مقالاتمقالات بحثية

الشباب الفلسطيني وتحولات الواقع، أسئلة الهوية وتحديّات الخروج من الشرانق الخانقة

   التفكير والكتابة وإطلاق نقاش عام، حول تحولات الواقع الفلسطيني، وتأثيراتها على وعي الشباب الفلسطيني لذواته الفردية، وهياكله الجمعيّة، ومكنون رؤيته لقضيته الوطنية وجدليات ارتباطه بها، ومستويات تفاعله مع انتفاضات وثورات الشعوب العربية، لا يبدو اليوم أنها مهمة نظرية سهلة، بحكم تردي أحوال المشهد الوطني الفلسطيني، ومنعكساته العميقة على أجيال الشباب الفلسطيني، في مختلف أماكن انتشارهم. بيدَ أن ثمة دوافع وتحديّات مركبة ومُلّحة، تفرض إنضاج مقاربة فكرية/ سياسية، لا تقف عند حدود التشخيص النقدي، حول تلك المسائل المعقدة وأسئلتها الشائكة، بل الانتقال إلى صياغة أجوبة من صميم الواقع، بهدف تلّمس ممكنات استنهاض دور الشباب الفلسطيني، في عملية التغيير الوطني، التي بات يشكل احتجازه عن خوض غمارها، خسارة كبرى بحق فلسطين ومصير شعبها.

لعل من أكثر الدوافع الواقعية والعملية، التي تحثنا وبقوة على المساهمة في صياغة وبلورة تلك الأجوبة، إنما تكمن في المعضلة المتفاقمة، التي لاتزال تحول فعلياً دون تصريف طاقات هذه الكتلة المجتمعية، الأكبر كماً وحضوراً وعطاءً، في سياقات توظيف الاداء النوعي الذي تتميز به، بما يضخ الحيوية والحياة في شرايين الواقع الفلسطيني، التي أصابها التصلب والانسداد، وهي عملية إنقاذية لا مناص منها، لاستيلاد مرحلة وطنية جديدة، تقوم على انتزاع الشباب لدورهم بأيديهم، وليس التعويل على منحهم هذا الدور من أية جهة تحتكر تمثيلهم دون وجه حق.

 غير أن وعي ديناميات العلاقة بين الكمي والنوعي في تناول قضايا الشباب، لا يتوقف فحسب على العلاقة الطردية، بين الجداول الإحصائية المتعلقة بأعدادهم وفق شرائحهم العمرية، وما تعكسه مؤشرات التنمية وغيرها، في تحديد نسبة فاعليتهم ومشاركتهم في الشأن العام، ذلك أن ما هو كامن ومختزن بين حدّي هذه العلاقة، يحتاج إلى استقراء بأدوات ومعايير، تُحيط وتلتقط تأثير المتغيرات السياسية في المحيط العربي، ودورها في تحفيز إرادة المشاركة والتغيير لدى الشباب الفلسطيني أو انكماشها. 

 يشكل الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين (18-29 عاماً) حوالي 23%، من المجتمع، وفق الإحصاء الرسمي الفلسطيني، غير أن هذه النسبة التي تستند إلى حدٍ كبير، للمعايير الدولية في تحديد سن الشباب، لا يمكن اعتبارها نسبةً دقيقة، لأن تعريف الأمم المتحدة للشباب (وهو تعريف إجرائي لا يتسم بإطلاقه، ويترك لكل دولة تعريفها الخاص) يستند على الفترة الفاصلة بين انتقالهم من سن المراهقة، إلى الانخراط في دورة الحياة الاقتصادية، وسوق العمل، ومشاركتهم السياسية، هذه المعايير لا تنطبق على سن الشباب في العالم العربي عموماً، الذي يشمل من هم أقل من (18 عاماً) ويمتد إلى ما فوق (30 عاماً)، بحكم تخطي نسبة كبيرة منهم ال(40 عاماً) ولازالوا على لوائح البطالة، إضافة إلى عوامل بيولوجية واجتماعية ونفسية متعددة، مما يرجح الفرضية التي ترى بأن نسبة الشباب الفلسطيني ” إناثاً وذكوراً ” تتجاوز النسبة المعتمدة رسمياً في مناطق السلطة الفلسطينية، وهي لا تمتد إلى نسبتهم الفعلية في مناطق لجوئهم خارج فلسطين، بما أن المجتمع الفلسطيني يتميز بخصوبة عالية، فإن هذه النسبة تتزايد تصاعدياً، وتضم أعداداً كبيرة من حملة الشهادات المتوسطة والجامعية والعليا، قياساً ببقية البلدان العربية، وهي غنيّة بالتنوع الاجتماعي والثقافي والمهني، وبالكفاءات والطاقات في مختلف المجالات.               

بدايةً ثمة أهمية لتحرير مصطلح الشباب عموماً، والشباب الفلسطيني بوجهٍ خاص، من النظرة النمطية، التي تُعرّف الشباب بوصفهم فئةً أو شريحة “مُتخارجة” عن المجتمع، وكأنهم ذات حقوق ومصالح ومطالب، مختلفة عن بقية فئات المجتمع، وهي النظرة التي تقوم عليها مقولة ” صراع الأجيال ” التي تحرف الأنظار بدورها عن طبيعة الصراع الحقيقي في أي مجتمع، بين قوى سياسية ومجتمعية متباينة من حيث السلطة والثروة وفرص الحياة. 

بناءَ عليه يغدو مفهوم الوحدة الجيلية للشباب، بمثابة تعميم اختزالي للفروقات بين فئاتهم العمرية، وتباين نزعاتهم ومصالحهم وتوجهاتهم، لذلك نحن إزاء كتلة مجتمعية، يكمن ثقلها التاريخي النوعي، بما تمتلكه من طاقات وإمكانيات هائلة، يتوقف عليها -إذا قُيض لها تفعيل دورها في الشأن العام- نهوض المجتمع الذي تنتمي إليه، وعبوره نحو المستقبل الموعود.

لاكمال المقالة “هنا”

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق