مقالات رأيوجهات نظر

الاعتداء على ناصر الشاعر: الحدث، والخلفيات، والتداعيات

يقولون النار الكبيرة من مستصغر الشرر، فهل بدأت نار الفتنة والفلتان الأمني في الضفة تتزايد وتلتهم ساحات مهمة وملتهبة كساحات الجامعات، وساحات الكتاب والمعارضين؟ بالأمس أفلت قتلة نزار بنات من العقاب، واليوم هل يفلت المعتدون على الدكتور ناصر الشاعر من المحاسبة والعقاب، لأن الملثمين من أذرع أمن الجامعة، أو متنفذين في الأجهزة الأمنية، وناصر من المعارضة، وهل يقف الحدث هنا وينتهي، أم أن تداعياته تتفاعل تحت السطح وقد تحترق أصابع كبيرة أهملت العلاج؟ هذا بعض ما نحاول مقاربته في السطور التالية.

١- من هو ناصر الشاعر؟

الدكتور ناصر الشاعر استاذ مقارنة أديان في جامعة النجاح الوطنية، درس في بريطانيا، وكان في فترة شبابه رئيساً لمجلس طلاب جامعة النجاح، وهو مقرب من حماس، وشغل منصب نائب رئيس الوزراء إسماعيل هنية في الحكومة الفلسطينية العاشرة في عام ٢٠٠٦م، ووزيراً للتربية والتعليم، وبقي في منصبه وزيراً للتعليم في حكومة مكة حكومة الوحدة الوطنية الحادية عشرة في تسلسل الحكومات الفلسطينية.

يتميز ناصر الشاعر بشخصية قيادية، وديناميكية، ويمتلك رؤية وطنية مرنة جداً، وهو من أكثر الدعاة للوحدة الوطنية، وهو كما أعلم على علاقة شخصية جيدة مع رئيس السلطة محمود عباس، وهو رجل اجتماعي له شبكة علاقات واسعة.

٢-الحدث:

في مساء يوم الجمعة ٢٢/ يوليو ٢٠٢٢م وبينما كان الدكتور ناصر عائداً من المشاركة في مناسبة اجتماعية (جاهة زواج) لأسير محرر من نابلس، اعتدى عليه مجموعة ملثمة في بلدة كفر قليل جنوب نابلس، حيث تمكن الملثمون من إطلاق الرصاص على ساقية بشكل مباشر ومتعمد من مسافة قريبة، ولاذوا بالفرار، ونقل ناصر إلى مستشفى رفيديا، ثم استقر في مستشفى جامعة النجاح للعلاج، حيث أصيب بسبع رصاصات تمكن الأطباء من استخراج ست منها فقط.

٣- هل كان الهدف هو الاغتيال؟!

أعتقد من تحليل وقائع الحدث في الميدان أن الملثمين لم يقصدوا الاغتيال بشكل مباشر، وكان بإمكانهم توجيه الرصاص للرأس والصدر، ولكن حرصوا على توجيهه للساقين، الأمر الذي يدل على أنهم يوجهون رسالة بالرصاص، لناصر شخصياً، وللتيار الإسلامي الذي يمثله ناصر، ولكل من يؤيد الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح. وهنا تمكن خطورة الاعتداء، فما أصاب ناصر هو بداية سلسلة أحداث واعتداءات ستصيب آخرين، بيد هذه المجموعة الملثمة التي انطلقت فيما يبدو من مخطط أوسع من الدكتور ناصر.

٤- خلفيات الاعتداء:

يمكن تقسيم الخلفليات بشكل بحثي وموضوعي لقسمين هما: الخلفيات المباشرة القريبة، والخلفيات غير المباشرة البعيدة. أما المباشرة فتتعلق بأحداث ١٤يونيو ٢٠٢٢م التي جرت في جامعة النجاح الوطنية حيث اعتدى أمن الجامعة على أبناء الكتلة الإسلامية بالضرب المبرح، وشجّ الرؤوس لفض اعتصام مطلبي لهم من إدارة الجامعة، وهنا تدخل الدكتور ناصر معنفاً ضباط أمن الجامعة، وقدم شهادة ضدهم إلى لجنة التحقيق لاحقاً. واتسعت الاحتجاجات ضد أمن الجامعة، ومن ثمة وعلى ما يبدو حمّل قادة أمن الجامعة الدكتور ناصر المسئولية، فقرروا أن يعاقبوه، ويردعوا به غيره.

أما الخلفيات العميقة فتتمثل في حالة الصراع العميق بين فتح وحماس داخل الجامعة وخارجها، وتتمثل في شخصية ناصر القيادية التي إن أسكتت سكت غيره، وكذا تتمثل في انتشار السلاح غير الشرعي، وتعدد الأجنحة والشلل المسلحة والتي تتلقى تعليمات من متنفذين في السلطة يكرهون الصوت العالي المنتقد، ومن ثمة قتلوا الناشط نزار بنات لمجرد انتقاداته اللاذعة، واعتقلوا المحتجين ضد قتله المتعمد.

٥– ردود الأفعال المباشرة:

اجتاحت الضفة الغربية وغزة ردود أفعال غاضبة ومستنكرة لاعتداء الملثمين على الدكتور ناصر، وكان قد سبقتها استنكارات شديدة ضد أمن الجامعة لاعتدائه على طلاب الكتلة الإسلامية في ١٤/٦، ووقد نقلت وسائل الإعلام المختلفة استنكارات إدارة الجامعة ومجلس الأمناء، وكل فصائل العمل الوطني والإسلامي، ورئيس السلطة الذي أمر بفتح تحقيق، واتصل بناصر ليطمئن عليه، وكذا فعل رئيس الوزراء محمد اشتية، وحسين الشيخ أمين سرّ منظمة التحرير، ورجال القانون ومحامون من أجل القانون، وكذا الكتاب والصحفيون، حيث تعرض الصحفيون لاعتداء رجال أمن الجامعة لمنعهم من تغطية أحداث الوقفة الاعتصامية، وما أصاب الطلاب من جراح وضرب ورش غاز الفلفل. وجلّ الاستنكارات حذرت من التداعيات التي قد تتمخض عن الاعتداءات وعن ظاهرة الفلتان الأمني، والاستخدام غير المسئول للسلاح.

٦- موقف ناصر وتصريحاته:

بعيد الاعتداء والانتقال لمستشفى رفيديا ثم النجاح أدرك الدكتور ناصر الشاعر خطورة ما حدث لا على مستواه الشخصي والعائلي فحسب، بل على مستوى المجتمع والوطن في نابلس وغيرها، لا سيما مع انتشار السلاح، وظاهرة الزعرنة، وتخلف الضابطة الأمنية والقانونية، لذا كانت تصريحاته تذهب نحو تطويق الحدث، وحماية السلم المجتمعي، والوحدة الوطنية.

 قال ناصر: “هناك من لا يريد المصالحة، ويبدو أنه متضرر منها. الخفافيش يحاولون ضرب نسيج المجتمع، واستهداف الوحدة الوطنية. أقبل أن يكون دمي وقودا للوحدة الوطنية. لن أقبل من أحد أن يأخذ حقي بقوته بيده، سواء من العائلة أو أقرب المقربين. كلمتي واضحة: نعم للوحدة الوطنية. العالم ليس جاهزاً لأن يعطينا شيء من حقوقنا، ولاحتلال لن يتنازل قيد أنملة، ولن يعترف بحقوقنا السياسية. يجب أن نتوحد ولا نسمح بفلتان أمني جديد”.

أي كان ناصر يدرك الأبعاد الخفية خلف عملية الاعتداء، ويدرك أن ظاهرة الفلتان الأمني وانتشار السلاح تهدد السلم المجتمعي، وأن ذلك يضرّ بالقضية والحقوق السياسية التي يتنكر لها الاحتلال.

٧– التداعيات والتحليلات:

أجمعت الفصائل وكذا كتاب المقالات والأعمدة في الصحف، وكذا قادة المجتمع المدني والمحامون أن الحدث خطير، وأن الأمن شبه مفقود، وأن تداعيات الحدث وما ماثله من سوابق أخطر من الحدث نفسه، لذا تجلت تصريحاتهم في تحذير السلطة والمجتمع من التداعيات القادمة إذا لم يضبط الأمن الحالة العامة، وإذا لم يأخذ القانون مجراه في التطبيق الفوري والعادل.

يقول محامون من أجل العدالة في تصريح لهم: محاولة الاغتيال هذه هي نتيجة متوقعة لغياب العدالة والقانون، وتغول السلطة عليه، وعدم المحاسبة، وهنا ذكر بيانهم إفلات قتلة الناشط السياسي (نزار بنات) من العقاب، وربطت الجبهة الشعبية بين ناصر وبنات لإدانة الأجهزة الأمنية، وغيبة القانون، وحذرت من عدم استقرار الأمن في المجتمع وكذلك فعلت حركة حماس، وجلهم حمل المسئولية بشكل مباشر لأمن الجامعة، ولظاهرة الفلتان بشكل عام.

يقول الكاتب النابلسي هاني المصري: “شهدت الضفة الغربية خلال العامين الماضيين تصاعداً ملحوظاً في استخدام السلاح خلال الشجارات العائلية، وبحسب تقديرات يوجد عشرات الآلاف من قطع السلاح غير الشرعي مقابل (٢٦) ألف قطعة مع الأجهزة الأمنية، فقد قتل خلال عام ٢٠٢١م خمسة وعشرون مواطنا في شجارات عائلية، بينما قتل في النصف الأول من عام ٢٠٢٢م واحد وعشرون مواطنا. أي أن القتل في تزايد، والسلطة هشة وبدأت تفقد زمام الأمور، وشهدت المدة الماضية حالات إطلاق نار على منازل وسيارات مواطنين، ورجال أعمال، ورؤساء بلديات، وهيئات محلية، ومحامين، وذكر هنا إطلاق النار على الدكتور عبد الستار قاسم رحمه الله، وعلى حسن خريشة النائب في المجلس التشريعي، ومقتل نزاز بنات، وأخيراً وليس آخراً على ناصر الشاعر. وحذر من تفاقم ظاهرة الفلتان الأمني محملا المسئولية للسلطة في هذه التداعيات الخطيرة.”

 هذا ورأي فادي البرغوثي أن الاحتلال يقف خلف هذه الظواهر وأنه يسعى لإحداث انقسام في الضفة بين الشمال والوسط والجنوب، بحسب مخطط (مردخاي كيدار) المحاضر في جامعة بار إيلان، بهدف منع قيام دولة فلسطينية.

٨– خلاصة:

نخلص مما تقدم أن لعملية الاعتداء بعد حزبي وشخصي يستهدف شخصية قيادية مقربة من حماس، وأنه يهدف إلى الضغط على حماس والكتلة الإسلامية في جامعة النجاح وإضعافها وتفريق الحاضنة الشعبية عنها، لا سيما بعد أن حقق التيار الإسلامي فوزاً جيداً في الانتخابات المحلية الأخيرة في الصفة، ويستهدف المخططون تخويف المجتمع وفرض سيطرة الملثمين وحملة السلاح. إن ظاهرة الفوضى هذه تتزايد في نابلس وغيرها، وإن الضابطة الأمنية في تراجع مستمر، وإن القانون لا يأخذ مجراه في حالات كثيرة لأسباب متعددة، وأن الخاسر الرئيس هو المجتمع والقضية الفلسطينية على المستوى السياسي.  وإن الحلّ بيد قيادة السلطة في فرض الأمن وتفعيل سلطة القانون بدون تمييز. 

إن واقع حياة المواطنين في مدن وقرى وبلدات الضفة أسوأ مما يقال في الإعلام والصحف، وإن حالة الاحتقان المجتمعي تتسع، وإن الأصابع الخبيثة تشعل النار حيثما أمكن، وقد تبتلى الضفة بحركة صراع وفلتان أوسع إذا ما حدث تغيير مفاجئ في قمة الهرم السياسي.؟! وهنا لا سمح الله تتحول مطالب الشعب من الدولة المستقلة، إلى طلب الأمن والاستقرار ولو بيد الاحتلال؟! فهل يتحرك القانون والمسئولون خطوة للأمام تستبق التداعيات؟!

ا. د يوسف رزقة. استاذ جامعي، وكاتب عمود يومي في صحيفة فلسطين اليومية بغزة.

الوسوم
اظهر المزيد

ا. د يوسف رزقة

ا. د يوسف رزقة. استاذ جامعي، وكاتب عمود يومي في صحيفة فلسطين اليومية بغزة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق