
توسيع الاحتلال للعدوان على غزة: الموازنة بين التفاوض والميدان
في ظل التصعيد المستمر في قطاع غزة، أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي عن توسيع نطاق عملياتها العسكرية، بشكلٍ تدريجي على عدة مراحل، وفق خطة “عربات جدعون” التي أقرها المجلس الوزاري المصغر في 5 مايو 2025، بهدف القضاء على القدرات العسكرية والإدارية لحركة حماس، وفرض السيطرة الكاملة على القطاع، بتكثيف العمليات البرية والجوية. يقدم هذا التقرير قراءة لمواقف الأطراف المختلفة تجاه قرار حكومة الاحتلال بتوسيع العمليات.
أولًا: تداعيات توسيع الحرب على غزة
في 5 مايو 2025 وافق مجلس الوزراء المصغر لحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل على قرار توسيع الحرب على قطاع غزة، على أن تستمر العملية العسكرية لعدة أشهر قادمة، أملاً في السيطرة العسكرية والأمنية على قطاع غزة، وهو ما دفع إيال زامير رئيس أركان جيش الاحتلال الى استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط تحضيراً للعملية العسكرية.
توسيع يحتاج إلى مبرر
تواجه حكومة نتنياهو أزمة شديدة على مستوى إقناع المجتمع الصهيوني بتوسيع الحرب، حيث تؤكد وسائل إعلام إسرائيلية مختلفة أن نسبة تجاوب جنود الاحتياط التي وصلت إلى 80% كما تدعي حكومة نتنياهو هي نسبة غير صحيحة، وأن النسبة الحقيقية ل جنود الاحتياط الذين تجاوبوا مع قرار استدعاء رئيس الأركان لا تتجاوز 50% فقط.
لهذا تستدل التحليلات العبرية المتعلقة بأزمة الاحتياط، باضطرار رئيس الأركان المحسوب على المتدينين، والمعروف بولائه السابق لحركة كهانا، إلى دعوة الألوف من الحريديم لأداء الخدمة العسكرية، وهو ما يشكل ضربة غير متوقعة للمتدينين في إسرائيل.
تصاعد أزمة الرهائن
خلال حديثة في احتفالات ذكرى إنشاء الكيان الصهيوني، أعلن نتنياهو أن الهدف النهائي من هذه الحرب هو تحقيق الانتصار على أعدائنا، معتبراً أن هذا الهدف أولوية تسبق إطلاق سراح الرهائن، وهو ما عزز من إثارة الرأي العام الرافض لتوسيع الحرب، كما أن هذه التصريحات كان لها تأثيرها السلبي على قوات الاحتياط، وهنا يحاول رئيس الأركان التحسين من موقف حكومة نتنياهو أمام الرأي العام، مؤكداً على أن عودة الرهائن هي الأهم بالنسبة له و لحكومة نتنياهو.
التوسيع التدريجي مخرجاً لحكومة نتنياهو
وفقاً لرؤية المستوى السياسي في إسرائيل، أن توسيع الحرب على غزة في الوقت الراهن أمراً ممكناً بعد إضعاف المقاومة، وإحكام الإغلاق والحصار الإنساني لأكثر من 70 يوماً، وكذلك تكثيف القصف الجوي والمدفعي للقطاع، غير أن المسألة تبدو مختلفة بالنسبة الى المستوى العسكري، لأن الذهاب نحو هذا المسار عبر استغلال الفرق العسكرية الخمس العاملة في غزة يعتبرها الكثير من المحللين الإسرائيليين خطوة غير ممكنة قبل زيارة ترامب الى الشرق الأوسط، لهذا فإن ثمة قناعة في إسرائيل على أن قرار الحكومة الإسرائيلية بشأن توسيع الحرب في الوقت الراهن يأتي في إطار التهديد فقط لتحقيق مكاسب سياسية على حساب حركة حماس في إطار المسار الدبلوماسي الجاري بين المقاومة و الوسطاء الإقليميين.
لكن مع ذلك لا تستبعد هذه التحليلات ذهاب نتنياهو الى الحرب الواسعة بعد انقضاء جولة ترامب الى المنطقة، خاصةً وأن أزمة جنود الاحتياط لاتزال ماثلة أمام الجيش، فضلاً عن أن المزاج الشعبي الإسرائيلي لا يخدم مخططات نتنياهو المتعلقة بتوسيع الحرب، لهذا حاول رئيس أركان الاحتلال التعامل مع الموقف بمنطقية حينما أشار الى فكرة توسيع الحرب بشكل تدريجي على قطاع غزة، وذلك بهدف كسب المزيد من الوقت لاستدعاء المزيد من الاحتياط، وفي الوقت ذاته تجاوز ضرورات زيارة ترامب الى منطقة الشرق الأوسط.
تعارض الأولويات بين نتنياهو وترامب
يؤكد السلوك الأمريكي أنه غير معني برهن أولوياته بأولويات حكومة نتنياهو، لأن سياسة ترامب تتجاوز حكومة اسرائيل في كل الملفات الساخنة الفلسطيني والايراني والسوري واليمني، خاصةً وأن الإدارة الأمريكية تعمل على تغير الرؤية والتوجهات العالمية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وذلك من خلال فرض حل لهذا الصراع بغض النظر عن مواقف القوى الإقليمية ودورها الدبلوماسي، وهذا ما يسعى إليه الرئيس الأمريكي حالياً.
لهذا فإن قناة التفاوض الأمريكية مع حركة حماس تأتي على غير رضا إسرائيل، لأنها تعيد ادخال المساعدات الى قطاع غزة، وتحاول فرض مقترح ويتكوف من خلال الضغط على موقف نتنياهو، وهنا تسعى الإدارة الأمريكية إلى تجاوز أزمة تجويع الفلسطينيين ومنع الاحتلال من استخدام المساعدات كسلاح ضد غزة.
وعليه فإن التعارض الظاهر بين سلوك حكومة نتنياهو وتحركات ترامب الحالية من شأنه أن يشكل عاملاً ضاغطاً على نتنياهو، لكن على النقيض من ذلك يحاول نتنياهو استغلال الموقف الراهن لصالحة، لأن إطلاق سراح الجندي الأمريكي عيدان ألكسندر، وإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة من شأنه أن يقلص من ضغوط اليمين الديني التي ترفض رفع الحصار عن قطاع غزة، كما أنه يمنح نتنياهو المزيد من الوقت لإيجاد حلول لتلك الأزمات الداخلية التي تواجه الجيش والمتعلقة بجنود الاحتياط.
ثانياً: المقاومة وقرار توسيع العملية العسكرية
إزاء هذه التطورات، تحاول المقاومة الفلسطينية تحقيق اختراق لحالة الجمود التي يشهدها الملف التفاوضي عبر تعزيز التواصل المباشر مع الطرف الأمريكي، في محاولة لتشكيل ضغوطٍ متزايدة على حكومة الاحتلال نحو قبول التفاوض على أساس وقف إطلاق النار. وفي هذا السياق تسعى المقاومة إلى تحقيق تقدمٍ ملموسٍ فيها، بما يسهم في إنهاء الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع والتوصل إلى تفاهمٍ يُنهي الحرب.
جمود المسار التفاوضي واحتمالات الانفراج
يشهد المسار التفاوضي بين حركة حماس وإسرائيل حالة من الجمود، في ظل إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على ربط أي تقدم بملف تبادل الأسرى، دون تقديم التزامات واضحة بوقف إطلاق النار. ويبدو أن هذا التوجه يعكس استراتيجية تهدف إلى إبقاء حالة الحرب قائمة، بما يتماشى مع أجندات اليمين المتطرف ويعزز من استمرارية حكومته.
وفي مواجهة هذا الجمود، عملت حركة حماس على فتح قنوات تواصل غير مباشرة مع الإدارة الأمريكية، في محاولة لدفع المسار التفاوضي إلى الأمام. وقد جاء الإفراج عن الأسير الإسرائيلي-الأمريكي عيدان إسكندر في هذا السياق، كمبادرة تهدف إلى تشجيع واشنطن على ممارسة ضغط أكبر على إسرائيل لدفعها نحو تسوية أوسع.
وفي هذا الإطار، تم خلال لقاء جمع بين المسؤول الأمريكي بريت ويتكوف ورئيس الوزراء نتنياهو، طرح مقترح أمريكي يستند إلى ثلاثة عناصر متلازمة: وقف إطلاق النار، تبادل الأسرى، والبدء في عملية إعادة الإعمار. وهو مقترح تزامن مع إعلان حركة حماس عن استعدادها للانخراط في مفاوضات جادة وشاملة ترتكز على هذا الإطار.
تحولات في التكتيك الميداني للمقاومة
في المقابل، ورداً على قرار الحكومة الإسرائيلية توسيع العمليات العسكرية في قطاع غزة، صعّدت المقاومة الفلسطينية من عملياتها الميدانية، مستهدفة محاور تمركز وانتشار قوات الاحتلال، خاصة في مناطق رفح، الشجاعية، وبيت لاهيا.
وتعكس هذه التحركات اعتماد المقاومة، وخصوصاً كتائب القسام، على تكتيكات قتالية مركبة تشمل الكمائن، والهجمات المباغتة. وقد أسهم هذا النمط نسبياً في تقليص الخسائر في صفوف المقاومة، مقابل تكبيد قوات الاحتلال خسائر متزايدة.
وتأتي هذه التطورات في إطار استراتيجية تهدف إلى إثبات القدرة على المناورة والجاهزية الميدانية، وإرسال رسالة بأن أي توغل بري أوسع سيواجه بردود فعل ميدانية مكلفة.
حماية الجبهة الداخلية
إلى جانب التصعيد العسكري، واجهت حركة حماس تحديات أمنية داخلية متزايدة، نتيجة سعي الاحتلال إلى توسيع نطاق الفلتان الأمني في قطاع غزة من خلال تكثيف استهداف أفراد الأجهزة الأمنية. وقد أسفر هذا التصعيد عن تدمير واسع في القدرات الأمنية المحلية، وزيادة وتيرة أعمال السرقة والفوضى، التي تتقاطع مع مخططات الاحتلال الهادفة إلى تكريس حالة عدم الاستقرار في القطاع.
وفي مواجهة هذا التهديد الأمني، اتخذت حركة حماس إجراءات مشددة لتعزيز الجبهة الداخلية، من خلال إعادة تفعيل “القوة التنفيذية” بقوام يبلغ نحو 5000 عنصر من الأجهزة الشرطية، موزعين على محاور متفرقة في القطاع. وقد مُنحت هذه القوة صلاحيات واسعة للتعامل مع حالات السرقة وملاحقة خلايا العمالة المرتبطة بالاحتلال، بهدف تقويض محاولاته الرامية إلى نشر الفوضى وزعزعة الأمن.
ورغم نجاح هذه القوة في تقليص حجم الجرائم بشكل جزئي، فإن ظاهرة الفلتان الأمني المنهجي ما تزال قائمة، في ظل استمرار الاحتلال في استهداف العناصر الأمنية الفلسطينية، وتوفير غطاء غير مباشر للقائمين على أعمال الفوضى.
وفي السياق السياسي، تُراهن حركة حماس على أن تمارس إدارة ترامب ضغوطًا على حكومة نتنياهو لدفعها نحو القبول بوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب كأساس تفاوضي. وتسعى الحركة إلى تحقيق ذلك من خلال موازنة دقيقة بين الميدان، عبر تبني تكتيكات مواجهة جديدة، والمسار التفاوضي من خلال قنوات اتصال مباشرة مع الجانب الأمريكي.
في المقابل، يُصر نتنياهو على التوصل إلى تفاهم يفضي إلى تهدئة مرحلية، مع الحفاظ على شروط تفاوضية تضمن استمرار الضغط العسكري على قطاع غزة، دون تقديم تنازلات جوهرية في الملفات الأساسية التي تطالب بها حركة حماس، وفي مقدمتها الانسحاب الكامل من القطاع، ورفع الحصار، وإعادة الإعمار. كما يصر على صفقة جزئية تضمن الإفراج عن أكبر عدد ممكن من الأسرى الإسرائيليين، دون تقديم أي التزام بعدم العودة إلى الحرب، أو منح ضمانات لوقف إطلاق نار شامل بعد استكمال عملية التبادل.
ومع ذلك، تتضاءل فرص تحقق هذا السيناريو في ظل التفاعلات الداخلية في إسرائيل، التي باتت تشكّل عامل ضغط متزايد على نتنياهو للتراجع عن توسيع العملية العسكرية وإنهاء الحرب.
وبحسب التقارير الإسرائيلية الأخيرة، تواجه قوات الاحتلال صعوبات متزايدة في السيطرة على وتيرة العمليات الميدانية التي تنفذها الفصائل الفلسطينية، حيث تشير هذه التقارير إلى تغيّر ملحوظ في طبيعة الهجمات وفاعليتها. إذ باتت المقاومة تعتمد في استراتيجيتها على تكتيكات جديدة تهدف إلى إرباك القوات الإسرائيلية من خلال رفع كلفة الخسائر البشرية، في محاولة لإظهار محدودية الجدوى من استمرار الضغط العسكري.
ويُلاحظ أيضاً أن هذه التكتيكات لا تقتصر على التأثير العسكري فقط، بل تتكامل مع جهود موازية لتحريك ملف الأسرى واستخدامه كورقة تفاوضية، في محاولة لتحقيق توازن بين العمل الميداني والتفاوض السياسي، مع تقديم تنازلات محسوبة دون المساس بالثوابت الأساسية للمقاومة.
ثالثاً: الوساطة العربية وتقييد تطلعات الاحتلال
شهدت الشهور الأخيرة تنسيقاً وثيقاً بين مصر وقطر في جهود الوساطة لوقف الحرب على غزة، في محاولة للحد من تمادي الحكومة الإسرائيلية في التصعيد العسكري والحصار. ويعكس هذا التنسيق جانباً من التوافق العربي والإسلامي حول ضرورة التوصل إلى حل سياسي عادل للقضية الفلسطينية.
وتشير بيانات لجنة المتابعة إلى وجود تواصل مستمر بين البلدين لتنسيق جهود الوساطة. وقد صدرت خلال هذه الفترة العديد من البيانات والتصريحات التي تؤكد أهمية متابعة التفاصيل اليومية المتعلقة بوقف إطلاق النار، وضمان وصول المساعدات الإنسانية. ورغم تعنت الحكومة الإسرائيلية، تكتسب هذه العملية أهمية خاصة لجهة ترسيخ وجود الطرف العربي-الإسلامي في مسارات إنهاء الحرب والتحضير لمستقبل إدارة القطاع ضمن مظلة وطنية فلسطينية.
وفي خضم هذه التحركات، واجهت العلاقات القطرية-المصرية حملة اتهامات من الجانبَين الأمريكي والإسرائيلي، تضمنت اتهام قطر بتمويل الإرهاب وتقديم الرشى لحكومة نتنياهو، في محاولة لتشويه دور مصر والتشكيك في قدرتها على التنسيق مع قطر. ومع تصاعد هذه الحملة، تمكن البلدان من احتوائها عبر مقاربة سياسية متماسكة، ساعدت في تطويق ضغوط اليمين الإسرائيلي الذي سعى لإفشال جهود الوساطة، خصوصاً في ظل تراجع قدرة الإدارة الأمريكية على فرض خطط أحادية تتعلق بتهجير السكان أو إدارة القطاع بشكل منفرد، وهو ما يُعد مكسباً مرحلياً مهماً.
وفي هذا السياق، جاء البيان القطري ليؤكد على الثقة بالعلاقة مع مصر، مشدداً على شفافية التنسيق في مفاوضات الوساطة، فيما جاءت الاستجابة المصرية سريعاً من خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى قطر في منتصف أبريل 2025، حيث تم الإعلان عن برامج شراكة استراتيجية بين البلدين.
ولا يبدو أن تحسن العلاقة بين البلدين والإفراج عن الرهينة الأمريكي يرتبطان مباشرة بزيارة ترامب إلى دول الخليج، بل يعكسان قدرة إقليمية على المناورة في ظل تقارب مواقف عدد من الأطراف. وقد تمكنت قطر ومصر خلال هذه المرحلة من تجاوز محاولات التوتير التي سعت إليها كل من إسرائيل والولايات المتحدة، والتي استهدفت إحداث شقاق بينهما. إقليمياً، كان هناك إسناد سياسي واضح من عدد من الدول، أبرزها تركيا، التي حافظت على تنسيق وثيق مع جهود الوساطة، وساهمت في تقريب وجهات النظر الفلسطينية.
وفي إطار تأهيل الكيان الفلسطيني للمرحلة المقبلة، لعبت الجامعة العربية دوراً بارزاً، حيث ساهمت السعودية في دعم قرارات المجلس المركزي الهادفة إلى تأمين استمرارية الشرعية الوطنية. ويُعد تعيين حسين الشيخ نائباً لرئيس دولة فلسطين أحد مخرجات هذا المسار، وقد ساهم في توسيع دوائر التواصل الإقليمي، بما يتجاوز العلاقة الثنائية مع مصر وتركيا. وفي هذا السياق، أجرى وزير خارجية قطر مباحثات رسمية مع نائب رئيس دولة فلسطين بتاريخ 11 مايو 2025، تناولت أوضاع الفلسطينيين وتداعيات الحرب، وشكلت مؤشراً على الانفتاح على مختلف المكونات الفلسطينية دون انحياز لطرف بعينه، في ما يُعد تطوراً إيجابياً في التعامل مع قرارات المجلس المركزي.
ورغم محدودية التغيير في هيكل القيادة الفلسطينية، فإن آثاره المتوقعة على مسار المصالحة الوطنية قد تكون كبيرة، لا سيما في ظل تنامي القبول الإقليمي بالقرارات الفلسطينية وتراجع التحفظات التقليدية على التعامل مع الفصائل، ما يمهّد لتوسيع الانفتاح الفلسطيني الداخلي بعد وقف الحرب.
بوجه عام، أسهم استمرار الوساطة في فرض قيود على حكومة الاحتلال ومنعها من توسيع نطاق الحرب، كما حال دون تحقيق هدف الفصل السياسي والقانوني بين غزة والضفة الغربية. وفي الوقت نفسه، شكّل عاملاً كابحاً للتوجهات الأمريكية الرامية إلى إخلاء القطاع أو فرض إدارة مباشرة عليه. وقد حددت القمتان غير الرسميتين في الرياض بتاريخ 20 فبراير، والعربية الطارئة في 4 مارس، ملامح الموقف الإقليمي من مرحلة ما بعد الحرب، وركزتا على مسارين متوازيين: ترتيب البيت الفلسطيني، والانطلاق في مسار إقامة الدولة الفلسطينية.
وتكشف تداعيات العدوان على غزة عن تحولات جديدة في مواقف عدد من الدول، لا سيما مصر، حيث لم تعد القضية الفلسطينية مجرد بند في السياسة الخارجية، بل أصبحت عنصراً محورياً في معادلة الأمن الإقليمي. وبدت الشراكة المصرية-القطرية أوضح من أي وقت مضى، في تطور مهم يعكس تغيراً نوعياً في التوجهات الإقليمية، فضلاً عن تزايد التوجه نحو دعم جهود إعادة الإعمار في القطاع.
وعلى مستوى أوسع، ساهم التنسيق المصري-القطري في الحد من خطر تصاعد الحرب وتوسّعها إلى خارج الأراضي الفلسطينية، ورغم التباين مع الولايات المتحدة بشأن الانتهاكات الإسرائيلية، كان استمرار الوساطة عاملاً حاسماً في إطلاع القوى الإقليمية على التهديدات التي تشكلها حكومة اليمين الإسرائيلي، وسعيها لفرض حالة فوضى إقليمية. ويُعد ذلك تطوراً لافتاً باتجاه تشكيل كتلة إقليمية قادرة على ضبط السلوك الإسرائيلي، واستثمار تراجع التنسيق الإسرائيلي مع واشنطن كفرصة لتعزيز التوازن الإقليمي.