مناورات الركن الشديد، تعزيز للوحدة الميدانية، ورسائل للإقليم
أجرت فصائل المقاومة الفلسطينية بتاريخ ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٠ مناورة مركزية في قطاع غزة، قامت خلالها بمجموعة من المناورات العسكرية التي شملت اطلاق صواريخ تجريبية، وعمليات اقتحام بري، ومناورات بحرية، كما رافق المناورة اطلاق بعض المسيرات المحلية، وكانت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة قد أطلقت على المناورات “الركن الشديد”، وهي المناورات التي تجري لأول مرة من حيث حجم المناورة أولًا، واشتراك كل فصائل المقاومة الفلسطينية بها ثانيًا، والسماح بتغطيتها اعلاميًا ثالثًا.
تعزيز مسار غرفة العمليات المشتركة.
تعززت لدى المقاومة الفلسطينية، وتحديدًا منذ انطلاقة مسيرات العودة في عام ٢٠١٨ قضية العمل المشترك، وباتت تحتل حيزًا كبيرًا في توجهات ورؤية هذه الفصائل، ذلك أن حدث المسيرات، وما سبقه من أحداث، أظهر ضرورة وجود تنسيق ميداني كبير، وتوحيد-أو على الأقل تفهمًا-للرؤى السياسية لتلك الفصائل، بحيث تتقلص قضية “مخالفة الاجماع الوطني” قدر الإمكان، ولكن تعرض مسار الغرفة المشتركة لاشكاليات عديدة، أولها بعض حالات تجاوز الاجماع الوطني منذ تأسيس غرفة العمليات، والثانية عملية اغتيال الشهيد بهاء أبو العطا، وما سببته من اشكالات ونقاشات داخل حاضنة المقاومة الفلسطينية، ولكن جرى تجاوز هذه العقبات بفضل عقلانية الفصائل العسكرية، ونظرية القوة المركزية فيها بخصوص الاعداد العسكري ومراكمة القوة.
أي أن المناورة بزخمها الحالي، ومشاركة الكل الوطني، وخصوصًا كتائب القسام وسرايا القدس، تعني تجاوز “الهوة النفسية” التي حصلت سابقًا بينهما في أكثر من قضية، وذلك على الرغم من كون المراكمة في هذا المسار يتطلب مزيدًا من النقاشات بين المكونات العسكرية، وحسم بعض القضايا المتعلقة بالموازنة بين “مراكمة القوة” و “الاستنزاف” بشكل يمنع العدو من تحقيق مكتسبات دون أي مقابل، وبذات الوقت يمنع المقاومة من الانجرار لحرب غير مستعدة لها بشكل كامل.
مناورات مضادة.
سنجري مناورة كبرى حتى لو كلفتنا 1000 مصاب بكورونا، وإن تلك المناورة تم تقليصها من أسبوع إلى 3 أيام بسبب كورونا، أنا على دراية بالمخاطر، ولكن يجب أن نتذكر أنه لا أحد يبلغنا بموعد اندلاع الحرب … “افيف كوخافي رئيس هيئة الأركان في جيش الاحتلال”.
قبل مناورات الركن الشديد بأسبوع، أجرى جيش الاحتلال مناورة عسكرية واسعة، وهي مناورة اشترك بها جيش الاحتلال مع القوات الأمريكية، وذلك للتعامل مع خطر الصواريخ، شملت المناورات العسكرية لأول مرة منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي مثل حيتس، مقلاع داوود، والقبة الحديدية، وقبل ذلك كان جيش الاحتلال قد أجرى مناورات واسعة تحاكي حربًا واسعة، وذلك في شهر اكتوبر.
صحيح أن المناورات غلب عليها محاكاة اندلاع حرب واسعة في الجبهة الشمالية، كما أن ادخال منظومة الدفاع الجوي: حيتس ومقلاع داوود وهي منظومات مخصصة لمواجهة خطر الصواريخ الباليستية التي تمتلكها إيران وبدرجة أقل حزب الله، إلا أن قطاع غزة كان حاضرًا بشكلٍ أساسي في كل مناورات دولة الاحتلال، بالإضافة لذلك، فإن جبهة القطاع متوترة طول الوقت، بل وتزداد توترًا في ظل بعض الأحداث الميدانية مثل اطلاق الصواريخ المتقطع، واكتشاف نفق استراتيجي جديد في شهر نوفمبر، والأهم من ذلك، استمرار تردي الأوضاع في قطاع غزة، وتجاوز الاحتلال للتفاهمات التي أبرمها مع المقاومة الفلسطينية، وهي التفاهمات التي تتقلص أهميتها لدى مقدر الموقف الفلسطيني، في ظل تراجع قدرتها على تلبية الحد الأدنى سياسيًا ومعيشيًا لمجتمع القطاع.
ورغم أن “معطيات” سخونة الشمال أعلى من معطيات سخونة الجبهة مع قطاع غزة، لكن احتمالية اندلاع معركة في غزة أو تصعيد متوسط أعلى من الشمال، نظرًا لانخفاض تعقيد “الحسابات” لدى المقاومة الفلسطينية من جانب وجيش العدو من جانب آخر مقارنة بما عليه الحال في الشمال، بالإضافة لجرأة قوى المقاومة في قطاع غزة على استهداف معدات ومقدرات الجيش على الحدود، والأهم من ذلك، ارتفاع دوافع المقاومة الفلسطينية ومجتمع القطاع لدخول معركة جديدة مع دولة الاحتلال في ظل المعطيات الاقتصادية والسياسية المغلقة أمام الشعب الفلسطيني.
الإقليم وتسارع التطبيع.
على الرغم من غلبة البعد الفلسطيني الخاص على مناورات الركن الشديد، وذلك في سياق تعزيز الوحدة الميدانية، وفي ذات الوقت ارسال رسائل صارمة لدولة الاحتلال، لكنها تجيء في ذات السياق، رسالة واضحة لحالة التطبيع العام في المنطقة، وهرولة العديد من الأنظمة العربية في هذا الاتجاه، وذلك بناءً على اعتبارين مهمين، الأول امكانية الحصول على مكاسب استراتيجية من الولايات المتحدة، وذلك وفق النظرية السائدة لدى الكثير من النخب العربية والمتعلقة بأن أحد أهم جسور البيت الأبيض تمر عبر دولة الاحتلال، والثاني هو قدرة الأخيرة على تقديم خدمات أمنية استراتيجية لهذه الدول، وامكانية أن تشكل “ضمانة” حقيقية لاستقرار الدول العربية في مواجهة بعض الأخطار التي تقدرها تلك الدول وخصوصًا فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني.
إذ أن المجتمع الفلسطيني تاريخيًا، وفي مراحله المتعددة وخصوصًا منذ الانتفاضة الأولى والثانية، استطاع الاثخان بدولة الاحتلال، وألحق بها خسائر عديدة سياسيًا وعسكريًا، وقلص بشكل كبير آمالها التوسعية، وأصبحت غير قادرة على الاحتفاظ بالمناطق الفلسطينية التي تصنف وفق القانون الدولي على أنها مناطق محتلة مثل الضفة الغربية وقطاع غزة، فخرج من قطاع غزة عام ٢٠٠٥، وما زال يعاني في الضفة الغربية للحفاظ عليها ومنع خروجها عن السيطرة، إذ أن أي هبة في الضفة ستغرق كامل جيش الاحتلال فيها لمدة ٥ سنوات كما عبر عن ذلك رئيس الأركان السابق غادي ايزنكوت، كما أن المقاومة في قطاع غزة خاضت ٣ حروب كبيرة تخللها العديد من المواجهات المتوسطة، تمكنت خلالها من الثبات الميداني، مرورًا بالحاق ضربات مؤلمة في صورة الجيش الإسرائيلي.
وبالتالي فإن المقاومة الفلسطينية، ما زالت تؤكد سواء عبر مناورات الركن الشديد، أو عبر نظرياتها، بأن دولة الاحتلال غير قادرة على حفظ أمنها هي، وأنها لم تستطع حسم ملف قطاع غزة بما يمثله من أهمية استراتيجية وعسكرية، إذ أن قدرات المقاومة النارية والعسكرية-وفق تقدير دولة العدو-تهدد بشكل حقيقي ما لا يقل عن ٢ مليون إسرائيلي، وفي أي مواجهة قادمة ستوقع ما لا يقل عن ٥٠٠ قتيل في صفوف جيش الاحتلال، وبالتالي فإنها حقيقية لن تستطع توفير أي خدمات أمنية في ظل هذه المعادلة، والرهان عليها في هذا المجال رهان خاسر، واهدار للكرامة العربية أولًا، وللاقتصاد العربي ثانيًا، ولفكرة التنسيق العربي العربي ثالثًا.
تأكيد على “امكانية” الفعل.
أظهرت ردود الفعل الشعبية التي أظهرها المجتمع الفلسطيني على المناورات، والتغطية الاعلامية الواسعة محليًا لها، وجود أمل وتعويل حقيقي على الفعل الفلسطيني، وأن أي فعل فلسطيني “منظم” ومخطط له، ويتسم بالوحدوية والبعد عن مواطن الخلاف، سينال شرعية واسعة لدى الكثير من أطياف المجتمع الفلسطيني، وهو ما تدركه المقاومة الفلسطينية، والتي تحاول بين وقت وآخر اظهار منجزها العسكري والأمني أحيانًا، والتذكير بمنجزات سابقة أحيانًا أخرى، لإبقاء الأمل في الفعل الفلسطيني حاضرًا بشكل مستمر.