مقالاتمقالات رأي

اسرائيل وتشكيل الائتلاف الجديد، الواقع والمتغيرات

تمهيد

يعاني النظام السياسي لدى دولة الاحتلال من أزمة عميقة تعيق أحزاب اليمين التي تُهيمن على الكنيست من تشكيل حكومة ائتلافية قوية قادرة على الاستمرار، فالكتل البرلمانية التي تصل لنحو 15 كتلة مُشكلة من أكثر من ثلاثين حزبا سياسياً يُقابلها شخصية نتنياهو التي تفرض نفسها على المشهد منذ 12 عاماً، ما يشير إلى تناقض غريب يجبر الجميع على خيار الانتخابات المُبكرة، لهذا أُجريت أربعة انتخابات في غضون عامين وما تزال احتمالية إجراء الانتخابات الخامسة وذلك في ظل التباينات الحادة بين مكونات الائتلاف.

وبالتالي فإن اللجوء إلى الانتخابات هو وسيلة وحيدة ومؤقتة للهروب من الأزمة وليس حلاً لها، فالعقدة لا تكمن في الانتخابات بل في الائتلافات، لأن كل عملية انتخابية يسبقها ائتلافات أو حالات اندماج حزبية جديدة وحل ائتلافات قائمة، وهذا يُضفي الكثير من الضبابية على الخريطة الحزبية، ولو أجرينا مقارنة على الخريطة الحزبية في إسرائيل لعدة دورات انتخابية سنجد الكثير من التطورات والتحولات من دورة لأخرى وأغلبها على مستوى أحزاب اليمين الديني والعلماني.

وتعتبر حكومة الائتلاف الحالية هي حكومة الوحدة السادسة في تاريخ دولة الاحتلال، وهي حكومة تختلف عن الحكومات الائتلافية الضيقة التي تتشكل في العادة تتشكل من أحزاب اليمين، ولذلك فإن الحكومة الجديدة التي تشكلت بعد مخاض عسير يمكن أن تجنب إسرائيل الذهاب إلى انتخابات خامسة، غير أن فرص بقاءها ليس أحسن حالاً من سابقاتها، لأن هذا النوع من الحكومات يأتي عادةً بعد ظروف صعبة تمر بها دولة الاحتلال سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.

تعاني دولة الاحتلال على المستوى الداخلي من انجراف نحو اليمين الديني العنصري المتطرف وتراجع واضح لليسار، وفي ذات الوقت تُشرع قوانين تُسيئ لسمعتها، أبرزها قانون القومية أو يهودية الدولية وانعكاسه على المناهج الدراسية التي جعلت أصحاب الديانات الأخرى وطقوسهم في خطر دائم، كما أفرز هذا التطرف الديني ظهور العديد من الشخصيات العنصرية والمتطرفة في الحياة السياسية، لاسيما شخصيات من الحركة الكهانية المُصنفة كحركة إرهابية.

وإلى جانب أزماتها الداخلية، فثمة أزمة خارجية على صعيد العلاقة مع الفلسطينيين، وهنا تحاول دولة الاحتلال ترميم سمعتها الدولية بعد فشلها في تحقيق أهدافها في الحرب الأخيرة وفشل روايتها أمام صعود الرواية الفلسطينية، وهذا ما يُعطي الحكومة القادمة نوعاً من الزخم السياسي خصوصاً أن حكومات الوحدة الوطنية عادةً ما تأتي على خلفية أزمات داخلية وخارجية، فحكومتي 1967 و 1969 بعد الحرب الإسرائيلية العربية وأثناء حرب الاستنزاف، أما الوحدة الوطنية الرابعة فتشكلت عام 1988 بعد عام على الانتفاضة الفلسطينية الأولى، بينما شكل أرئيل شارون حكومة الوحدة الوطنية الخامسة في فبراير 2001 رغم قدرته على تشكيل حكومة يمنية آنذاك، إلا أنه أصر على إشراك اليسار وأكبر عدد من الأحزاب في ظل مواجهة انتفاضة فلسطينية ثانية، وفي سياق يبدو مشابه يأتي الإعلان عن حكومة الوحدة الوطنية الحالية.

أولاً: مكونات الحكومة الائتلافية.

توافقت عدة أحزاب وائتلافات إسرائيلية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار على تشكيل حكومة وحدة وطنية يُفترض أنها ضمنت الحصول على دعم 61 مقعداً من أصل 120 مجموع مقاعد الكنيست، وهي النسبة التي عجز تحالف نتنياهو عن الوصول إليها بعد منحه مهلة قانونية فشل في استغلالها، الأمر الذي دفع الرئيس الإسرائيلي إلى تفويض التكتل الثاني بزعامة “يائير لبيد” بتشكيل حكومة، وهو ما أعلن عنه الأخير قبل انتهاء المهلة القانونية في 2 يونيو الماضي.


وكان نتنياهو قد فشل سابقاً في إقناع “نفتالي بينيت” بتشكيل حكومة معاً، لأن بينيت يعي تجربة نتنياهو السابقة مع “غانتس”، فالجنرال العسكري ووزير الدفاع الحالي كان يُفترض أن يكون رئيساً للحكومة بالتناوب مع نتنياهو، لكن الأخير حال دون ذلك بعد إفشال الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة تسببت بتراجع حزب “غانتس” بعد تقلص مقاعدة “أزرق أبيض” من 15 إلى 7 مقاعد فقط.

وهو ما تسبب باتهام أنصار نتنياهو نفتالي بينيت بالخيانة، وخروج العديد من الاحتجاجات ضده وأمام بيته بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة مع يائير لبيد، حيث وصل الأمر إلى خوف الأجهزة الأمنية من عودة الاغتيالات السياسية، كما ذهبت إلى تعزيز حمايتها للشخصيات السياسية خلال الساعات الماضية.

علمًا بأن هناك توافقاً بين الجميع على التخلص من نتنياهو، إلا أن التوافق على البرنامج العام للحكومة لم يتحقق بعد، فحزب يمينا الذي يتزعمه “بينيت” لم يوقع بعد على برنامج الحكومة العام، خاصة وأن أبرز شروط الحزب المذكور تتركز حول تمرير قانون يُعطي شرعية للنقاط الاستيطانية في الضفة الغربية ويسمح ببناء مستوطنات جديدة دون الرجوع للحكومات الإسرائيلية، وهو ما يتفق مع مطالب حزب “أمل جديد” الذي يتزعمه أحد أهم أطراف الحكومة المعلنة جدعون ساعر.

تلك الشروط أو المطالب تتعارض مع رؤية حركة ميرتس اليسارية التي ترفض بناء المستوطنات، وكذلك مع رؤية منصور عباس، كما أن “بينيت وجدعون ساعر” محسوبان على المتدينين الرافضين أصلاً لوجود العرب في الحكومة وتمسكهم بيهودية الدولة يتعارض مع كافة الأطراف الأخرى.

فإذا كان منصور عباس يخشى الانتخابات المُقبلة ويقدم تنازلات تُسيء لسمعته لإنجاح حكومة الوحدة، فإن “جدعون ساعر وبينيت” يحاولان إرضاء التيار الديني الحريدي وعدم المساس بمخصصاته المُعتادة في الحكومات السابقة، وهذا ضد رغبة وزير المالية المُرتقب “ليبرمان” الذي يسعى للمساس بتلك المخصصات.

فإذا كان منصور عباس يخشى الانتخابات المُقبلة ويقدم تنازلات تُسيء لسمعته لإنجاح حكومة الوحدة، فإن “جدعون ساعر وبينيت” يحاولان إرضاء التيار الديني الحريدي وعدم المساس بمخصصاته المُعتادة في الحكومات السابقة، وهذا ضد رغبة وزير المالية المُرتقب “ليبرمان” الذي يسعى للمساس بتلك المخصصات.

إذاً فالاتفاق الحالي يتركز على إسقاط نتنياهو في المقام الأول، بينما هنالك الكثير من الخلافات على برنامج الحكومة الداخلي والخارجي لاتزال في طور التشاور، وفي هذا السياق تم الإعلان عن بعض الوزرات الأساسية وسيتم الإعلان عن وزارات أخرى قبل الوصول إلى مرحلة منح الثقة أمام الكنيست، ويجري الحديث عن نحو 22 أو 23 وزارة أو حقيبة وزارية.

ثانياً الرابحون من الاتفاق.

أول الرابحين هو نفتالي بينيت، فقد سبق لنتنياهو أن عرض عليه التناوب على حكومة يمينية ضيقة على أن يكون نتنياهو أولاً ثم بينيت، لكنه رفض ذلك العرض وأفشل مساعي نتنياهو لتشكيل الحكومة خوفاً من غدر نتنياهو الذي ظهر أثناء الحكومة المشتركة مع غانتس، علماً بأن عرض نتنياهو كان سيعطي بينيت رئاسة الحكومة للفترة الثانية على عكس عرض يائير لبيد الحالي الذي جعل بينيت رئيساً للحكومة لمدة عامين رغم أن حزبه “يمينا” لم يحصد في الانتخابات الأخيرة سوى 7 مقاعد، في الوقت ذاته يتمسك بينيت بمطالب وشروط اليمين الديني أملاً في دعمه خلال الانتخابات المُقبلة، لأنه يعلم تماماً أن عمر الحكومة الحالية إذا ما نالت ثقة الكنيست سيكون قصيراً.

ثاني الرابحين هي إييليت شكيد، والتي تقول تجاربها السابقة بأنها تستغل منصبها لتمرير سياساتها وأفكارها الإيديولوجية، فعندما كانت شكيد وزيرة للقضاء ركزت على تعيين القضاة المؤيدين لليمين، ولا تخفي عداءها الشديد للعرب، ومن أحد جملها الشهيرة ” يجب قتل الأمهات الفلسطينيات كي لا يلدن مخربين” لذلك ستحاول استقطاب المزيد من أقطاب اليمين على نفس طريقة بينيت.

أما ثالث المستفيدين فهو منصور عباس، إذ أنه وفي حالة نجاح الحكومة فإنها ستمنحه المزيد من الوقت للبقاء في المشهد السياسي، لأنه حاول من قبل مشاركة نتنياهو والأن يتفق مع حكومة الوحدة أملاً في عدم الذهاب إلى انتخابات جديدة.

ويجيء ليبرمان ليكون رابع المستفيدين، فثمة خلافات حادة بين ليبرمان ونتنياهو، ومصير الأخير عادةً ما يكون مرهوناً بيد ليبرمان الذي يرفض دائماً مشاركة نتنياهو في حكوماته، والتشكيل الحكومي الجديد لا يراه ليبرمان وغانتس مجرد انتقام من نتنياهو بل نهاية مرحلة سيطر خلالها نتنياهو على الحكومة لمدة 12 عاماً وحرم الكثير من القيادات السياسية والعسكرية حلم الوصول إلى منصب رئيس الحكومة.

أما جدعون ساعر فهو المستفيد الخامس، على اعتبار أنه من أكثر الرابحين، ليس على صعيد المشاركة في الحكومة الحالية فحسب، إنما على مستوى حزب الليكود، لأن ساعر هو ليكودي ومنافس سابق لنتنياهو، وفي حال نجاح الحكومة وإصدار أحكام ضد نتنياهو يمكن لساعر العودة وقيادة الليكود.

وفي النهاية، فإن اليسار يعتبر من ضمن المستفيدين من نجاح تشكيل الائتلاف، فتشكيل حكومة وحدة وطنية بمعاونة اليسار “ميرتس والعمل” يُعيد أحزاب اليسار إلى المشهد السياسي من جديد، فالحزبان مجتمعان يستحوذان على 13 مقعد فقط وفي أحيان كثيرة بالكاد كانوا يصلون إلى نسبة الحسم، فوجودهم ضربة سياسية واجتماعية لمعسكر اليمين، وهذا ما عبر عنه نتنياهو صراحةً.

ثالثاً: الخاسرون من الاتفاق

باستثناء حزب يمينا، فإن كل معسكر نتنياهو اليميني المكون من حزب الليكود والصهيونية الدينية وحركة شاس الحريدية ويهودوت هتوراه الحريدي، من أهم الخاسرين بعدما تم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الحالية، وحتى إن كان لهؤلاء من يمثلهم في الحكومة الجديدة، إلا أن مشاركة بينيت لليسار والعرب بمثابة خطر على مستقبل دولة الاحتلال من وجهة نظر زعيم هذا المعسكر “بنيامين نتنياهو”.

يُعتبر نتنياهو أكثر الخاسرين من تشكيل حكومة “بينيت لبيد”، لأنه سيمثل أمام القضاء بعد استقرار الائتلاف الجديد، فتمسك نتنياهو بالعمل السياسي وهجومه على بينيت الذي فوت عليه فرصة الذهاب إلى انتخابات خامسة خلال عامين يأخذ بُعداً شخصياً، خاصةُ وأن العديد من تُهم الفساد والرشوة تنتظر نتنياهو.

كما أن وجود أحزاب اليسار والوسط في حكومة واحدة سيحد من قدرة المتدينين على التصدي للكثير من القوانين المؤجلة لاسيما قانون التجنيد، فخروج أمير أوحانا وميري ريغيف وسموترتش وبن غفير والعديد من الشخصيات المتطرفة سيتيح الفرصة أمام غانتس وزير الدفاع لإجبار المتدينين من الحرديم على التجنيد خاصةً وأن إسرائيل تُعاني من أزمة تجنيد حادة.

أخيراً، لا يستطيع أنصار نتنياهو توجيه اللوم إلى بينيت على مشاركته لأحزاب عربية، لأن نتنياهو هو من أعطى شرعية أو فتح الطريق أمام العرب ليكونوا أعضاء في حكومات إسرائيلية.

رابعاً آفاق الحكومة الائتلافية.

  1. تنازل لبيد عن موقع رئيس الحكومة وإعطاء الفرصة إلى بينيت ليكون رئيساً خلال أول عامين يقوى من فرص تشكيل الحكومة، كما أن الخلافات حول عدد الحقائب الوزارية لكل حزب عادةً ما يتم التغلب عليه.
  2. أما إشكالية البرنامج السياسي للحكومة قد يتم التغلب عليها بشكل مؤقت، لأن الجميع يعرفون أنها حكومة مؤقتة سيستغلونها لإعادة تموضعهم من جديد خلال الانتخابات المقبلة الخالية من نتنياهو، وهذا ما يُعزز من فرص خروج استمرار الائتلاف.
  3. لعل أكثر ما يدعم نجاح الحكومة هو اتفاق جميع الأطراف على التخلص من نتنياهو، وهذا يُعد مؤشراً هاماً لكنه في نفس الوقت يُشير إلى قصر عمر الحكومة، لأنها تشكلت بهدف التخلص من نتنياهو دون أي توافق حقيقي على برنامج سياسي، ففي اليوم الثاني لإعلان الحكومة سيبدأ العد التنازلي لتفكيكها والذهاب لانتخابات جديدة.
  4. على النقيض من ذلك سيسعى نتنياهو بكل قوة لمنع نجاح الحكومة عبر الضغط على أعضاء حزب “يمينا” و “أمل جديد” بهدف إثناءهم عن التصويت لحكومة “بينيت لبيد” خاصةً وأن نجاح الحكومة من عدمه مرهوناً بصوت واحد فقط، وإذا تراجع أي من النواب الـ 61 عن موقفه الحالي سيحرم الحكومة من الظهور.
اظهر المزيد

إياد جبر

كاتب وباحث فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق