مقالاتمقالات رأي

قراءة في زيارة وفد حماس الأخيرة للأردن

تمهيد.

بعد نحو 25 عاماً من القطيعة، وصل وفد حماس الجمعة 27 أغسطس إلى العاصمة الأردنية عمان، إذ غلب على الزيارة الطابع الانساني، لأن الوفد المكون من رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنيه وخالد مشعل ومحمد نزال وعزت الرشق، سعى للمشاركة في تشييع جثمان أول ناطق باسم حركة حماس في الخارج إبراهيم غوشة.

وتجيء الزيارة في ظل تحولات عديدة مرات بها حركة حماس، وتحسن كبير في شعبيتها الجماهيرية على إثر معركة سيف القدس في مايو ٢٠٢١، الأمر الذي تسعى الحركة لاستثماره لأكبر قدر ممكن لتطوير علاقاتها الرسمية والشعبية، وفي هذا الصدد، يمكن فهم الزيارة الأخيرة للأردن.

أولاً: ترتيبات الزيارة. 

كانت حركة حماس قد طلبت التواصل مع النظام الأردني، وتحديداً مع جهاز المخابرات الأردني الذي يُبقي على خطوط التواصل مفتوحة مع حركة حماس كما هو الحال بالنسبة لمصر وبلدان عربية مختلفة، فغالبية الأنظمة العربية تتعامل مع حماس والفصائل الفلسطينية كملف أمني وتوكل مهام التواصل مع الفصائل الفلسطينية تحديدًا لأجهزة المخابرات لديها، ويبدو بأن قيادة حماس لم تكن متفائلة بموافقة النظام الأردني، وخصوصاً رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية الذي رفضت الأردن استقباله في تسعينات القرن الماضي أثناء زيارة أحد الوفود الرياضية التي كان هنية عضوًا فيها للأردن، إذ تم السماح لجميع أفراد الوفد باستثناء إسماعيل هنية الذي عاد إلى القاهرة من المطار الأردني ولم يُسمح له برؤية أخته التي كانت تعيش في الخارج وتنتظره في أحد صالات نفس المطار. 

كما أنه وخلال القمة العربية في المملكة العربية السعودية عام 2007 كان إسماعيل هنية رئيساً لحكومة الوحدة الوطنية قبل وقوع الانقسام الفلسطيني في نفس العام، إذ كان بصحبة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ولكن خلال عودة الوفد الفلسطيني من الرياض إلى عمان، رفضت الأخيرة السماح لإسماعيل هنية بدخول الأردن أو حتى التجول في المطار حتى مجيئ موعد طائرته إلى العاصمة المصرية القاهرة. 

ولذلك يبدو بأن قيادة حماس كانت متهيئة لرفض إسماعيل هنية تحديدًا مع السماح لبقية أعضاء الوفد مثل مشعلة ونزال والرشق بالدخول للأردن، لكن موافقة عمان هذه المرة على دخول هنية أيضًا شكل مفاجئة لقيادة حماس، وأصبح مجرد دخول إسماعيل هنية إلى عمان مؤشرًا مهمًا لوجود تطور في العلاقة بين الأردن والحركة، يمكن أن يُعطي بعداً سياسياً بالإضافة إلى الإنساني، لأن رفض الأردن دخول هنية استمر رغم طلبه زيارة الأردن مطلع عام 2020، ورفضت الأخيرة بحجة كون الظروف السياسية والأمنية لا تسمح في الوقت الحالي.

وكانت الحركة قد حاولت استثمار حالة الدعم الشعبي الكبير على إثر معركة سيف القدس، وتقدمت بطلب زيارة إلى الأردن، لكنها لم تحصل على موافقة السلطات الأردنية، وهو ما أكده إسماعيل هنية إلى عبد الله العكايلة رئيس التحالف الوطني للإصلاح في البرلمان الأردني الذي طلب من هنية إدراج الأسرى الأردنيين ضمن صفقة الأسرى مع الجانب الإسرائيلي. 

وبشأن الزيارة الحالية، فقد جرى الترتيب لها بين قيادة الحركة وجهاز المخابرات الأردني الذي سمح بدخول وفد حماس إلى الأردن دون أي ترتيبات أخرى، باستثناء توفير عناصر أمن أردني رافقوا الوفد الحمساوي منذ لحظة وصولهم حتى مغادرتهم بعد أيام قليلة من الزيارة. 

علمًا أنه وحتى على مستوى الإقامة والتنقل، تكفل وفد حماس بحجز أحد الفنادق في العاصمة عمان، ولم يوفر النظام الأردني أماكن الإقامة للوفد، بمعنى أن الزيارة لم تأخذ طابعاً رسمياً أو حتى سياسياً. 

ورغم الأهمية الشعبية للزيارة، إلا أن وفد حماس تجنب إزعاج أو إثارة السلطات الأردنية، ملتزماً بأسباب الزيارة الإنسانية، حيث جرى التواصل بين شخصيات عشائرية وبرلمانية مع وفد حماس، إلا أن الأخير اعتذر عن تلك اللقاءات. 

ثانياً: المجريات.

شارك وفد حركة حماس برئاسة إسماعيل هنية وخالد مشعل في تشييع جنازة إبراهيم غوشة في مسجد الجامعة الأردنية وسط العاصمة عمان، حيث وصف مشعل الفقيد بالحارس الأمين للحركة ومبادئها، كما قدم الشكر للأردن وللملك عبد الله الثاني، مشيرا إلى أن حماس “صمام أمان لحماية وحفظ الأردن من مشاريع التوطين والتهجير والتعدي على دوره في حماية المقدسات”.  

كما أكد إسماعيل هنية على رفض مشاريع التوطين والأردن كبلد بديل للشعب الفلسطيني، وهو ما دفع حزب الشراكة والإنقاذ الأردني إلى إصدار بيان أكد فيه تأييده لتصريحات قيادة حماس داعياً مؤسسات الدولة الأردنية إلى مراجعة العلاقة مع حركة حماس، وأن تكون الأردن على مسافة واحده من الفصائل الفلسطينية وأن وتلعب دوراً في الوحدة الفلسطينية. 

بعد الصلاة على الفقيد غوشة، تحولت جنازته إلى مظاهرة من الحشود المؤيدة للمقاومة الفلسطينية، حيث هتف الحضور الكبير للمقاومة وقيادة حركة حماس التي توجهت إلى بيت عزاء غوشة، الأمر الذي اعتبره البعض أشبه بالاستفتاء الشعبي بحضور العديد من الشخصيات الوطنية والبرلمانية الأردنية، أبرزهم النائب محمد الظهراوي رئيس لجنة فلسطين في البرلمان الذي رحب بوفد حماس، وكذلك النواب صالح العرموطي وخليل عطية وغيرهم من الشخصيات الوطنية والعشائرية. 

خلال العزاء الذي استمر ثلاثة أيام بحضور قيادة حماس، كان ملاحظاً أن “الحراك الشعبي الموحد” ممثلاً بـ “علاء ملكاوي” قد تصدر المشهد من حيث تقديم التعازي والترحيب بقيادة حماس وتأييد المقاومة أو التضامن معها. وتعود أهمية هذه الملاحظة إلى أن الحراك الشعبي الموحد يمثل حالة شعبية أردنية عامة لا تتبع للأحزاب السياسية ولا منظمات المجتمع المدني، بل خليط من الشعب الأردني الذي يُطالب بالإصلاح ويتظاهر في أوقات عديدة ضد وجود السفارة الإسرائيلية واتفاقية الغاز مع إسرائيل، وهذا يعزز ما سعت إليه حركة حماس على المستوى الشعبي، لأن اللقاءات أو الحضور لم يكن يقتصر على الشخصيات ذات التوجه الإسلامي فقط. 

ثالثاً: تقييم الزيارة. 

أعادت زيارة قيادة حماس إلى الأردن ملف العلاقات إلى الواجهة من جديد، ولم تعد حالة البرود في العلاقات مبررة، لأن حماس باتت تلعب دوراً مهماً في المشهد الفلسطيني، وهذا ما أكسبها مزيداً من الثقل السياسي على مستوى الإقليم، بالتالي زيارة قيادتها إلى عمان حتى وإن كانت إنسانية، إلا أنها تأتي بعد حرب غزة الأخيرة وتتناسب مع مستوى التفاعل الشعبي الأردني مع  تطورات المسألة الفلسطينية والموقف الإيجابي تجاه المقاومة. لهذا فإن الحضور الشعبي خلال جنازة غوشة مثل استفتاء شعبي عفوي على المقاومة الفلسطينية. 

كما تُشير حالة الالتفاف الشعبي حول قيادة حماس في الأردن وخصوصاً من الأجيال الشابة الجديدة التي ظهرت في الإعلام الأردني إلى كون انقطاع العلاقات الأردنية الحمساوية قبل نحو 25 عاماً، لم يؤثر على شعبية حركة حماس هناك. 

ولا شك فإن حماس تراهن على حالة الضغط الشعبي الأردني من أجل إعادة استئناف علاقاتها مع النظام الأردني، وهذا الأخير لن يكون أول المنفتحين على حركة حماس، لأن المستجدات الإقليمية التي مكنت الحركة من الانفتاح على العديد من دول الإقليم، يمكن أن تشكل ضغطاً إضافياً على النظام الأردني لإعادة العلاقات مع حركة حماس، خاصةً وأن تحالفات الأردن التقليدية تضررت بشكل كبير خلال الفترة الماضية، فضلًا عن الضغوط السياسية التي تعرضه لها بسبب ما ظهر من بعض ملامح الرفض الأردني لصفقة القرن، فـعمان الآن بحاجه للمزيد من الحلفاء الإقليميين. وهو ما أكده مراد العضايلة أمين عام جبهة العمل الإسلامي على ضرورة عدم حصر الأردن لخياراتها في السلطة الفلسطينية، متطرقاً إلى التجربة المصرية مع الملف الفلسطيني، فمصر الآن تتعامل مع حركة حماس بأريحية تامة من باب مصلحة أمن مصر القومي بعيداً عن أي حسابات أخرى. 

بالإضافة لذلك فقد شهدت العلاقات الأردنية مع السلطة الفلسطينية أو حركة فتح الكثير من التوترات خلال الفترة الماضية، إذ ظهرت شخصيات فتحاوية غير مرحب بها في الأردن، كـ جبريل الرجوب وعزام الأحمد، فقد تسبب الأخير في أزمة بين الأردن والسلطة الفلسطينية خلال اجتماع البرلمان العربي، فضلاً عن تراجع دور وشعبية السلطة الفلسطينية في الشارع الفلسطيني، وهذا يشكل عاملاً إضافياً قد يخفف من حدة القطيعة الأردنية الحمساوية. 

ورغم أن الزيارة لم يكن لها أي بعدٍ سياسيٍ مباشر، إلا أن دخول وفد حماس إلى الأردن بهذا الحجم يشكل رسالة أردنية للأطراف الأخرى الفلسطينية والإقليمية، مفادها أن القطيعة مع حركة حماس لا يمكن أن تدوم طويلاً. 

من ناحية أخرى، فإن حركة حماس لم تكن مهمتة بالعلاقات السياسية مع النظام الأردني في المرحلة الحالية بقدر اهتمامها وسعيها إلى التواصل مع الجماهير أو الحاضنة الشعبية الأردنية، وهو ما يعد واحدًا من أهم منجزات الزيارة من وجهة نظر حركة حماس، لأنها تدرك تماماً أن النظام الأردني لن يُعطيها المجال حالياً لإعادة العلاقات السياسية، لكن سماح الأردن بزيارة قيادة حماس معناه وصول قيادة الحركة للجماهير الأردنية، وهذا يؤكد تصريحات سابقة في يناير 2020، حيث أكد إسماعيل هنية على محاولته دخول الأراضي الأردنية من أجل التواصل مع الشعب الأردني. 

في سياق متصل، تسعي قيادة حماس للتواصل مع الشعب الأردني في إطار محاولة تعزيز دور الأردن تجاه القدس والمقدسات الإسلامية التي تقع تحت الوصاية الأردنية، وهنا تعتقد قيادة حماس أن تواصلها مع الشعب الأردني يعزز من مسؤولية الأردن تجاه المقدسات الإسلامية الفلسطينية، أو يجعلها حاضرة دائماً، وهذا ما ظهر خلال التفاعل الشعبي الأردني مع تطورات الحرب الأخيرة على غزة. 

خلاصة.

من المبكر الحديث عن عودة العلاقات السياسية الأردنية الحمساوية، لكن زيارة وفد حماس الإنسانية لعمان حركت المياه الراكدة في العلاقات بين الجانبين، فحماس من جانبها لم تأمل أكثر من دخول قيادتها إلى الأردن بهذا الحجم، لأن هدفها الحالي التواصل مع مكونات الشعب الأردني. 

كما أن حجم الزيارة بحد ذاته يحمل رسالة سياسية وإن كانت ذات طابع إنساني، وأغلب الظن أن الحرب الأخيرة على غزة وتطورات الإقليم وموقف الأردن الحرج خلال السنوات القليلة الماضية واتساع حجم الدعم الشعبي الأردني للمقاومة الفلسطينية، كلها أمور دفعت نحو موافقة النظام الأردني على زيارة وفد حماس. 

لهذا تأمل حركة حماس أن يشكل الضغط الشعبي الأردني وتطورات الإقليم عوامل إيجابية على علاقاتها مع الأردن، خاصةً وأنها نجحت في تحسين علاقاتها مع الجانب المصري والعديد من القوى الإقليمية في المنطقة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق