولتين. فقد عملت على استكمال المراحل السابقة، وما تم إنجازه. وخلال مراحل التفاوض، سعت الدول الثلاثة، قطر، مصر والولايات المتحدة، لتحسين وساطتها بين الإسرائيليين والفلسطينيين. فمع مبادرة الرئيس الأمريكي (جو بايدن) في مايو الماضي، ركز البيان المشترك،1 يونيو، 2024، على ضرورة وقف إطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين. كما تطلعت لوصول الطرفين حماس وإسرائيل لاتفاق يجسد ملامح الصفقة المتبادلة وإنهاء معاناة سكان القطاع.
وفي هذه المرة، كان لافتاً توسيع الوساطة الداعمة للفلسطينيين، لتشمل تركيا إلى جانب مصر وقطر، ما يزيد من التأثير النسبي على مائدة التفاوض. وبهذه الطريقة، تتجاوز المفاوضات مرحلة الضغوط التي مارسها الأمريكيون على قطر، عندما سربت أخبار باتهام قطر بدعم “الإرهاب (حماس)، وأيضاً، عندما حاولت إفساد العلاقة بين مصر وقطر بنشر “سي إن إن” أخباراً عن قيام المفاوض المصري بتغيير مسودة الاتفاق بعد إقرارها. تعمل زيادة عدد الوسطاء على جانبين؛ الأول، وجود ظهير قوى للفلسطينيين على مائدة التفاوض، يمكنه تقليل الفجوة مع الاحتلال وحلفاءه، والثاني، يتمثل في وجود أطراف يحظون بثقة كل الأطراف الفلسطينية، وتتمتع بالقدرة على التجاوب مع القضايا السياسية والأمنية. ولتكون الأرضية جاهزة لتوزيع المهام على الأطراف، لضمان التهدئة، حيث تتولى واشنطن ضمان عدم حدوث أي اختراق، أما مصر فتتولى الإشراف على طرق تلقي وتوزيع المساعدات الإنسانية داخل القطاع، وإدارة معبر رفح، بينما تقع على عاتق تركيا مهمة مراقبة عمل اللجنة الدولية للأمن ومتابعة دور السلطة الفلسطينية، فيما يشرف الاتحاد الأوربي على معبر رفح ومراقبة عمل المنظمات الإغاثية.
استقر الموقف المصري، في كلمة وزير الخارجية أمام مجلس الأمن في 29 نوفمبر 2023، حيث التعريف المصري لليوم التالي، بالقول بكونه جدل غير نزيه، يخالف المنطق السليم والشرعية الدولية، ولذلك، ركزت الأولوية على وقف الحرب، وحفظ الأرواح، وحماية المدنيين من ويلاتها، قبل التفكير في ملامح اليوم التالي. وفق الساسة المصرية، يتمثل اليوم التالي في تنفيذ قرار مجلس الأمن بشأن الهدن الإنسانية، ودعم الحل التفاوضي الذي يقوم على التوازن في مفهوم الرهائن، فقد نظرت مصر لوضع المحتجزين على الجانبين بنظرة متساوية، حيث دعت لحماية المدنيين غير المشاركين في الحرب، واعتبرت بضرورة الحق المتماثل للسجناء الفلسطينيين والإسرائيليين.
وفق السياقات، جاءت المبادرات المصرية ضمن استراتيجية احتواء الحرب وتداعياتها، وضمان استمرار الوساطة السياسية، فقد اهتمت المبادرة الأولى في ديسمبر الماضي بإجراءات بناء الثقة، وتقليل الأطراف المتدخلة في الحرب، وتحسين شروط الانتقال من مرحلة لأخرى، وإبقاء الفلسطينيين طرفاً أساسياً.
وبشكل عام، تبنت مصر استراتيجية تدرجية، تهدف لتمكين الفلسطينيين من الوضع في غزة، وبحيث يكون الوجود الدولي في حده الأدنى والتوصل لهدنة مماثلة لما حدث في لبنان. وفي التحضير لمسودة الاتفاق، أجرت مصر مشاورات واسعة مع أطراف التفاوض، بجانب الولايات المتحدة وحكومة الاحتلال، ليكون النص النهائي قابلاً للموافقة.
وبدت التدرجية واضحة في قيام استراتيجية التفاوض على البدء بهدنة تحضيرية لتجميع بيانات رهائن الاحتلال لدى حماس، يتلو هذه المرحلة هدنة أخرى لمدة ٦٠ يوماً، يتم فيها تبادل الرهائن الإسرائيليين والسجناء الفلسطينيين، وإدخال 200 شاحنة مساعدات إنسانية يومياً إلى القطاع. وبالإضافة للتدرج، سعت مصر لأن يكون الاتفاق متوازناً وقائماً على المسئولية المتبادلة في وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار.
وفي هذا السياق، بدأت مصر مشوار مبادرات، تنتهي أهدافها لوقف شامل للحرب. تضمنت توازن المسئولية المتبادلة لوقف إطلاق النار وإعادة نشر الوحدات الإسرائيلية بعيدة عن محيط التجمعات السكنية، والسماح بحرية حركة المواطنين من الجنوب للشمال وتترافق هذه الترتيبات مع تحييد شامل للنشاط الجوي. وتُمهد هذه المرحلة لتوسيع نطاق الإغاثة كما ونوعاً، لتساهم في كفاية الحد الأدنى من احتياج السكان.
على أية حال، أحدثت مفاوضات القاهرة تقدماً في القضايا الخلافية والتي تتعلق بمستقبل قطاع غزة ودور حماس في الوضع الجديد، والانسحاب الإسرائيلي. تكون هذه العملية تحت إشراف السلطة الفلسطينية تشرف على الإدارة المدنية للقطاع، وتساعدها في تلك المهمة بعثة دولية أمنية مكونة من دول عربية وأوروبية وتركيا”. كما تضمن المقترح وفق آلية تضمن إشراف السلطة الفلسطينية ومتابعة أوروبية، وكل ذلك سيكون ضمن رقابة الاحتلال عن بُعد.
وضع الاتفاق حالة توازن لضمان تشغيل المعبر، وفيها تمتنع حماس عن السيطرة على المعبر، وعدم تنفيذ أية إجراءات أمنية على مسارات حركة القوافل أو الأفراد، في مقابل تعهد إسرائيل بإدخال المساعدات، بما يشمل المساعدات الطبية والأجهزة الضرورية وتقديم تسهيلات لعمل منظمات الإغاثة الدولية مع إعادة انتشار قوات احتلال في ثلاثة محاور داخل القطاع، بحيث تكون إعادة الانتشار في مناطق غير مأهولة، لتكون أساس الوصول لتنفيذ الدولة الفلسطينية.