أوراق سياسيةمؤشر فلسطين

مؤشر فلسطين: تعطيل الفعل الوطني، وحصار مسار المصالحة

عن الأسئلة الخاطئة على مائدة المصالحة!
لم تنجح حالة التقارب بين الفصائل الفلسطينية وخصوصًا حركتي فتح وحماس في اعادة اطلاق فعل جماهيري مضاد للاحتلال، وذلك في الضفة الغربية الساحة الرئيسية للصدام في هذه المرحلة، ومع نهاية سبتمبر انحسرت تلك المبادرات القليلة لتنشيط الفعل الجماهيري الاحتجاجي ضد الاحتلال، وانحسرت مفاعيل التقارب لحدود التفاهمات السياسية على تظهير “صورة وحدوية” وإجراءات ترتيب وضع النظام السياسي ومنحه المشروعية، فيما عجزت ترتيبات المصالحة و لقاءاتها عن إنتاج  مبادرات جماهيرية واسعة تسمح باستعادة حضورها في الضفة الغربية المحتلة.

 ذلك فيما تتسع رقعة الحوادث الأمنية، وتتمظهر اصطفافات اجتماعية وعائلية ومناطقية بخلفيات مختلفة، ارتبط كثير منها بالتجاذب في بيئة السلطة الفلسطينية، بما يخلق نوع من الاختلال في المشهد العام، ويغلق الآفاق أمام تحول التقارب السياسي الى بيئة منتجة للفعل الوطني ضد الاحتلال. 

تقدم هذه الورقة قراءة تلخيصية للمسارات الاساسية للأحداث وسلوك الفاعلين في المشهد الفلسطيني، ودورها في حصار مفاعيل التقارب السياسي وكبح الفعل الوطني والجماهيري ضد الاحتلال، وأثرها في تشكيل المشهد الفلسطيني والعلاقات ضمنه.

وحدة أم مصالحة: مسار جديد للنقاش.
رغم البداية التي حملت مقاربة استثنائية في ملف المصالحة الوطنية، من حيث اعتبارها مسار للتفاهم على سبل مواجهة مشروع تصفية القضية الفلسطينية، تقوده حركتي فتح وحماس، بما يتجاوز الطروحات السابقة التي تعاملت مع المصالحة كأداة لتسوية الخلافات حول السلطة والحكم والسيطرة، ولكن هذه البداية تم خنقها بفعل قصرها على الموقف سياسي المشترك من خطة الضم، وملف المشاركة السياسية الذي تم ايضا حصره في الانتخابات كفعل تقني يفترض أن يرتب النظام السياسي الفلسطيني، وبالتالي تم عزل المصالحة عن التأثير الفوري والمباشر كشرارة انطلاق لفعل وطني مشترك واسع النطاق ضد الاحتلال.

أسئلة التمثيل تحاصر مهمات المواجهة.
وجود  دعم قوي لاجراءات المصالحة في قيادتي فتح وحماس، بل وبناء لرهانات سياسية واستثمار مباشر في هذا المسار لم يمنع تشغيلها -أي المصالحة – كأداة للإجابة على هواجس تتعلق  بالتمثيل السياسي والشرعية، وما يتعلق بحسابات  ” الحفاظ على التمثيل الفلسطيني” في مواجهة الضغوط الأمريكية، هذا الشكل من التوظيف لفرص التقارب مثل تهميش للأسئلة و المهمات والتحديات الأكثر جوهرية والمتعلقة بضرورة استعادة القدرة الفلسطينية على مواجهة الاحتلال. 

السيطرة والمركزية.
 أثبتت محاولات الحشد الجماهيري خلال الفترة الماضية من عمر التقارب السياسي، أن المنطق المهيمن على المشهد السياسي الفلسطيني، إما أنه لا يرغب بأكثر من فعاليات رمزية، بغرض إرسال رسائل سياسية عامة، أو أنه يعجز فعليًا عن إدراك حجم المتغيرات التي طالت البنية الاجتماعية والوطنية في فلسطين، وروافعها المجتمعية خلال الأعوام الماضية، ناهيك عن تلك التحولات الهائلة التي طالت أدوات الحشد والفعل السياسي في المنطقة والعالم، وكذلك المزاج الجماهيري وطبيعة تفاعله مع التحديات المختلفة.

فبدلًا من استثمار حالة التقارب الوطني في تعزيز أشكال المبادرة والاحتجاج الجماهيري على امتداد المساحة الجغرافية الفلسطينية، كبحت إمكانيات نهوض مبادرات تنهض بها البنى المحلية و تمكنها من استعادة عافيتها النضالية والمجتمعية، فمن خلال الحفاظ على مسار التوجيه المركزي للفعاليات والمسيرات الاحتجاجية، واستدامة ربطها بدعوات مركزية وتوجيهها نحو مراكز المدن، ومن خلال “أدوات العمل المشترك”، مُنعت الفصائل أو البنى المحلية، من الذهاب نحو توسيع مساحة الفعل وتنويع أشكاله وخياراته، وتقريبه من الجمهور الفلسطيني، هذا المنحى الذي أثر بشكل واضح على استجابة الجمهور لهذه الدعوات “المركزية”، التي افتقدت للروافع المحلية أو الفصائلية.

الأمن كمفهوم مضاد للفعل الجماهيري. 
على نحو مستدام كان مفهوم الأمن ومعاييره أداة رئيسية لكبح الفعل الجماهيري في الحالة الفلسطينية خصوصا منذ العام ٢٠٠٧، فغالبًا ما تم التعامل مع حق الفصائل في الحضور السياسي والجماهيري والعمل التنظيمي كتهديد أمني، لم تشفع حالات التقارب السياسي له أو تسمح بكسر النظرة الأمنية بشأنه، وهو أمر لم يستطع مسار “جولة التقارب السياسي” في تغييره، فتواصلت فعليًا معظم القيود المفروضة على التعددية السياسية و الفصائلية، ولم يفلح مسار المصالحة في كبح أشكال الفيتو الأمني على النشاط الجماهيري للفصائل فضلًا عن سحب مفاعيل السنوات الماضية واثار تقييد الفعل السياسي والجماهيري خلالها.

وبدلًا من إدراك الحاجة الضرورية لكسر التابوهات على الفعل الجماهيري، وإعطاء دفعة لكل أشكال التعبير السياسي، وبحث أدوات استعادة النشاطية السياسية لأوسع شريحة ممكنة من الفلسطينيين، تواصلت الاشارات التي تفيد باستمرار القيود المفروضة على الفعل السياسي، والتي عززت حالات العزوف الجماهيري عن “حراسة مسار المصالحة”، أو ترجمة مفاهيم التوافق على مواجهة الاحتلال لفعل ميداني.

هذا بموازاة  تواتر أحداث العنف والفلتان الأمني والصدام المسلح في الضفة الغربية المحتلة، في اطار يسهم في اثارة مخاوف شريحة واسعة من الجمهور بشأن الاستقرار المجتمعي والداخلي، ويخلق ذلك الخلط بين أجواء الدعوة لمواجهة الاحتلال، وذكريات الفلتان الأمني وفوضى السلاح.   

خاتمة.
عجزت القوى التي قادت حالة التقارب في المشهد الفلسطيني خلال الفترة القصيرة الماضية، عن تثمير هذا التقارب على مستوى الفعل الجماهيري المضاد للاحتلال، باعتبار هذه المهمة الأساسية لهذا التقارب كما أعلن عنه لحظة انطلاقه على لسان كل من امين سر اللجنة التنفيذية لحركة فتح جبريل الرجوب، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري.

وإذا كان العجز عن خلق مد وزخم جماهيري يحصّن هذا المسار، ويتكفل بازاحة العقبات من أمامه، هو نتاج لعوامل معقدة وتراكمات خلقتها سنوات طويلة، وبنى وتراكيب القوة والنفوذ والسلطة، فإن امكانية اجتراح مسار لهذه المصالحة أو التقارب ينجح في ملامسة الهواجس الجماهيرية وتلبية طموحات القطاع الأوسع من الفلسطينيين بشأن اعتبارات استرداد الكرامة الوطنية، والأمل، والشعور بالقدرة على الفعل، هذه الامكانيات تبدو قد حوصرت بالفعل، في ضوء الإصرار على العودة لمسارات سابقة، ومهمات مفترضة وأخرى مؤجلة، تتعلق بالتمثيل والمشاركة السياسية واصلاح النظام السياسي.

بالنظر للمستقبل تبدو فرص هذا المسار الداخلي الفلسطيني في خدمة فرص الفلسطينيين في الحفاظ على حقوقهم، منوطة بعاملين اساسيين، الأول وهو قدرته على أن يكون رافعة للمواجهة مع الاحتلال، أما العامل الثاني فإنه يتعلق بجماهيرية هذا المسار وقدرته على حمل أسئلة الجمهور الفلسطيني والاجابة عنها، على نحو يعطي لمحة للجمهور عن قدرة هذا المسار -المصالحة والوحدة- على تحسين حياتهم وفرصهم في الصمود على أرضهم وامكانياتهم في الصراع ضد الاحتلال. 

الفرص.

  • امكانية الحصول على مكتسبات ميدانية تتعلق بحضور الفصائل في الضفة جماهيريًا وتنظيميًا، وكسر حواجز نفسية وضعتها السلطة لدى الجمهور الفلسطيني بشأن ظهور الفصائل عمومًا او وجود أنشطة معلنة لها في الضفة.
  • امكانية لعب الفصائل الفلسطينية دورًا معينًا بشأن حالة الصراع الأمني والفلتان من خلال تنشيط بنى عشائرية ووجاهات ولجان اصلاح مقربة منها، وإن كانت بشكل غير رسمي.
  • امكانية اغتنام فرصة أي ترتيبات بشأن الانتخابات، في خلق ضوابط وكوابح لسلوك الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، واستعادة حق الفصائل الفلسطينية في العمل العلني في تلك الساحة.
  • امكانية تقديم الشخصيات ذات الرمزية ونواب المجلس التشريعي والنخب المجتمعية والفصائلية للعب أدوار في ضوء اتضاح حاجة جماهيرية لقيادات مجتمعية ووطنية، في ظل حالة فقدان الثقة بالشخصيات الحالية المدعومة من الجهات الحاكمة في الضفة.
  • امكانية تقديم مبادرات للعمل الجماهيري بمسميات ووجوه جديدة، تعمل على حشد الجمهور في مواجهة المصادرات والاستيطان، وتحقيق رصيد رمزي ومعنوي ضروري من شأنه أن يمنحها حصانة في المرحلة القادمة (في حالة التراجع عن ترتيبات المصالحة اذا ما فاز جو بايدن)

سياسات وتوصيات:

  • التركيز على تحصيل مكتسبات ميدانية خاصة بتحرير قدرة الفصائل على العمل الجماهيري في الضفة.
  • اعتبار المرحلة الأولى من عمر الادارة الأمريكية الجديدة فرصة للفلسطينيين، يمكن المبادرة فيها لسلسلة من الاجراءات والفعاليات الاحتجاجية الهادفة لسحب خطة ترامب للسلام “صفقة القرن” وانجاز تغييرات هامة، وهو ما يبدو كبرنامج عمل مشترك ملائم في ضوء انحسار محتمل لرغبة السلطة في التنسيق مع حركة حماس حال قدوم ادارة امريكية جديدة وفتح ملف التفاوض.
  • تمسك الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس بفصل الحوار الاستراتيجي مع حركة فتح عن ملف ترتيبات السلطة والمصالحة وحتى ملف الانتخابات، والتركيز على نقطتي (بناء الشراكة السياسية – بناء برنامج عمل سياسي مشترك لمواجهة الاحتلال).
  • طرح امكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية قبل الشروع في ترتيبات الانتخابات او كجزء ضروري من هذه الترتيبات.
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق